قصة قصيرة : في الطين

[عربي جعفر]

غريب أنا فيك يا وطني .. مكبل بالقيود..
فلم يكن احدٌ يفكها .. غريبٌ أنا فيك يا وطني.. مكلوم .. حزين .. يا وطني ..
مكبل الأيدي والأرجل مكمم ألفاه ..عليلٌ ملقى على قفاه .. حتى اعدلوني ..!
يملأ ألفاه التراب .. نجدوني ..
خرجت الشمس ذات مساء ..والتي تأبى الخروج من سنين..
نظرت بطرف عيني وجدت أكوامٌ من البشر ملقاة كلٌ على قفاه ..
وهناك رجال جروا الشمس إلى المغيب .. حتى لا احد فينا يفيق ..
وغابت الشمس ولم تجيء .. وظللنا ننوح ونبكي ..حتى سبحنا في بحرٍ من الدموع .. ففرحنا بأننا نعوم حيث سنتقلب ذات اليمين وذات الشمال .. ويمكن للقيود أن تذوب والكل هلل والكل كبر وهاجت وماجت الصيحات ..كل هذا ولم ير احد منا احد ..وجاءت الشمس من جديد .. رأينا بعضنا وزاد الهتاف وجلجل التكبير .. فجأة تبخرت الدموع وعدنا إلى الرقاد من جديد.. سمعنا ضحكات تأتي من بعيد تقول : هكذا انتم ولا مزيد ..!!
وأحسست بطفلٍ رضيع يتحسس صدري ..حاولت بطرف إصبعي وألقمته زلطة في فمه .. ظن إنني أمه ولم يدرِ بأنني (....) وكيف يفرق في الظلام ..آآآآآه ..لقد أتيت الدنيا لتصبح شقي أو تصبح شهيد ..فاما الشقاء فانظر نحونا.. قم وهم بالرحيل قبل أن تكبر وتكره الحياة وتكره الموت وفي أيهم لا تجود .. فأما الشهادة فأنت رضيع ..وبعد فترة أحسست بالزلطة فوق راسي كالسندان فاغرورقت لها عيناي .. يبدو إن الزلطة لم تأت بما يريد .. ومن أين آتي له بما يريد .. ليس لنا من الحلم أكثر من أن نعيش ..
وفجأة أحسست بحاجات طويلة بين جنباني تزحف وعلى جسمي وحول رقبتي أحسه يلتف .. أحسست بالسعادة الغامرة عله يفك قيودي ..
وبينما أتحسس أن تًفك قيودي حتى بدأت تمطر علينا أشياء لم أرها .. تبدو كالحجارة تهوى علينا وتخفض بنا الأرض .. فجأة سمعت صرخة ألم لطفل ولم يكررها بعد .. زادت صيحات آلامنا ودموع النحيب .. وزفرات الموت تتكاثر حيث الآهات تتناقص ..وساد السكون من جديد حتى ظننت أن الكل مات .. وفرحت لأنني لازلت على قيد الحياة ..والحياة مازلت بها أنعم ..
خيم الهدوء وقاومت عيني النوم خشية أن أموت .. فجأة سمعت صوت نفخ بوق .. فارتعدت فرائسي خشية أن يكون اسرافيل ينفخ في الناقور .. ظللت ارتعد حتى غار الصوت وساد الهدوء ..
وبعد رحلة السكون سمعت صوتاَ لرجلٍ ملتحي بجواري يئن ويتأوه وفجأة يضحك .. ظننته عدو .. رجفت من الخوف ..فما أنا فيه خيرٌ من أن أموت ..!!!

تمت