النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)

  1. #1 جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر) 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية محمد سنجر
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    المشاركات
    181
    معدل تقييم المستوى
    19
    ( الدقة الأولى )


    ( وقع الخبر على رأسي كالصاعقة ،
    دارت الدنيا من حولي ،
    زاغ بصري ،
    غير معقول ، لا لا لا يمكن .
    اغتصب مسامعي صوته الأجش )
    ـ الإذاعة أعلنت الخبر الآن .
    ( صرخت بأعلى صوتي )
    ـ لا ا ا ا ا ا ا ، كذب ، خداع ، إفك ......
    ( تجمع الناس حولي ، جريت كالمجنون أحاول الهروب ، صرخت فيهم )
    ... أيها الكاذبون ، أيها الخادعون ......
    ( و لا حياة لمن تنادي ، خشب مسندة تلفني ، هذه الوجوه السلبية الجامدة ، انحنيت أتناول حفنة من تراب )
    .... لا ، لم يمت ، لم يمت ، لم يمت ...
    (قذفتهم بها )
    ... لماذا تنظرون إلي هكذاااااااااااااااااا ؟
    ... أنا لست مختلا عقليا أيها التعسون ، لااااااااا ....
    ( تناولت أخرى و قذفتهم و أخرى )
    ... لا يمكن أن يموت ، إنه أكبر من أن تصرعه رصاصة غادرة ....
    ( اقتربت منهم ، ضاقت الدائرة من حولي )
    ... نعم هو أكبر من أن يسقط و لم يكمل ما بدأه أو يحقق ما أراد ....
    هل نسيتم ؟
    كم مرة أكد فيها الأوغاد أنه مات ؟؟؟؟
    هه ؟؟؟
    كم مرة قالوا أنه قضى نحبه من قبل ؟؟؟؟؟
    و لكنه سرعان ما كان يخرج علينا ليفضح كذبهم ،
    أليس كذلك ؟
    أرجوكم ، فليرد علي أحد ...
    ( ترقرقت صورتهم بعيني ، سقطت جالسا على الأرض ، حاولت كبت هذا البكاء الذي يغلي بصدري )
    ... أرجوكم ، بالله عليكم ، ألم يحدث هذا من قبل ؟؟؟؟
    ( عندها وضعت رأسي أرضا ، أجهشت بالبكاء ، رفعت نظري إليهم مستعطفا )
    ... أرجوكم فليكذب أحدكم الخبر ، بالله عليكم ...
    ( طالعتني آلاف من عيون البائسين الجياع من حولي ، انحنت رؤوس العاطلين المكبوتين المضطهدين ،
    ترقرقت الدموع بأعين الطامحين إلى لقمة العيش ،
    حزن اختلط بيأس و خوف و ذل في خنوع لفني ،
    احتضن (الشيخ إمام) عوده كما تحتضن الأم طفلها ،
    حاول أن يتغلب على أوجاعه ، خرجت الحروف من فمه مرتعشة تتحشرج )
    ـ جيفارا مات ، جيفارا مات ،
    آخر خبر ف الراديوهات ،
    و ف الكنايس ، والجوامع ،
    و ف الحواري ، و الشوارع ،
    جيفارا مات ، و اتمد حبل الدردشة و التعليقات ،
    مات المناضل المثال ، يا ميت خسارة ع الرجال ،
    مات الجدع فوق مدفعه جوه الغابات ،
    جسد نضاله بمصرعه ومن سكات ،
    جيفارا مات ، جيفارا مات ......
    ( وجدتني أقف ، أضع يدي على فم الشيخ إمام ، أسحب بيدي الأخرى العود من بين يديه ، أصرخ فيهم )
    ـ لا لم يمت ، جيفارا لم يمت يا شيخ إمام ؟ أليس كذلك ؟
    عم احمد ، جيفارا لم يمت يا عم أحمد ، هه ؟؟؟
    أرجوكم كذبوا الخبر ،
    جيفارا أكبر من أن تقتله رصاصة غدر ، ابحثوا عنه في كل مكان ، ابحثوا عنه وسط الغابات ، ابحثوا عنه حيثما يوجد الفقراء و المساكين ،
    لقد وعدنا بتحرير فلسطين ، نعم لقد أقسم أمام عيني بتحرير العراق و الشيشان ، وعدني بعالم يخلو من الذل و المهانة ، ابحثوا عنه حيث يوجد اليأس و الخوف و الذل و حتما ستجدونه حيا ،
    أليس هو من قال : أينما وجد الظلم فذاك وطني ،
    ابحثوا عنه في قلب كل فقير و جائع ، ابحثوا عنه في مصر ، في مستنقعات كوبا ، فتشوا عنه في أدغال الكونغو ،
    ( دققت كل الأبواب )
    أنادي بعلو صوتي :
    ـ أيها التعساء ، ابحثوا عن جيفارا في البوسنة و الهرسك ،
    ابحثوا عنه في تشيلي ، كولومبيا ، جواتيمالا ، اسألوا عنه في بوليفيا ،
    ستجدونه حيث يوجد المساكين ،
    ستجدونه حتما ،
    نعم فبقلب جيفارا نار تشتعل ،
    تدفعه دفعا ليقف في صف كل مظلوم على وجه الأرض ، إلى جانب المعذبين في شتى أنحاء العالم ...
    ( أرفع يدي عاليا )
    ... يحمل الشعلة لينير الطريق أمام ملايين البؤساء ...
    ( أمسك بأيدي الأطفال )
    ... يأخذهم إلى الحرية و الحق و العدالة ،
    جيفارا هو الثورة تمشي على قدمين ، لا يعرف التراجع لقلبه سبيل ، متواضعا لا يتسرب الهوى لنفسه ...
    ( أربت على كتف أحدهم )
    ... جيفارا الرفيق الرقيق الودود ...
    ( انطلقت أصرخ ثانية )
    ... و لهذا فهو جيفارا الذي تعرفونه جيدا ،
    جيفارا الذي كبر في أعيننا يوما بعد يوم حتى صار هذه الأسطورة ، نعم أصبح هذه الأسطورة التي نحلم بها و يحلم بها كل مسكين جائع مظلوم في هذا العالم ،
    و بعد كل هذا تقولون أنه مات ؟؟؟
    لا و ألف لا ، جيفارا لم يمت ،
    لم يمت ، لا لا لا لم يمـــــــــــــــت .
    ( يتبع )
    المصغرات المرفقة المصغرات المرفقة 42_che018.jpg‏  
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنج 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية محمد سنجر
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    المشاركات
    181
    معدل تقييم المستوى
    19
    ( الدقة الثانية )

