وجوب بيعة السلطة الشرعية المتمثلة بالقيادة العليا للجهاد والتحرير



د. أبو الخير النقشبندي
الهيئة الشرعية لجيش رجال الطريقة النقشبندية





بسم الله الرحمن الرحيم
(( وجوب بيعة السلطة الشرعية المتمثلة بالقيادة العليا للجهاد والتحرير ))
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه
ومن والاه ، وبعد :

فقد سبق وأن نشرنا توضيحا فقهيا بينّا فيه شرعية الحكومة التي كانت تحكم العراق قبل الاحتلال ، وكيف أن هذه الحكومة ما زالت دعائمها قائمة وهي تعمل اليوم على طرد الاحتلال ودعتنا للانضواء تحت قيادة عليا تشكلت من مجموعة من الفصائل الجهادية ، وكنا نحن (جيش رجال الطريقة النقشبندية) أحد تلك الفصائل والحمد لله ، ولن أخوض في التفاصيل الفقهية التي ذكرتها في التوضيح فمن أراد الاطلاع فليعد إليه ، حيث إنه قد نشر على شبكة الانترنت على موقع جيشنا وعدة مواقع أخرى بل إن بعض الصحف و المجلات قامت بنشره كاملا ( كجريدة الصوت) ، ومن باب التحدث بالنعمة فقد حضي التوضيح بقبول وثناء بالغين من أهل العلم ومن المهتمين بالشأن العراقي ، ولكن لا ضير في أن أنقل أهم الأمور التي وقفت عندها وهي :
الأمر الأول : انطلاقا من معتقدنا بعدم تكفير أحد من أهل القبلة إلا بكفر صريح بواح فإننا نحكم على القيادة التي كانت تحكم العراق قبل الاحتلال بأنها قيادة مسلمة مؤمنة ، ورأينا كيف كان رئيس الدولة ونائبه ومعيّته يصلون أمام الناس ، وشاهدوهم وهم يطوفون حول الكعبة ويلبون ويشهدون أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وهذه تزكية توجب طاعة هذه السلطة وتحرّم الخروج عليها حيث إننا مأمورون بأن نأخذ بالظاهر والله يتولى السرائر ، ففي الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (( ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا )) "صحيح مسلم ، 3/1480" .
الأمر الثاني : نقلت كلام الفقهاء من مصادره ، وبينت أن المذاهب الفقهية أجمعت على أن لتولي الإمامة العظمى عند المسلمين طرقا ، منها الاستيلاء والغلبة والقهر ومنها أن تتفق كلمة المسلمين بأغلبيتهم على أحد الاشخاص وقد وُجدت هاتان الطريقتان (الاستيلاء والاستفتاء) ونحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.
الأمر الثالث : هذه السلطة لم تفقد شرعيتها بقدوم الاحتلال ، لأن الكافر الحربي إذا تغلب على المسلمين واحتل ديارهم فلا يحق له شرعا أن يعزل حاكما أو جهة ما ، وذلك الأمر موكول للمسلمين ، ولم تكن الحكومات المتعاقبة من مجلس الحكم إلى يومنا هذا سوى دمى وحكومات عميلة جاء ت بأمر أسيادها ( قوات الاحتلال) ، ولم يكن لأحدهم يوما سيادة على العراق ، بل ولا على محافظة بل وليس لأحدهم سيادة على البيت الذي يسكنه ، وكلنا يذكر يوم دخلت قوات الاحتلال الأمريكية بيت أحد رؤساء مجلس الحكم آنذاك ، وحين خرج على الفضائيات قال إن الجنود المحتلين ألقوه أرضا ووضعوا البوسطال ( أحذيتهم ) على رأسه لمدة عشرين دقيقة ، فأي رئيس هذا وأي حكومة تلك.
الأمر الرابع : هذه السلطة دعتنا إلى قتال الكافر المحتل وهي ما تزال تقاومه إلى هذه الساعة وهذا ما دعانا للانضمام تحت رايتها ليكون عملنا جماعيا مباركا وشرعيا.
أما ما نكتبه اليوم ونبصّر به المسلمين فهو أمر هام ذو علاقة بالتوضيح الذي نشر ، وهو أن الحكم الشرعي الذي ثبت عندنا ( كون السلطة الحاكمة قبل الاحتلال سلطة شرعية ) ينبني عليه حكم آخر وهو وجوب القتال تحت راية هذه السلطة الشرعية ، إذ الأحكام الشرعية يبنى بعضها على بعض ، فلو حكمنا على أرض ما بأنها أرض مغصوبة فهذا يعني أن الصلاة فيها حرام كما هو مذهب الجمهور ، فحكمنا على الأرض بأنها مغصوبة أورثنا حكما شرعيا جديدا وهو حرمة الصلاة في هذه الأرض ، والأمر نفسه ينطبق هنا ، فحيث ثبت عندنا شرعا أن السلطة التي أسمت نفسها اليوم بـ (القيادة العليا للجهاد والتحرير ) هي سلطة شرعية إنما ينبني على ذلك ما يلي :
أ‌- وجوب طاعة هذه القيادة التي لها شرعية مستمدة من جذورها في البلاد ، فهي سلطة خضع لها البلد كله ، والكل كان يعمل تحت نفوذها ، وعندما باغتنا الاحتلال لم يتغير من الأمر شيء ، فالسلطة كانت وما زالت تعمل في الخفاء برجالها ، وعندما يحين الوقت المناسب ستخرج بقوتها التي تفوق قوتها قبل الاحتلال ، ولا يوجد هناك مسوغ شرعي للخروج عنها علما أن هذه السلطة تحظى بأرضية وجمهور واسع في البلد يمتد من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه ، كما يجب على كل من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبايع هذه السلطة الشرعية على الجهاد في سبيل الله تعالى والقتال تحت رايتها.
ب‌- لا يجوز لأي مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر مبايعة أحد من الناس بيعة سلطة وكأنها السلطة الشرعية ، ولا بأس إن كانت جهادية آنية في الميدان القتالي لا غير ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما )) "صحيح مسلم، 3/1480 " حيث إن العمل المشتت والمبعثر يضيع علينا جني الثمار التي آتت أكلها ( وهو خروج الكافر المحتل ذليلا صاغرا من بلدنا ) ، وبالتالي نحافظ على وحدة شعبنا وبلدنا من التجزئة والتقسيم الذي يقر عين الكافر المحتل وهو هدفه الأول والأخير .
ج‌- الحكم على من وقف من هذه السلطة موقفا سلبيا وآثر إلا أن يكون ندا للسلطة الشرعية وفي خندق آخر عازلا نفسه عنها ويريد أن ينصب نفسه على المسلمين من غير أن تكون له ولاية عليهم ، إنما نحكم عليه بأنه باغ وخارج عن الشرع الشريف وهذا من قال في حقه النبي (صلى الله عليه وسلم) : (( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه )) "صحيح مسلم، 3/1480" ، ومن أتانا اليوم ويدعي أن السلطة له وأنه أولى بها نقول له إن النبي (صلى الله عليه وسلم) ذكر أن السلطة تكون لأول سلطان شرعي والثاني سلطته ملغاة وباطلة ، فقد جاء في صحيح مسلم وسنن أبي داود وغيرهما من حديث طويل فيه: (( ... وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إن اسْتَطَاعَ فَإِنْ جاء آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ ...)) ، وفي شرح هذا الحديث قال محمد شمس الحق العظيم آبادي : ((...( فليطعه ) أي الإمام ( فإن جاء آخر ) أي إمام آخر ( ينازعه ) أي الإمام الأول أو المبائع ( فاضربوا ) خطاب عام يشمل المبائع وغيره )) عون المعبود في شرح سنن أبي داود، 11/214ـ215 .
