النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: بلا دموع ...!

  1. #1 بلا دموع ...! 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    بلا دموع ...!

    قصة قصيرة، بقلم: د. حسين علي محمد
    .................................................. ...........

    دعا حسام الله أن تكون خطيبته هند مع أمها فقط في البيت، وأن يكون أخوها عمر مدرس الفيزياء في مدرسة القرية الثانوية ـ الذي يكبرها بعامين قد ذهب لحصة دروس خصوصية صيفية، وتمنى أن تفتح هي الباب، حتى ينعم بنظرتها التي يُحب أن يراها دائماً.
    أما والدها المهندس عثمان فهو متأكد أنه لن يراه، فهو يعمل في شركة بترول بالصحراء الشرقية، ولا يعود إلا كل شهر مرة ليُمضي مع أسرته عشرة أيام، وهو قد سافر منذ عشرة أيام لا غير.
    لكن الله لم يستجب دعاءه، فقد فتحت له الحاجة عنايات (أو أم عمر) الموجهة المالية والإدارية بإدارة الزقازيق التعليمية.
    ***
    قدّمت أم عمر الشاي لحسام وابن خالته صدقي ـ وهو محاسب بإدارة المنصورة الهندسية، وأشيب، وفي الخامسة والأربعين ـ ولاحظ حسام أن أم عمر متوترة، وأن بريق دمعتين منطفئتين في عينيها.
    قال:
    ـ أين هند؟
    ـ في الإسكندرية.
    ـ لماذا سافرت وحدها؟ .. اعتادت ألا تسافر إلا معي أو مع الأستاذ عمر.
    قالت أم عمر في آلية:
    ـ الإسكندرية قريبة.
    بلع ريقه في صعوبة:
    ـ ومتى ستعود إن شاء الله؟
    ـ قبل نهاية الإجازة بأسبوع.
    نحن في أول الإجازة .. فهل ستُمضي شهريْن عند خالها في الإسكندرية؟ .. وكيف سيقضي هو هذه الفترة العصيبة؟
    ***
    دخلت أم عمر إلى الحجرة المُجاورة، وعادت وهي تحمل حقيبة يد سمراء كم رأى هند وهي تحملها في كتفها، وكم وضع لها بعض الورود فيها، وهما يمشيان معاً في الزقازيق.
    خطبها منذ عام، وقدّم شبكة متواضعة من دبلتين: ذهبية لها وفضية له، وابتدأ يجمع القرش إلى القرش حتى يُؤثث شقته المتواضعة ـ التي تتكوّن من حجرتين ـ في الزقازيق.
    كانت هند غير راضية بها، لكنها تعرف أن العين بصيرة واليد قصيرة وسيستأجران ـ فيما بعد ـ شقة أخرى تكون أوسع من تلك التي كجحر الثعلب، ولا تزيد عن سبعين متراً.
    حسام وهند من قرية لا تبعد كثيراً عن الزقازيق، كانا في مدرسة واحدة منذ المرحلة الابتدائية، فالإعدادية، فالثانوية. وكانا يتنافسان دائماً على المركز الأول. والتحقا بكلية التجارة، وهاهما قد تعيّنا معيديْن منذ ثلاثة أعوام.
    كانت حكاية حبهما على كل لسان منذ نهاية المرحلة الثانوية.
    ***
    جلست أم عمر على الكنبة، ووضعت الحقيبة بجانبها.
    قال حسام:
    ـ لم تقل لي هند أنها ستُسافر لزيارة خالها الباشمهندس محمود في الصيف.
