النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: رواية عذراء بغداد..

  1. #1 رواية عذراء بغداد.. 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية ريم محمد
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    المشاركات
    120
    معدل تقييم المستوى
    17
    1
    انسابت من أعماقه الملتاعة كل تلك المشاعر المحزونة وقال وهو ينظر إليها "بان أنت لست مذنبة ..ولم تكوني يوما سيئة ..فلتنسي الماضي ..ولتبدأي من جديد"
    اعتنقته كطفلة تبحث عن الأمان ,قالت وهي تغالب البكاء "لم أكن أحلم يوما بأن يحدث لي ماحدث"همس في أذنها:
    -هيا بان ليس هذا وقت البكاء ستخرجين من هذا السجن الكبير .
    تطلعت إليه بينما ندت من عينيه دمعة وقال وهو يتحامل على نفسه
    "سوف يدفعون ثمن مافعلوه غاليا.
    ومن خلف الصمت الرهيب الذي أكتنفهما على الرغم من الضوضاء المحيطة بهما قالت
    -"لم تكن هكذا؟
    ابتسم ابتسامة هادئة"علمتني المصيبة أن أكون رجلا.."
    المصيبة ...مازالت تذكرها ..ذلك اليوم انشغلت بتقديم المساعدة لمن ينقلون إلى الطوارئ ,تنقلت من سرير لآخر,وقد تجلس لبرهة إلى جانب جريح لم يجد سريرا يستلقي عليه,الأطفال يصرخون باكيين ,النساء التي استبدت بهن الجراح يولولن ويلعن الديمقراطية ومن جاء بها,في كل وجه قصة ,وعلى الملامح تلوح علامات الموت ,والحيرة تلفها وتلف الأطباء الآخرين فالأعداد تزداد والإمكانيات ليست في المستوى المطلوب,أثناء ذلك تقف سيارة الإسعاف أمام البوابة ,يهرع المسعفون يدفعون أمامهم سرير ,الحالة شديدة الخطورة ..فالرصاصة ارتكزت في الرأس لتنهي حياة هذا الإنسان,اجتمعت مع الطبيب وليد محاولين إنقاذ الرجل ,بينما انكب سعيد وحسين على المرأة التي إلى جوارهما, لم تحدق في وجه الرجل المصاب المضرج بالدماء ,مسح الطبيب الدماء واتضحت الملامح ,حبست أنفاسها ,كادت تقع أرضا ,الطبيب الآخر قال:
    -لقد فارقت المرأة الحياة.
    حانت منها التفاتة للمرأة إنها تعرفها,حبست صرختها وهي ترى إياد يهرول ناحيتها قادما من أحد الممرات, الدم ينزف من رأسه- على الرغم من الإسعافات التي قدمها الأطباء له-بدأ مشدوها فالصدمة تعبث به , عيناه لا تقفان عند حد تساءل بألم :
    -أين هم؟؟
    لم تستطع الإجابة ،فالقوة أن تحبس الدمعة أمام من تحب,أنقذها من الجواب أحد الجيران الذي أصيب في القصف :إنهما على السريرين "وأشار بيده ناحيتهما,مشى كمن يجر وراءه أكواما من السلاسل ,حاذى السرير الذي نام عليه الأب المسجى ,وشاهد بعينيه أبيه وقد خضبت لحيته البيضاء بالدماء ,وعلى شفتيه تجلت ابتسامة وقورة..التفت إلى أمه التي مزق صدرها بالرصاص قبل أن يقصف عليهم البيت ,اتجه لبان سألها وقد أفقدته الفاجعة صوابه "أين ناهد؟؟,لحظتها لم تستطيع الصمود فوقعت مغشيا عليها,جعل يبحث عن ناهد بين الجرحى, يبحث عنها وفي عينيه تجلت الصدمة واضحة ,احتضنه أحد الرجال قال له مواسيا "اصبر يارجل "
    أفاقت بان ولم تر أمامها سواه ,ينظر إليها من خلال سحابة من الدمع ,خرجا ولكن ليس لبيتهم ,لأنه لم يعد هناك ..لقد اختفى ..ولكن لم تختف معه الذكريات التي يحملانها..
    انتبهت على يده تمسك بيدها وتضرب عليها بخفة, وقال وهو يستجر تلك الصور من خزانة الماضي العتيقة:
    -أحببت ناهد بصدق ..
    -يالها من رائعة .