فالسلطة إنما تكون لأول من تولاها ، وإذا كان هناك من لا يعرف هذه التفاصيل وظن أن السلطة قد اندثرت وتلاشت ونصب نفسه على المسلمين فيجب عليه أن يعود عن فعله هذا في الحال بعد ما علم الأمر على حقيقته وعرف أن تلك السلطة والقيادة التي كانت تدير دفة الحكم في البلد موجودة وحاضرة بقوتها تلك أو ربما أقوى ، ولذلك يقول أحد علماء العقائد عند أهل السنة والجماعة وهو العلامة الإيجي : (( ثم إذا اتفق التعدد في بلد تفحص عن المتقدم فأمضي ، ولو أصر الآخر فهو من البغاة فيجب أن يقاتل حتى يفيء لأمر الله...)) المواقف 3/594 ، ولا يخفى على أحد من العراقيين وغيرهم من هو المتقدم في السلطة .
د - وهذه بعض آراء الفقهاء فيما يتعلق بالبغي وما تعتريه من الأحكام الفقهية :
أولا : مذهب الحنفية : قال ابن الهمام : ((...والبغاة جمع باغ ... والبغي في اللغة الطلب بغيت ذا أي طلبته قال تعالى حكاية ذلك ( ما كنا نبغ ) ، ثم اشتهر في العرف في طلب ما لا يحل من الجور والظلم ، والباغي في عرف الفقهاء : الخارج عن طاعة إمام الحق ، والخارجون عن طاعته أربعة أصناف :
أحدها : الخارجون بلا تأويل بمنعة وبلا منعة يأخذون أموال الناس ويقتلونهم ويخيفون الطريق وهم قطاع الطريق، والثاني : قوم كذلك إلا أنهم لا منعة لهم ، لكن لهم تأويل فحكمهم حكم قطاع الطريق إنْ قَتَلوا قُتِلوا وصُلِبوا وإنْ أخذوا مال المسلمين قطعت أيديهم وأرجلهم على ما عرف ، والثالث : قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية يوجب قتاله بتأويلهم ، وهؤلاء يسمون بالخوارج يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وحكمهم عند جمهور الفقهاء وجمهور أهل الحديث حكم البغاة ، وعند مالك يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا دفعا لفسادهم لا لكفرهم ، وذهب بعض أهل الحديث إلى أنهم مرتدون لهم حكم المرتدين لقوله (صلى الله عليه وسلم) : ( يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتهم فاقتلهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة) "رواه البخاري" ... والرابع : قوم مسلمون خرجوا على إمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم وهم البغاة )) شرح فتح القدير، 6/99ـ105، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المراد بإمام الحق وإمام العدل هو السلطان الشرعي الذي تجب طاعته وفق الضوابط الشرعية التي ذكرناها في التوضيح .
ثانيا : مذهب المالكية : قال ابن عبد البر: (( ... ولو خرجت على الإمام فئة باغية لا حجة لها قاتلهم الإمام العادل بالمسلمين كافة أو بمن فيه كفاية ويدعوهم قبل ذلك إلى الطاعة والدخول في الجماعة ، فإن أبوا عن الرجوع والصلح قوتلوا ، ولا يقتل أسيرهم ولا يتبع منهزمهم ولا يذفف على جريحهم ولا تسبى ذراريهم ولا أموالهم ... هذا كله فيمن خرج بتأويل يسوغ له )) الكافي ، 1/222 .
ثالثا : مذهب الشافعية : قال الإمام النووي : (( الباغي في اصطلاح العلماء هو المخالف لإمام العدل الخارج عن طاعته بامتناعه من أداء واجب عليه أو غيره بشرطه الذي سنذكره إن شاء الله تعالى ، قال العلماء ويجب قتال البغاة ولا يكفرون بالبغي وإذا رجع الباغي إلى الطاعة قبلت توبته وترك قتاله ، وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة )) روضة الطالبين 10/50.