    جو القرية خانق .. يحس برائحة خانقة .. لعلها رائحة يد حلة محروقة، تختلط برائحة سمك نفّاذة .. يبدو أنها منبعثة من البيت المواجه الذي يبعد ثلاثة أمتار فقط عن الحجرة التي يجلسون فيها.
    قال صدقي لحسام وهو يميل على أذنه:
    ـ عجِّل .. أحس برائحة غير طيبة تملأ المكان!
    يبدو أن أم عمر قد سمعت المُلاحظة، فبدا على وجهها ما يشير إلى الامتعاض.
    قال حسام:
    ـ ولماذا لم تقض الصيف هنا؟
    قالت أم عمر:
    ـ ابن خالتها الدكتور محسن عاد من أمريكا .. وذهبت لتسلم عليه .. وأنت تعلم أن شقة الدكتور محسن تُواجه شقة خالها محمود.
    كان محسن يكبره بأربعة أعوام تقريباً، وكان الأول على مدرسة القرية دائماَ.
    تذكَّر أنه حينما توجه لخطبتها منذ عام سمع من أحد فلاحي القرية أن هنداً على علاقة بمحسن ابن خالتها.
    قال ـ وهو يبلع ريقه بصعوبة ـ ولا يكاد هو نفسه يسمع صوته:
    ـ لقد عاد من أمريكا بسرعة!
    قال صدقي وهو يبتسم:
    ـ بل الأيام هي التي تجري بسرعة!
    قالت أم عمر وهي تؤكد على حروف كل كلمة، وتهش بيدها اليسرى ذبابة تُصر أن تقف على أنفها:
    ـ نال الدكتوراه في زمن قياسي.
    رأته ينظر في الأرض ويفرك أصابعه، فأضافت:
    ـ حصل على الشهادة في عامين ونصف، وكانت جامعة الإسكندرية قد أوفدته في بعثة لخمسة أعوام.
    سأل صدقي الذي يُقيم في المنصورة من خمسة وعشرين عاماً ـ وهو من جيل أم عمر، ولا يعرف معظم أبناء القرية:
    ـ الدكتوراه في الطب؟
    قالت الموجهة المالية:
    ـ لا .. في علم الاجتماع السياسي.
    ***
    تذكر حسام أن هنداً في لقاءاتهما الأخيرة كانت تكلمه عن ابن خالتها «محسن» كثيراً، وأنها كفَّت عن غناء أغنية أم كلثوم الأثيرة «الأطلال» التي كانت تغني مقاطع منها كلما تُقابله في حديقة الجامعة، وتشتبك أيديهما معاً.
    رفع حسام كوب الشاي فوجده بارداً، وكان ابن خالته «صدقي» قد انتهى من كوبه.
    قال للسيدة أم عمر وهو يهم بالقيام:
    ـ لقد تأخَّرنا .. تُصبحين على خير .. سلمي لي على الأستاذ عمر حينما يجيء.
    قالت في آلية:
    ـ سيأتي بعد قليل .. ألا تنتظره؟
    ـ الوقت متأخر كثيراً ..
    وأضاف وكأنه يتخلص من الكلمات:
    ـ سأراه في زيارة تالية إن شاء الله.
    مدَّ يده ليسلم عليها، ولكنها كانت مشغولة بفتح الحقيبة السوداء، التي أخرجت منها علبة قطيفة حمراء .. علبة لا يجهلها، وفتحتها قليلاً فرأى دبلته لهند.
    أغلقت العلبة، ووضعتها في ظرف أبيض، وقالت ـ وكأنها تؤدي مهمة رسمية ـ بلا مشاعر:
    ـ هذه رسالة من هند لك.
    أغمض «صدقي» عينيه وتحرك خطوتين إلى الأمام ليُغادر الحجرة، ولم يسألها «حسام» ماذا في هذه الرسالة؟ ومدَّ يده أمام أم عمر ليخلع دبلته الفضية، ويضعها في الظرف نفسه، ويُمرر لسانه على حافة الظرف ليلصقه بهدوء، ويضعه في جيب بنطلونه الخلفي .. بلا دموع!

