صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 1 2
النتائج 13 إلى 16 من 16

الموضوع: الشعوبية والحقد الدفين

  1. #13 رد : الشعوبية والحقد الدفين 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10


    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تتداعى عليكم الأمم كما يتداعى الأكلة على القصعة......" صدق رسول الله

    وان مما يشهده المرء ظاهرا للعيان واضحاً لا يحتاج تأويلاً أو إيجاد عذر لصاحب المقال في أقنية الفضائيات وخطب العملاء الجدد , ومن مقالات الصحف, والانترنت عودة الشعوبية بحقد دفين , إن ما يميز أهلها الحقد على الإسلام وتاريخيه , الحقد على الحضارة العربية الإسلامية , التبيعة للغرب , الكره للعرب المسلمين خاصة وللمسلمين عامة وكل من ينافح عن أرضه ووطنه, هذه الشعوبية قد طفح الحقد من ألسنتهم , فتراهم ينكرون بطولات العرب المسلمين , يقلبون كل نصر خسارة وكل فكر وعلم جهلاً . يسمون العربي بالجهل والغباء وهم يعدون الدسائس ويجهزون المؤامرات , وهنا في هذه المقالة سنعمد إلى تفصيل صفاتهم و وذكرأعلامهم تاريخياً

    ودسائسهم , وتحليل شخوصهم وأهدافهم في محاولة لبلورة الحقائق التي يدين بها القاصي دون الداني والبحث عن حلول محاربتهم.



    فمن كان له راي يخدم هذا المقال فليجود به أعانكم الله.

    أن قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: إنكم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل وليقذفن الله في قلوبكم الوهن قلنا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)).



    ما الشعوبية: حركة نشات عبر التاريخ قلوبهم حاقدة على العرب المسلمين تحولت الحركة الشعوبية تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية واشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة)









    أعلامهم تاريخياً

    نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الشاعر بشار بن برد وهو شاعر شعوبي حاقد كاره للعرب كرهاً شديداً، يفتخر بالفرس وبحضارتهم ويعتد



    قصائده تحض على الفحش والرذيلة ورغم تلونهوتفلته كثيراً من عقوبة الزندقة إلا أنه شهد عليه شهود عدول أمام قضاة يحكمون بماأنزل الله وفي حضور خليفة المسلمين المهدي فأمر بضربه سبعين سوطاً حتى هلك.. ولكنبقي شعره المفعم بالزندقة يتوارثه خفافيش الزندقة بغية تحقيق مآربهم الخبيثة



    كما نذكر أن البرامكة والفضل وأخيه الحسن بشكل عام كانوا منهم



    وهذه وصية الخليفة المهدي:
    "
    يابني إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإنها تدعوا الناسإلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش، والزهد في الدنيا، والعمل للآخرة، ثم تخرجها من هذاإلى تحريم اللحوم، ومسّ الماء الطهور، وترك قتل الهوام تحرجاً، ثم تخرجها إلىعبادة: اثنين أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات،والاغتسال بالبول، وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هدايةالنور، فارفع فيها الخشب، وجرّد السيف فيها، وتقرّب بأمرها إلى الله. فإني رأيت جديالعباس رضي الله عنه في المنام قد قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين" بعد هذا التطوافنتكلم عن أهم رموز الزنادقة قديماً نختار منهم





    ومن أعلام العرب الذين نافحوا وصدوا هجمات الشعوبية هم أهل اللغة والأدباء أكثر من الفقهاء , حي علموا لب مقال الشعوبية ومازوا خبيثها وكل منهم قد درس وفقه علوم الدين , والتاريخ والانساب والأخبار وشتى العلوم



    ورغم ذلك فإنهم يتمسكون بكلمة الإسلام أما خشية انتقام الأمة منهموأما خبثاً ليروجوا مذاهبهم وعقائدهم الباطلة تحت عباءة الإسلام.. وعلى أية حالفالزندقة الحديثة أشد خطراً على الإسلام وتعاليمه من الزندقة القديمة إذ كانللمسلمين دولة وخليفة وقضاة يحمون بيضة الإسلام ويخشى سطوتهم الزنادقة قديماً.. أمااليوم فلا يوجد للمسلمين دولة تذود عن عقيدتهم.. ووسائل الإعلام المسعورة تتسابقعلى نهش الإسلام ونشر غثاء الزنادقة الجدد.



    إلا أن فئة من مفكريهم لم يلامس الإسلام شغاف قلوبهم وكانوا يحنقون علىالمسلمين بسبب ضياع ملك الأكاسرة على أيدي المسلمين فأسلموا ظاهراً وأبطنوا الكفربغية تدمير دولة الخلافة من خلال نشر تعاليم ديانة الفرس القديمة مع نشرالشبهات حولالقرآن وفضل العرب ونشرالفساد والعبث والمجون وإشاعة الإنحلال في المجتمع الإسلاميالمتماسك بالعقيدة الإسلامية.. هكذا كان الزنادقة في كمون أيام الأمويين ثم ظهرواإلى العلن أيام العباسيين واشتد أوار الزندقة في القرن الثالث الهجري وظهر في منتصفهذا القرن ابن الريوندي وأبو عيسى الوراق والرازي وغيرهم!! وكان صعود نجمهم فيالقرن الرابع الهجري لذلك لا عجب أن يؤلف المستشرق (آدم



    نطاق واسع وظهر الزنادقة الكبار كالحلاج ت 309هـ،والشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ت 322هـ الذي كان يقول إن الله يحل في كل شئ..وأن اللاهوتية اجتمعت في علي رضي الله عنه!! وقد كان الشلمغاني وعصابته الحلولية: "يغتفرون ترك الصلاة والصيام والإغتسال؛ وكانوا لا يتناكحون على السنة، بل يبيحونالفروج، ولا ينكرون أن يطلب أحدهم من صاحبه حرمته، وكانوا يرون أنه لا بد للفاضلمنهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه" وإلى غير ذلك من لواط كما يفعل عبدة الشيطانفي زماننا وكما يقول زنادقة الأدب من كفريات في عصرنا الحالي!! وإذا كان القرنالرابع الهجري حسب مقياس متز هو قمة الحضارة الإسلامية فماذا عسانا أن نسمي القرنالثاني الهجري وهو عصر المهدي والرشيد والمأمون والمعتصم ويتنهي بالمتوكل!! إذن هذهتقاسيم تاريخية جائرة وغير













    الجاحظ وابن قتيبة

    هو أبوعثمان عمرو بن بحر ولد في البصرةوقضى فيها أكثر عمره ولكنه في 204هـ رحل إلى بغداد ثم علا نجمه لما اتصل بوزيرالخليفة المعتصم محمد بن عبد الملك الزيات فأصبح من الموسرين وذاع صيته في العالمالإسلامي .. ومن أشهر كتبه: نظم القرآن ،البيان والتبيين، والحيوان، وفضيلةالمعتزلة، والرد على اليهود، الرد على النصارى، البخلاء، كتاب اللصوص وغيرها ذلك منكتب ورسائل.. ثم رجع إلى البصرة وهناك أصيب بشلل في جسده ومات في المحرم سنة 255هـوعمره نحو ست وتسعين سنة. وقد: "تصدى الجاحظ وابن قتيبة لهذه النزعة الآثمة وردّاعليها رداً عنيفاً، أما الجاحظ فعقد في كتابه "البيان والتبيين" باباً طويلاً سماه "كتاب العصا" صوّر فيه طعن الشعوبية على العرب في خطاباتهم، إذ كانوا يشيرون فيهابالعصي والمخاصر، كما كانوا يتكئون على القسي، مما يصرف في رأي الشعوبيين الخاطرويشغل الذهن أثناء الخطابة.. وزعموا أن الفرس أخطب من العرب .. وكل ذلك نازعهمالجاحظ في عنف شديد، ولكي يبلغ كل ما كان يريد إفحامهم ومقاومتهم جعل كتابه (البيانوالتبيين) رداً مفحماً عليهم، إذ خصصه لعرض الثقافة العربية الخالصة في صورهاالمختلفة من الخطابة والشعر والأمثال، كي يروا رؤية العين ما في هذه الثقافة من قيمبلاغية وجمالية، فينتهوا



    عن مزاعمهم ويثوبوا إلى رشدهم"



    وقد ألف ابن قتيبة في الرد على الشعوبيين مبحثاً سماه "كتاب العرب أوالرد على الشعوبية" وهو في مطالعه يذكر أن من أشد الشعوبيين عداوة للعرب قوماً منكتاب الدواوين امتعضوا لآداب أقوامهم.. ويقول إنهم كانوا يُزرون على الحكم والأمثالالعربية بما يروون عن الفرس واليونان من آداب وعلوم. ولم يكتف بعنفه عليهم في هذاالمبحث الطريف، فقد عنف بهم في مقدمة كتابه (أدب الكاتب) مصوراً قصورهم عن النهوضبوظيفتهم الأدبية في الدواوين لنقد ثقافتهم العربية. وقد حاول محاولة طريفة فيكتابه "عيون الأخيار" أن يجمع بين تلك الثقافة والثقافات الأجنبية ليبين أنها كلهاضرورية ولاتعارض بينها بوجه من الوجوه مما قضى على الشعوبية قضاءً مبرماً"



    وكتبا الجاحظ البخلاء ما كان الا كتاباً ساخراً ينال منهم ومن سخف عادتهم وقد تكلم عن صاحب الكلب وكان يقصد العربي الكريم وذكر الكلب لوفائه , وصاحب الديك وهو الفارسي الشعوبي البخيل وصديقه الديك وكلنا يعرف زهو الديك وصياحه.



    "لم تقتصر هذه الشعوبية على الفرس فقط بل امتدت إلى سائر الأممالتي أذعنت للعرب كالزنج، والزط من أهل السند، وكالنبط والقبط والبربر وغيرهم. معنىذلك أن النتيجة المنطقية لهذه الدعوى الشعوبية هو احتقارهم لنبي العرب صلى اللهعليه وسلم الذي أنزل الله عليه قرآناً عربياً.. ومن ثم كانت الشعوبية الوجه الآخرللزندقة فهما بحق وجهان لعملة واحدة." * د. هاني السباعي(زنادقة الأدب والفكر قراءة في تاريخ الزندقة قديماًوحديثاً)





    رد مع اقتباس  
     

  2. #14 رد : الشعوبية والحقد الدفين 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    المقاومة .. والشعوبيون الجدد
    شبكة البصرة

    د . محمد عياش الكبيسي

    تعرف الشعوبية بأنها تيارات مختلفة يجمعها العداء للعرب, جاء في الانسكلوبيدية البريطانية (الشعوبية كل اتجاه مناوئ للعروبة anti-arabisim) وهذا ما جاء في تعريفات قدامى علمائنا المسلمين فقد قال الأمام القرطبي :(الشعوبية تبغض العرب وتفضل العجم) تفسير القرطبي / 11/189 ونحو هذا لشيخ الإسلام ابن تيمية انظر اقتضاء الصراط المستقيم /149 إلا أنه نسب الشعوبية إلى النفاق والكفر فقال : (ومن الناس من قد يفضل بعض أنواع العجم على العرب, والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر ألا عن نوع نفاق أما في الاعتقاد وأما في العمل المنبعث عن هوى النفس) وقال أيضا : (ان بغض جنس العرب ومعاداتهم كفر أو سبب للكفر) 156 , وتجدر الإشارة إلى أن تعريف الشعوبية هذا والتنبيه إلى خطرها لا يبعد كثيرا عما يراه علي شريعتي المفكر والفيلسوف الإيراني المعروف حيث قال (تحولت الحركة الشعوبية تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافة) التشيع العلوي والتشيع الصفوي /121.

