[align=center:39b974b2e0]طَعْمُ الرَّحِيل*[/align:39b974b2e0]
كَمَنْ فاجأه التّـَذَكُّـر، دَبَّ الانتفاضُ في بدنه...
قبضَتْ كفُّه الصغيرة، على سبَّابتي اليُمنَى, خرج صوتُه متقطعا, قال:
أبى.. هيا إلى صلاة الجمعة.
يومان فقط مرَّا، على قدومي من البلد الخليجي ـ لأجازة قصيرة ـ، كوب الشـاي ـ بعد الفطور ـ لم ينضب بعد، قلت:
لم يدخل الوقت بعد يا فارس.
عَلَتْ جبهتَه خطوطٌ أقلُّ من سنوات عمره العشر, قال:
كثيراً ما يدخل الوقت، وأنت هناك.
ارتبكت هزاتُ رأسي, أفرَجَ فمي عن همسة وَاهِنَة:
من أجلكم كان الرحيل.
حاولَتْ حِيلَةُ أمه، أن تشغله عن مواصلة الحوار، نجحتْ في ذلك للحظة، يحتل حلقها ـ منذ آخر عيد ـ طعم المرارة, يتردد في صدرها ـ إلى الآن ـ تساؤله الصعب:
إلى متي أذهب، إلى الصلاة وحيدا،ً يا أمي؟!
عادت عيوننا لتلتقي، حاولتْ كفْه جذب يدي، بَدا إصراره أقوى من أي شيء.
بدأت أقدامي أولى خطوات الاستجابة...
أوقفتني كلماته:
ليس قبل ارتداء بدلتك الجديدة.
قلت:
جلبابي جديد، وغالي، و...
قال معترضا:
أبو الولد ( فاروق)، يبدو ببدلة جديدة، عند كل صلاة، وفي الأعياد، و...
عَضَّتْ أسنانُ أمه شفتَها السفلى، في محاولة لإسْكاتِه.
...
عجزتْ ملامحي، عن خلق تعبير مناسب يسبق الكلام.
واصلَ كلماته:
في العيد, وأنت بعيد, تضم أحضان الكبار كل الصغار, أما أنا فـ...
فاجأني جفاف الحلْق, وانحدرتْ تحت عينيَّ، كراتٌ صغيرة ساخنة.
ــــــــــــــــــ
القصة من مجموعة : نبش في ذاكرة الحصار.