فوق السرير

- سرررررر ...
- ............
- سرررررر ...
أوووه ! ! اللعنة على هذا المنبه ..!
السابعة صباحا ...
عالجت مفاتيحه في قمة التثاقل ، حتى أمنح نفسي ، ما أمكن من دقائق النوم الإضافية ...
ما كدت أسلم رأسي للوسادة ، مغمضا عيني ، حتى زلزل الطاولة الخشبية مرة أخرى :
- سرررررر ...
السابعة و النصف ! ! ...
هذه المرة ، لم أكلف نفسي عناء التزحزح من مكاني ، إذ ما لبثت أن مددت إليه رجلي اليسرى ، منفقا عليه ضربة أخرسته إلى الأبد .. خيل إلي أنني حطمت إثرها ، جسد المدير ... لا بد أن الحقير يقف كالعادة ، بجسمه القصير الممتلئ أمام باب المركزية ، و عيناه تطل على عقارب ساعة الكوارتز التي تخنق يده ، من وراء نظارتي البصر ، التي تكاد تبتلع نصف وجهه ، الذي – بالمناسبة – أراه أقبح وجه آدمي على وجه البسيطة ... و لا بد أيضا أن التلاميذ يتصايحون كالمجانين ، ابتهاجا بالدقائق التي ظفروا بها جراء تأخري " المبارك " ...
حينما كنت أخلوا إلى نفسي ، كانت هوايتي المفضلة .. التسلي بطرح بعض الأسئلة ثم الإجابة عنها على شكل مونولوج ... نحو:
أي الأماكن أحب الى قلبي ؟
أي الأوقات أفضل ؟
................ ؟
من هو أعد ى الناس إلي ؟
هذا السؤال بالضبط .. لا أكلف نفسي عناء البحث عن إجابة له ... ليس لصعوبته طبعا ! ! بل لكون ذاكرتي تختزن الجواب المناسب سلفا ...
أجل ،
المدير !
أنا نفسي ، أحس أحيانا أني أظلمه .. وقد أسر في ندم : " الله يسمح ليا منو ... ! "
و لكن ، هو الذي يصر على عدائه لي ...
ألم يكفيه تجسمه لي حجرة عثرة في طريق ترقيتي ، التي ظللت أحلم بها طوال عقدين من الزمن ؟! ... لا لشيء ، إلا لكوني أحسسه أني لست في حاجة إلى نقطته ، التي يتسلح بها ضدي .. و يفتخر بإسنادها إليه ...
لازلت على كبريائي ...
طز فيك أيها الحقير !
طز في مفتشك الذي ما تنفك تهددني به !
طز فيكم جميعا ... !
و طز حتى في النائب !
التفت يمنة و يسرة .. حمدت الله لأني توقفت عند النائب ...
ألست مجرد موظف بسيط ، و في غنى عن أية مشاكل ... ؟!


وما لي أجد نفسي هكذا فجأة أطزطز كالمجنون ؟!
يا كما ساعتي قربات ؟؟
على فكرة ، كم الساعة الآن ؟
مددت يدي إلى المنبه ، فوجدت مكانه خاليا تماما ... بقايا النعاس أنستني أنني كنت قبل لحظات ، السبب في مصرعه ...
خيل إلي أنه ينظر إلي الآن نظرة تشف ...
مددت يدي إلى المحمول ، الذي شارفت شحنة بطاريته علي الانتهاء ...
الثامنة والربع .
و في كل هدوء ، دفنت جسمي تحت الغطاء الدافئ .. و أنا أتخيل طابور التلاميذ يتجه كالثعبان نحو الباب الخلفي للمركزية ...
أراهن أن التهامي الكسول ، يتقدم الآن الموكب الصغير ، و هو يردد أغانيه الشعبية ، التي يحفظها عن ظهر قلب أكثر مما يحفظ سورة الكوثر .. مصاحبا ذلك بحركاته البهلوانية …
أتخيل المدير المسكين و هو يبصق على الأرض صائحا :
- التزموا النظام يا أغبياء !
أتخيل التلاميذ و هم يتعانقون مهنئين بعضهم بعضا بحرارة ، كسجناء سمعوا لتوهم نبأ إفراج ... و المدير يشيعهم بنظرة احتقان و هو يرغي و يزبد ...
ندت عني ضحكة ساخرة ، فسارعت بخنقها ، حتى لا أزعج مسامعي.. و أنا بالكاد أعثر على رأس خيط نومي الضائع ...