الكتاب : شيعة العراق
المؤلف : اسحق نقّاش
ترجمة : عبد الاله النعيمي
منشورات المدى - الطبعه الاولى - 1996 .
-----
فهو عربي في نزعته
مسلم في دعوته
وجعفري في مذهبه .
يريد العروبه للاسلام
والاسلام للوحده
والمذهب للهدايه .

علي الخاقاني , شعراء الغري او النجفيات , الطبعه الثانيه .
-----
ثم يضيف المؤلف في " مدخل خاص بمناسبة الطبعه العربيه " .
لقد نما اهتمامي بالكتابه عن الشيعه في العراق اثناء الحرب العراقيه – الايرانيه 1980 – 1988 ,
حيث تملكتني , شان المراقبين الاخرين , الحيره وانا أرى ضراوة القتال الناشب بين شيعة البلدين .
ويقول : لقد وضعت هذا الكتاب بصفتي مؤرخا ومراقبا ............
ويقول : ان الطبعه العربيه الراهنه تمثل تمثيلا دقيقا الاصل الانجليزي المنشور مطلع العام 1944 .
اسحق نقاش , 1 آب 1995 .


----------------------------------

مدخل ..
ان معرفتنا المكتسبه بالتلقي عن المذهب الشيعي الحديث , مستقاة بالدرجه الرئيسيه من العدد الكبير من الدراسات التي تبحث في الاسلام الشيعي الايراني والمجتمع الايراني .
وفي حين ان هذه الدراسات تسلط ضوءا هاما على المذهب الشيعي الايراني فانها اثرت ايضا في فهمنا لطبيعة الاسلام الشيعي عموما , الذي أصبح متماهيا بالثقافه الايرانيه والقيم الاجتماعيه الايرانيه .
كما ان الميل الى اغفال الخصائص الفريده للشيعه العرب , وخاصه في بلد باهمية العراق , يمكن ان يعزى الى ضآلة عدد الدراسات التي تعالج المجتمع الشيعي العراقي ومدن العتبات المقدسه .
"" برأيي أن ما طرحه الكاتب هنا غايه في الدقه لفهم الاحداث ""
يوفر الكتاب تصويبا لبعض الافتراضات الشائعه حول طبيعة الاسلام الشيعي في العراق , وفي مقدمتها الاعتقاد القائل بان المجتمع الشيعي العراقي تكوّن منذ زمن بعيد , وان المذهب الشيعي العراقي مصاغ وفق النموذج الايراني .
ترتكز الدراسه على شيعة العراق خلال فتره من التغيير الواسع , بدءا بصعود النجف وكربلاء بوصفهما معقلي المذهب المذهب الشيعي منذ منتصف القرن الثامن عشر وحتى سقوط الملكيه العراقيه في عام 1958 .
تعنى الدراسه بالمسائل التاليه :
كيف تكون المجتمع العراقي وفي أي فتره ؟
ما هو الاثر الناجم عن ظهور الدوله الحديثه على وضع القياده والطبقات الشيعيه العراقيه ؟
ما هي التطلعات السياسيه الاساسيه لشيعة العراق ؟
ما هي الاختلافات الاساسيه بين المعتقدات الثقافيه الذاتيه والقيم الاجتماعيه للشيعه العراقيين والايرانيين ؟
ما هي المناحي التي يختلف فيها الاسلام الشيعي العراقي – الايراني , في اشكالهما التنظيميه ؟
ما هي الاثار التي اسفر عنها اضعاف السلطه الماليه للمؤسسه الدينيه الشيعيه , وتراجع المصدر الرئيسي لقوتها الفكريه " المدرسه " على موقع العلماء الشيعه وقدرتهم على تعبئة الشعب للعمل السياسي في العراق الحديث ؟

