الغفران



لم أضعف هذا أكثر ما صدمني في نفسي لم أضعف أمامه رغم كل ذلك الحب الذي جمعنا وتلك اللحظات و الأفراح و الأزمات التي وجهتنا لم أضعف وقفت بثبات دون انكسار و بكل هدوء وبصوت واضح وواثق قلت له " طلقني " ومشيت ولم تنزل دمعة من عيني مشيت ..... مشيت فقط وكأن الأمر كان عادي رغم إني لم أكن لأتخيل حياتي من غيره لحظة ولكن ما الذي تبقى من قصتنا سوى فصول التجريح و الخيانة التي ملئت صفحاتها فصول الأهانات و الاعتذارات فصول الألم و الانتظار نعم انتهينا منذ اللحظة التي تخلى عني فيها و تركتني أواجه ذلك الألم وحدي نعم انتهينا أنا و هو و حبنا و ابننا وضعنا بفصول الحياة ضعنا وقبلت أن نضيع لأني تعبت من مسامحته ومن الإحساس بالذنب تعبت من ذلك الحب الذي قيدني سنوات وسنوات منذ أن كنا مجرد طفلين مجرد فتاة وفتى وجدا نفسيهما و قد قيل لهما مازن لنور ونور لمازن كبرت و أنا أحس بأنه جزء مني بل نصفي الآخر كنت أتألم لمرضه و أفراح لفرحه و أخذ بالقهقهة حتى و كأنه أنا من نجح و فازو كنت أغار من كل فتاة تدنو منه أو ترمقه بنظرة من بعيد و أستشيط غيضا أن رأيته ينظر لغيري ولو نظرة عابرة وكان ذلك الأمر يعجبه فيغيظني بفعله دائما أو لعل هذا ما صوره لي قلبي مجرد لعبة منه ولكن الأمر بدأ يظهر جليا أمامي شيئا فشيئا بعد زواجنا كان يعود متأخر و أبقى لانتظاره الليل كله على أريكتي التي لطالما وستني و مسحت دموعي بفروها الناعم وكنت أوهم نفسي وأقول لشموعي بأنه سيسبقك ويعود ولكنها دوما كانت تسئم الانتظار فيخنقها الملل فتنام وتتركني أتجرع الم هزيمتي وحدي وعندما يعود أسرع لأضمه وكأنه طفلي .... ابني وقد عاد بعد غياب سنين أضمه حتى أشعر بأني جزء منه فيبعدني متأفف و قائلا " لقد ألمتني ماذا بك هل جننت؟" ويذهب لينام فأجيبه "نعم يا حبيبي لقد جننت ..... جننت بك منذ زمن بعيد أمن المعقول بأنك لم تعد تشعر بهذا ؟" ولكنه لم يتوقف حتى ليسمعني بل وجدته و قد رمى جسده المنهك على السرير فأعود لأخلع الجزمة التي يرتديها أنا ودموعي التي تلمس قدمه و لكنه لا يشعر بها و لا بي ... حتى بعدما حملت و فقدت طفلنا اكتفى بقول" ربنا راح يعوضنا أن شاء الله ... لقد تأخرت سأعود قريبا" ويرحل ليتركني أتجرع الألم ولتمزقني دموعي الصامتة و تعصرني أحزان قلبي وحيدة كالعادة بالرغم أنهم كلهم بجانبي و لكن هو.. هو وحده كان عائلتي التي أريد ولكن تلك العائلة لم تكن متواجدة إلا بخيالي فقط و تسألت ثانية أمن المعقول لم يشعر بي ؟.... و أخذت عندها أنظر بعيونهم لعلي أجد شيئا منه فيها و لكني لم أجد شيئا ...لم أجد شيئا .... وعندما أنجبت ابننا ناصر وجدته عندها نعم ولكن فقط ليزيد بؤسي وعذابي ووجدت والبرود و الغضب قد مزجا في عينيه فاشتطت لتحرقني نارها قبل ناركلامك وهو يقول لي "لقد أنجبت صبيا ولكنه معاق" وهرب أيضا من مواساتي ليختبئ بأحضان أخرى دون أن يراعي ألمي فأنا قد أجريت عملية و صدمت بأن حلم حياتي تدمر للمرة الثالثة ولكن الأمر لا يهمه بل أنه جعلني أغرق في بحر من الدموع و الإحساس بالذنب لم أكن أعرف أين أخطئت ليعقبني بهذه القسوة لم أطلب بأن يتأذى ابني أنه قدرنا ببساطة فلما يعاقبني لعل ذلك كان أسهل عليه من أن يتحمل مسو ولية ابننا معي ليمهد للخطة اللاحقة لموتي البطيء .... لحقيقة أنا أم المعاق أنا المسوولة أنه خطئي كل مرة يعيد فيها الكلام ذاته فأصمت و تتحدث دموعي لأني لا أعرف ماذا أقول فيهز رأسه لا مباليا و يغادرو يستمر في تجاهلي و خيانته لي و التي لم يعد يتلافى معرفتي بها فيحدثها أمامي و يقول لها كل ماهو من حقي كل ما حلمت به كل ما قتله بداخلي و يناديها حبيبي .....