مشاهدة تغذيات RSS

داود سلمان الشويلي

تجليات الاسطورة - قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني - الحوار (*)

تقييم هذا المقال
تجليات الاسطورة
قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني

الحوار (*)

داود سلمان الشويلي

تعتمد كل نصوص قصة يوسف السماوية والوضعية على الحوار، اذ يكون العمود الفقري الذي تنبني عليه السردية .
وكما قلنا سابقا ، فإن الأحداث والوقائع الهامة، يصاحبها ((تضخم نصي فيقترب حجم النص القصصي من زمن الحكاية ويطابقه تماماً في بعض الأحيان فيقع استعمال الحوار وإيراد جزئيات الحركة والخطاب)). (1)
ومن البدهي ان الحوار هو اقرب صيغة ادبية الى رؤية الشخصية ، فيما يكون السرد ابعدها .
ولما كان الحوار كذلك ، فأنه يقدم في النص دون وساطة ولا مقدمات.
والحوار بهذه الحالة يكون معطلا لسريان السرد ، اذ عند هذه الحالة يمثل مشهدا دراميا كثيرا ما يكون النص بحاجة اليه.
وللحوار دور كبير في تطوير الاحداث، وفي الكشف عن دواخل الشخصية ونوازعها النفسية وطبائعها الاجتماعية . انه بصورة عامة كشف لكل مستويات الشخصية .
في الحوار لا نسمع سوى صوت الشخصية ، ومساحة الصوت زمنيا في النص هي نفسها في الواقع ، اذا تجاوزنا عادات الشخصية بالنطق ،ومن هذا المنطلق يكون الحوار على النقيض من السرد ، فأينما كان الحوار توقف السرد عن الجريان .
يبدأ نصنا بالحوار الذي يدور بين يوسف وابيه ، وينتهي بالحوار ايضا بين يوسف وابيه اذا تجاوزنا ميتافيزيقيات النص.
ودائما يبدأ الحوار بلفظة قال وتصريفاتها .
بعد ان استقبل يوسف والديه في مصر ، ذكّر يوسف والده برؤياه ، واخبره ان ماحصل له هو تأويل لتك الرؤيا :
(( وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم )).
يتشكل النص من الحوار في اغلب مواضعه – كما قلنا - فهناك الحوار الذي يدور بين الاخوة وهم يناقشون اهتمام والدهم بيوسف ، والحوار الذي دار بينهم وبين والدهم ، والحوار بين العزيز وزوجته والشاهد ، والحوار الذي يدور بين يوسف والسجينين ، وبين الملك وزوجة العزيز والنساء ، وبين الملك والمنجمين ، وبين يوسف واخوته ...الخ .
ومن كل هذه الحوارات نتعرف على دواخل الشخصية ، فالحوار بين يوسف وابيه يكشف لنا قراءة الاب لمستقبل يوسف من خلال الرؤيا التي رآها :
(( قال يوسف لابيه : يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين.
قال الاب محذرا : يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا . )).
اما الحوار بين الاخوة، فأنه يرسم لنا مشهدا نتعرف فيه على مدى حسد الاخوة ليوسف، وكذلك التآمر عليه :
(( قال اخوته من ابيه : ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة.
واتفقوا فيما بينهم :اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين.
قال قائل منهم : لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين )).
و الحوار الذي دار بين الاب وابنائه حول السماح ليوسف ان يذهب معهم الى الرعي فأنه يكشف لنا صدق تخوف الابناء من شدة حب الاب ليوسف واهتمامه به من دون ابنائه الاخرين :
(( توجس الاب خيفة من طلبهم ، فرد عليهم قائلا:
: إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون.
قالوا : لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون)).
والحوار الذي دار بين النسوة وزوجة العزيز يفضح حب زوجة العزيز ليوسف ، وان لم تصل الى مرادها من هذا الحب فأنها ستقنع زوجها في زجه في السجن :
(( فلما سمعت زوجة العزيزكلامهن وكيف انهن رمينها بالضلال ، أرسلت إليهن ، وأعدت لهن مجلسا،وآتت كل واحدة منهن سكينا وفاكهة، وقالت ليوسف :( اخرج عليهن).
خرج يوسف امامهن شابا جميلا مكتمل الرجولة ، ( فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) ، وقلن: (حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم).
قالت معاتبة: ( فذلكن الذي لمتنني فيه) . ثم تابعت قولها اليهن :(( لقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكون من الصاغرين) .)) .
ودار اطول حوار بين يوسف وامرأة العزيز وزوجها والشاهد في اكبر مشهد درامي يرسم لنا دواخل كل شخصية شاركت فيه:
ومرت الايام بيوسف وهو في بيت العزيز ،ولما بلغ أشده اعجبت زوجة العزيز بجماله وهيأته الشخصية ،فهامت به عشقا (همت به) اما هو فقد قاسمها هذا الهم (وهم بها)، ( و راودته التي هو في بيتها) عن نفسه، وغلّقت الابواب بعد ان هيأت له مضجعا ، وقالت : هيت لك.
فرفض بعد ان تنبه الى ما تريده زوجة العزيز من فاحشة ، وبعد ان تذكر اهتمام سيده له ، قال لها: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون .
فهرب منها ناحية باب الدار(واستبقا الباب) ، فجذبته من قميصه من الخلف ، (وقدت قميصه من دبر) و بينما هما كذلك فاجأهما العزيز عند الباب .
اسرعت الزوجة بالقول مدارية فعلتها الشنعاء : ما جزاء من أراد بأهلك سوء؟
قال الزوج : يسجن أو يعذب عذابا أليما .
الا ان يوسف رد مدافعا عن نفسه : هي راودتني عن نفسي.
وبينما هما في جدالهم ، (شهد شاهد من أهلها ) وقال : (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين).
تفحصوا القميص ، فلما رأى العزيز قميصه قد من دبر، قال:( إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم ).
ثم قال العزيزليوسف ناصحا: (يوسف أعرض عن هذا ).
والتفت الى زوجته ناصحا، قال: ( استغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين). )).
وهناك الكثير من الحوارات التي حملت بين كلماتها دلالات ومعان اراد النص ان يوصلها الى مستمعيه (قبل التدوين ) من خلاله .
***
الهوامش:
* هذا فصل من كتابي (تجليات الاسطورة - قصة يوسف بين النص الاسطوري والنص الديني) ، يمكن قراءة الكتاب على شبكة الانترنيت.
1- المرزوقي- ص89 .
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد إضافة/ تعديل الكلمات الدلالية
التصانيف
غير مصنف

التعليقات

كتابة تعليق كتابة تعليق