    -لم يمهلوننا لكي نعيش سوية.
    -إنه قدرنا أن نفارق من نحب.
    -خمسة أيام هو عمر زواجنا لفها الخجل كما لفها الكفن.
    كل ذكرياتهما كانت شيئا نفيسا, فالواقع أو المسخ الذي يسمى بالحياة والحرية يطاردهما بالموت, نفسيهما طافحة بالألم و القلق, قالت بعد صمت -كنت مثلك أحلم بعماد وبفستان الزفاف الأبيض الذي لا أنام قبل أن أراه..سكتت ثم أردفت ضاحكة"
    -لم يصدق أن أبي قد حدد موعد الزفاف, فدائما ما يقول:
    "أظن أني قد عقدت قرآني عليك ليخزنك أبوك في بيتكم"
    لكن قتل أبويها ,وما جرى بعد ذلك مزق أحلامها ,لتخرج من بعده فتاة بوجه آخر, الحياة في عينيها أكثر اسودادا.,وأشد قسوة.
    -هيا بان لقد حان موعد إقلاع الطائرة .
    انتبهت من شرودها على كلماته :أين ذهبت ...إلى بغداد .
    -سأفتقد بغداد كثيرا.
    حمل الحقائب وسارت معه ..لم يدم تفتيش الحقائب طويلا, انبعث صوت المكبر منبها على الرحلة المتجهة إلى لندن.
    شعرت لحظتها بالغربة تسري في جسدها, أحست بأنها كطفلة صغيرة تائهة عن والديها ،قبض على ذراعيها وقال بحزم "هناك في لندن سيكون نبيل بانتظارك"
    -سأشتاق لك .
    -هيا بان بسرعة سوف تطير الطائرة بدونك, عندها سنخسر ثمن التذاكر.
    جففت دمعاتها وتأهبت لرحيل, بينما أخرج من معطفه مصحفا صغيرا, أعطاها إياه وهمس مبتسما:
    -سيكون أنيسك في الغربة .
    غابت في الزحام, وغاب عن الدنيا مفكرا فيها, وغابت على خديه دمعة سجنها للحظات.
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: رواية عذراء بغداد.. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,901
    مقالات المدونة
    40
    معدل تقييم المستوى
    18
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريم محمد مشاهدة المشاركة
    1
    انسابت من أعماقه الملتاعة كل تلك المشاعر المحزونة وقال وهو ينظر إليها "بان أنت لست مذنبة ..ولم تكوني يوما سيئة ..فلتنسي الماضي ..ولتبدأي من جديد"
    اعتنقته كطفلة تبحث عن الأمان ,قالت وهي تغالب البكاء "لم أكن أحلم يوما بأن يحدث لي ماحدث"همس في أذنها:
    -هيا بان ليس هذا وقت البكاء ستخرجين من هذا السجن الكبير .
    تطلعت إليه بينما ندت من عينيه دمعة وقال وهو يتحامل على نفسه
    "سوف يدفعون ثمن مافعلوه غاليا.
    ومن خلف الصمت الرهيب الذي أكتنفهما على الرغم من الضوضاء المحيطة بهما قالت
    -"لم تكن هكذا؟
    ابتسم ابتسامة هادئة"علمتني المصيبة أن أكون رجلا.."
    المصيبة ...مازالت تذكرها ..ذلك اليوم انشغلت بتقديم المساعدة لمن ينقلون إلى الطوارئ ,تنقلت من سرير لآخر,وقد تجلس لبرهة إلى جانب جريح لم يجد سريرا يستلقي عليه,الأطفال يصرخون باكيين ,النساء التي استبدت بهن الجراح يولولن ويلعن الديمقراطية ومن جاء بها,في كل وجه قصة ,وعلى الملامح تلوح علامات الموت ,والحيرة تلفها وتلف الأطباء الآخرين فالأعداد تزداد والإمكانيات ليست في المستوى المطلوب,أثناء ذلك تقف سيارة الإسعاف أمام البوابة ,يهرع المسعفون يدفعون أمامهم سرير ,الحالة شديدة الخطورة ..فالرصاصة ارتكزت في الرأس لتنهي حياة هذا الإنسان,اجتمعت مع الطبيب وليد محاولين إنقاذ الرجل ,بينما انكب سعيد وحسين على المرأة التي إلى جوارهما, لم تحدق في وجه الرجل المصاب المضرج بالدماء ,مسح الطبيب الدماء واتضحت الملامح ,حبست أنفاسها ,كادت تقع أرضا ,الطبيب الآخر قال:
    -لقد فارقت المرأة الحياة.
    حانت منها التفاتة للمرأة إنها تعرفها,حبست صرختها وهي ترى إياد يهرول ناحيتها قادما من أحد الممرات, الدم ينزف من رأسه- على الرغم من الإسعافات التي قدمها الأطباء له-بدأ مشدوها فالصدمة تعبث به , عيناه لا تقفان عند حد تساءل بألم :
    -أين هم؟؟
    لم تستطع الإجابة ،فالقوة أن تحبس الدمعة أمام من تحب,أنقذها من الجواب أحد الجيران الذي أصيب في القصف :إنهما على السريرين "وأشار بيده ناحيتهما,مشى كمن يجر وراءه أكواما من السلاسل ,حاذى السرير الذي نام عليه الأب المسجى ,وشاهد بعينيه أبيه وقد خضبت لحيته البيضاء بالدماء ,وعلى شفتيه تجلت ابتسامة وقورة..التفت إلى أمه التي مزق صدرها بالرصاص قبل أن يقصف عليهم البيت ,اتجه لبان سألها وقد أفقدته الفاجعة صوابه "أين ناهد؟؟,لحظتها لم تستطيع الصمود فوقعت مغشيا عليها,جعل يبحث عن ناهد بين الجرحى, يبحث عنها وفي عينيه تجلت الصدمة واضحة ,احتضنه أحد الرجال قال له مواسيا "اصبر يارجل "
    أفاقت بان ولم تر أمامها سواه ,ينظر إليها من خلال سحابة من الدمع ,خرجا ولكن ليس لبيتهم ,لأنه لم يعد هناك ..لقد اختفى ..ولكن لم تختف معه الذكريات التي يحملانها..
    انتبهت على يده تمسك بيدها وتضرب عليها بخفة, وقال وهو يستجر تلك الصور من خزانة الماضي العتيقة:
    -أحببت ناهد بصدق ..
    -يالها من رائعة .
    -لم يمهلوننا لكي نعيش سوية.
    -إنه قدرنا أن نفارق من نحب.
    -خمسة أيام هو عمر زواجنا لفها الخجل كما لفها الكفن.
    كل ذكرياتهما كانت شيئا نفيسا, فالواقع أو المسخ الذي يسمى بالحياة والحرية يطاردهما بالموت, نفسيهما طافحة بالألم و القلق, قالت بعد صمت -كنت مثلك أحلم بعماد وبفستان الزفاف الأبيض الذي لا أنام قبل أن أراه..سكتت ثم أردفت ضاحكة"
    -لم يصدق أن أبي قد حدد موعد الزفاف, فدائما ما يقول:
    "أظن أني قد عقدت قرآني عليك ليخزنك أبوك في بيتكم"
    لكن قتل أبويها ,وما جرى بعد ذلك مزق أحلامها ,لتخرج من بعده فتاة بوجه آخر, الحياة في عينيها أكثر اسودادا.,وأشد قسوة.
    -هيا بان لقد حان موعد إقلاع الطائرة .
    انتبهت من شرودها على كلماته :أين ذهبت ...إلى بغداد .
    -سأفتقد بغداد كثيرا.
    حمل الحقائب وسارت معه ..لم يدم تفتيش الحقائب طويلا, انبعث صوت المكبر منبها على الرحلة المتجهة إلى لندن.
    شعرت لحظتها بالغربة تسري في جسدها, أحست بأنها كطفلة صغيرة تائهة عن والديها ،قبض على ذراعيها وقال بحزم "هناك في لندن سيكون نبيل بانتظارك"
    -سأشتاق لك .
    -هيا بان بسرعة سوف تطير الطائرة بدونك, عندها سنخسر ثمن التذاكر.
    جففت دمعاتها وتأهبت لرحيل, بينما أخرج من معطفه مصحفا صغيرا, أعطاها إياه وهمس مبتسما:
    -سيكون أنيسك في الغربة .
    غابت في الزحام, وغاب عن الدنيا مفكرا فيها, وغابت على خديه دمعة سجنها للحظات.
    قصة مؤثرة و جميلة
    فيها رائحة الواقع بكل أحداثه السريعة التي تدفع أحيانا لكبت المشاعر إلى حين...
    ربما لأننا نرى أنها لا تغير المسار ، أو لأن ذاك المسار الذي مضينا فيه دون رضاها قد يكون الطريق إلى قدَرٍ معين...
    حقا الحياة ليست دوما كما نحب ...و تظل حياة و لو لم نحبها ، تظل حياتنا ولا نملك غيرها....هي غالية بحُلوها و مُرِّها...