رابعا : مذهب الحنابلة : قال ابن قدامة : (( والخارجون عن قبضة الإمام أصناف أربعة :
أحدهم : قوم امتنعوا وخرجوا عن طاعته وخرجوا عن قبضته بغير تأويل فهؤلاء قطاع طريق ساعون في الأرض بالفساد ، الثاني : قوم لهم تأويل إلا أنهم نفر يسير لا منعة لهم كالواحد والاثنين والعشرة ونحوهم ، فهؤلاء قطاع طريق في قول أكثر أصحابنا وهو مذهب الشافعي ، الثالث : الخوارج الذين يكفرون بالذنب ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير وكثيرا من الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم فظاهر قول الفقهاء من أصحابنا المتأخرين أن حكمهم بغاة ، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور الفقهاء وكثير من أهل الحديث ، ومالك يرى استتابتهم فإن تابوا وإلا قتلوا على إفسادهم لا على كفرهم ، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أنهم كفار مرتدون حكمهم حكم المرتدين ، الرابع : قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرومون خلعه لتأويل سائغ وفيهم منعة يحتاج في كفهم إلى جمع الجيش ... وواجب على الناس معونة إمامهم في قتال البغاة )) المغني لابن قدامة 9/3ـ6 .
نستنتج مما مر من النصوص الفقهية الآتي :
1. البغي يكون بالخروج عن طاعة السلطان وهو ينطبق اليوم على من أعلن كيانا مستقلا يريد من خلاله أن يصل إلى أهداف سلطوية وعلى أعناق المسلمين ، ولا شك أن هذا العمل فيه إثم كبير والإثم يكون أكبر عندما تمرّ الأمة بمحنة وظرف عصيب كالذي نحن فيه اليوم فبالوحدة ندحر عدونا ونهزمه.
2. لا يشترط فيمن يسمى باغيا أن يشتهر بمعصية أو فسق بل قد يكون مشهورا عند الناس بالعلم والصلاح والجهاد في سبيل الله تعالى لكن مع هذا يكون قتاله واجبا لأنه خرج عن طاعة السلطان الشرعي.
3. تختلف طبيعة القتال مع البغاة ، فهم لا تسبى نساؤهم ولا يجهز على جريحهم ولا تغنم أموالهم لأنهم مسلمون.
4. لا تجوز مبايعة أحد مبايعة سلطة وكأنها سلطة شرعية وأقل ما فيها من الحكم أن الذي يجرؤ على ذلك يعتبر باغيا ، وإذا تخندق مع الكافر الحربي فحكمه حكم الكافر الحربي ، وفي حواشي تحفة ابن حجر ما نصه : ( وإذا استعانوا علينا بأهل الحرب أي ليقاتلونا معهم فنعاملهم معاملة الحربيين أي فلنا غنم أموالهم وقتل أسيرهم والتذفيف على جريحهم ) باب البغاة.
5. لا يجوز للمسلم أن يقبل بخلع سلطان المسلمين من قبل الكافر المحتل وإن كان هذا السلطان جائرا ، بل يجب على المسلم مؤازرة سلطان المسلمين والتعاون معه والدفاع عنه مهما غلت التضحيات ، قال الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) فالتعاون مع الكافر لخلعه إثم وعدوان وإذلال للمسلمين وخصوصا في ظروف الاحتلال وهجمته على المسلمين.
6. لا يجوز للمسلم أن يخلع سلطان المسلمين أو يكون سببا في هذا الخلع إرضاءا للكافر المحتل لأن بخلعه إهانة وإذلالا لكل مسلم ، بل الواجب عليه إغاظة الكافر والغلظة عليه وقتله ودفعه بما يمكن ، قال الله تعالى : ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) ، وقال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة ).
7. يجب على كل مسلم أن ينفر مع السلطان الشرعي لقتال البغاة ، إذ قتالهم لا يقل أجرا عن قتال الكافر الحربي ، بل قتال الكافر الحربي لا يكون إلا مع القوة والمنعة والوحدة ، والشتات والفرقة سبب الخذلان والخسران لا سامح الله ومن غير الوجدان أن يقف الناس متفرجين من غير نصرة سلطتهم الشرعية .
هذا ونسأل الله تعالى أن يجعل في هذا التوضيح الذي جاء على عجالة باب خير لكل المسلمين ، وأن يوحد شملهم ويحقن دماءهم وأن ينصرهم على من عاداهم ويقوي سلطتنا الشرعية المتمثلة بالقيادة العليا للجهاد والتحرير ، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


د. أبو الخير النقشبندي الهيئة الشرعية لجيش رجال الطريقة النقشبندية