    وقد أعلنت الشعوبية عن نفسها في بدايات الخلافة العباسية الا ان جذورها الحقيقية تعود إلى عصر الفتوحات الإسلامية الأول, وقد شكلت الشعوبية خطرا كبيرا على الأمة الإسلامية عبر تأريخها الطويل ربما نستطيع أن نوجزه بالنقاط الآتية:



    1- تصفية قادة الفتح الإسلامي , حيث تم الانتقام من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ثم الخليفة الثالث عثمان بن عفان ثم الخليفة الرابع علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم أجمعين- في مؤامرة كبيرة استهدفت وحدة الأمة وهويتها ورموزها , ومع أن هؤلاء الخلفاء الثلاثة كانوا في صف واحد وراحوا ضحية لقضية واحدة الا أن الشعوبية راحت تصورهم ضحايا للمنافسات الداخلية على الغنائم والمناصب!! يقول علي شريعتي : ( لقد تضمن هذا البرنامج والمخطط المدروس إ ظهار عمر بمنزلة العدو رقم واحد لعلي !! وذلك انتقأما من دور عمر البارز في القضاء على الدولة الساسانية ) التشيع العلوي والتشيع الصفوي /134



    2- تشويه العرب والحط من شأنهم وتأليب الشعوب الإسلامية الأخرى على العرب ودعوتهم للثأر والانتقام وقد ألفت في هذا كتب كثيرة منها( لصوص العرب) و(مثالب العرب) و(أدعياء العرب) , يقول الفردوسي في (الشاهنامة) : ( من شرب لبن الابل وأكل الضب بلغ العرب مبلغا أن يطمحوا في تاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقا) ويقول مهيار الديلمي وهو من أهل بغداد !! :



    لا تخالي نسبا يخفضني أنا من يرضيك عند النسب

    فأبي كسرى على إيوانه أين في الناس أب مثل أبي


    3- وإمعانا في الكيد حاولت الشعوبية أن تربط نفسها بآل بيت النبوة حتى لا يبدو عداؤها للإسلام واضحا , ولكي تزيد من الهوة بين الطوائف والمذاهب الإسلامية , يقول علي شريعتي ( وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم عمدت الصفوية إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرّها إلى داخل بيت النبي إمعانا في التضليل ليتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية .. مستغلة التشيع لكي تضفي على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا ومسحة قداسة دينية , ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسرا ألا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد وعلي إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية !! تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص) التشيع العلوي والتشيع الصفوي /122. وقد دعم علي شريعتي تحليله هذا بعشرات المواقف والقصص والشواهد , وتجدر الإشارة هنا إلى أن شريعتي ليس سنيا بل هو شيعي إيراني ويعد من رواد الثورة الكبار يقول عنه الخامنئي نفسه :( إن النجاح الذي حققه شريعتي لم يحققه سواه) مجلة الوحدة العدد162 / 1994م .



    4- التحالف مع القوى الأجنبية المعادية للإسلام والمسلمين , فإضافة إلى ما ذكرناه في الحلقة السابقة من تحالف الطوسي وابن العلقمي مع هولاكو والمغول يذكرنا علي شريعتي بتحالف آخر لا يقل خطورة عن الأول فيقول : ( من القضايا الواضحة وجود نحو ارتباط بين الصفوية والمسيحية حيث تضامن الاثنان لمواجهة الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي كان لها حضور فاعل على الصعيد الدولي إبان الحكم العثماني وشكلت خطرا جديا على أوربا .. فعمدوا إلى تقريب التشيع من المسيحية .. حتى يتيقن بأن كلب هذا المسيحي الإفرنجي أطهر من السنة الذين قتلوا الحسين !!) التشيع العلوي والتشيع الصفوي 206.

    واليوم حين بشّر بوش بـحملته (الصليبية الجديدة) لم ينس ذلك التاريخ الطويل للشعوبية فراح يتحالف معها أو يستخدمها لتحقيق أهدافه بأقل ما يمكن من الخسائر, ولولا هذا ( الحلف الشرير) لما سقطت بغداد بأيدي الغزاة , حيث راح ( الشعوبيون الجدد) يروجون في البسطاء من الناس أن ( بوش و بلير) يعملان لوجه الله من أجل ( تحرير) العباد والبلاد وإنقاذ المظلومين والمحرومين !! وأن العراق سيكون أنموذجا يقتدى به في الحرية والتقدم والرفاه!!



    أما بعد انكشاف الأهداف الحقيقية لهذه الحملة والجرائم البشعة التي رافقتها مما أدى إلى تصاعد المقاومة الشرعية واتساع دائرتها لم يبق أمام هؤلاء الشعوبيين الا أن يصطفوا جهارا نهارا مع العدو الغازي في مشروع خطير لم يعد خافيا على أحد ويكفينا هنا أن نشير إلى بعض معالمه :



    1- الغاء الهوية العربية للعراق حيث خلا قانون ادارة الدولة المؤقت من أي إشارة إلى عروبة العراق بينما اكتفى بالقول : ( العراق بلد متعدد القوميات والشعب العربي فيه جزء لا يتجزأ من الأمة العربية) المادة 7 / الفقرة/ ب .

    نعم ان العراق متعدد القوميات شأنه شأن أغلب دول العالم لكن هل هذا مسوّغ لالغاء هويته العربية ؟! وما هي ميّزة العرب في العراق وفق هذا القانون عن أي جالية عربية في الدول الأوربية أو غيرها ؟! وكيف وافقت الأحزاب العربية المشاركة في العملية السياسية على هذا القانون؟! وأخيرا فأين موقف جامعة الدول العربية ؟ والعراق دولة مؤسسة فيها ولماذا سارعت إلى الاعتراف العملي بحكومة موافقة على هذا القانون ومنبثقة منه ؟!



    2- تهميش العراقيين العرب سنة وشيعة من خلال برنامج مدروس بدقة , فالسنة تم تهميشهم تحت شعار ( اجتثاث البعث) حيث أبعدت وربما اضطهدت أو صفيت كثير من القيادات السنية العربية بدعوى أنهم بعثيون مع أن البعث لم يكن حزبا سنيا , وبعد انكشاف هذه اللعبة صار التركيز على محاربة( السلفية والوهابية والارهاب السني) !! مع أن هناك اعترافات من وزير الداخلية ووزير الدفاع في الحكومة المؤقتة أن الكثير من ( العمليات الارهابية) يقوم بها متسللون من الشرق بل هناك اتهأمات صريحة للمخابرات الايرانية !! وأما الشيعة العرب فقد همشوا من خلال إقصاء مرجعياتهم ورموزهم في مقابل ابراز المراجع والرموز غير العربية بل لقد اشتركت بعض المليشيات الشعوبية مع الأمريكان الغزاة في مقاتلة التيارات الشيعية العربية كما حصل في النجف ومدينة الصدر وغيرهما!! بغية إضعاف هذه التيارات ومحاصرتها مع أنها تمثل الأغلبية الحقيقية لشيعة العراق !



    3- اضطهاد العرب المقيمين في العراق بشتى أنواع الاضطهاد , فمع بداية الاحتلال هجّر عدد كبير من العوائل الفلسطينية من الأحياء التي أقاموا فيها منذ عشرات السنوات , ويوم 11/5/2005 أكدت جمعية حقوق الانسان في سوريا أن ما يقارب من[2500] سوري ممن هاجر إلى العراق بداية الثمانينات يتعرضون اليوم للاضطهاد والاعتقال من قبل الأمريكان والشرطة العراقية والحرس الوطني, واليوم وأنا أكتب هذه الأسطر أعلنت هيئة علماء المسلمين عن انتهاكات خطيرة قامت بها قوات (الذيب) في منطقة ( البلديات) في بغداد بحق العوائل الفلسطينية حيث تم ترويع النساء والأطفال وتهشيم النوافذ ثم اقتادوا عددا من الناس البسطاء , ومع هذا فلم نسمع من الاعلام العربي والقادة العرب بل حتى العلماء والدعاة من يطالب باطلاق سراح هؤلاء المسلمين العرب المقيمين أصلا في العراق بينما تتعإلى المناشدات كلما تعرض أحد الأجانب للاختطاف أو الاحتجاز مع أنه دخل في ظروف غير طبيعية ومنهم من ثبت تعاونه مع الاحتلال وارتكابه جرائم حقيقية بحق المدنيين والأبرياء العراقيين.



    4- واذا كانت تلك الاضطهادات التي تنال العرب في العراق تتم بشيء من الخفاء فان التيارات الشعوبية المتعاونة مع الاحتلال خرجت في تظاهرات كبيرة أمام وسائل الاعلام وهم يهتفون( أطردوا العرب) ( لا نريد العرب) لماذا ؟ لأن الاعلام الشعوبي جعل كل عربي هو ( إرهابي) أو ( داعم للارهاب) !! ولكن بالمقابل هناك ترحيب وتشجيع لكل أجنبي بدءا من قوات الاحتلال والمتعاونين معهم إلى المليونين ايراني الذين دخلوا لأهداف كثيرة ومتعددة مع أن وزير الدفاع ووزير الداخلية في الحكومة العراقية المؤقتة اتهما هؤلاء ( الزاحفين من الشرق) بأنهم هم من يقف وراء أغلب العمليات التي تهدف إلى إثارة الفتنة وزعزعة الأمن وتصفية العلماء كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل!!



    5- التمهيد لإشعال حرب أهلية بأسماء وعناوين مختلفة لتخفيف وطأة المقاومة وإنقاذ المحتل من ورطته التي أوقع نفسه فيها , فقد عملت التيارات والأحزاب الشعوبية المهيمنة على بعض المؤسسات الأمنية على توريط الكثير من المنتسبين إلى هذه المؤسسات وبوسائل مختلفة في معارك ( لا ناقة لهم فيها ولا جمل) , فإذا قرر الأمريكان تدمير أي مدينة من المدن العراقية وحشدوا من الدبابات والمدافع والطائرات ما يكفي لإكتساح دول كبيرة تقوم هذه التيارات الشعوبية بالزج ببعض البسطاء من الشرطة أو الحرس في هذه المعارك الكبيرة والتي لا يمكن أن يكون لهم فيها أي أثر!! لكن الغاية واضحة وعلى جميع العراقيين أن يتنبهوا لهذه المؤامرة التي تستهدف أول ما تستهدف وحدتهم ولحمة نسيجهم الاجتماعي , وعليهم أن يسألوا هؤلاء ( الشعوبيين ) هل من واجب الحرس الوطني الاشتراك مع الأمريكان والبريطانيين لتدمير الفلوجة والنجف والموصل والقائم ؟ هل من واجب الشرطي العراقي أن يكون دليلا للأمريكان والبريطانيين لمداهمة البيوت واعتقال الشيوخ والنساء ؟! ما الدين أو القانون أو العرف الذي يحتكم له هؤلاء ؟!



    إن المقاومة العراقية الباسلة وهي تواجه هذا (الحلف الشرير) ولكي تحافظ على وحدتها ونبل أهدافها ولكي لا تنساق إلى معارك هامشية وأفخاخ جانبية لا بد أن تنتبه إلى :

    أولا : طمأنة الشعب العراقي بكل أعراقه وأطيافه ومذاهبه أن المقاومة لا يمكن أن تستهدف أيا منهم حتى لو كانت تختلف معهم فكريا أو عقائديا أو سياسيا , وأن تتبرأ المقاومة ببيانات مكتوبة وصريحة من أي عملية تستهدف (مسجدا) أو( حسينية) أو ( كنيسة) أو تصفية لصاحب رأي أو موقف مخالف , إن المقاومة تكون بهذا قد حرمت (الحلف الأمريكي الشعوبي) من الماء العكر الذي يتصيدون فيه , وحرمتهم أيضا من الدعم الذي يتلقونه من بعض الفئات التي خوّفها الاعلام المضلل من أهداف المقاومة ونواياها مع أن تلك الفئات متضررة أيضا من هذا الحلف وما معارك النجف ببعيدة من هذا .



    ثانيا: إقناع الغزاة ميدانيا بأن تحالفهم هذا لن يحميهم والمقاومة لن تنشغل بـ ( الفزّاعات) الجانبية عن العدو الحقيقي ومشروعه الخطير في المنطقة , لأن إضعاف إرادة الاحتلال سيؤدي بالنتيجة إلى إضعاف الأذناب والعملاء , ولا بأس بفضحهم وكشف مواقفهم وارتباطاتهم التي لا يمكن أن يرضى بها أي إنسان سوي لا سيما بعد ما انكشف للقاصي والداني طبيعة الأخلاق التي يتصف بها هؤلاء الغزاة من هتك للأعراض إلى تهديم المساجد وليس آخرها تدنيس المصحف الكريم , إن هذه الجرائم الأمريكية سلاح فعال بيد المقاومة لعزل هذا المحتل وفضح عملائه شريطة أن تنأى المقاومة عن أي صراعات طائفية أو مذهبية , وتكون بذلك قد أقامت الحجة ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة .



    ثالثا : طمأنة الدول العربية والدول المجاورة للعراق والتي لم ينفك (الحلف الأمريكي الشعوبي) من تخويفها من المقاومة لمحاصرتها وعزلها , فهذه الدول ترى أن من مصلحتها أن يكون العراق حرا موحدا مستقرا , ومن مصلحتها أيضا أن يبقى العراق في حضنه العربي ومحيطه الإسلامي , ومن مصلحتها أيضا أن لاترى في المنطقة جنديا أمريكيا واحدا لا سيما بعد ما حصل للعراق دولة وشعبا ومؤسسات , أعلنوا ذلك أو كتموه , وهم يعرفون أيضا أنه لا توجد قوة في العالم قادرة على تحقيق كل هذا غير المقاومة العراقية الحقيقية , الا أن بعض الخطابات( الآيديولوجية) التي تنسب لبعض فصائل المقاومة والتي تستغل وتكبر من قبل وسائل الاعلام العميلة تجعل كل هذا المحيط في حالة تخوف وترقب واذا نظرنا إلى هذا مع حجم الضغوط الأمريكية على المنطقة نستطيع أن نفهم حالة الارباك السياسي والبرود الشعبي الذي لا يتناسب مع قضية بحجم ( سقوط بغداد) ولا مع مستوى الأداء الميداني الذي تقوم به المقاومة والذي أربك المشروع الصهيوني الأمريكي برمته وجعل قادتهم بوضع محرج أمام العالم.

    شبكة البصرة

    الثلاثاء 8 ربيع الثاني 1426 / 17 آيار 2005
    رد مع اقتباس  
     

  3. #15 رد : الشعوبية والحقد الدفين 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    زنادقة الأدب والفكر قراءة في تاريخ الزندقة قديماًوحديثاً

    بقلم: د. هاني السباعي
    hanisibu@hotmail.com



    تقدمة:
    لغتنا الجميلة وأثرها في حماية العقيدة.. تحت ظل هذه العبارةكنت أتحاور مع أخ مكرم عن تلك العروس التي هجرها خطابها رغم حسنها وجلالها، وحلاوةمنطقها، وعذوبة حديثها، وفصاحة لسانها، رغم أنها سليلة الحسب والنسب، كريمة القبيلةوالعشيرة.. رغم كل هذا البيان لذات السحر الحلال.. هجرها خطابها!! وبينما كنا نهيمبتلك العروس، ونتجاذب أطراف الحديث، ونتناسل الأفكار عن عروسنا المصون، تلك التيصانت حمى العقيدة عبر العصور، وتصدت لهجمات الزنادقة والملحدين، فكم من قلم جباركسرته، وكم من لسان حاد أخرصته، وكم.. وكم!! وفي فوران الشجون ذكرني صديقي أنعروسنا المصون منذ بضع سنين قد فقدت عاشقاً لطالما تغنى بها ونذر حياته للذب عنحسنها وكريم معدنها.. فقدت العروس عالم اللغة والبيان الدكتور مصطفى هدارة.. ذلكالعالم الناقد البصير الذي صان عرض اللغة العربية وتصدى لأقلام الزنادقة والملاحدةوأهل الانحراف.. رحل عن عالمنا في صمت ولم يعلم بوفاته إلا قلة من غرباء هذاالزمان!! مر عأمان على ذكراه ورحل عن دنيانا بعدما أثرى المكتبة العربية والإسلاميةبكتاباته وأبحاثه ومقالاته.. رحل صاحب (اتجاهات الشعر العربي في القرن الثانيالهجري).. فاسترجعت وصديقي رغم أننا لم نستفق بعد حسرتنا لفراق فارس البيان وشيخالعربية في هذا العصر علامة الأدب الشيخ محمود شاكر.. ومرت الذكرى.. والعروس تبكيفوارسها.. هكذا رحل فارسان من فوارس اللغة والبيان.. ومنذ شهرين .. تحديداً في 15شوال 1423هـ رحل عالم دمشق المحقق اللغوي الفقيه الشافعي الشيخ العلامة عبد الغنيعلي الدقر مؤس جمعية الغراء بسوريا وصاحب عدة كتب في اللغة والنحو والفقه منها معجمالقواعد العربية في النحو وتحقيق وترتيب شرح شذور الذهب وله مختصر تفسير الخازنومؤلفات أخرى ـ رحمه الله ـ وقد رحل ولم تهتم بموته وسائل الإعلام.. فإنا لله وإناإليه راجعون.. فالمحن تترى وتتكاثر؛ محنة ودعت وأخرى أغارت!! فمن للزنادقة.. وفوارسالبيان قد غابوا؟!! ورغم سريان سموم الزندقة في حياتنا الإعلامية فلن يضر جسد لغتناالعربية المحفوظة بحفظ الله لها تلكم السموم.. ورغم غياب الفوارس الذين كانوا يذبونعن لغتنا العربيةإلا أن رحم الأمة ولود والحمد لله.
    فضل علماء اللغة في كشف زيغالزنادقة:
    وقد يعجب القارئ لحديثنا عن فضل علماء اللغة في حماية العقيدة!! وقديسأل سائل: وأين موقع علماء الأصول والحديث والفقه في حماية العقيدة؟!! نحن لا ننكرفضل هؤلاء جميعاً في حماية العقيدة الإسلامية. فكل هؤلاء يقفون في جبهة الإسلامالعريضة التي تسع الجميع.. فالأمام أحمد بن حنبل المتوفى 241هـ له كتاب ماتع فيالرد على الزنادقة وخاصة في مجال الشبهات التي كانوا يثيرونها حول تعارض آيالقرآن.. والكتاب مطبوع بالعنوان التالي: (الرد على الزنادقة والجهمية) المطبعةالسلفية بالقاهرة محقق في جزء واحد.. لكن السبق لأهل اللغة في كشف الشعوبيةوالزندقة أمر لا ينكره علماء الأصول والحديث والفقه.. فرواد اللغة الأوائل لهمالفضل في كشف لحن القول ودحض شبه المبطلين.. لم لا؟!! مع التنبيه أن علماء اللغةوالأدب قديماً كانوا أهل حديث وفقه وتاريخ لكن شهرتهم جاءت من خلال تخصصهم في كتبالأدب واللغة.. وقد حمل لواء هذه المعركة أمامان من أئمة اللغة والبيان.. أماالأول: الجاحظ المعتزلي (ت 255هـ). وأما الثاني: هو خطيب أهل السنة ابن قتيبة (276هـ)..
    أولاً: الجاحظ المعتزلي:
    هو أبوعثمان عمرو بن بحر ولد في البصرةوقضى فيها أكثر عمره ولكنه في 204هـ رحل إلى بغداد ثم علا نجمه لما اتصل بوزيرالخليفة المعتصم محمد بن عبد الملك الزيات فأصبح من الموسرين وذاع صيته في العالمالإسلامي .. ومن أشهر كتبه: نظم القرآن ،البيان والتبيين، والحيوان، وفضيلةالمعتزلة، والرد على اليهود، الرد على النصارى، البخلاء، كتاب اللصوص وغيرها ذلك منكتب ورسائل.. ثم رجع إلى البصرة وهناك أصيب بشلل في جسده ومات في المحرم سنة 255هـوعمره نحو ست وتسعين سنة. وقد: "تصدى الجاحظ وابن قتيبة لهذه النزعة الآثمة وردّاعليها رداً عنيفاً، أما الجاحظ فعقد في كتابه "البيان والتبيين" باباً طويلاً سماه "كتاب العصا" صوّر فيه طعن الشعوبية على العرب في خطاباتهم، إذ كانوا يشيرون فيهابالعصي والمخاصر، كما كانوا يتكئون على القسي، مما يصرف في رأي الشعوبيين الخاطرويشغل الذهن أثناء الخطابة.. وزعموا أن الفرس أخطب من العرب .. وكل ذلك نازعهمالجاحظ في عنف شديد، ولكي يبلغ كل ما كان يريد إفحامهم ومقاومتهم جعل كتابه (البيانوالتبيين) رداً مفحماً عليهم، إذ خصصه لعرض الثقافة العربية الخالصة في صورهاالمختلفة من الخطابة والشعر والأمثال، كي يروا رؤية العين ما في هذه الثقافة من قيمبلاغية وجمالية، فينتهوا عن مزاعمهم ويثوبوا إلى رشدهم"
    ثانياً: ابن قتيبةالسني:
    هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، ولد بالكوفة سنة 213هـ ونشأ فيبغداد وكان عالماً بالفقه والتفسير والحديث واللغة والنحو والأدب والتاريخ؛ ومنشيوخه اسحاق بن راهوية وأبو حاتم السجستاني وغيرهما. وقد تولى القضاء في مدينةدينور لذلك سمي بالدينوري.. وقد كان خطيب أهل السنة شديداً على المعتزلة وهاجمالنظام والعلاف واتهم الجاحظ بأنه يؤللف الكتب للتسلية وليس لرفع شأن الدين، ولهكتب عديدة منها: عيون الأخبار، وأدب الكاتب، وكتاب مشكل القرآن، تأويل مختلفالحديث، كتاب المعارف، والشعر والشعراء وغيرها.. وكانت وفاته في بغداد في أول رجبسنة 276هـ. وقد ألف ابن قتيبة في الرد على الشعوبيين مبحثاً سماه "كتاب العرب أوالرد على الشعوبية" وهو في مطالعه يذكر أن من أشد الشعوبيين عداوة للعرب قوماً منكتاب الدواوين امتعضوا لآداب أقوامهم.. ويقول إنهم كانوا يُزرون على الحكم والأمثالالعربية بما يروون عن الفرس واليونان من آداب وعلوم. ولم يكتف بعنفه عليهم في هذاالمبحث الطريف، فقد عنف بهم في مقدمة كتابه (أدب الكاتب) مصوراً قصورهم عن النهوضبوظيفتهم الأدبية في الدواوين لنقد ثقافتهم العربية. وقد حاول محاولة طريفة فيكتابه "عيون الأخيار" أن يجمع بين تلك الثقافة والثقافات الأجنبية ليبين أنها كلهاضرورية ولاتعارض بينها بوجه من الوجوه مما قضى على الشعوبية قضاءً مبرماً" أقول:هكذا فطن أهل اللغة لخطورة دعوى الشعوبية التي كانت تحتقر العرب وتفضل الفرس وتمجدلغتها على لغة العرب ولم تقتصر هذه الشعوبية على الفرس فقط بل امتدت إلى سائر الأممالتي أذعنت للعرب كالزنج، والزط من أهل السند، وكالنبط والقبط والبربر وغيرهم. معنىذلك أن النتيجة المنطقية لهذه الدعوى الشعوبية هو احتقارهم لنبي العرب صلى اللهعليه وسلم الذي أنزل الله عليه قرآناً عربياً.. ومن ثم كانت الشعوبية الوجه الآخرللزندقة فهما بحق وجهان لعملة واحدة.. ومن منطلق هذه التقدمة سأقصر حديثي حولالنقاط التالية: أولاً: معنى الزندقة لغة. ثانياً: متى وكيف ظهرت الزندقة فيالتاريخ الإسلامي. ثالثا: الزنادقة الأوائل. مع مختارات من كتاباتهم وأشعارهم.رابعاً: الزنادقة الجدد مع مختارات من كتاباتهم . خامساً: صفوة القول.
    أولاً:معنى الزندقة لغة:
    اختلف الباحثون في أصل هذه الكلمة "زندقة" لكن أقرب الأقوالإلى هذه الكلمة: "فارسي معرب عن زنديك فإنّ الكلمة كانت تطلق بمعناها الأصلي علىالمؤمن المخلص من أتباع ماني. ولما كان الزادشتية يعدون المانوية ملحدين خارجين علىالزرادشتية، فقد أطلقت عندهم على كل ملحد لا يؤمن بالدين الحق. وفي ذلك يقول "براون" شارحاً له ومدللاً عليه: "كلمة زنديق صفة فارسية معناها متتبع الزند أيالشروح القديمة للأفستا وهو كتاب زرادشت المفضل له على النص المقدس. وقد سميالمانوية زنادقة لميلهم إلى تأويل الكتب المقدسة للديانات الأخرى وشرحها حسب آرائهموأهوائهم" أقول: والذي يرجح أن أصلها فارسي معرب ما جاء في لسان العربي لابن منظور:الزِّنْدِيقُ القائل ببقاء الدهر , فارسي معرب, وهو بالفارسية : زَنْدِ كِرَايْ ,يقول بدوام بقاء الدهر. والزَّنْدَقةُ الضِّيقُ , وقيل : الزِّنْدِيقُ منه لأنهضيّق على نفسه. التهذيب : الزِّنْدِيقُ معروف, و زَنْدَقَتُه أنه لا يؤمن بالآخرةووَحْدانيّة الخالق . وقال أحمد بن يحيى : ليس زِنْدِيق ولا فَرْزِين من كلام العرب , ثم قال; ولكن البَياذِقةُ هم الرّجّالة , قال : وليس في كلام العرب زِنْدِيق ,وإنما تقول العرب رجل زَنْدَق و زَنْدَقِيّ إذا كان شديد البخل, فإذا أرادت العربمعنى ما تقوله العامة قالوا : مُلْحِد ودَهْرِيّ , فإذا أرادوا معنى السِّنِّ قالوا : دُهْرِيّ , قال : وقال سيبويه الهاء في زَنادِقة وفَرازِنة عوض من الياء فيزِنْدِيق وفَرْزِين , وأصله الزَّنادِيق الجوهري : الزِّنْدِيقُ من الثَّنَوِيَّةوهو معرب , والجمع الزَّنادِقة وقد تَزَنْدَقَ والاسم الزَّنْدَقة" وفي مختارالصحاح: "الزنديق م الثنوية وهو فارسي معرب وجمعه زنادقة وقد تزندق والاسمالزندقة." وجاء أيضاً في محيط المحيط: " زندق - تزندق الرجل صار زنديقًا أو تخلقبأخلاق الزّنديق. وقولهم من تمنطق تزندق أي من تعلَّم علم المنطق تهوَّر فيالزّندقة لأنهُ يتورَّط في الأقيسة والنتائج بما يُفسد العقائِد الدينيَّة التيمدارها على التسليم .. رجلٌ زَنْدَقٌ وزَنْدَقيٌّ أي شديد البخل الزَّّندقة الاسمتزندق. يقال عندهُ زندقٌة .. الزُّّنْدُوق لغةٌ في الصندوق الزِّّنْدِيق منالثنويَّة أو القائل بالنور والظلمة أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبيَّة أو منيُبطِن الكفر ويُظهِر الإيمان. ومنهُ قول الشاعر: بغـداد دارٌ لأهل المال طيّبةٌوللمفاليس دار الضنك والضيقِ ظللتُ حيران أمشي في أزِقَّتها كأنني مُصحفٌ في بيتزنديقِ معرَّب زَن دِين أي دِين المرأة ج زناديق زنادِقة. والتاءُ عوض الياءالمحذوفة. والزّنادقة في بعض ترجمات العهد الجديد هي تحريف الصدوقيّين نسبةً إلىصدوق الذي أنكر الروح والبعث وغير ذلك. والزّنديق عند العامَّة من لا يراعي حرمةًولا يحفظ مودَةً " وقد ورد هذا المعنى في قاموس "لاروس": "الزندقة: ابطان الكفروإظهار الإيمان: مذهب القائلين بدوام الدهر من أصحاب زرادشت" أقول: لكن هذا المعنىتطور ولم يقتصر على أصحاب ماني لذلك يرى بعض المؤرخين أن للزندقة عدة معان تختلفباختلاف العصور.. "فقد كان العرب يطلقون لفظ (زنديق) على من ينفي وجود الله سبحانه،أو يقول إن له شريكاً. وقيل: إن الزنديق مَنْ يبطن الكفر ويظهر الإيمان.. وكان لفظزنديق يطلق أول الأمر على كل من يتأثر بالفرس في عادتهم ويسرف في العبث والمجون، ثمصار يطلق بعد ذلك على كل من يتخذ عقائد المانوية شعاراً له، ويتمسك بعقيدة الثنوية،وعبادة إلهين اثنين، واتباع تعاليم ماني. ثم توسعوا في العصر العباسي في إطلاق لفظالزندقة، فأصبح يطلق على من ينكر الألوهية، أو يتظاهر بالظرف" ويرى د.عبد الرحمنبدوي أن: "زنديق" لفظ غامض مشترك قد أطلق على معان عدة، مختلفة فيما بينها علىالرغم مما قد يجمع بينها من تشابه، فكان يطلق على من يؤمن بالمانوية ويثبت أصلينأزليين للعالم: هما النور والظلمة. ثم اتسع المعنى من بعد اتساعاً كبيراً حتى أطلقعلى من يكون مذهبه مخالفاً لمذهب أهل السنة أو حتى من كان يحيا حياة المجون منالشعراء والكتاب ومن إليهم" الزندقة إذن: "حركة دينية سياسية، ابتغى أصحابها بعثالديانات الثنوية الفارسية، وكان أكثرهم يعتنقون المانوية خاصة، وكان أهل الإباحةمنهم يتأثرون المزكية أيضاً. وقد دبروا لطمس العقيدة الإسلامية، ونسف ُمثل الأمةالعربية، ليقوضوا الدولة الإسلامية، ويعيدوا الدولة الفارسية الثنوية، وكانالزنادقة مخادعين أذكياء، ودُهاة خبثاء، فتستروا بالإسلام، وأسروا الكفر، إخفاءلعقائدهم، وتغطية لأهدافهم، وتيسيراً لعملهم، وكان رؤساؤهم وأتباعهم من المواليالفرس، وكان شعراؤهم أهم من جد منهم في إحياء تراثهم الديني ونشره، وأكبر من لجّمنهم في تخريب الإسلام وتهديمه وأشهر من نشط منهم في تشويه الخلق العربي وتحطيمه.واشتط في ذلك منهم الشعراء الموالي الكوفيين أكثر من البصريين، لأن الكوفة سبقتالبصرة في الزندقة، وفاقتها في الإباحة. وكان مطيع بن إياس وحماد عجرد .. أخطرالزنادقة من أهل الكوفة، وكان بشار بن برد، وصالح بن عبد القدوس أخطر الزنادقةالموالي من أهل البصرة. وكان بجانبهم مجانّ وفسقة وعصاة من الشعراء من أهل الكوفةمثل أبي دلامة وعلي بن الخليل، ووالبة بن الحباب، ومن أهل البصرة سلم الخاسر وأبانبن عبد الحميد، وأبي نواس .. وقد اتهموا جميعاً بالزندقة الدينية"
    التعريفالمختار لمعنى كلمة الزندقة:
    بعد هذا العرض السابق لتطور معنى الزندقة نرى أنكلمة زنديق تعني من أبطن الكفر وأظهر الإسلام سواء أكان هذا الكفر المانوية أوالفرعونية أو الفينيقية أو البربرية أو النوبية أو العلمانية وغيرها من المذاهب أوالنعرات أو القوميات المناهضة والمناقضة للإسلام. فالجامع لهؤلاء هو إبطانهمواخلاصهم له.. ورغم ذلك فإنهم يتمسكون بكلمة الإسلام أما خشية انتقام الأمة منهموأما خبثاً ليروجوا مذاهبهم وعقائدهم الباطلة تحت عباءة الإسلام.. وعلى أية حالفالزندقة الحديثة أشد خطراً على الإسلام وتعاليمه من الزندقة القديمة إذ كانللمسلمين دولة وخليفة وقضاة يحمون بيضة الإسلام ويخشى سطوتهم الزنادقة قديماً.. أمااليوم فلا يوجد للمسلمين دولة تذود عن عقيدتهم.. ووسائل الإعلام المسعورة تتسابقعلى نهش الإسلام ونشر غثاء الزنادقة الجدد.
    ثانياً: متى وكيف ظهرت الزندقة:
    ذكر بعض المؤرخين والباحثين أن تاريخ محاكمة الزنادقة وتتبعهم منذ عهد الخلفاءالعباسيين الأول؛ المهدي والهادي والرشيد وسار على نفس الدرب المأمون والمعتصم. وقدحدد المستشرق "فيدا" بداية محاكمة الزنادقة من سنة 163هـ إلى سنة 170هـ أي فيالسنوات الأخيرة من خلافة المهدي وإبان خلافة الهادي. "ففي سنة 163هـ بدأت حملةالمهدي العنيفة على الزنادقة بأن أمر عبد الجبار المحتسب، والذي يلقبه صاحب الأغانيبلقب (صاحب الزنادقة) بالقبض على الزنادقة الموجودين داخل البلاد. فقبض على مناستطاع القبض عليه وأتوا به إلى الخليفة الذي كان حينئذ في دابق، وأمر بقتل بعضهموتمزيق كتبه. واستمر الخليفة في هذا الاضطهاد في السنوات التالية حتى بلغ الاضطهادغايته في الفترة ما بين 166هـ وسنة 170هـ وكان يقوم على أمر هذا الاضطهاد قضاةمخصوصون، أشهرهم عبد الجبار الذي ذكرناه آنفاً، وعمر الكلوزي الذي عُين في سنة 167هـ، ثم محمد بن عيسى حمدويه الذي خلف عمر" هكذا حدد المستشرق "فيْدا" بداية ظهورالزندقة إلى العلن وذلك بإعلان الخليفة المهدي الجهاد على هؤلاء الزنادقة وكانالإعلان الرسمي للدولة في سنة 163هـ. أقول: لكن لنا تحفظات على ما ورد من استخدامبعض الألفاظ في عبارة المستشرق فيدا: مثل قوله (بدأت حملة المهدي العنيفة).. وكذاتكرار كلمة (اضطهاد) التي توحي بمعاناة الزنادقة وكأنهم تعرضوا لحملة جور وظلم منقبل دولة الخلافة!! وفيها أيضاً إيحاء بالعطف على هؤلاء الزنادقة.. وكنا نود أنيعترض الدكتور عبد الرحمن بدوي على هذه الألفاظ وخاصة أنه ترجم هذا المقال الذيكتبه فيدا إلى العربية.. فاضطهاد المهدي للزنادقة هو جهاد شرعي، وعنف المهدي معالزنادقة من باب قوله تعإلى (وليجدوا فيكم غلظة).. ويرى بعض المؤرخين أن ظهورالزندقة كان قبل الخليفة المهدي أي في أواخر الخلافة الأموية.. فابن النديم المتوفى 380هـ ذكر أسماء رؤساء المانوية قبل الخلافة العباسية: "كان الجعد بن درهم الذيينسب إليه مروان بن محمد، فيقال مروان الجعدي، كان مؤدباً له ولولده، فأدخله فيالزندقة، وقتل الجعدَ هشامُ بن عبد الملك في خلافته، بعد أن طال حبسه في يد خالد بنعبدالله القسري، فيقال إن آل الجعد، رفعوا قصة إلى هشام يشكون ضعفهم، وطول حبسالجعد، فقال هشام: أهو حي؟ وكتب إلى خالد في قتله، فقتله يوم أضحى وجعله بدلاً منالأضحية بعد أن قال ذلك على المنبر بأمر هشام" الشاهد من قول ابن النديم أن الزندقةكانت أيام الأمويين أيضاً وإن كنا لا نتفق معه في رميه الخليفة الأموي مروان بنمحمد بالزندقة لعدم وجود وثائق تاريخية تشير إلى زندقة هذا الخليفة.. ومثل هذهالتهم يجب الحذر منها لأنها تهم يشنها الخصوم للتشنيع بالآخرين بغية بناء حواجزنفسية لدى الغير بمجرد سماع مثل هذه التهم!!