    مازال صوت الشيخ إمام في أذني ينشد )
    ( جيفارا مات ، جيفارا مات )
    أخذت أتمتم :
    ـ لا لم يمت ، سأبقى العمر كله أبحث عنه في كل مكان .
    ( أعادني صوت دقات القطار على سندان القضبان الحديدية إلى حيث أجلس ،
    أخذ القطار يأرجحنا ذات اليمين و ذات اليسار ،
    نظرت من نافذة القطار فإذا به يشق السهول الشاسعة التي اكتست باللون الأخضر ،
    أضفت عليه أشعة غروب الشمس طيف برتقالي شاحب ،
    أخذت أراقب قطيع السحب البنفسجية التي شتتها الرياح هنا و هناك ،
    ما هي إلا لحظات حتى بدأ الظلام يخيم على المشهد ،
    بدأت أتحول بنظري إلى داخل القطار ،
    كانت إحدى عربات الدرجة الثالثة التي أجلس بها ،
    كان الضوء بها خافتا لا يكفي لرؤية الوجوه من حولي بوضوح ،
    تتسلل بين الحين و الآخر من خلال النوافذ خطوط الضوء تركض فوق الملابس و الوجوه ،
    ألمح خلال ومضات الضوء البارقة وجوه منكسرة ،
    صبغت الشمس بشرتهم بلون أديم الأرض ،
    عائدون كعادتهم كل مساء إلى ديارهم بعد واحدة من رحلاتهم اليومية للعمل بحقول الأغنياء ،
    كانت تجلس بمواجهتي سيدة نحيفة نقشت السنوات العجاف على وجهها سجلا من الأسى و المعاناة ،
    كانت تحمل فوق ركبتيها منديل الصبر ،
    تصره على ما جاد به أصحاب المزارع التي تعمل بها ،
    صوت اعتصار معدتها الخاوية تحرش بمسامعي ،
    عندها لمحت ظلال أفراخها الجياع تتراقص بمقلتيها ، يستقبلونها مهللين ، يقفزون لينالوا من فمها العطايا ،
    تحاول أن تمنع لمعة أسنانها التي كادت أن تتسلل من بين شفتيها لكنها تفشل ،
    لمحتني انظر إليها ، ازدادت ابتسامة الرضا اتساعا ،
    وضعت كفها خجلة على فمها ، حاولت تبادل أطراف الحديث معها )
    ـ مرحبا .
    ـ مرحبا يا بني ، يبدو انك لست أرجنتينيا ، أليس كذلك ؟
    ـ نعم إنما أنا هنا للبحث عن صديق قديم اسمه جيفارا ؟
    هل تعرفينه ؟
    ( قفزت من عينيها علامات الاستفهام ، حاولت تنشيط ذاكرتها )
    ـ جيفارا ، جيفارا ؟؟ إرنستو جيفارا دي لا سيرنا ؟؟
    ( لوت شفتيها و هزت رأسها و كأنها لا تفهم ما أقول ،
    عندها مالت إلى الرجل الذي يجلس بجوارها و سألته )
    ـ هل تفهم ماذا يقول ؟
    ( عندها وجهت سؤالي إليه )
    ـ هل تعرف جيفارا ؟
    ( هز الرجل رأسه أحسست انه أيضا لا يفهمني ، عندها ناديت بالجالسين )
    ـ ألا يوجد أحد أرجنتيني هنا ؟
    ( عندها رفع جميع الجالسين أيديهم ، قال احدهم )
    ـ نعم أنا أرجنتيني ، ماذا تريد ؟
    ـ ألا يعرف أحدكم جيفارا ؟
    ( خيم الصمت على الجميع ،
    عندها تذكرت أنهم يطلقون عليه ( تشي ) فقلت لهم )
    ـ هل يعرف أحدكم تشي ؟ تشي جيفارا ؟
    ( عندها لمعت أعينهم و كأنهم فهموا ما أقصده أخيرا )
    قال أحدهم :
    ـ تشي جيفارا ؟ ( نطقها بالجيم غير المعطشة )
    نعم ، نعم ، ( وجه كلامه لمن حوله ) يقصد الهارب .
    ـ هل تعرفونه ؟
    ( قال آخر )
    ـ نعم أنا أعرف ( تشي ) .
    ـ هل تعرفون أين أجده ؟
    ( ارتفعت ضحكات الجميع ، حاول بعضهم التماسك )
    قال أحدهم :
    ـ عذرا ، هل تبحث عن تشي جيفارا بالأرجنتين ؟
    ـ أو ليس أرجنتينيا ؟
    ( قاطعني آخر )
    ـ لا لم يكن يوما أرجنتينيا .
    ( قالت المرآة )