    بوركت أختي الكريمة ريم
    دمتِ متألقة
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: رواية عذراء بغداد.. 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية ريم محمد
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    المشاركات
    120
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجدة2 مشاهدة المشاركة
    قصة مؤثرة و جميلة

    فيها رائحة الواقع بكل أحداثه السريعة التي تدفع أحيانا لكبت المشاعر إلى حين...
    ربما لأننا نرى أنها لا تغير المسار ، أو لأن ذاك المسار الذي مضينا فيه دون رضاها قد يكون الطريق إلى قدَرٍ معين...
    حقا الحياة ليست دوما كما نحب ...و تظل حياة و لو لم نحبها ، تظل حياتنا ولا نملك غيرها....هي غالية بحُلوها و مُرِّها...

    بوركت أختي الكريمة ريم

    دمتِ متألقة
    الأخت ماجد2
    بارك الله فيك ..
    .
    .
    تحيتي..
    \
    ريم
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: رواية عذراء بغداد.. 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    المشاركات
    4
    معدل تقييم المستوى
    0
    شعرت بأني بقلب الواقع المؤلم الذي وصفته ولكن ربما فصلني عنه احيانا الأتنقال السريع في صور المشاهد أنا أشعر بأنك كنت تريدين وصف كل تفصيل دار بخلدك ولكن ذلك الأمر جعل القصة احيانا تفلت منك

    عزيزتي ثأبري و ارجو أن لا أكون ثقيلة الدم ولكن هذه وجهة نظر من مبتدئة و احساس أرجو ثانية إلا يجرحك
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: رواية عذراء بغداد.. 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية ريم محمد
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    المشاركات
    120
    معدل تقييم المستوى
    17
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روح الزهر مشاهدة المشاركة
    شعرت بأني بقلب الواقع المؤلم الذي وصفته ولكن ربما فصلني عنه احيانا الأتنقال السريع في صور المشاهد أنا أشعر بأنك كنت تريدين وصف كل تفصيل دار بخلدك ولكن ذلك الأمر جعل القصة احيانا تفلت منك

    عزيزتي ثأبري و ارجو أن لا أكون ثقيلة الدم ولكن هذه وجهة نظر من مبتدئة و احساس أرجو ثانية إلا يجرحك
    روح الزهر..

    شاكرة لك وجهة نظرك..

    و بالفعل أنا أريد أن أجعل البطلة تفكر في كل الأحداث و أن أصف من خلالها كل شيء ..
    .
    .
    بوركتِ,
    .
    ريم
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. رواية ضائعة
    بواسطة ولاء ام مجد في المنتدى الواحة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03/01/2010, 10:06 AM
  2. السلام عليكم رواية
    بواسطة صلاح والي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17/12/2009, 01:36 AM
  3. عذراء
    بواسطة حكمت الجاسم في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 05/02/2009, 11:51 AM
  4. عذراء و ... حـب
    بواسطة روان أم المثنى في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 29/10/2008, 10:46 AM
  5. رواية حب
    بواسطة د.أسد محمد في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 15/01/2006, 01:18 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •