ضد التعصب أم ضد الإسلام ( 5 – 6 )

بقلم: أ . د . حلمى محمد القاعود
....................................

يُخصص جابر عصفور جزءاً غير قليل من كتابه (( ضد التعصب )) دفاعاً عن (( حيدر حيدر )) صاحب الرواية البذيئة الفاجرة (( وليمة لأعشاب البحر )) ، وجابر عصفور له ولع خاص بالكتّاب (( الطائفيين )) ، فهو يتحدث عنهم كثيراً ويحتفى بهم كثيراً وعلى سبيل المثال ، فقد خصص ل (( على أحمد سعيد )) المشهور باسم (( أدونيس )) عدداً خاصاً من مجلة (( فصول )) عندما كان رئيساً لتحريرها ، ويوم وفاة (( سعدالله ونوس )) خرج عن سياق كلمته فى ندوة كانت مخصصة للاحتفال بمحمد فريد أبو حديد ، ليرثى بحزن وهلع الكاتب النصيرى الراحل بصورة كادت تغطى على المحتفى به !.
ومع (( حيدر حيدر )) فقد ذهب إلى أبعد من ذلك ، حيث كانت مشورته لوزير الثقافة بمصادمة الأمة كفيلة بإثارة القلاقل والاضطرابات ، فبعد أن أعلن الوزير – فاروق حسنى – أن رواية الوليمة ستخضع للتحقيق ، خرج ليعلن – وفقا للمشورة – أنها رواية رائعة وليس بها ما يُسىء إلى الإسلام أو المجتمع ، وتجرأ الوزير على رافضى الرواية بكلام مستفز، فتحرك الطلاب فى جامعة الأزهر ليتظاهروا ، ثم كانت اللجنة التى شكلها الوزير برئاسة (( عصفور )) لدراسة الرواية سبباً آخر من أسباب إثارة التوتر ، حيث غالط أعضاؤها ، ودلسوا على الأمة ، وزعموا أنهم وحدهم أصحاب الاختصاص فى قراءة الرواية وفهمها والحكم عليها ، أى احتكار القول الفصل فى شأنها ، مما يعنى أن غيرهم – ولو كان متخصصاً – لا يفهم الرواية ولا يستطيع تقويمها ...
والرواية ببساطة شديدة رواية ماركسية كتابة وأشخاصاً ، وكما يعلم أبسط الناس ، فالماركسية ضد الإسلام ، ومعادية له ، وهذا ما صنعته الرواية ، فقد سبت الذات الإلهية على لسان شخوصها ، وأساءت إلى النبى – صلى الله عليه وسلم - ، وهو ما أكده حيدر فيما بعد حين تحدث إلى إحدى القنوات الفضائية . . ثم إن الرواية الرديئة فناً وإبداعاً – حافلة بالإباحية والجنس الفج والدعوة إلى الشذوذ ، ومع هذا تخرج لجنة عصفور لتهجو الأمة التى لا تفقه قراءة الرواية ، ولا تفهم تجلياتها الإبداعية الرائعة فى مفهوم اللجنة اليسارية الدنيوية !، ثم – ويا للمفارقة – تتحدث عن دفاع الرواية عن الإسلام من خلال وصف المجاهدين الجزائريين وهم يهبطون من الجبال بعد انتصار الثورة ويهللون ويكبرون !.
وكم رأينا من تدليس وكذب ، فى نقل الأقوال وتفسير العبارات دون خجل أو حياء ، وكانت النتيجة أن تصدت قوات الشرطة لطلاب الأزهر ، وسقط جرحى ، وقبض على عديدين ، وتواترت أنباء عن تعذيبهم ، ثم كانت الطامة الكبرى بإغلاق حزب العمل ذى التوجهات الإسلامية ، وإيقاف صحفه ، مما نتج عنه تشويه صورة الدولة (( المدنية )) التى ينافح عنها عصفور ، حيث ظهرت بمخالب عسكرية شرسة .
ولا يجد (( جابر عصفور )) غضاضة فى قلب حقائق الأشياء ، وهو يسرد قصة الوليمة البذيئة وما رافقها من أحداث ، فيُسميها (( الرواية المظلومة ! )) ويؤكد على أن مظاهرات طلاب الأزهر حركتها قواعد (( الإخوان المسلمون )) فى الجامعة . ثم يقدح فى الأزهر بطريقة غريبة ، ويصف ثقافته بثقافة النقل والتقليد المعادية للعقل (( ولا يُشجع على الاجتهاد والاختلاف ، والنتيجة هى شيوع الجهل الذى يتكاثف كما تتكاثف الظلمة ، والتعصب الذى ينمو أسرع من ورد النيل القاتل ، والاندفاع إلى العنف الذى ينتظر إشارة )) ( ص 412) .
إن ثقافة الأزهر الذى يضم مئات المعاهد وعشرات الكليات فى مختلف التخصصات مستمدة من الشريعة ، وتشمل الطب والهندسة والصيدلة والعلوم ، ويتدرب طلاب الأزهر منذ الصغر على فقه المذاهب ونحو المدارس وآراء علماء الكلام ووجهات نظر المفسرين وروايات المحدثين وأقوال المؤرخين .. فهل يمكن لمنصف بعد ذلك أن يصف الأزهر بالجهل والتقليد والعنف ؟ .
إن جابر عصفور – وحده – هو الذى يستطيع أن يندفع بتعصبه الدنيوى (( غير العقلانى )) ليسوء الأزهر ويهجوه هذا الهجاء المقذع دون أدنى تحفظ ! والمفارقة أن شيعته اليسارية الدنيوية دبجت – ذات يوم – مدائح فى أحد شيوخ الأزهر الذى أحل فوائد البنوك ووافق السلطة فى اتجاهاتها ، ولم تبخل عليه بوصف (( المستنير )) ، ولا أدرى إن كان فضيلته قد أدرك المغزى الفلسفى لهذا الوصف أم لا ؟
إن الرواية البذيئة كشفت حقيقة التدليس اليسارى الدنيوى وتخليطه الفكرى وخطابه (( الديماجوجى )) سعياً لإرضاء الاستبداد وقهر الشعب ، وأيضاً لاستئصال الإسلام وجذوره الراسخة من وطن يعده أهل الأرض المسلمون عقل الإسلام وذراعه القوية فلصالح من يفعل ذلك اليساريون الدنيويون ؟ اسألوهم .
لقد أدان الأزهر الشريف الرواية البذيئة وأكد بيانه الصادر بهذا الشأن أن الرواية كلها (( تحرض صراحة على الخروج على الشريعة وعدم التمسك بأحكامها )) .
فكان غضب عصفور على الأزهر ضارياً ، ولم يحتمل رأى الأزهر فى الرواية ، ولم يقبل الرأى الآخر ، فراح يحرض على الأزهر وطلابه وأساتذته والحركة الإسلامية ، ويصف الرواية البذيئة بالرواية (( المظلومة ! )) ، ويقلب الحقائق مااستطاع إلى ذلك سبيلاً .