    ـ نصيحتي لك يا بني ، ابحث عنه في أي مكان آخر إلا هنا .
    ( قاطعتها امرأة أخرى )
    ـ اذهب و ابحث عن جيفارك هذا في جواتيمالا ، أو كوبا ، أو بوليفيا ، أو الكونغو ، و لكن نصيحتي لك ألا تحزن على قطعك كل هذه المسافات ، فأنت تجري وراء سراب .
    ( سألني الرجل الجالس بجواري )
    ـ من أي البلاد أنت ؟
    ـ أنا عربي .
    ـ هل في بلادكم يمكن أن يترك الرجل أهله و يرحل ؟
    هل يمكنك مثلا أن تترك أطفالك الصغار ضائعين مشردين لا عائل لهم بحجة أنك ذاهب لتعتني بأطفال مشردين في بلد آخر ؟
    هل هذه رجولة و بطولة في نظركم ؟
    ـ عفوا سيدي ، و لكنه رحل بعد أن أصبح طبيبا حتى يساعد الفقراء و المحرومين و المرضى مثل المصابين بالجذام مثلا في بلاد أمريكا اللاتينية .
    ( ضحك الجميع مرة أخرى ، لمحت الدموع تترقرق في عيون المرأة التي تجلس أمامي و قالت )
    ـ هل تضحك على نفسك أم تظن انك تضحك على أناس أميين لا يقرئون و لا يكتبون مثلنا ؟
    أو ليس هنا فقراء في الأرجنتين ؟؟؟؟
    أو ليس هنا مرضى كانوا في أمس الحاجة إليه ؟
    ( قاطعها رجل آخر )
    ـ لقد كان شخصا غاية في الأنانية ، (تشي) لم يحب في هذا العالم إلا نفسه فقط .
    ( قال آخر )
    ـ كان مثله (أنا و بعدي الطوفان) ، بالله عليك ألم يترك والده و والدته المسكينة التي أخذت تبكيه ليل نهار و رحل ؟
    ألم يترك زوجته الأولى هيلدا و رحل ؟
    ألم يترك زوجته الثانية و أولاده منها في كوبا و رحل ؟
    ( قالت المرأة )
    ـ من لا خير فيه لأهله فلا خير فيه للغرباء ؟؟؟؟؟
    ـ عفوا ، و لكنه كان مطاردا من المخابرات المركزية كما علمت .
    ( قال الرجل بجواري )
    ـ أية مخابرات مركزية التي تطارد طالبا أنهى دراسة الطب أيها الأبله ؟؟؟؟؟
    ( حاولت الدفاع عنه )
    ـ أنتم تظلمون الرجل فلقد كان رجلا رومانسيا رقيقا ودودا رحل وقتها لإشباع هوايته بالتصوير و اصطياد الفراشات .
    ( قال الرجل بجواري )
    ـ هل البطولة عندكم أيضا اصطياد و قتل الفراشات لا لشيء إلا لمجرد أن تزين بألوانها غرفتك ؟؟؟؟
    أي رومانسية و رقة في هذا بالله عليك ؟؟؟؟
    ـ لا لا لا ، انتم تظلمون جيفارا ، أنتم تتحاملون عليه ،
    رجل مثل جيفارا يجب أن تفخروا به ،
    يجب أن يكون قدوة و مثالا لكل الأرجنتينيين .
    ( ردت المرأة بصوت مرتفع و كأن صبرها قد نفذ)
    ـ و ماذا فعل لأهله و للأرجنتين و فقراء و مرضى الأرجنتين؟
    ( عندها توقف القطار )
    ـ عفوا فلابد لي أن أنزل بهذه المحطة .
    ( حملت حقيبتي و نزلت ، تتبعتني عيونهم و أنا أقف على الرصيف ، بدأ القطار في التحرك ببطء ، أخرج البعض رأسه من نوافذ القطار يلوحون لي بأيديهم ، عندها رفعت صوتي لكي يسمعني الجميع )
    ـ فإذا لم يكن جيفارا مثالا لكم كما تقولون ، فمن يكون مثلكم الأعلى إذن ؟
    ( عندها بدأ أحدهم يفك أزرار قميصه فظهرت صورة مرسومة على ملابسه الداخلية ، ثم قال )
    ـ دييجو أرماندو مارادونا .
    ( صرخت )
    ـ مدمن المخدرات ؟؟؟؟؟؟
    ( رد أحدهم بصوت عالي )
    ـ كلاهما ليس قديسا أيها الأبله .
    ( عندها علا التصفيق بينما بدأ القطار يبتعد رويدا رويدا ، إلا أن صوتهم ملأ الفضاء من حولي ، أخذوا يتغنون )
    ـ مارادونا ، مارادونا ، مارادونا .