عمري ...عيوني. ..... حتى تسلم لي نعم يخاطبها كأنها رجل و لكني أعرف أنها غير ذلك فأكتفي بادعائي الجهل و السذاجة و بأني الملاك ذاته الذي عرفه قبل ثمانية سنوات لست أدري من كان فينا حينها الساذج من كان يدعي أم من كان يمثل البراءة التي فقدها ولكن الأمر لم يعد يهم فقد ماتت المعاني من داخلي و لم يعد لدي أية قواميس فقد ساحقها تجاهله لي حتى أفرغني تماما من أبسط المعاني والكلمات و أكمل مهمته ذلك اليوم عندما أخبرته بأن ابننا مريض و قد أخذته للمشفى فبادرني
- وهل ستبقين معه ؟
- فأجبته متعجبة : طبعا ألن تأتي ؟
- لا أظن فأنا مشغول اليوم على الآخر, ربما أمر عليكما لاحقا. أتريدان شيئا ؟
- فأجبت و الصدمة تلجم فمي : لا ..... لا
و أقفل الخط و لكن لكل قصة نهاية فقد اتسخت ثياب ناصرو أردت احضر ثياب نظيفة له فاتصلت عليه و لكن هاتفه كان مغلقا فاتصلت على أخي ليأخذني إلى بيتي و عندما وصلت كان الباب مفتوحا لم يكن مغلقا فقط قد رد ولم ينغلق فدخلت بصمت وعندها سمعت أصوات تصدر من غرفة نومي لم أدرك ما هي و لكن عندما بدأت أقترب بدأت تتضح أنها أصوات تأوهات و كلمات غريبة وعندما دفعت الباب رأيته معها على سريري بوضع خليع وقفت عندها صامتة و كأن صفعة قد تلقيتها على وجهي جعلتني استيقظ من كابوس فظيع على حقيقة أفظع لم تترك لي مجال لأتجاهلها أو أغفل عنها شعرت حينها بأن روحي تسلب مني ببطء قاتل و بقسوة مؤلمة جدا شعرت بأن كل ما بي يتحطم و ينهار بسهولة سنين من الحب و التضحية و الغفران لم تعد تعني شيئا لم تعد موجدة اختفت فجأة مثلما اختفت صورته معها خلف ستار دموعي وكأنها تريد أن تكذب ما رأيته أو تخفيه عني فلم تتوقف بل استمرت و استمرت بصمت وهو عندما رآني قفز مسرعا ليرتدي ثيابه وعاد إلي ليخبرني بالمزيد من أكاذيبه المفضوحة و أنا أنظر في عينيه أبحث فيها عن الإجابات حقا عن تساؤلاتي متضرعة إليه بأن كل ما حدث وهم لعبة أخرى من ألعيبه علي ولكن عينيه كانت تهرب مني و تختبئ هي خلف دموعها و لكن حقيقتها كانت قد وصلتني فلم أعرف ثانية بماذا أرد عليه و ماذا أقول أو حتى لماذا خانني بل كل ما قلته هو" أمن المعقول لم تشعربي ؟ "ومضيت و لم أنتظر إجابة منه فصمته كان أبلغ من كل الكلام فبعد ماحدث أي كلام قد يفيد فكل ما كان ما بيننا ضاع ...مثلما ضاعت سنواتنا الماضية و الآتية و برغم من كل خيانته لي إلا أن صدمة رؤيته معها كانت فوق احتمال الملاك الساذج والأم المذنبة لقد دمر أخر قلاعي دمر بداخلي الغفران ليس له فحسب بل حتى لنفسي و عندما عاد ثانية يجر حزنه و ندمه خلفه و الدموع في عينيه هو نظرت إليه وفكرت كم هي عجيبة الحياة بالأمس كانت الدموع رفيقة لي ولكنها حتى هي خانتني و ذهبت له وتركتني أبحث عنها بداخلي فلا أجدها و لا أجد ذلك الضعف الذي طالما اعتراني و سلبني أردتي ولا ذلك الحب الكبير لم أجد شيئا يشفع له بداخلي لا شئ بل كان كل ما بداخلي قد رحل مع أخر صورة في ذاكرتي لنا كنا نضحك فيها معا عندها وجدت نفسي أقف بثبات و بدون انكسار و بكل هدوء وبصوت واضح و واثق أقول له "طلقني ".