مقدمة


بسماللهالرحمنالرحيم

والحمد لله رب العالمين
الذي قال (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ* وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ) (فاطر 22-25) .
وصلى الله على الأنبياء والمرسلين وعلى خاتمهم المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الغر الميامينْ ، وعلى خاتمهم الذي سيبعث نقمة على الكافرين .
قدمت في الجزء الأول أن هذا البحث هو : نظرة من خلال قصص الأنبياء والمرسلين ، والأمم الغابرة إلى حال المسلمين في الحاضر ، وفي المستقبل المرتقب فيه ظهور الإمام المهدي (ع) . كما انه دعوة للإصلاح ، ولمراجعة المسيرة وخصوصاً لمن يدعون تمثيل الإمام المهدي (ع). وهو دعوة للاستعداد لنصرة الإمام المهدي (ع) وتجنب الوقوف ضده ، سواء مع الطواغيت ، كالسفياني أو مع علماء السوء السامريين. وقد توخيت فيها أن ألزم جانب اللين والرحمة ، قال تعالى ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159) .
فالواقع الإسلامي اليوم مخز ٍ ، والحال مرير ، ولا بد من الإصلاح ، ولابد أن يتصدى مؤمنون لهذا الإصلاح . ومن الطبيعي أن تكون هناك تضحيات في صفوف السائرين على هذا النهج الشريف ، الذي هو كالسير على الجمر . فعن الإمام الباقر (ع) قال : قال رسول الله (ص) ذات يوم وعنده جماعه من أصحابه :
(اللهم لقنيإخواني مرتين فقال من حوله منأصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله ؟ فقال : لا إنكم أصحابي ، وأخواني قوم في آخر الزمان ، آمنوا ولم يروني ، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم ، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم . لأحدهم اشد بقيه على دينه من خرط القتاد (أي الشوك ) في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا. أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة )[1] .
فمن الصعب أن تقف بوجه الطواغيت ، و علماء السوء السامريين تقارعهم وتقاتلهم ، ويدك خاليه حتى من حجر تدافع به عن نفسك ، ولا ناصر ولا معين . وفي أيديهم أسلحه و دبابات وصواريخ وآلة إعلامية ضخمه ، وأسماء رنانة صرفت أموال طائلة لإحاطتها بهالة من القدسية الزائفة ، وأموال طائلة تغدق على من يعبدهم من دون الله . ويطبل ويزمر لهم ، ويسميهم زعماء وعلماء . ولكن لي ولإخواني المؤمنين بموسى وهارون أسوة ، عندما قارعا فرعون وهامان وقارون ، والسامري وبلعم بن باعورا (لعنه الله) الظاهر بلباس العالم العابد الناسك، ولنا بعيسى (ع) عندما قارع قيصر وبيلاطس وجيوش الرومان ، وعلماء بني إسرائيل الضالين أسوة ، ولنا بمحمد (ص) عندما قارع الطواغيت ، وعلماء السوء أسوة . ولنا بآل محمد (ص) عندما قارعوا طواغيت بني أمية ، وبني العباس وعلماء السوء السامريين في هذه الأمة أسوة .
و والله:- لولا أن الله كتب على المؤمنين إنكار المنكر ، ولولا أني اطلعت على كثير من الحقائق التي ملئت كبدي قيحاً ، سواء من الحكام المفسدين أم من علماء السوء الفاسدين (ولو اطلعت عليهم لملئت منهم رعبا ) لألقيت حبلها على غاربها ، ولما اخترت هذه المواجهة الدامية ، مع ألوف مؤلفة مسلحة ، بكل أنواع الأسلحة المادية والعسكرية والإعلامية . وليس بين يدي إلا أن أقول (ربي إني مغلوب فأنتصر ).
أيها الأحبة إني لماّ تدبرت طويلا وصية أمير المؤمنين (ع) ، وجدته يقول :-
(( والله ما فاجئني من الموت وارد كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد، وطالب وجد، وما عند الله خير للإبرار ))[2] .
ووجدت إن العاقل اللبيب المطيع لله الموتُ أحب إليه من الحياة . وما عند الله خير للإبرار. جعلني الله أنا الحقير المسكين ممن يتمرغون في تراب وطئوه ، وممن يسلك الصراط المستقيم الذي سلكوه . واني لما تدبرت طويلا حال الأنبياء والأوصياء وعباد الله المخلصين في القرآن ، وفي سيرتهم ، وجدتهم أصحاب غيرة ، وأنوف حمية ، تأبى اختيار طاعة الطاغوت والخضوع له . بل وجدتهم يقتلون ويقطعون ويصلبون بعز وكرامة دونما لحظة خضوع أو مداهنة أو ركون لظالم . وجدت إبراهيم (ع) يحمل فأساً ويكسر الأصنام ، ولا يبالى بما سيفعله به الطواغيت ، وعلماء السوء . حتى يلقى في النار . ووجدت يحيى (ع) يصرخ بوجه هيرودس : انك فاجر ، حتى يقطع رأسه . ووجدت الحسين (ع) يهتف بوجه يزيد (لعنه الله) انك كافر ، حتى قتل صحبه وبنو عمه وإخوته وبنوه ، فما خضع وما ركن للظالم ، حتى قتل ، ورفع رأسه على رمح ، وسبيت نساؤه . فنصره الله لما نصر دين الله في أرضه . ووجدت موسى بن جعفر (ع) يهتف بوجه طواغيت بني العباس المهدي والهادي والرشيد الضالين : إنكم كفرة ، حتى نقلوه من سجن إلى سجن ، ومن طامورة إلى طامورة ، فما خضع وما استسلم حتى قتله الرشيد (لعنه الله) في السجن بالسم . ووجدت موسى بن عمران (ع) يقارع فرعون (لعنه الله) وقواته المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة في حينها ، وليس معه إلا عصا شاء الله أن يجعلها آية من آياته . ووجدت أمير المؤمنين (ع) تثخنه الجراح في أُحِد ، فلا يزداد إلا يقيناً وقوة في دين الله ، تزيده قوة في بدنه ، يجندل بها صناديد قريش . ووجدت حبيب الله محمد (ص) بعد أن تثخنه الجراح ، وتكسر رباعيته في وقعة أُحِد ، يعود ويكر على المشركين بجمع من أصحابه ، معظمهم جرحا يتكئون على قوائم سيوفهم ورماحهم ، فيرحم الله سبحانه حالهم ويلقي الرعب في صفوف المشركين فيولوا مدبرين بعد أن قرروا استئصال النبي (ص) وأصحابه ، فنصره الله دونما قتال .
ثم نظرت إلى حالنا اليوم فوجدت الطواغيت المتسلطين على هذه الأمة ، لم يبقوا من الدين إلا اسمه ، ومن القران إلا رسمه . وياليتهم تركوه على حاله ، بل عمدوا إليه وأهانوه ونجسوه تقرباً للشيطان الرجيم ، وامتـثالا لأوامر السحرة والكهان (لعنهم الله وأخزاهم) ، والمسلمون وعلماؤهم صامتون ، كأن على رؤوسهم الطير ، وكأن القرآن لا يعنيهم بشي .
الويل لكم أيها الصامتون هذا هو الكتاب الذي لا يمسه إلا المطهرون ، هذا هو أحد الثقلين. فكيف خلفتم رسول الله فيه ، كيف تسكتون على من ينجسه بدمه الخبيث ، أخوفاً من الموت أو القتل ؟ ! . أذن لا تمتعون إلا قليلا .
أم تقولون تقية ، ويحيى بن زكريا (ع) قتل وقطع رأسه من اجل أمر اقل من هذا بكثير ، من اجل زنا بمحرم . انتم يا علماء الإسلام يا من تدعون تمثيل الأنبياء ، ماذا بقي بعد الاستخفاف بكتاب الله وتنجيسه ؟! ،} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً * أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً{( النسا ء/ 77-78) .
قال عيسى (ع) ( أنكم علماء السوء الأجر تأخذون والعمل تضيعون . يوشك رب العمل أن يطلب عمله ، وتوشكون أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه )[3] .
لقد نبذ الكتاب حملته ، وتناساه حفظته ، فكفروا به ، فسوف يعلمون . لقد شُغلوا بدراسة المنطق والنحو وتدريسها ، عن دراسة كتاب الله وتدريسه ، وشُغلوا بتقديس المنطق عن كتاب الله وتقديسه :
(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)(الفرقان:30)
بماذا ستعتذرون أمام الله عن خذلانكم لكتاب الله بالتقية ؟ ! . إذاً لو كنتم في كربلاء لوقفتم مع جيش عمر بن سعد (لعنه الله) وقتلتم الحسين (ع) ، واعتذرتم بالتقية ، أو على الأقل لوقفتم جانبا واعتزلتم القتال ، واعتذرتم بهذا العذر القبيح ، نعم فقتلة الحسين كانوا يدَّعون أنهم شيعة ، وراسلوا الحسين (ع) وادعوا أنهم سينصرونه ، فلما وجدوا إن نصرته ستفقدهم حياتهم المادية قتلوه ، ونصروا أولاد البغايا ، وخذلوا ابن فاطمة (ع) من خستهم والخبث والجبن الذي انطوت عليه نفوسهم . وهكذا انتم لو خذلتم كتاب الله اليوم ، فحتما ستخذلون غدا ابن الحسين (ع) الإمام المهدي (ع) .
بسم الله الرحمن الرحيم ] المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ [(الرعد :1) . لا يؤمنون بالحق لأنه مر ، ولا يسلكون طريق الحق لأنهم يستوحشون من السير فيه لقلة سالكيه ، ويعجبهم الخبيث لكثرة كأنهم لم يسمعوا قوله تعالى :-
]قُلْ لا يَسْتَوِيالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون [(المائدة:100) .
بلى سمعوها ووعوها ، ولكنهم كما قال أمير المؤمنين (ع) : ( حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها )[4] ، واجتمعوا على جيفه أُفتضحوا بأكلها ، ومن حلي في عينه شيء أعشى بصره وأعماه ، قال تعالى :-
]مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ[(البقرة:17).
بلى مثلهم كالمنافقين في صدر الإسلام ، أوقدوا شعلة الإسلام مع الرسول (ص) فلما اسلم الناس نافقوا هم وطلبوا الدنيا ، فذهب الله بقشورهم الدينية التي غلفوا بها بواطنهم السوداء .

[1] - البحار ج52 ص 124

[2] - نهج البلاغة ج3 : ص21

[3] - الكافي ج2 : ص319 .

[4] - نهج البلاغة : ج1 : ص36 .