ما يزعمه هذا الكتاب في الأساس هو ان شيعة العراق تشيعت عموما في عهد حديث , وأن عملية التشيّع كانت نتيجة تطور حدث في الغالب خلال القرن التاسع عشر مع استقرار القسم الاكبر من عشائر العراق العربيه الرحل وتوجهها الى ممارسة الزراعه .
وكان هذا التطور ايذانا ببداية عملية لتكوين دوله شيعيه في جنوب العراق , أجهضت في أعقاب الاحتلال البريطاني في عام 1917 .
وكان ظهور النجف وكربلاء بوصفهما معقلين للمذهب الشيعي منذ منتصف القرن التاسع عشر , مهد الارض لعملية تكوين الدوله الشيعيه هذه .
واتسم تطور الكيان السياسي وتوسعه بتوطين العشائر ثم تشيّعهم خلال القرن التاسع عشر . وتسبب الاستقرار في تفتيت الاتحادات العشائريه القديمه , وتغيير التوازن بين الجماعات الرحل والجماعات المتوطنه .
وأسفر قبول العشائر بالمذهب الشيعي عن قيام دين موحّد أكثر ونظام قيم أشد تماسكا يضم السكان الحضريين في مدن العتبات المقدسه وأفراد العشائر في عمق أراضي هذه المدن , وزاد توطن أفراد العشائر وقبولهم بالمذهب الشيعي على السواء , من درجة التراتب وسلطة المؤسسه الهرميه الحاكمه ضمن العشائر .
وأفضيا الى ظهور شخصيات جديده تؤدي وظائف اقتصاديه – اجتماعيه ودينيه بين العشائر , ونشوء طبقات من وجهاء الشيعه ونخبه شيعيه كان أعضاؤها يسيطرون على الموارد .
والحق أن الهيمنه المتزايده التي مارستها النجف وكربلاء على عمق الاراضي التابعه لهما لم تتحقق من خلال الفتوحات بل من خلال كسب العشائر التي توطنت الى المذهب الشيعي والصلات الوثيقه التي اتسمت بها العلاقات بين المدينتين والعشائر .
لكن محاولة المجتهدين لاقامة حكومه اسلاميه في العراق لم تتحقق , واجهضت عملية تكوين الدوله الشيعيه في أعقاب الاحتلال البريطاني ثم اقامة دوله سنيه في البلاد .
بعقد مقارنه مع ثلاث حالات بارزه أخرى من حالات تكوين دول دينيه في الشرق الاوسط وشمال افريقيا خلال الفتره العثمانيه المتأخره , وهي الوهابيه في الجزيره العربيه ( 1745- 1818 و 1823 - ثمانينيات القرن التاسع عشر و 1902 – الحاضر ) والمهديه في السودان ( 1881 – 1898 ) والسنوسيه في ليبيا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين . وعلى الرغم من ان القيادات الدينيه في الحالات الاربعه , سعت الى استخدام الايديولوجيا الاسلاميه وسيله لتوحيد القبائل , كانت الحاله الشيعيه تختلف نمطيا عنها .
ففي الحالات الثلاث الباقيه شملت بالدرجه الرئيسيه قبائل على اطراف الصحراء حيث كانت سيطرة الحكومه المركزيه سيطره اسميه , يضاف الى ذلك قيامها بالفتوحات في التوسع الاقليمي .
في حين ان عملية تكوين الدوله الشيعيه , كانت بعد ان سيطر العثمانيون مباشره على العراق وأخذوا يحاولون توطين العشائر وزيادة المركزيه في البلاد , وايضا تحقق توسع التنظيم السياسي الشيعي بالدرجه الرئيسيه , من خلال تشيّع عشائر العراق المتوطنه " والسنيه اسما " , بالطرق السلميه ...



الزعم الأساسي الثاني لهذا الكتاب ...

هو ان تطور الاسلام الشيعي تطورا متباينا في العراق وايران خلال القرن العشرين كان يعكس الطابعين المختلفين من الأساس للمذهب الشيعي والمجتمع الشيعي في البلدين .
وتتأكد أوجه التعارض بين المذهبين في الأنماط المختلفه للشكل الشعائري والتنظيمي الذي يرتديه المذهب في البلدين , وتكرست هذه الانماط بدورها في ظهور الدوله الحديثه . وتبين هذه الدراسه ان القيم الأخلاقيه والثقافيه الفريده للمجتمع الشيعي العراقي والايراني , كانت مبنيه في صلب شعائرهما وممارساتهما الدينيه . وتوضح الدراسه حقيقة ان الاسلام الشيعي العراقي والاسلام الشيعي الايراني قد اختلفا اختلافا كبيرا في شكلهما التنظيمي , وهي ظاهره تساعد على تفسير السبب في ان علماء العراق الشيعه لم يظهروا كعامل فعال في السياسه القوميه , وانهم لم يكونوا قادرين على "" تعبئة اعداد غفيره للعمل السياسي "" .
لقد اصبح سكان ايران , بصفه عامه , شيعه بحلول القرن الثامن عشر بعد قيام الدوله الصفويه في 1501 .
ومنذ ذلك الحين كان الاسلام الشيعي دين الدوله في ايران ( باستثناء فتره قصيره بعد الاحتلال الأفغاني السني لأصفهان في 1722 ) , وعموما كانت الدوله تدعم المذهب الشيعي والعلماء الشيعه حتى شطر كبير من القرن العشرين . يضاف الى ذلك ان للحياة الدينيه في ايران الحديثه جذورها في النشاط اليومي للمؤمنين الشيعه الايرانيين العاديين , وأبرزهم تجار البازار . والحق ان دارسي المذهب الشيعي الايراني أشاروا الى أن الدين هو الذي أبقى المجتمع الايراني موحدا طيلة قرون من الزمن , وان الضغوط والتصديقات لسلوك يتبع قواعد الاسلام
الشيعي على الوجه المطلوب , كانت تنبع أساسا من الرأي العام الايراني . لذا توحي مشاركة الايرانيين الاعتياديين في تشكيل النشاط والايمان الدينييّن بان المذهب الشيعي في ايران الحديثه يمكن ان يعتبر "" نظاما من القيم الاقتصاديه – الاجتماعيه والدينيه "" التي انبثقت من داخل الواقع الاجتماعي ولم تفرض عليه .
وعلى النقيض من هذه الخصائص , يوجد في جوهر المذهب الشيعي في العراق مجتمع كان نظام قيمه العشائريه
العربيه القوميه يتغلف بالمذهب الشيعي وليس مشبعا به .
وبخلاف كسب السكان الايرانيين الى المذهب الشيعي بدعم الدوله فان العمليه التي تكوّن بها المجتمع الشيعي العراقي كانت تعكس طبيعة العراق الحدوديه , وصعود النجف وكربلاء بوصفهما معقلي المذهب الشيعي في بلد كان من الممتلكات العثمانيه السنيه , وتشيع عشائر العراق المتوطنه في مرحله حديثة العهد نسبيا .
وعلى الضد من الأصل الفارسي الاثني للأغلبيه العظمى من الايرانيين فان شيعة العراق عموما تميزوا بصفاتهم وقيمهم الأخلاقيه , العشائريه العربيه التي كانت تتبدى في شعائرهم واستمرت زمنا طويلا بعد قيام العراق الحديث . وعلى النقيض من التفاعل الوثيق بين تجار البازار والعلماء في ايران فان طبقات التجار الشيعه في العراق كانت عموما على غير استعداد لضخ الموارد الماليه في دعم المؤسسات والقضايا الدينيه .
وتكرست الاختلافات بين الاسلام الشيعي في ايران والعراق بظهور الدوله الحديثه في القرن العشرين . ففي ايران عملت برامج المركزه والتحديث التي طبقها " رضا شاه وابنه محمد رضا شاه " , على الحد من سلطة رجال الدين ولكنها لم تهدمها بصوره حاسمه . وعلى النقيض من ذلك وجه قيام العراق الحديث كدوله يهيمن عليها السنه , ضربه موجعه الى موقع الاسلام الشيعي في البلاد . فلقد نجح حكام العراق السنه في اجتثاث الكثير من السلطه التي مارستها تقليديا المؤسسه الدينيه الشيعيه التي اتخذت من العتبات المقدسه مثل النجف وكربلاء مركزا لها . وقوضت الحكومه العراقيه موقع المدينتين بوصفهما مدينتي سوق صحراويه , وقلصت دخل رجال الدين الشيعه من النشاطات الخيريه والزيارات وحركة الجنائز ( ممارسة الشيعه في نقل موتاهم لدفنهم في المقابر المقدسه في مدن العتبات ) وعرقلت الحكومه دور مؤسسات التعليم العالي الشيعيه حيث فقد الكثير من مدارس النجف استقلالها الاقتصادي ووقعت تحت سيطرة الحكومه . كما أن قيام العراق الحديث اجتذب الكثير من الشيعه العرب الى بغداد , وظهرت الدوله العراقيه بوصفها مركز الهويه الرئيسي للشيعه . وتسببت سياسات الحكومات العراقيه السنيه المتعاقبه , "" يدعمها حكام ايران البهلويون "" , في اضعاف الصلات بين الشيعه في العراق وايران , وعجلت بانحدار المؤسسات الماليه والفكريه الشيعيه في العراق . ونشأ نوع مغاير من الاسلام الشيعي في العراق , بالمقارنه مع نظيره الايراني .
ونتيجه لذلك ازداد الشيعه العراقيون والايرانيون تباعدا في القرن العشرين .
------------------------------------------------------------
انصح المهتمين بالموضوع الشيعي الايراني البحث عن كتاب للمؤلف الاسلامي المصري " فهمي الهويدي "
حول ايران وثورة الخميني , ايران من الداخل , فهو يعطي صوره حيّه عن ايران ما بعد الثوره .
-----------------------------------------------------------
يتبع ............