    ( يتبع )
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنج 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية محمد سنجر
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    المشاركات
    181
    معدل تقييم المستوى
    19
    ( الدقة الثالثة )









    ( اختبأنا بين سيقان القصب حتى غربت الشمس ،
    بدأنا نتجهز للرحيل ،

    عندما خيم الظلام ،
    زحفنا باتجاه الأسلاك الشائكة ،
    أخذ يقص الأسلاك بمقصه الحديدي ،
    سرعان ما فتح فجوة كافية ،
    و بينما زحفت بقعة الضوء مبتعدة عنا ، تسللنا إلى داخل القاعدة العسكرية ،
    جريت خلفه و اختبأنا خلف إحدى الدبابات ،
    وضع يده على فمي يحبس أنفاسي ،
    مر بعض الجنود السكارى بجوارنا عائدين إلى ثكناتهم ،
    رحلوا و لم يشعر أحد منهم بوجودنا ،
    تنهدنا اطمئنانا ،
    جرى إلى أحد الأبواب ،
    فتحه برفق ، دخلنا إلى داخل الغرفة ، همس بأذني )
    ـ هذه هي غرفته ، انتظره هنا ، أما أنا فسأرحل حتى لا أتعرض للمحاكمة .


    ( فجأة سمعنا أصوات تقترب ، دار المفتاح في الباب ،
    قفزنا بسرعة نختبئ خلف الستائر الحمراء ،
    أحسست بقلبي يكاد يقفز من صدري ،
    نظرت إلى الباب ، فإذا بظل رجلين يهمان بالدخول ،
    اتجه احدهما إلى أحد المقاعد و ألقى نفسه فوقه ، و أخرج سيجارا و أشعله ، في هذه اللحظات قام الرجل الآخر بجذب الخيط النازل من المصباح المتدلي بمنتصف الغرفة فأشعلها ،
    سقطت بقعة الضوء فوق وجه الرجل الجالس فإذا به (جيفارا) ،
    و قف الرجل الآخر و قد أدار لنا ظهره و قال :
    ـ لابد أن ترحل ( تشي ) لا مكان لك هنا بعد الآن .


    ( نظر إليه ( جيفارا ) نظرة استنكار و نفث دخان سيجارته ثم قال :
    ـ أرحل ؟ هل ستحل المشكلة بهذه الطريقة ؟


    ـ ( تشي ) أنت من وضعت نفسك بهذا الموقف ، لقد حذرتك أكثر من مرة ، قلت لك لا داعي لأن تتهجم على السوفيت ، و حذرتك من أنك تغضبهم بهذه التصريحات الغير مسئولة .


    ـ و أنا قلت لك أيضا أنني احتقر هؤلاء البيروقراطيين ، و قلت لك مرارا أنني أكره هذا الاتكال على السوفيت و لابد من البحث عن وسائل أخرى لتمويلنا .


    ـ كنت تريدنا أن نرتمي بأحضان (ماو تسي تونج ) ؟ و دائما كنت أقول لك أننا يجب أن نمسك العصا من المنتصف ،


    لا فائدة من كل هذا الآن ،


    ( تشي ) برغم اختلاف وجهات نظرنا و علمي التام بأن لك بعض التحفظات على معتقداتي الاجتماعية ،


    و برغم أنني غضبت منك لجعل أخي يعتنق الشيوعية و أدخلته في عضوية الحزب و أخفيتما الأمر عني ،


    برغم كل هذا إلا انك تعلم جيدا أنك رفيق كفاحي و صديقي الوحيد ، و تعرف أيضا مدى محبتي لك ،


    من هذا المنطلق فقط أطلب منك الرحيل ، فوجودك خطر على حياتك ، سيقتلونك، حاول أن تفهم ، لقد وصل الأمر إلى طريق مسدود ، لقد أطلقوا النار عليك أمامي .


    ـ و ما موقفك أنت مما يحدث ؟ هل ستبقى مكتوف الأيدي كعادتك ؟ لا فائدة ، نعم لا فائدة ، قلت لك يوما أن سلبيتك هذه ستقضي عليك يوما ما ، هل تذكر ؟


    عندما أمرت بإعطاء الدواء للأسرى لكي يتولوا العناية بالجرحى ؟ وقتها وقفت في وجهك و قلت لك : لا ، يجب أن نوفر الأدوية لجرحانا نحن ، و صممت أنت على رأيك و قمت بتوزيع الأدوية بنفسك على جميع الجرحى، هل تذكر؟ حتى أعداء الثورة كنت متساهلا معهم ،


    إياك أن تعتقد أنك كنت ستصل إلى ما وصلت إليه الآن بدون حزمي و صرامتي ،


    و الآن جاء دورك لتكون حازما و صارما و لو لمرة واحدة.


    ـ و ما هو الذي تطلبه مني كي أكون صارما و حازما من وجهة نظرك ؟


    أن أقتلهم جميعا من أجلك ؟


    ( تشي ) هو نفسه ( تشي ) لم يتغير ،


    ألا تكفيك كل هذه الدماء التي أرقتها بحجة تأمين الثورة من معارضيها ؟ لا ، لا يمكن أن أسمح لك بإراقة المزيد من الدماء ، لا مزيد من الدماء ، حاول أن تفهم ، رحيلك سيحل كل هذه المشاكل، أرجوك ( تشي ) إنه آخر رجاء سأطلبه منك .


    ـ هل تذكر عندما تعارفنا في منزل (ماريا أنتوني) ؟ وقتها رجوتني للمجيء معك إلى كوبا ، يا لسخرية القدر ،


    و الآن ترجوني لأرحل عن كوبا ؟


    في يوم من الأيام بينما نسير وسط المستنقعات ، تساءلنا عن الشخص الذي يمكن أن نخبره في حال موتنا ، عندها تيقنا فقط أن الموت يقترب منا ، و أيقنا جميعا أنه من الممكن أن نموت في أية لحظة ، يمكن أن أدفع روحي ثمنا لحرية كوبا ، و يبقى الجبناء ليحصدوا ما زرعناه ،


    أما اليوم بعدما أصبح كل شيء لكم ،


    فلا ثمن لروحي ، أصبحت الآن بلا ثمن ؟


    هل تعرف أن خطئي الوحيد ، هو أنني لم أفهمك من المرة الأولى التي التقينا فيها ،


    على العموم إذا كانت هذه رغبتك فلا حاجة لي بالبقاء ،


    و لكن ماذا ستقول للشعب الكوبي ؟


    ـ لا عليك فأنا أعلم كم هم متعلقون بك ، و ما علينا إلا أن نؤكد هذا التعلق ، فأنت من وجهة نظرهم البطل الذي حررهم ، أنت المناضل الأسطورة الذي يدافع عن الفقراء و المغلوبين على أمرهم ، و لكن أرجو أن تكتب رسالة تقول فيها انك خرجت طوعا لا كرها ، ستقول لهم خلالها أنك رجل لا تستطيع أن تتجمد داخلك دماء الثورة بالرضوخ للمناصب ، و أيضا يجب أن تؤكد على أنك لا تهتم متى و أين ستموت ، و أن ما تهتم به أن يبقى الثوار واقفين يملئون الأرض ضجيجا كي لا يغفل العالم و ينام بكل ثقله فوق أجساد الضعفاء و المظلومين ، هذه الكلمات الرنانة التي كانت تشعل الحماس داخلنا .


    ـ و زوجتي و أولادي ؟


    ـ سأضمن لهم عيشة كريمة فهم عائلة المجاهد البطل الذي حرر كوبا ، و لكن لي طلب واحد .


    ـ و ما هو هذا الشرط ؟


    ـ إنه طلب و ليس شرطا .


    ـ لا يهم فلا فارق بينهما عندي الآن ، ما هو طلبك ؟


    ـ ألا تذهب إلى فيتنام ، فأنت تعرف اشتعال الحرب الكلامية بيننا و بين أمريكا و لا نريد أن يكون وجدوك في فيتنام سببا


    في تأزم الموقف أكثر من هذا ، ثم انه هناك الكثير من الأماكن التي تستطيع أن تجد نفسك بها حرا طليقا ، هناك الكثير من الأماكن الغير مستقرة بأنحاء العالم ،


    كم كنت أتمنى أن أكون مثلك بدون واجبات ، و أعود و لو لساعة واحدة لأيام الحرية و الانطلاق ، و لكن تذكر و أنت في غمرة حريتك و انطلاقك أن كوبا تفتح لك ذراعيها في أي وقت تتأزم فيها الأمور ، و تذكر أيضا انك كوبي و كوبا لا يمكن أن تنسى أبنائها .


    ـ لا ، لا حاجة لي الآن بكوبا ، لقد خاب أملي بكل شيء ، حياتي ، أحلامي ، كل شيء ، كانت أمنيتي و حلمي أن أموت هنا بكوبا ، و لكن الآن و بعد ما حدث فلا حاجة لي بالبقاء ، يجب أن أرحل باحثا عن مكان أنسب للتخلص من حياتي ، و من الآن لا يربطني بكم أي شيء ، أي شيء .




    ( وقف (جيفارا) ، نزع سيجاره من فمه ، ألقاه أرضا ،
    فركه بحذائه ، ثم انطلق خارجا و لم يعقب)


    ( يتبــــــــــــــــــــــــــــــــــــع )
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنج 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية محمد سنجر
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    المشاركات
    181
    معدل تقييم المستوى
    19
    ( الدقة الرابعة )


    رعد موجات الطائرات المحلقة فوقنا صم آذاننا ،
    برق انفجار القذائف المروعة التي تنهال فوق رؤوسنا يضيء الكون من حولنا ،
    أدخنة النيران التي اشتعلت بكل مكان يكاد يخنقنا ،
    هدير آلياتهم العسكرية تقتلع كل شيء في طريقها ،
    هرج و مرج هنا و هناك ، اختلط الحابل بالنابل ،
    أمطرونا بوابل من الرصاص ،
    وجدتني أغرق بمستنقع من الأوحال الدموية ،
    أرفع رأسي فلا أبصر إلا الدم يصبغ الأشياء من حولي ،
    أرى رجلا هناك يحاول يائسا تثبيت رايتنا التي تتلاعب بها الرياح ، جاءته رصاصة غادرة فجرت رأسه ،
    رشات من الدماء الذكية خضبت وجهي المذعور ،
    تراقص المشهد بعيني ،
    منذ قليل عندما طلب مني أن أكتب عليها بالعربية
    ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ،
    صرخات الفارين من النساء و الأطفال تملأ الفضاء ،
    وجدت امرأة تصرخ تحاول الفرار ، كانت تمسك بقوة ذراع طفلها الذي فقد جسده ،
    اتسعت عيون الذين يحاولون الفرار من هول الكارثة ،
    انزلق البعض و هم يحاولون الخروج من مستنقعات دماء الملايين من الجثث التي تكومت هنا وهناك ،
    يزحفون بكل ما آتاهم الله من قوة للفرار من هذا الجحيم ،
    انفجار هائل مزق المشهد بعيني ،
    حاولت الفرار ، تعثرت ، ارتطمت رأسي بالأرض ،
    مذاق الدماء مازال بفمي ،
    تدوسني أقدام الفارين ،
    تحاملت على ذراعي المتبقية ، أحاول عبثا النهوض ،
    بالكاد نجحت ، دخلنا إلى داخل المسجد الملجأ الوحيد الذي تبقى بعد القصف ،
    حاولت استبيان المشهد من حولي ،
    وجدت عيون ترمقني من بين الدخان الكثيف ،
    كان ممسكا ببندقية في يده ،
    حاول التغلب على آلامه و بادرني بابتسامة ،
    زحفت أجلس إلى جواره ،
    ناولني إناء به ماء ،
    أخذته منه ، تجرعت مما تبقى به )
    سألني بهدوء :
    ـ من أنت أيها الفتى ؟ و ما الذي أتى بك هنا ؟
    ملامحك ليست صينية ، يبدو لي أنك.. هندي .. عربي أو ...
    ـ أنا عربي .
    ـ و لكنني كنت أتابعك عن كثب ، لقد أبليت حسنا ، و لكن ما الذي أتى بك إلينا ؟
    و ا الدافع لديك للوقوف في صفنا ؟
    ـ لقد جئت أبحث عن المظلومين و المغلوبين ،
    نعم جئت أبحث عن صديقي جيفارا ،
    توقعت انه هنا ، نعم ، لابد انه هنا ،
    فلقد قال ( أينما يوجد الظلم فذاك وطني )
    و لا أرى في العالم أجمع ظلما أكثر مما أنتم فيه الآن ، و لذلك جئت أبحث عنه هنا .
    ـ و من صديقك هذا ؟ لم أسمع به هنا .
    ـ هو من يحس على وجهه بألم كل صفعة توجه إلى مظلوم ، كل صفعة ،
    فما بالك بكل هذه الدماء ؟ و ما بالك بكل هذه الجماجم التي تكتسي بها الأرض حتى الأفق ،
    و لكن عندما أتيت و وجدتكم من إخوتي ، وجدت الدماء تغلي في عروقي ، كيف لي أن أرحل باحثا عنه و أنا أرى أطفال المسلمين يذبحون و تراق دمائهم أمام عيني ، كيف أرحل لأبحث عنه و أنا أرى أخواتي المسلمات يغتصبن أمام عيني ، ألستم مسلمون ؟
    ـ نعم يا بني و الحمد لله ، بارك الله فيك ، بارك الله فيك .
    ـ و لكن لماذا كل هذا ؟ و من هؤلاء الأوغاد ؟
    ـ هؤلاء من لا دين لهم .
    ـ لا دين لهم ؟
    ـ نعم يا بني ، فكما استباح السفاح ( ستالين ) دماء
    إحدى عشر مليونا من المسلمين ، استباح الصينيون
    دمنا ، ارتكبوا بحقنا الكثير من المذابح الجماعية ،
    بلغ عدد قتلانا مائة ألف ، ليس هذا فحسب بل استقدموا مهاجرين بأعداد كبيرة جدا ليستوطنوا ببلادنا لكي تقل نسبة المسلمين ،
    و غيروا اسم البلاد و جعلوها (سينجيانج ) ،
    ألغوا الملكية الفردية ، سرقوا كل أموالنا و بيوتنا و أرضنا ، أعلنوا أن الإسلام خارج عن القانون ، و يعاقب كل من يعامل به ، حرقوا المصاحف ، و كانوا يقذفون شيوخنا بنعالهم ، كانوا يجرون ورائي و يضربونني بعصيانهم يقذفونني بالحجارة حتى تسيل الدماء من رأسي ، منعونا من السفر للحج ، منعوا دخول أي من المسلمين إلينا ،
    هدموا مساجدنا و حولوا البقية إلى أندية لجنودهم ، جعلوا اللغة الصينية هي اللغة الرسمية ،
    استبدلوا الأحاديث النبوية بتعاليم و كلمات زعيمهم .
    ـ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، أي بشر هؤلاء ؟
    ـ ليس هذا فقط ، بل أرغموا بناتنا و نساءنا على الزواج من الرجال الصينيين ، و كان أهم شعار لديهم هو ( الغوا تعاليم القرآن )
    ـ لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و لماذا كل هذا ؟
    ـ بحجة القضاء على الثورة المضادة ـ كما فعلها ستالين بحجة تعرضه لمحاولة اغتيال ـ اعتقلوا الآلاف ،
    حكموا بالإعدام على أكثر من 800.000 شخص ،
    زعيمهم تفاخر بأنه دفن ست و أربعون ألفا من العلماء أحياءا ،
    ـ غير معقول ، لا لا ، غير معقول ، هناك بشر بهذه الوحشية و الدموية ؟ أي دين هذا و أي شرع و أية إنسانية هذه التي
    تتيح لأي إنسان مهما كانت سطوته و مهما كان جبروته أن يفعل بأخيه الإنسان شيء كهذا ؟
    و لكن صبرا ، ف و الله إنه سيأتي ليخلصكم مما أنتم فيه ، سيأتي لينقذكم من هذه المهانة ، سيخلصكم من هؤلاء الوحوش التي لا قلوب لهم ، نعم سيأتي ،
    لقد سمعته بأذني ،
    إنه يعتبركم أنتم الصينيين الخط الثوري الوحيد الجدير بالاحترام في هذا العالم ، لقد اختلف مع رفاقه أمامي ، لقد أطلقوا عليه النار لأنه غير مقتنع بما يفعله السوفيت ، لقد قال أنه يكن لكم انتم الصينيين كل المحبة و التقدير ، إنه يعشق زعيمكم عشقا ، لقد سمعته بأذني يقول :
    ( ماو تسي تونج ) هو الثوري الوحيد في هذا العالم .
    ( عندها جحظت عينا الرجل و ارتعد جسده بشدة ، حاول السيطرة على نفسه ، خرجت الكلمات متحشرجة من بين شفتيه المرتجفة )
    ـ من قال هذا ؟؟؟؟
    ـ صديقي ( جيفارا ) الذي أبحث عنه ، هذا الذي سيحرركم .
    ـ صديقك هذا المدعو ( جيفارا ) هو الذي سيحررنا ؟
    ـ نعم ، لقد أقسم أنه أينما يوجد المظلومين و الضعفاء فذلك وطني .
    ( ضرب الرجل كفا بكف )
    ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ،
    و تقول أيضا أنه يعشق ( ماو تسي تونج ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    ـ نعم بل يرى أنه الخط الثوري الوحيد الصحيح في هذا العالم .
    ( أخذ الرجل يضحك و يضحك ، حتى رأيت الألم يسيطر على قسمات وجهه ،
    حاول المسكين السيطرة على ضحكاته و لا فائدة حتى أشفقت عليه من كثرة الضحك و الألم ، و أخيرا سيطر على لسانه )
    ـ أتبحث عن صديقك هنا ؟
    ـ نعم لقد سمعته يقول ....
    ( قاطعني الرجل )
    ـ يقول ؟؟؟؟
    صديقك هذا تبحث عنه على الجبهة الأخرى و ليس هنا .
    ـ على الجبهة الأخرى ؟؟؟؟؟؟
    ـ نعم يا بني فزعيمهم الذي كنت أحكي لك عنه و عن ما فعله بإخوانك المسلمين هو ( ماو تسي تونج ) الذي يعتبره صاحبك المدعو ( جيفارا ) الخط الثوري الوحيد في العالم ، و هؤلاء الصينيين الذي يعجب بهم صاحبك هم هؤلاء الذين حرقوا مصاحفنا و هدموا مساجدنا و سفكوا ماءنا و استحيوا نساءنا و قتلوا و صلبوا أبناءنا ،
    لا لشيء إلا لأننا مثلك مسلمون أيها الأبله .
    ( دارت الدنيا من حولي ،
    لم أحس بشيء بعدها
    كلما حاولت تذكر ما حدث تخونني الذاكرة )
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنج 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية محمد سنجر
    تاريخ التسجيل
    Apr 2006
    المشاركات
    181
    معدل تقييم المستوى
    19
    ( يتبع ، يتبع ، يتبع ) )
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. بلال لال ( نزف قلم : محمد سنجر )
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05/11/2009, 07:39 PM
  2. يا ليتني ( نزف قلم : محمد سنجر )
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22/10/2009, 08:01 PM
  3. أبو لهب ( نزف قلم : محمد سنجر )
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09/10/2009, 06:21 AM
  4. جيفارا الذي لا يعرفه أحد (دقات : محمد سنجر)
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 21/03/2009, 08:43 AM
  5. ما بين هذا و ذاك ( نزف قلم : محمد سنجر )
    بواسطة محمد سنجر في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06/07/2007, 12:41 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •