أزهار

زهرة شرقيه تقاذفتها الأمواج والرياح العاتيه ردحا في سموات الرحله المجهوله وزمن التيهه والضياع لتحط بها في


في أريندال أحلى مدن الجنوب الأسكندنافي وهي مدينة ترى بيوتها الملونه من بعيد كأنها حدائق من الزهور الجميله أينعت على ثلاثه

من الجزر الصغيره على سواحل بحر الشمال

في مملكة النرويج ... وقد أضافت لها أزهار رونقا يملأ عالمك حضورا وبهاء كلما قابلتها

لها ابتسامة بريئه ونظرة صادقه يشوبها حزن لاتخفى عليّ ملامحه وأسبابه ...


تشعر بها في كل مكان تسير فيه في أريندل ... تطل عليك من النوافذا ... تخرج عليك من الجدران ... تشعر بها كامنه في الثلج

المتراكم

على الشرفات كأجراس القطن ...وعليك أن تتوقع تحيتها لك بينما تعبر الطريق أوتجلس متأملا شمس الغروب


كلما أحتجت أن تقول أهٍ ياوطني ...


تجد دمعنها تسيل على خدك تحقنك بدفئ المفردات حتى تشعر بأن بسمتها تفتر على شفتيك ..!


يحبها الجميع لدرجة أن البعض يعدد افراد أسرته ويضيف إليهم أزهار ... تحدثك بكل لهجاتك العربيه وتشعر بملابسها كأنها حيكت في

قريتك من محيطنا الحبيب حتى خليجنا الغالي

تساعدنا جميعا بكل مانحتاجه من شؤون أعمالنا في مؤسسات وطننا الجديد النرويج ... و تعلم القادمون إليه من المهاجرون الجدد

كيف يتصرفون ... تترجم لهم وتدلهم على الاماكن التي تختص بشؤونهم وأمورهم التي تعنيهم .. لاتمل ولاتكل ولا تشعر بتعبها وهي

تعاملك كأنها مسؤوله عنك ... لاتنتظر شكرا ولاشيئ ترجوه سوى انها تراك سعيدا في حياتك العامه ...

يفاجئك منها أنها لاتنسى أن لك موعدا في اليوم كذا وانك يجب أن تراجع الدائره كذا ...


لهذه الاسباب كانت قلب يملئ بيوتنا والشوارع والمدينه ...


خرجت إلينا ذات يوم أزهار بروحها الطيبه وضحكتها الجذابه بفكره جميله حينما أرسلت للجميع دعوتها كي نحضر مساء الجمعه القادمه

الى قاعة البلديه ... ولأن أحدا لايستطيع ان يرفض لها دعوه تجمعنا هناك كما لو أننا في نفير عام ..!


وجدنا المكان أنيقا ونظيفا زينت أزهار زواياه بالورود وعلى الطاولات قطع الكاتو والبسكويت والمعجنات والفستق وباقي المكسرات

وعصائر البرتقال والشاي والقهوه ثم نهضت لتلقي علينا بيانها الأول !


قالت أخواتي .. أخواتي أبناء أمتي أحبائي ..أهلي .. وأسرتي الكبيره


لقد قرأت عن صالونات أدبيه أقامها المغتربون والأدباء في أماكن عده من هذا العالم خلال القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين

لاسيما صالون الأديبه مي زياده على سبيل المثال ...

تبسم الجميع ... وتبسمت هي الاخرى ... أخذتنا عدوى الضحك ... فضحك الجميع

ثم أردفت قائله ... ,أنني أتشرف بدعوتكم الى هذا الصالون الذي أستطعت الحصول عليه ليكون مكان نجتمع فيه مساء كل جمعه

نتعرف

على بعضنا أكثر .. وعلى مواهبنا وهمومنا وباقي الفوائد التي ممكن أن تحدث حينما يكون لنا مكان نختزل فيه أمتنا العربيه العظيمه

بكل جمالها وتاريخها وجغرافيتها في موقع واحد ... نتبادل فيه المعارف والذكريات والمحبه

( صفق لازهار الجميع محبذين الفكره ... معلنين ولادة صالون أزهار )

كنت في زاويتي أقصى الظل

تداهمني الأفكار ويتجاذبني تاريخ الصالونات الأدبيه فتخرج روحي عن المكان حتى بدا لي صوت أزهار يتقطع

وهي تتكلم ... وتغيب عن عيني كل الشاشات ثم تعود وانا في تواردي الذهني مابين القديم والحاضر ... فانتابني ذلك

الأحساس بالتشائم والحزن والقلق ... لا ادري ماهي بواعثه في عقلي الباطن ؟ حتى أنني لم أشعر بالسرور الذي نثرته أزهار


كزهورها وألحان ضحكتها بين المدعوين

مرت الاسابيع الأولى على مايرام يحضر منا من يحضر ... ويغيب من يغيب إلى الصالون تستقبلنا فيه أزهار بزهورها وكاميرتها تلتقط

لنا الصور وأوارقها تسجل فيها وقائع الجلسه ودفتر الحضور والغياب والعصائر والسكاكر ... تشعر بها مخلوق ينشطر إلى

نسخ على عدد المدعوين ... تجد أن أزهار واحده ... لكل حاضر ! وهي تقدم للجميع أنواع الضيافات وتترك أمام عينيك ضحكتها


حتى تغادر ...

وأنا في كل مره نجتمع بها في صالون أزهار


لايغيب عن خوالجي ذلك الإحساس بالحزن والقلق ... زاد من تفاعله وتأكيده في ذاتي ظهور بذور إنشقاقات الأمه التي أرادت أزهار أن

تختزلها في صالونها بكامل حدودها وتاريخها العظيم ...

فقد تحدث حسين منذ أسابيع خلت عن تأييده لدولته العربيه في خلافها مع دولة عبد الكريم مما أثار حفيضة عبد الكريم ..

واستاءت هند من مجرى الحديث ... وأحتج بطرس على طريقه أبو الدرداء في مناقشة الأمور الأدبيه


وقد تكرر هذا حينما أعتبرت أم الزهراء بأن نزار كان يخفي في أشعاره كثيرا من الأنتقاد للمرأه


فانبرى علي للدفاع عن نزار لترد عليه أم الزهراء بقولها : ولكني أنا المرأه ياعلي وأنا من يشعر بشعورها


أجابها علي وهو ( مثقف ثوري) بقوله وأنا الرجل هنا وأنا من يعرف ماذا يقصد نزار ... أخذ الحديث منحى متقدم لم أنتبه الى تطوراته

التي أدت الى كلمه مفاجئه سمععناها جميعا قالتها أم الزهراء ( أنتم أبناء الشرق الأوسط كثير منكم هكذا ) ثم خرجت مسرعه من

الصالون تبعتها صديقتها إيلين العراقيه وزوجها سامر اللبناني ... قال علي لن أتراجع عن رأيي بنزار وهو ليبرالي حر وليس راديكالي

متعصب يغضب من يغضب ويرضى من يرضى !

ولم ينتهي الحديث بعد مغادرة أم الزهراء بل واصله أبو الدرداء حينما أنبرى يدافع عن أفكار أم الزهراء وراح يعدد الأحزاب العلمانيه التي

عملت على قمع الأفواه ... ويرد عليه علي ومحمد بتعديد الحركات الأصوليه التي أدت الى دمار العقول ليتدخل عبد الأمير ليلعن كل

الأنظمه .. ويرد أبو حسن عليه ويذكره بتاريخ الأختلافات في تراث عبد الأمير ..
.

ثم بدأ الجميع بالإ نسحاب مغاضبا غير مودعا ..
.

هناك جلست أزهار ...في الزاويه البعيده أسندت جبينها على يدها وهي عاجزه عن السيطره لمجريات الحديث والأحداث بالرغم من

برامجها الدقيقه لقيادة دفة الحوار وتوجيه بوصلته الى شواطئ هادفه ...

أنسل الجميع وتبعثر عقد أزهار ...

بقيت أنا هنا ... وازهار ... ورجل من البلديه جاء للتو ليعبر عن أستياءه من لقاءاتنا هذه التي أزعجت الجيران بسبب الصوت العالي وأنه

تلقى شكاوي منهم

أزهار لازالت تخفي عينيها منكسره في زاويتها حينما قلت لها ... :


لم يكن زمن مي كزمنك ياأزهار ...

ثم غادرت المكان


سمعنا منذ أيام أن أزهار كبرّت كل صورنا التي أخذتها لنا في الصالون ونحن في حالات الفرح وعلقتها على الجدار

وطوقتها بعقود الياسمين وكتبت تحتها أسمائنا لتؤرخ لحظات اللقاء

حين كان علي يضحك ومعه أم الزهراء .. وبطرس يصافح أبو الدرداء في صورة أخرى ... وأبو حسن وعبد الأمير يتعانقان بكل سعاده

وغيرها كثير من الصور ذات الحجم الكبير التي أرخت فيها أزهار لحظات من سعادتنا ووفاقنا

وسمعنا أن أزهار لازالت تذهب وحدها الى الصالون تبدل اطواق الياسمين الذابله بأطواق جديده حول الصور وتستمع لموسيقى هادئه

تجلس قليلا ثم تغادر المكان

لا أدري كيف توافقت وبالمصادفه رغبتنا جميعا هذا اليوم الجمعه في زيارة الصالون لرؤية صورنا المضخمه والمأطره بأطواق الياسمين

تفاجئنا ببعضنا جميعا ونحن نتفرج على كاليري صورنا في صالون أزهار ثم بصوره تلقائيه تحلقنا حول أزهار لتمتزج عبرات بعيده

بإبتسامات مرتجفه ... تعانقنا جميعا وتعاهدنا أن لانغادر بعد الأن صالون أزهار ابدا




مأمون البورسان