    السبب في عدم ظهور الزندقة إلىالعلن في عهد الأمويين:
    لم تظهر الزندقة في المجتمع الإسلامي في القرن الأولالهجري، لأن الخلافة الأموية كانت في أوج عزتها وعنفوان قوتها، وكانت واقفةبالمرصاد لكل أصحاب الملل المناقضة للروح الإسلامية، لذلك فإن نشأة الزنادقة كانتفي القرن الثاني الهجري، وكان عددهم محدوداً ونشاطهم في غاية السرية. بالإضافة إلىأن قيام الدولة العباسية كان بسواعد الموالي الفرس الذين قاتلوا مع العباسيين ضدالأمويين وكانوا سبب في القضاء على الدولة الأموية.. ومن ثم اعتمد عليهم الخلفاءالعباسيون ووثقوا بهم وكافأوهم واستوزروهم واتخذوا منهم بطانة وقادة لجيوشالمسلمين.. إلا أن فئة من مفكريهم لم يلامس الإسلام شغاف قلوبهم وكانوا يحنقون علىالمسلمين بسبب ضياع ملك الأكاسرة على أيدي المسلمين فأسلموا ظاهراً وأبطنوا الكفربغية تدمير دولة الخلافة من خلال نشر تعاليم ديانة الفرس القديمة مع نشرالشبهات حولالقرآن وفضل العرب ونشرالفساد والعبث والمجون وإشاعة الإنحلال في المجتمع الإسلاميالمتماسك بالعقيدة الإسلامية.. هكذا كان الزنادقة في كمون أيام الأمويين ثم ظهرواإلى العلن أيام العباسيين واشتد أوار الزندقة في القرن الثالث الهجري وظهر في منتصفهذا القرن ابن الريوندي وأبو عيسى الوراق والرازي وغيرهم!! وكان صعود نجمهم فيالقرن الرابع الهجري لذلك لا عجب أن يؤلف المستشرق (آدم متز) كتابه الشهير (الحضارةالإسلامية في القرن الرابع الهجري) وهو كتاب ترجمه للعربية الدكتور محمد عبد الهاديأبو ريده وطبعه دار الكتاب العربي ببيروت والكتاب مطبوع في مجلدين.. ولعلنا نتساءل:لماذا اختار آدم متز القرن الرابع الهجري ليكون هو عصر النهضة في الإسلام؟! السببأن الدولة الإسلامية كانت في هذا القرن والذي قبله قد دب فيها الضعف والتشرذم وظهوردويلات مستقلة وانتشار المذاهب الهدامة كالقرامطة الذين نشر الذعر والقتل في العالمالإسلامي واستباحوا قوافل الحجاج واقتلعوا الحجر الأسود من الكعبة المشرفة الذيردوه سنة 339هـ .. هل هذه قمة الحضارة الإسلامية التي يقصدها آدم متز؟! وفي هذاالقرن ظهرت أفكار الإلحاد على نطاق واسع وظهر الزنادقة الكبار كالحلاج ت 309هـ،والشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ت 322هـ الذي كان يقول إن الله يحل في كل شئ..وأن اللاهوتية اجتمعت في علي رضي الله عنه!! وقد كان الشلمغاني وعصابته الحلولية: "يغتفرون ترك الصلاة والصيام والإغتسال؛ وكانوا لا يتناكحون على السنة، بل يبيحونالفروج، ولا ينكرون أن يطلب أحدهم من صاحبه حرمته، وكانوا يرون أنه لا بد للفاضلمنهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه" وإلى غير ذلك من لواط كما يفعل عبدة الشيطانفي زماننا وكما يقول زنادقة الأدب من كفريات في عصرنا الحالي!! وإذا كان القرنالرابع الهجري حسب مقياس متز هو قمة الحضارة الإسلامية فماذا عسانا أن نسمي القرنالثاني الهجري وهو عصر المهدي والرشيد والمأمون والمعتصم ويتنهي بالمتوكل!! إذن هذهتقاسيم تاريخية جائرة وغير موضوعية بل نشتم من تقويم هذه الحقب رائحة الخبثوالتشويه!! وعلى أية حال فرغم تتبع الخلفاء العباسيين للزنادقة ومحاكمتهم بموجبالشرع ومناظرتهم أمام كبار العلماء والقضاة حتى لا تكون لهم حجة. رغم كل ذلك استمرالزنادقة جيلاً تلو جيل يعيشون في ظلام التاريخ، ويشتد عودهم كلما ضعفت دولةالإسلام! وأود أن أنبه على قضية هامة ألا وهي قد يظن ظان أن ظهورالزندقة والشعوبيةفي القرن الثاني الهجري وتتبع الخلفاء العباسيين لهم ومحاكمتهم معنى ذلك أنالمجمتمع الإسلامي كان يغلبه الزندقة والشعوبية وأنه كان مجتمعاً ملحداً منحرفاًيغلب عليه العبث والمجون والإنحلال الإخلاقي.. بالطبع هذا تصور بعيد عن الواقعوالحقائق التاريخية، فالمجتمع الإسلامي في القرن الثاني الهجري كان قريب من زمنبعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم تزل روح الإسلامي هي المرفرفة في سمائه وقد كانهناك الفقهاء وأهل الحديث والزهاد والعباد والجيوش المرابطة والجيوس التي تخرج إلىالغزو في رحلتي الشتاء والصيف، وكانت هناك الفتوحات ودخول الناس في دين اللهأفواجاً.. لذلك من الخطأ أن يتبادر إلى الذهن أن المجتمع الإسلامي في القرن الثانيالهجري كانت تشيع فيه روح الفساد والإنحراف .. فالزندقة والشعوبية كانت في فئة خاصةمن أبناء العجم الذين كانوا في تآمر دائم على دول الإسلام.. وأما الإنحراف والمجونفقد كان مقصوراً على طبقة مترفة، وكانت هذه الطبقة منبوذة لدى عامة الناس.
    ثالثا: الزنادقة الأوائل مع مختارات من كتاباتهم وأشعارهم:
    ذكر ابن النديمأسماء رؤساء الزنادقة: "ومن رؤسائهم المتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنونالزندقة: ابن طالوت، أبو شاكر، ابن أخي أبي شاكر، ابن الأعدى الحريزي، ونعمان بنأبي العوجاء، صالح بن عبد القدوس، ولهؤلاء كتب مصنفة في نصرة الاثنين (النوروالظلمة) ومن مذاهب أهلها وقد نقضوا كتباً كثيرة صنفها المتكلمون في ذلك. ومنالشعراء: بشار بن يرد، إسحاق بن خلف، ابن نباتة، سلم الخاسر، على بن الخليل، على بنثابت، ومن تشهر أخيراً أبو عيسى الوراق، وأبو الناشي، والجبهان بن محمد بن أحمد"وذكر ابن النديم أيضاً من كان يُرمى بالزندقة من الملوك والرؤساء: "قيل إن البرامكةبأسرها، إلا محمد بن خالد بن برمك، كانت زنادقة، وقيل في الفضل وأخيه الحسن مثلذلك، وكان محمد بن عبيد الله كاتب المهدي زنديقاً واعترف بذلك فقتله الخليفةالمهدي" أقول: هكذا استبان لنا خطر الزندقة لدرجة أنهم تغلغلوا في جهاز دولةالخلافة وصارت لهم مناصب كبيرة من رؤساء وشعراء!! ومن ثم لا عجب أن يوصي الخليفةالعباسي المهدي (ت169هـ) ولده موسى الهادي (ت170هـ) بتتبع الزنادقة وجهادهم وكشفهموالفتك بهم.. حيث يقول الخليفة المهدي في وصيته:
    وصية الخليفة المهدي:
    "
    يابني إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإنها تدعوا الناسإلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش، والزهد في الدنيا، والعمل للآخرة، ثم تخرجها من هذاإلى تحريم اللحوم، ومسّ الماء الطهور، وترك قتل الهوام تحرجاً، ثم تخرجها إلىعبادة: اثنين أحدهما النور والآخر الظلمة، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات والبنات،والاغتسال بالبول، وسرقة الأطفال من الطرق، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هدايةالنور، فارفع فيها الخشب، وجرّد السيف فيها، وتقرّب بأمرها إلى الله. فإني رأيت جديالعباس رضي الله عنه في المنام قد قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين" بعد هذا التطوافنتكلم عن أهم رموز الزنادقة قديماً نختار منهم: صالح بن عبد القدوس/ وبشار بن بردأما ابن الريوندي فيحتاج إلى بحث خاص.
    أولاً صالح بن عبد القدوس:
    هو صالحبن عبد القدوس بن عبد الله بن عبد القدوس من أهل البصرة، كان يجلس للوعظ ويقصالأخبار. غير أنه كان يزين الثنوية (دين الفرس القديم)، فلما اشتهر أمره استقدمهالخليفة المهدي، لكنه هرب إلى دمشق واستخفى بها زمناً فلما عرف المهدي مكانه، وجهإليه قريشاً الحنظلي فقبض عليه وجاء له إلى بغداد. فحاكمه المهدي ثم قتله سنة 167هـ. ويجمع الإخباريون أن صالح بن عبد القدوس كان من كبار الزنادقة وأنه كان منالثنوية من أتباع ماني.. وقد ذكره ابن النديم في معرض ذكره عن كبار الزنادقة: " ومنرؤسائهم المتكلمين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الزندقة: ابن طالوت (..) وصالح بنعبد القدوس" وذكره الخطيب في تاريخه: " صالح بن عبد القدوس أبو الفضل البصري مولىلاسد أحد الشعراء اتهمه المهدى أمير المؤمنين بالزندقة فأمر بحمله اليه واحضره بينيديه فلما خاطبه اعجب بغزارة ادبه وعلمه وبراعته وحسن بيانه وكثرة حكمته فأمربتخلية سبيله فلما ولى رده وقال له ألست القائل والشيخ لا يترك أخلاقه *** حتىيوارى في ثرى رمسه إذا ارعوى عاد إلى جهله *** كذى الضنى عاد إلى نكثه قال: بلى ياأمير المؤمنين. قال: فأنت لا تترك أخلاقك ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك ثم أمر بهفقتل وصلب على الجسر.. ويقال إن المهدى أبلغ عنه أبيات يعرض فيها بالنبي صلى اللهعليه وسلم فاحضره المهدى وقال له أنت القائل هذه الأبيات قال لا والله يا أميرالمؤمنين والله ما أشركت بالله طرفة عين فاتق الله ولا تسفك دمى على الشبهة وقد قالالنبي صلى الله عليه وسلم ادرءوا الحدود بالشبهات وجعل يتلو عليه القرآن حتى رق لهوأمر بتخليته فلما ولى قال أنشدنى قصيدتك السينية فأنشده حتى بلغ البيت أوله والشيخلا يترك أخلاقه فأمر به حينئذ فقتل ويقال إنه كان مشهورا بالزندقة وله مع أبيالهذيل العلاف مناظرات" قال عنه الذهبي في ميزان الإعتدال: (صاحب الفلسفةوالزندقة).. وذكر ابن المعتز سبباً لا عتقاله وهو أنه طعن على الرسول صلى الله عليهوسلم ورجح أن الخليفة هارون الرشيد هو الذي قبض عليه وتولى محاكمته، وأمر بقتله،وإن كان معظم المؤرخين يرون أن المهدي هو الذي قتله .. وعلى أية حال هم متفقونجميعاً على زندقة صالح بن عبد القدوس وأنه ألف كتباً في نصرة المانوية وتصدىللمتكلمين الذين كانوا يدافعون عن الإسلام.. المهم أن ابن المعتز تفرد بهذهالروايةالتي تثبت زندقة ابن عبد القدوس حيث يقول: "حدثت من غير هذا الوجه بما هو عندي أثبتمن الأول، وذلك ما رويناه أنه أنهي إلى الرشيد عنه هذه الأبيات، يعرض فيها بالنبيصلى الله عليه وسلم: غصب المسكينَ زوجتَهُ *** فجرتْ عيناهُ من دُرَرهْ ما قضىالمسكينُ من وطرِ *** لا ولا المعشارَ من وطرهْ عذتُ بالله اللطيف بنا *** أن يكونَالجوْرُ من قَدَره " خلاصة القول في صالح بن عبد القدوس: أنه كان زنديقاً زندقةدينية لا زندقة اجتماعية.. فلم تكن زندقته على سبيل اللهو والعبث والمجون، بل كانيعتقد تعاليم ماني الفارسية القديمة اعتقاداً صادقاً، وكان يومن بالإثنية والإمتزاجبين إله النور وإله الظلمة، وكان يتمسك بنحلته وبمعتقده تمسكاً قوياً، ويدافع عنهدفاعاً مستميتاً.
    ثانياً: بشار بن برد (ت167هـ):
    "
    أصل بشار بن برد منطخارستان في أقصى خراسان وقع جده يرجوخ في سبي المهلب بن أبي صفرة حينما كان والياًعلى خراسان (78 إلى 82هـ) فأهداه إلى امرأته خيرة بنت ضمرة القشيرية، وكانت تقيمبضيعة لها بالبصرة. ولما وصل يرجوخ إلى البصرة كان معه طفل صغير اسمه بُرد. ولمابلغ برد مبلغ الرجال زوجته مولاته خيرة فتاة من بني عقيل، فولد له بشار سنة 91هـ فيالأغلب. ولد بشار أكمه (لا يبصر) ونشأ على الفقر وكان شريراً. ثم بدأ قول الشعر وهولا يزال حدثاً وأخذ يهجو الناس. ويتم بشارٌ عن أبيه وهو بعد صغير. ثم قضى بشار معظمحياته في البصرة وتلقى فيها ضروباً من العلم تسرب إليه معها كثير من الزندقة ..فاتهم بالزندقة وبأن غزله فاحش يدعو إلى الفسق ثم قتل في البصرة نحو 167هـ. كانبشار شعوبياً زنديقاً" أقول: هذا هو بشار بن برد القائل: إبليسُ أفضلُ من أبيكم آدم *** فتبينوا يا معشر الفجار النارُ عنصره وآدم طينة *** والطين لا يسمو سمو النارِالأرضُ مظلمةٌ والنارُ مشرقةٌ *** والنارُ معبودةٌ مذ كانت النار بكل تبجح يقدمبشار إبليس على آدم عليه السلام لأن إبليس مخلوق من نار، ويرجح رأي إبليس فيامتناعه من السجود لآدم عليه السلام!! لذلك لما سمع واصل بن عطاء المعتزلي شعر بشارالسابق قال: "أما لهذا الملحد الأعمى المشنف المتكنى بأبي معاذ مَنْ يقتله؟ أماوالله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية (أي المانوية) لبعثت إليه مَنْ يبعجبطنه على مضجعه، ويقتله في جوف منزله" يقول عنه عبد القاهر البغدادي: "وحكى أصحابالمقالات عن بشار أنه ضمّ إلى ضلالته في تكفير الصحابة وتكفير عليّ معهم ضلالتينأخريين إحداهما قوله برجعة الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة كما ذهب إليه أصحابالرجعة من الرافضة. والثانية قوله بتصويب إبليس في تفضيل النار على الأرض" قال عنهالذهبي: "اتهم بالزندقة فضربه المهدي سبعين سوطاً ليقر فمات منها وقيل كان يفضلالنار وينتصر لإبليس.. هلك سنة سبع وستين (ومائة) وبلغ التسعين" أقول: هذا هو بشاربن برد الذي يهيم به العلمانيون!! لقد كان بشار بن برد مستخفاً بالدين مضيعاًللفروض، إذ كان يدعي الخروج إلى الحج، لينفي تهمة الزندقة عن نفسه، ثم يعود علىالحانات، فيقضي وقت الحج بين القيان والخمر، حتى إذا قربت عودة الحجيج حلق رأسهواندس بين القافلين المارين به، لكي لا يشك الناس في أمره. كما كان يبيح لنفسه تركالصلاة مع الجماعة، مدعياً أنه لا يبصر ولا يتقن أداءها، إذ يقول: وإنني في الصلاةأحضرها *** ضحكة أهل الصلاة إن شهدوا أقعدُ في الصلاة إذا ركعوا *** وارفع الرأس إنهم سجدوا ولستُ أدري إذا أمامهم *** سلم كم كان ذلك العددُ "ويبدو أنه لك يكنصادقاً في دفاعه عن نفسه واقناعه للناس بعدم التعرض له لتخلفه عن صلاة الجماعة،فإنه كان لا يصلى في بيته، إذ يقول بعض أصحابه: (كنا نكون عنده، فإذا حضرت الصلاةقمنا إليها، وجعلنا على ثيابه تراباً حتى ننظر هل يقوم يصلي، فكنا نعود والتراببحاله وما صلى" هذا هو بشار بن برد الذي يسبح بشعره العلمانيون وأهل الحداثة!! لذلكلا غرو أن يدافع عنه الزنادقة الجدد كأدونيس في كتابه الثابت والمتحول.. لا غرو أنيدافع عنه بشار وحماد عجرد وأبي نواس وغيرهم من أهل الزندقة والمجون والخلاعة. لاغرو أن تحصل جيهان صفوت زوجة الرئيس الهالك أنور السادات على درجة العالمية منجامعة القاهرة بتقدير امتياز في رسالتها عن بشار بن برد شيخ الحداثة، ذلك المعذبصاحب الفكر المستنير ضد السلطة الرجعية!! لاغرو أن يتغنى الزنادقة الجدد بشعر شيخالحداثة والخلاعة بشار بن برد الذي وضع اللبنات الأولى للزندقة وتسهيلها لدى عوامالناس عن طريق عذوبة شعره وتفننه في توليد المعاني. بشار بن برد شاعر الخلاعةوالتحريض على الفسوق هو القائل: قد لا مني في خليلتي عُمَرُ *** واللومُ في غيركنهه ضجرُ قال أفق قلتُ: لا. قال: بلى *** قد شاع في الناس منكما الخبرُ ثم يتمادىفي وصفه للقبلة واللمسة ودغدغة المشاعر: حسبي وحسبُ الذي كلفتُ به *** مني ومنهالحديث والنظرُ أو قبلة في خلال ذاك وما *** بأسٌ إذا لم تُحَلََّ لي الأزرُ أوعضةٌ في ذراعها ولها *** فوق ذراعي من عضّها أثرُ أو لمسةٌ دون مرطها بيدي ***والبابُ قد حال دونه السترُ والساقُ براقةٌ مخلخلها *** أو مصُّ ريقٍ وقد علاالبَهرُ واسترخت الكفُّ للعراكِ وقا *** لت إيه عني والدمعُ منحدرُ انهضْ فما أنتكالذي زعموا *** أنت وربي مغازلٌ أشرُ يا ربّ خذ لي فقد ترى ضرعي *** من فاسق ما بهسَكرُ فعلى هذا المنوال نسج بشار قصائده التي تحض على الفحش والرذيلة ورغم تلونهوتفلته كثيراً من عقوبة الزندقة إلا أنه شهد عليه شهود عدول أمام قضاة يحكمون بماأنزل الله وفي حضور خليفة المسلمين المهدي فأمر بضربه سبعين سوطاً حتى هلك.. ولكنبقي شعره المفعم بالزندقة يتوارثه خفافيش الزندقة بغية تحقيق مآربهم الخبيثة..أقول: أود أن أشير إلى أن هناك أديباً وناقداً كبيراً قد حلل شعر بشار بن بردبطريقة علمية رائعة ألا وهو الدكتور نجيب محمد البهبيتي أستاذ الأدب العربيبالقاهرة في كتابه الماتع (تاريخ الشعر العربي حتى أواخر القرن الثالث الهجري) وهوكتاب عظيم الفائدة طبعته مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الكتاب العربي بلبنان..ويعتبر الدكتور البهبيتي من أفضل من سبر غور الشعر العربي القديم وخاصة شعر بشار بنبرد بل إنه غاص في تحليل الصورة الشعرية لدى بشار وتحليل أوصافه وتراكيب أبياتهوقارنها بصور شعراء سابقين بل إنه حطم أسطورة بشار بن برد الشعرية بالدليل.. تلكمالصورة التي يتغنى بها الحدثيون ومن على شاكلتهم، أتمنى أن ينشر هذا الكتاب علىنطاق واسع لكي تعم الفائدة ويميز القراء الخبيث من الطيب.. صفوة القول في بشار بنبرد: شاعر شعوبي حاقد كاره للعرب كرهاً شديداً، يفتخر بالفرس وبحضارتهم ويعتد

    رد مع اقتباس  
     

  4. #16 رد : الشعوبية والحقد الدفين 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,620
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    المجون في شعر بشار بن برد دوافعه وأبعاده ـــ د.أحمد علي محمّد(*)
    المقدمة:

    دواعي البحث ومشكلته ومنهجه:

    كانت دوافع أغلب الدراسات الأدبية التي تناولت موضوع المجون في الشّعر العباسي خاصة تتركز حول أثر الظروف التاريخية التي أسهمت في نشوء تلك الظاهرة، فكانت النتيجة التي خلص إليها معظم تلك الدراسات لا تخرج عن حدود الأحكام العامة والتقييدات المنهجية التي يظهر بموجبها الشعراء وكأنّهم انتظموا في مدارس وهيئات منظمة وحملوا أفكاراً محددة ثم أشاعوها بصورة مقصودة، ومن هنا تسنى لكثير منهم الكلام على تيارات ومذاهب واتجاهات لها خصائصها الفكرية والفنية المميزة، والواقع أنّ هذا النهج المدرسي في دراسة الفن قائم على مغالطة واضحة، ذلك لأنّ الفن خارج عن التقييد، وبعيد عن التصنيف، لأنّه محكوم بالخصوصية، من أجل ذلك كان تلمس الحقائق الموضوعية في دراسة ظواهر الفن لا يأتي بما هو موصولٌ بطبيعته.

    إنّ التصنيفات المنهجية لا تكترث في النتاجات الأدبية إلا بما هو متكرر أو ما يشكّل خطوطَ ظاهرةٍ عامة، لتكون هنالك نتائج وخصائص ومقومات مشتركة لهذه الفئة من الشعراء أو تلك، وهنا تكمن الخطورة التي يخضع بموجبها الشّعر إلى أفكار مصممة مسبقاً، فإصرار الباحثين على استخلاص القيم العامة والخصائص المشتركة يلغي مفهوم الخصوصية لكلّ شاعر بل لكلّ نصٍّ، لأنّ الشّعراء مختلفون فيما بينهم، واستجابتهم للأفكار متباينة. هذا أمر، وأمرٌ آخر أنّ الشعر العربي في كلّ تفصيلات تاريخه لم يكن منبعثاً عن اتجاهات فكرية، ولم يكن ملتزماً بالتعبير عنها بصورة قسرية إلا ما كان من شعر الفِرَقِ، وهذا ليس اتجاهاً عأما في الشعر العربي على أية حال، أو أنّ شعر الفِرق لم يشكّل لدى القارئ العربي حضوراً دائماً في الذاكرة، وإنّما هو شعر تستدعيه الحوادث التاريخية والصراعات المختلفة التي كانت قائمة بين المذاهب والأحزاب، وقد أكد الزمّان أنّ الشّعر الجيد الذي عبر عن صموده الأزلي هو الشّعر الذي قيل بمعزل عن الظروف التي كانت تحيط به، وخارج إطار الأفكار التي كانت سائدة في حقبة من الحقب أيضاً، بدليل أننا نقرأ شعر المتنبي والبحتري وابن الرومي اليوم لما يمثله ذلك الشّعر من خصوصية، ومن هنا أصبح يلبي عندنا حاجة جمالية تشبع رغبتنا للتميز والإبداع.

    لقد آثر أغلب من درس الشعر وَفْق تيارات فكرية اعتباره دليلاً على وجود تلك الأفكار وشيوعها وبيان آثارها في الواقع، بمعنى أنّ هذا النمط من الدراسات لم يُعْنَ بالظاهرة الأدبية، لأنّ المجون على سبيل المثال شكّل لديهم موضوعاً فكرياً، فكان الشعر حاملاً لذلك الموضوع، والأصل أن يُدرس المجون على اعتباره موضوعاً فنياً غير تابع للأفكار أو الأحداث، لأنّ الشّعر في الحقيقة لا يستطيع التعبير عن الأفكار الدقيقة كما يعبر عنها النثر، وإذا ما حدث مثل ذلك خرج الشّعر على طبيعته، بدليل أنّ الذين حاولوا تضمين الشّعر الأفكار والمعارف العلمية حولوه إلى قوالب جامدة دخلت في إطار الشعر التعليمي الذي يخلو من روح الفنّ، والحقّ أنّ الشّعر هو الذي يخلق الأفكار ويبتكر المعاني ويثير الانفعالات ومن ثَمَّ يحمل الناس على التأثر والتواصل والتمثل، يقول أبو تمام:

    ولولا خلالٌ سنّها الشّعرُ ما دَرَى



    بُغَاةُ المعالي أين تُؤتى المكارمُ

    ومن الدراسات التي بالغت في تصنيف الأسباب الموضوعية لظاهرة المجون دراسة هدارة الموسومة بـ "اتجاهات الشعر في القرن الهجري الثاني" حيث وضع الباحث يده على جملة من الأسباب التي جعلت من المجون تياراً فنياً جارفاً، وقد حدد أولاً الإطار الزّمني لهذه الظاهرة بالقرن الهجري الثاني ملغياً المحاولات الفنية السابقة في هذا الموضوع لأنّها لم تشكّل عنده تياراً فنياً له خصائصه ومقوماته المميزة، ثم حدد مفهوم المجون بقوله: "هو ارتكاب المآثم والدعوة إلى التحلل الأخلاقي، ومجانبة الآداب بدعوى الحرية الفكرية"([2])، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الشعر عبر فواصل تاريخه كان ينطق بما يوافق الأخلاق والفضائل؟ ثم متى كان الجانب الأخلاقي أو حتى الموضوع الشعري معياراً لجودة الفنّ عامة والشّعر خاصةً؟ وهل موضوع الهجاء ـ وهو من أوسع أبواب الشعر العربي ـ بعيدٌ عن ارتكاب المآثم والتحلل الأخلاقي، وخصوصاً ذلك الهجاء الذي يعمد فيه الشعراء إلى القذف والفحش؟ ثم هل كان الغزل العربي أو حتّى المديح خالصاً لوجه الأخلاق؟

    إذا كان المجون عند هدارة ما هو إلا التصريح بالمآثم والتحلل الأخلاقي ومجانبة الآداب، فإنّ باباً واسعاً في الشّعر العربي دخل في المجون، وعليه فإنّ الباحث لم يوفق فيما أرى بتحديد هذا المفهوم تحديداً موضوعياً، أو أنّه لم يستطع ضبطه بما يوافق مجالات استخدامه الحقيقة، فما اصطلح عليه بشعر المجون وإن كان متسعاً إلا أنه لا يخرج عن حدود العبث مع ما ينطوي عليه ذلك المفهوم من عوالق وملابسات، وتحت هذا الإطار يمكن أن ندرج مجون بشار ومجون أبي نواس. والعبث لم يكن منقطعاً عن الأسباب والدوافع الشخصية، من أجل ذلك كان مجون بشار يختلف عن مجون أبي نواس، لأنّ هنالك من الأسباب النفسية والاجتماعية والثقافية والطباع ما يجعل المجون نزوعاً فردياً يدل على سمات خاصة، إذ الناس في هذه الأمور مختلفون، فهم وإن تقاسموا صفة العبث إلا أنّ لكلّ فرد دوافعه، ثم إن مؤدى العبث بين الشعراء متباين، فعبث بشار لم يصل إلى درجة تعابث أبي نواس مثلاً، كما أنّ عبث أبي دلامة لم يصل إلى درجة عبث بشار، فهؤلاء جميعاً كانوا من المجان ولكن لكلّ نفر منهم أسبابه ودوافعه.

    لقد وقف كلّ من د. طه حسين وفلهوزن وعبد الرحمن بدوي كما يصور هدارة([3])، عند أسباب المجون، فزعم د. طه حسين أنّ التماجن في الشعر قد بدأ بتحول السلطة من الأمويين إلى العباسيين، ويرمي من وراء ذلك إلى أنّ العنصر الفارسي كان له الأثر البارز في نشوء هذه الظاهرة، ثم تبنّى هدارة هذا الرأي عندما لاحظ أنّ أغلب الشعراء المُجّان كانوا من الموالي، وهذا مؤداه إلى أمرين: الأول يشي بأنّ عهد بني أمية كأنّه عهد لم يُعَبّر فيه الشّعراء إلا عن الفضائل، وهذا غير صحيح على الإطلاق فصور النقائض التي شارك فيها كبار شعراء بني أمية كلّها في الهجاء القائم على التهتك وتتبع سوءات الشعراء والطعن في أنسابهم وتحقيرهم إلى الحدّ الذي تنتفي فيه إنسانيتهم، ثم إنّ شعر الفرزدق وما فيه من فحش هل يُصَنّف خارج دائرة المجون؟

    وإذا أعدنا النظر في غزل الأمويين كغزل عمر بن أبي ربيعة ووضاح اليمن وغيرهما، فهل نجد في ذلك الغزل ما يخالف غزل بشار وأبي نواس؟ والأهم من ذلك هل كان الشعر الجاهلي بمنأى عن التعابث والمجون، فماذا بشأن خمريات الأعشى هل تخرج عن المجون؟ وهل نستطيع أن نعد شعر الأعشى ومجاهرته بشرب الخمرة وفتونه بها إلى الدرجة التي صرفته عن الدخول في الإسلام أقل من ظاهرة فنية؟

    ما معنى الربط بين المجون وتحول السلطة من الأمويين إلى العباسيين إذن؟

    والثاني يتصل بالحكم النقدي المعزول عن الموضوعية، فهل كان كلّ شعراء المجون من الموالي؟ ألم يكن أبو دلامة زند بن الجون والحسين بن الضحاك الخليع وغيرهما على رأس شعراء المجون في العصر العباسي؟

    لقد تسنى للدكتور هدارة أن يقول: "إنّ المجون لم يكن دعوة ساذجة بريئة تدعو إلى الترف والتظرف الاجتماعي فحسب، وإنما هو نتيجة مؤثرات عميقة اجتماعية وفكرية ودينية"([4]).

    من أجل ذلك جعل الشعوبية من دوافع المجون عند الشعراء الموالي على اعتبار الشعوبية كما قال: "كانت تهدف إلى تحطيم معنويات المسلمين ودس الأكاذيب والمفتريات في أصول دينهم حتى ينتقموا لأصولهم الفارسية"([5])، فلما وصل في بحثه إلى ذكر بعض الشعراء العرب قال: "هنالك من شعراء المجون من لا صلة لهم بالشعوبية والذي دعاهم إلى ذلك عوامل اجتماعية وثقافية"([6])، وهذه نتيجة محيرة تثير جملةً من التساؤلات أبرزها: كيف تجتمع أهداف الشعوبية التي تحضّ الشعراء الأعاجم على إشاعة الفساد والتحلل والإباحية لتخريب بنية المجتمع العربي من الداخل تمهيداً للقضاء على وحدته وتسريع انهياره، مع الأسباب الاجتماعية والثقافية النابعة من صميم المجتمع العربي والتي تدفع هي الأخرى الشعراء العرب إلى الفساد والتحلل والإباحية، ثم ما مؤدى ذلك؟ هل البنى الاجتماعية والثقافية في المجتمع العربي العباسي أسهمت هي الأخرى في مجون شعرائها لتهدم نفسها بنفسها أيضاً، أقول كيف اجتمعت أهداف الشعوبية مع العوامل الثقافية والاجتماعية في نشوء ظاهرة المجون إذا كانت بالفعل ذات أغراض سياسية؟

    إنّ المجون عند هدارة مقدمةٌ وفاتحة وتمهيدٌ للزندقة، فإذا كان المجون قد انحصر بالتعبير عما يجانب الخلق القويم والدعوة إلى الإباحية، فإن الزندقة عنده تلامس الشعور الديني والعقيدة، فكلّ معنىً تردد في شعر العباسيين الذين ظهروا في القرن الثاني يشكك في سلامة العقيدة هو داخل في الزندقة والإلحاد، وعلى هذا الأساس عدّ الزندقة كالمجون محصورة في شعراء القرن الهجري الثاني، وهذا اعتبار خاطئ أيضاً لأنّ الزندقة المرادفة للإلحاد لا تتصل بزمن دون زمن، ولو أردنا تبيان ذلك لضاق المقام بنا.

    لسنا في الواقع ننكر أثر الشعوبية في بث الفرقة بين طبقات المجتمع، ولسنا بصدد نفي تهمة الشعوبية عن الشعراء الموالي، فهذا أمر يثبته التاريخ، غير أننا ننكر بشدة أن تكون هناك أسبابٌ ودوافعُ واحدة لتعابث الشعراء ومجونهم، ومن ثمّ فإنّ إقرار نتائج عامة في هذا الموضوع يضر بالشعر موضوع الدراسة الأدبية، لأنّ ذلك في اعتقادي يدخل في باب دراسة تاريخ الأفكار ولا يدخل في دراسة الشعر لأنّ الشعر ينبغي أن ُدرس لذاته، غير تابع للتاريخ ولا الأفكار ولا العقائد، وعليه فإننا نريد دراسة ظاهرة المجون في شعر بشار في إطارها الخاص وأسبابها الشخصية المتصلة بالشاعر، ومن ثم تبيان أبعادها في شعره، والتساؤل بعد ذلك عن قيمتها الفنية والمكانة التي تشغلها في تاريخ بشار الشعري، في محاولة لفهم شخصيته وتقدير الفنّ الذي جاء به، مصورين مشكلة البحث بالتساؤل الآتي: إذا كان بشار بن برد ماجناً زنديقاً، وهو في مجونه وزندقته مدفوع إلى "تحطيم معنويات المسلمين ودس الأكاذيب في دينهم حتى ينتقم لأصوله الفارسية" ([7]) كما قال هدارة على اعتباره شاعراً شعوبياً ومولى، فكيف تقبّلَه القارئُ المسلم، وكيف تسنم المكانة السامقة في سماء الشعر العربي، ولماذا قدمه النقاد العرب المسلمون على سائر شعراء عصره، ولماذا لا يزال الدرس الأدبي يحفل به وبشعره كل هذا الاحتفال؟ وبمعنى آخر: ما أثر مجون بشار مع قبح ما يعنيه المجون في تقييم شخصيته وشعره؟ وهل كان الناس في العصور المنصرمة قد وضعوا مجونه جانباً حين حكموا على جودة شعره؟ أم أن الأحكام القاسية التي أطلقها النقد الحديث على بشار ومجونه فيها من العسف والظلم ما لم يره المتقدمون؟

    أما المنهج الذي نريد من خلاله النظر إلى مجون بشار فقائم على عرض الأخبار التي ساقها الأدباء وعلى رأسهم الأصفهاني، المتصلة بمجونه وتحليلها ومناقشتها ومقابلتها بأشعاره المشهورة في هذا الباب. ومن ثم عرض آراء بعض المحدثين في مجون بشار وتحليلها ومحاورتها بغية الوصول إلى فهم واضح لدوافع وأبعاد قضية المجون في شعر بشار، وقد استقامت لنا خطة هذا البحث فجعلناه في ثلاث نقاط أساسية:

    ـ ظواهر مجون بشار.

    ـ دوافع مجونه النفسية والاجتماعية والفكرية.

    ـ أبعاد المجون وأثره في تقييم شخصيته وشعره.

    1. مجون بشار:

    لقد علقت شبهةُ المجون والزندقة بشخصية بشار من جراء سلوكه قبل كلّ شيء، فهو بطبيعته متبرم بالناس مفطور على استعدائهم، إذ شحذ لسنه منذ الصغر بهجائهم، حتى لكأن موضوع الهجاء كان وسيلة لإثبات وجوده، ثم كان موضوع الغزل مجالاً آخر لتثبيت تلك التهمة على اعتبار الغزل كان أداته للتعبير عن اللذة والمتعة التي كان يميل إليها بطبيعته، فكان مجونه متردداً بين هجائه وغزله على نحو خاص حتّى قال يونس النحوي على نحو ما روى ابن سلام: "العجيب من الأزد يدعون هذا العبد ينسب بنسائهم ويهجو رجالهم يعني بشاراً"([8]).

    هجاء بشار وشبهة المجون:

    كان بشار ـ على نحو ما يذكر الأصفهاني ـ قد قال الشعر ولما يبلغ عشر سنين، فكأن أول عهده بالشعر يهجو الناس، "فإذا هجا قوماً جاؤوا إلى أبيه فشكوه فيضربه ضرباً شديداً، فكانت أمه تقول: كم تضرب هذا الصبي الضرير، أما ترحمه؟ فيقول: بلى والله إني لأرحمه، ولكنه يتعرض للناس فيشكونه إلي، فسمعه بشار فطمع فيه فقال: يا أبت إن هذا الذي يشكونه مني إليك هو قول الشعر، وإني إن ألممت عليه أغنيتك وسائر أهلي، فإن شكوني إليك فقل لهم أليس الله يقول: )ليس على الأعمى حَرَجٌ( فلما أعادوا شكواه قال لهم بُرد ما قاله بشار فانصرفوا وهم يقولون فقْه بُرد أغْيظ لنا من هجاء بشار"([9]).

    وواضح أنّ بشاراً منذ صغره قد أدرك خطورة الهجاء، وأثره البالغ في الناس فشحذ لسانه بذمهم ليهابوه ويتجنبوا معرة لسانه، وفي الوقت نفسه جعل من الهجاء وسيلة للتكسب فروي عنه أنّه قال: دخلت على الهيثم بن معاوية وهو أمير البصرة فأنشدته:

    إنّ السلام أيّها الأمير



    عليك والرحمة والسرور

    فسمعته يقول: إن هذا الأعمى لا يدعنا أو يأخذ من دراهمنا شيئاً، فطمعت فيه فما برحت حتى انصرفت بجائزته"([10]). ولذلك كان الموسرون بالبصرة يسترضونه تجنباً لهجائه، وهو بطبعه لم يكن يحسن مصانعة الناس، ومن ثم لم يكن بارزاً في المدح كبروزه في الذم، وقوله في الخبر الآنف لأبيه: "أغنيك وسائر أهلي" عظيم الدلالة على ميله الشديد إلى الهجاء، وتكريسه هذا الموضوع للنيل من الخصوم ومن ثم حصوله غصباً على جوائزهم.

    كل الهجاء سلاحاً ذا حدين، فهو من جهة أسلوب ناجع في رد ع الخصوم والنيل منهم انتقأما وتشفياً، وبالفعل كان الناس في مختلف طبقاتهم ومراكزهم يخافون لسانه، لأنه فاحش القول وشعره سائر بين الناس، يتناقله المغنون وتنشده الجواري وتنوح به النائحات، كما كانت مجالس العلماء تحفل بأشعاره أشد ما يكون الاحتفال، إذ الأصمعي وهو من النقاد المتشددين كان يرى أن بشاراً خاتمة الشعراء، ولولا أنه متأخر عن زمن الفحول لكان قدّمه على كثير منهم، وهو من جهة أخرى السبب الذي أحدث جفوة بينه وبين الناس، بل كان هجاؤه باباً للقدح في عقيدته، وإبراز مجونه وزندقته، وليس ذلك فحسب بل كان الهجاء سبباً في مقتله كما سنرى.

    إذن بشار من محترفي الهجاء، تصيد فيه سقطات الخصوم، وأمعن في تصوير مباذلهم، وقد تمرس في هذا الباب كما تروي الأخبار، إذ حمل في نفسه صور النقائض التي كانت تدور بين أعلام الشعر الأموي، ولهذا اختلف إلى المربد وعاين جولات الخصوم في التهاجي، وقد أحب أن يشارك في ذلك، فقال: "هجوت جريراً لم يجبني ولو أجابني لكنت اشعر الناس"([11]) إذ أراد أن يمتحن قدرته البيانية في الهجاء فكانت نفسه تنازعه إلى مقارعة جرير وغيره من كبار الشعراء.

    وما إن تمكن من هذه الأداة الجارحة حتى انخرط في مهاجاة أعلام عصره، وكبار الشخصيات إذ نراه يتعرض للمفكرين والزهاد والنقاد والنحاة والشعراء، فكان هجاؤه لواصل بن عطاء قد أضفى على شخصه رنيناً هائلاً، وبالمقابل أشعر خصمه بإهانة بالغة، والخلاف بين الرجلين غامض إذ لم تفصل المصادر فيه، وكل ما هناك أن بشاراً كان في بادئ أمره من أصحاب الكلام، وكذلك كان واصل بن عطاء، فلما صار واصل إلى الاعتزال وصار بشار كمما يقول الأصفهاني إلى الرجعة، حدث اختلاف بين الرجلين من حيث المذهب الفكري، فانقلبت العلاقة بينهما من علاقة ود وإعجاب، إذ سجل الأصفهاني شعراً يمدح فيه بشار واصلاً ويشيد بخطبه وبلاغته، إلى علاقة عداء وخصومة، فهجاه هجاء موجعاً في قوله:

    مالي أشايع غزّالاً لـه عنق



    كنِقْنِقِ الدَّوِّ إن ولّى وإن مثَلا

    عُنقَ الزرافةِ ما بالي وبالُكمُ



    أتكفرون رجالاً أكفروا رجلا؟

    فما كان من واصل إلا أن حرّض الناس عليه متهماً إياه بالزندقة والفجور، فكان يقول في مجالسه: "أما لهذا الأعمى الملحد المكنيّ بأبي مُعاذ من يقتله، أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسَسْت له من يبعج بطنه في جوف داره"([12]).

    وواضح أنّ الخصومة بين الرجلين حملت واصل بن عطاء على اتهام بشار بالزندقة، وكانا قبل ذلك على ود ومحبة، والسؤال هنا: هل كان بشار قبل مخالفته واصل بن عطاء ملتزماً بالمبادئ داعياً إلى المثل متقيداً بالأعراف، وهل كان تحوله إلى المجون بعد ما دب الخلاف بينه وبين واصل؟ في الحقيقة أنّ مجون بشار مرتبط بمحاولاته الأولى في النظم بدليل أنّه كان يهجو الناس منذ صغره ويتعرض لأنسابهم ويقدح في أعراضهم، غير أنّ واصلاً فيما يبدو لم يثره كل ذلك في بداية الأمر لأنّه كان على وفاق مع بشار، ولما اختلفا أخذ يبين عَواره ويتتبع سقطاته في أشعاره الماجنة ويدعو الناس إلى قتله والتخلص منه كما يبين الخبر الآنف.




    * باحث من سورية.

    ([2]) اتجاهات الشعر في القرن الهجري الثاني، محمد مصطفى هدارة، ص:203.

    ([3]) حديث الأربعاء، طه حسين، 2/81، وتاريخ الإلحاد، عبد الرحمن بدوي.

    ([4]) اتجاهات الشعر، محمد مصطفى هدارة، ص230.

    ([5]) المرجع نفسه ص215.

    ([6]) المرجع السابق.

    ([7]) المرجع السابق، ص218.

    ([8]) الأغاني للأصفهاني: 3/149.

    ([9]) الأغاني للأصفهاني: 3/146.

    ([10]) المرجع نفسه.

    ([11]) نفسه 3/162.

    ([12]) نفسه.


    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. العروبة والعرب في أدبيات الشعوبية
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى قبة المربد
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 19/03/2011, 01:30 PM
  2. قصيدة بعنوان الحب الدفين
    بواسطة محمد خير طالب في المنتدى الشعر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05/10/2008, 12:41 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •