واقعية المنهج الكلامي ودورها في مواجهة التحديات الفلسفية المعاصرة -د عبد المجيد النجار
تمهيد :
يوجه النقد شديداً إلى الفكر الكلامي فيما جنح إليه من إيغال في التجريد عند معالجته للقضايا العقدية التي كانت قواماً له ، وما يتصل بها من قضايا طبيعية وفلسفية استخدمت في تلك المعالجة ، وقد عد بهذا التجريد فكراً عقيماً في مواجهة المشكلات الإيديولوجية الفلسفية التي تجابه المسلمين منذ بداية نهضتهم الحديثة ؛ إذ إن هذه المشكلات متأتية من الواقع الجديد الذي طرأ على حياتهم إثر اتصالهم بالحضارة الغربية ، بينما يسبح هذا الفكر في فضاء من مشكلات ماضية لم تكن على صلة وطيدة بواقع المسلمين على عهد نشأتها بلة أن تكون كذلك بالنسبة لواقعهم الراهن. ولهذا السبب اتخذ هذا الفكر الكلامي مهجوراً من قبل أكثر المهتمين بالمشكلات الثقافية الايديولوجية للمسلمين على هذا العهد ، بل اتخذ هزؤا أحياناً ، وذلك باعتبار أنه لا يصلح أداة للدفاع في سبيل النهضة الثقافية الإسلامية .
و الحقيقة أن هذا الموقف من الفكر الكلامي انبني في الحكم عليه من تقويم سطحي اقتصر على الصورة التي انتهى إليها هذا الفكر لما آل إلى الضعف والجمود شأن الفكر الإسلامي عموماً ، وهو الصورة التي آلت إلى إجيال هذا القرن عبر الثقافة الموروثة عن عهد الانحطاط ، تغافلاً في ذلك عن الطور الذي كان فيه الفكر الكلامي حياً فعالاً في مواجهة مشاكل حقيقية ألمت بالمسلمين في حياتهم الثقافية العقدي ، وهو ما فوت على الفكر الإسلامي المعاصر فرصة الاستفادة من الدور المهم الذي قام به الفكر الكلامي في ذلك الطور متمثلاً في صد الغزو الفكري و العقدي الذي تعرضت له العقيدة الإسلامية ابتداء من أواخر القرن الأول ، وتوطيد إيديولوجية إسلامية مكينة ثابتة .
إن الصورة التي وصل عليها علم الكلام إلينا هي صورة مدرسية بدأت في التكون لما توقف هذا العلم عن النمو بعد القرن الرابع ، فحينوذ أخذت القضايا الكلامية بالتقرير والترتيب وفق تصور عقلي لمنطقية
...