    ديرب نجم 17/8/2003م
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2 رد: بلا دموع ...! 
    كاتب مسجل الصورة الرمزية ابو مريم
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    الدولة
    المغرب
    المشاركات
    985
    مقالات المدونة
    2
    معدل تقييم المستوى
    19
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. حسين علي محمد مشاهدة المشاركة
    بلا دموع ...!

    قصة قصيرة، بقلم: د. حسين علي محمد
    .................................................. ...........

    دعا حسام الله أن تكون خطيبته هند مع أمها فقط في البيت، وأن يكون أخوها عمر مدرس الفيزياء في مدرسة القرية الثانوية ـ الذي يكبرها بعامين قد ذهب لحصة دروس خصوصية صيفية، وتمنى أن تفتح هي الباب، حتى ينعم بنظرتها التي يُحب أن يراها دائماً.
    أما والدها المهندس عثمان فهو متأكد أنه لن يراه، فهو يعمل في شركة بترول بالصحراء الشرقية، ولا يعود إلا كل شهر مرة ليُمضي مع أسرته عشرة أيام، وهو قد سافر منذ عشرة أيام لا غير.
    لكن الله لم يستجب دعاءه، فقد فتحت له الحاجة عنايات (أو أم عمر) الموجهة المالية والإدارية بإدارة الزقازيق التعليمية.
    ***
    قدّمت أم عمر الشاي لحسام وابن خالته صدقي ـ وهو محاسب بإدارة المنصورة الهندسية، وأشيب، وفي الخامسة والأربعين ـ ولاحظ حسام أن أم عمر متوترة، وأن بريق دمعتين منطفئتين في عينيها.
    قال:
    ـ أين هند؟
    ـ في الإسكندرية.
    ـ لماذا سافرت وحدها؟ .. اعتادت ألا تسافر إلا معي أو مع الأستاذ عمر.
    قالت أم عمر في آلية:
    ـ الإسكندرية قريبة.
    بلع ريقه في صعوبة:
    ـ ومتى ستعود إن شاء الله؟
    ـ قبل نهاية الإجازة بأسبوع.
    نحن في أول الإجازة .. فهل ستُمضي شهريْن عند خالها في الإسكندرية؟ .. وكيف سيقضي هو هذه الفترة العصيبة؟
    ***
    دخلت أم عمر إلى الحجرة المُجاورة، وعادت وهي تحمل حقيبة يد سمراء كم رأى هند وهي تحملها في كتفها، وكم وضع لها بعض الورود فيها، وهما يمشيان معاً في الزقازيق.
    خطبها منذ عام، وقدّم شبكة متواضعة من دبلتين: ذهبية لها وفضية له، وابتدأ يجمع القرش إلى القرش حتى يُؤثث شقته المتواضعة ـ التي تتكوّن من حجرتين ـ في الزقازيق.
    كانت هند غير راضية بها، لكنها تعرف أن العين بصيرة واليد قصيرة وسيستأجران ـ فيما بعد ـ شقة أخرى تكون أوسع من تلك التي كجحر الثعلب، ولا تزيد عن سبعين متراً.
    حسام وهند من قرية لا تبعد كثيراً عن الزقازيق، كانا في مدرسة واحدة منذ المرحلة الابتدائية، فالإعدادية، فالثانوية. وكانا يتنافسان دائماً على المركز الأول. والتحقا بكلية التجارة، وهاهما قد تعيّنا معيديْن منذ ثلاثة أعوام.
    كانت حكاية حبهما على كل لسان منذ نهاية المرحلة الثانوية.
    ***
    جلست أم عمر على الكنبة، ووضعت الحقيبة بجانبها.
    قال حسام:
    ـ لم تقل لي هند أنها ستُسافر لزيارة خالها الباشمهندس محمود في الصيف.
    جو القرية خانق .. يحس برائحة خانقة .. لعلها رائحة يد حلة محروقة، تختلط برائحة سمك نفّاذة .. يبدو أنها منبعثة من البيت المواجه الذي يبعد ثلاثة أمتار فقط عن الحجرة التي يجلسون فيها.
    قال صدقي لحسام وهو يميل على أذنه:
    ـ عجِّل .. أحس برائحة غير طيبة تملأ المكان!
    يبدو أن أم عمر قد سمعت المُلاحظة، فبدا على وجهها ما يشير إلى الامتعاض.
    قال حسام:
    ـ ولماذا لم تقض الصيف هنا؟
    قالت أم عمر:
    ـ ابن خالتها الدكتور محسن عاد من أمريكا .. وذهبت لتسلم عليه .. وأنت تعلم أن شقة الدكتور محسن تُواجه شقة خالها محمود.
    كان محسن يكبره بأربعة أعوام تقريباً، وكان الأول على مدرسة القرية دائماَ.
    تذكَّر أنه حينما توجه لخطبتها منذ عام سمع من أحد فلاحي القرية أن هنداً على علاقة بمحسن ابن خالتها.
    قال ـ وهو يبلع ريقه بصعوبة ـ ولا يكاد هو نفسه يسمع صوته:
    ـ لقد عاد من أمريكا بسرعة!
    قال صدقي وهو يبتسم:
    ـ بل الأيام هي التي تجري بسرعة!
    قالت أم عمر وهي تؤكد على حروف كل كلمة، وتهش بيدها اليسرى ذبابة تُصر أن تقف على أنفها:
    ـ نال الدكتوراه في زمن قياسي.
    رأته ينظر في الأرض ويفرك أصابعه، فأضافت:
    ـ حصل على الشهادة في عامين ونصف، وكانت جامعة الإسكندرية قد أوفدته في بعثة لخمسة أعوام.
    سأل صدقي الذي يُقيم في المنصورة من خمسة وعشرين عاماً ـ وهو من جيل أم عمر، ولا يعرف معظم أبناء القرية:
    ـ الدكتوراه في الطب؟
    قالت الموجهة المالية:
    ـ لا .. في علم الاجتماع السياسي.
    ***
    تذكر حسام أن هنداً في لقاءاتهما الأخيرة كانت تكلمه عن ابن خالتها «محسن» كثيراً، وأنها كفَّت عن غناء أغنية أم كلثوم الأثيرة «الأطلال» التي كانت تغني مقاطع منها كلما تُقابله في حديقة الجامعة، وتشتبك أيديهما معاً.
    رفع حسام كوب الشاي فوجده بارداً، وكان ابن خالته «صدقي» قد انتهى من كوبه.
    قال للسيدة أم عمر وهو يهم بالقيام:
    ـ لقد تأخَّرنا .. تُصبحين على خير .. سلمي لي على الأستاذ عمر حينما يجيء.
    قالت في آلية:
    ـ سيأتي بعد قليل .. ألا تنتظره؟
    ـ الوقت متأخر كثيراً ..
    وأضاف وكأنه يتخلص من الكلمات:
    ـ سأراه في زيارة تالية إن شاء الله.
    مدَّ يده ليسلم عليها، ولكنها كانت مشغولة بفتح الحقيبة السوداء، التي أخرجت منها علبة قطيفة حمراء .. علبة لا يجهلها، وفتحتها قليلاً فرأى دبلته لهند.
    أغلقت العلبة، ووضعتها في ظرف أبيض، وقالت ـ وكأنها تؤدي مهمة رسمية ـ بلا مشاعر:
    ـ هذه رسالة من هند لك.
    أغمض «صدقي» عينيه وتحرك خطوتين إلى الأمام ليُغادر الحجرة، ولم يسألها «حسام» ماذا في هذه الرسالة؟ ومدَّ يده أمام أم عمر ليخلع دبلته الفضية، ويضعها في الظرف نفسه، ويُمرر لسانه على حافة الظرف ليلصقه بهدوء، ويضعه في جيب بنطلونه الخلفي .. بلا دموع!

    ديرب نجم 17/8/2003م
    لقد كان بطل قصتنا في موقف لا يحسد عليه ، وقد هجرته فتاة أحلامه
    وارتمت في أحضان الدكتور محسن ،وتركت له الدبلة علامة على توقف العلاقة
    بينهما....وشرخ للعلاقة الحميمة التي كانت تربطهما...
    تصوير جميل وأسلوب مميز ننظر منك المزيد أخي حسين...تحياتي.
    أبومريم.
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3 رد: بلا دموع ...! 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,901
    مقالات المدونة
    40
    معدل تقييم المستوى
    18
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. حسين علي محمد مشاهدة المشاركة
    بلا دموع ...!

    قصة قصيرة، بقلم: د. حسين علي محمد
    .................................................. ...........

    دعا حسام الله أن تكون خطيبته هند مع أمها فقط في البيت، وأن يكون أخوها عمر مدرس الفيزياء في مدرسة القرية الثانوية ـ الذي يكبرها بعامين قد ذهب لحصة دروس خصوصية صيفية، وتمنى أن تفتح هي الباب، حتى ينعم بنظرتها التي يُحب أن يراها دائماً.
    أما والدها المهندس عثمان فهو متأكد أنه لن يراه، فهو يعمل في شركة بترول بالصحراء الشرقية، ولا يعود إلا كل شهر مرة ليُمضي مع أسرته عشرة أيام، وهو قد سافر منذ عشرة أيام لا غير.
    لكن الله لم يستجب دعاءه، فقد فتحت له الحاجة عنايات (أو أم عمر) الموجهة المالية والإدارية بإدارة الزقازيق التعليمية.
    ***
    قدّمت أم عمر الشاي لحسام وابن خالته صدقي ـ وهو محاسب بإدارة المنصورة الهندسية، وأشيب، وفي الخامسة والأربعين ـ ولاحظ حسام أن أم عمر متوترة، وأن بريق دمعتين منطفئتين في عينيها.
    قال:
    ـ أين هند؟
    ـ في الإسكندرية.
    ـ لماذا سافرت وحدها؟ .. اعتادت ألا تسافر إلا معي أو مع الأستاذ عمر.
    قالت أم عمر في آلية:
    ـ الإسكندرية قريبة.
    بلع ريقه في صعوبة:
    ـ ومتى ستعود إن شاء الله؟
    ـ قبل نهاية الإجازة بأسبوع.
    نحن في أول الإجازة .. فهل ستُمضي شهريْن عند خالها في الإسكندرية؟ .. وكيف سيقضي هو هذه الفترة العصيبة؟
    ***
    دخلت أم عمر إلى الحجرة المُجاورة، وعادت وهي تحمل حقيبة يد سمراء كم رأى هند وهي تحملها في كتفها، وكم وضع لها بعض الورود فيها، وهما يمشيان معاً في الزقازيق.
    خطبها منذ عام، وقدّم شبكة متواضعة من دبلتين: ذهبية لها وفضية له، وابتدأ يجمع القرش إلى القرش حتى يُؤثث شقته المتواضعة ـ التي تتكوّن من حجرتين ـ في الزقازيق.
    كانت هند غير راضية بها، لكنها تعرف أن العين بصيرة واليد قصيرة وسيستأجران ـ فيما بعد ـ شقة أخرى تكون أوسع من تلك التي كجحر الثعلب، ولا تزيد عن سبعين متراً.
    حسام وهند من قرية لا تبعد كثيراً عن الزقازيق، كانا في مدرسة واحدة منذ المرحلة الابتدائية، فالإعدادية، فالثانوية. وكانا يتنافسان دائماً على المركز الأول. والتحقا بكلية التجارة، وهاهما قد تعيّنا معيديْن منذ ثلاثة أعوام.
    كانت حكاية حبهما على كل لسان منذ نهاية المرحلة الثانوية.
    ***
    جلست أم عمر على الكنبة، ووضعت الحقيبة بجانبها.
    قال حسام:
    ـ لم تقل لي هند أنها ستُسافر لزيارة خالها الباشمهندس محمود في الصيف.
    جو القرية خانق .. يحس برائحة خانقة .. لعلها رائحة يد حلة محروقة، تختلط برائحة سمك نفّاذة .. يبدو أنها منبعثة من البيت المواجه الذي يبعد ثلاثة أمتار فقط عن الحجرة التي يجلسون فيها.
    قال صدقي لحسام وهو يميل على أذنه:
    ـ عجِّل .. أحس برائحة غير طيبة تملأ المكان!
    يبدو أن أم عمر قد سمعت المُلاحظة، فبدا على وجهها ما يشير إلى الامتعاض.
    قال حسام:
    ـ ولماذا لم تقض الصيف هنا؟
    قالت أم عمر:
    ـ ابن خالتها الدكتور محسن عاد من أمريكا .. وذهبت لتسلم عليه .. وأنت تعلم أن شقة الدكتور محسن تُواجه شقة خالها محمود.
    كان محسن يكبره بأربعة أعوام تقريباً، وكان الأول على مدرسة القرية دائماَ.
    تذكَّر أنه حينما توجه لخطبتها منذ عام سمع من أحد فلاحي القرية أن هنداً على علاقة بمحسن ابن خالتها.
    قال ـ وهو يبلع ريقه بصعوبة ـ ولا يكاد هو نفسه يسمع صوته:
    ـ لقد عاد من أمريكا بسرعة!
    قال صدقي وهو يبتسم:
    ـ بل الأيام هي التي تجري بسرعة!
    قالت أم عمر وهي تؤكد على حروف كل كلمة، وتهش بيدها اليسرى ذبابة تُصر أن تقف على أنفها:
    ـ نال الدكتوراه في زمن قياسي.
    رأته ينظر في الأرض ويفرك أصابعه، فأضافت:
    ـ حصل على الشهادة في عامين ونصف، وكانت جامعة الإسكندرية قد أوفدته في بعثة لخمسة أعوام.
    سأل صدقي الذي يُقيم في المنصورة من خمسة وعشرين عاماً ـ وهو من جيل أم عمر، ولا يعرف معظم أبناء القرية:
    ـ الدكتوراه في الطب؟
    قالت الموجهة المالية:
    ـ لا .. في علم الاجتماع السياسي.
    ***
    تذكر حسام أن هنداً في لقاءاتهما الأخيرة كانت تكلمه عن ابن خالتها «محسن» كثيراً، وأنها كفَّت عن غناء أغنية أم كلثوم الأثيرة «الأطلال» التي كانت تغني مقاطع منها كلما تُقابله في حديقة الجامعة، وتشتبك أيديهما معاً.
    رفع حسام كوب الشاي فوجده بارداً، وكان ابن خالته «صدقي» قد انتهى من كوبه.
    قال للسيدة أم عمر وهو يهم بالقيام:
    ـ لقد تأخَّرنا .. تُصبحين على خير .. سلمي لي على الأستاذ عمر حينما يجيء.
    قالت في آلية:
    ـ سيأتي بعد قليل .. ألا تنتظره؟
    ـ الوقت متأخر كثيراً ..
    وأضاف وكأنه يتخلص من الكلمات:
    ـ سأراه في زيارة تالية إن شاء الله.
    مدَّ يده ليسلم عليها، ولكنها كانت مشغولة بفتح الحقيبة السوداء، التي أخرجت منها علبة قطيفة حمراء .. علبة لا يجهلها، وفتحتها قليلاً فرأى دبلته لهند.
    أغلقت العلبة، ووضعتها في ظرف أبيض، وقالت ـ وكأنها تؤدي مهمة رسمية ـ بلا مشاعر:
    ـ هذه رسالة من هند لك.
    أغمض «صدقي» عينيه وتحرك خطوتين إلى الأمام ليُغادر الحجرة، ولم يسألها «حسام» ماذا في هذه الرسالة؟ ومدَّ يده أمام أم عمر ليخلع دبلته الفضية، ويضعها في الظرف نفسه، ويُمرر لسانه على حافة الظرف ليلصقه بهدوء، ويضعه في جيب بنطلونه الخلفي .. بلا دموع!

    ديرب نجم 17/8/2003م
    بلا دموع ........لا دموع عندما يطعنك الخنجر !
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4 رد: بلا دموع ...! 
    مشرف
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    2,180
    معدل تقييم المستوى
    20
    أستاذنا الفاضل

    الدكتور حسين علي محمد

    إن مثل هذه الفتاة لا تستحق دمعة واحدة منه والله ......
    فالخيانة والغدر والنفاق هي من سمتها ...
    وللأسف إن من يمتلك مثل هذه الصفات الخسيسة لا يعرف معنى الحب والوفاء
    ولا يستحق الرحمة والشفقة ....

    عذرا منك يا أستاذنا الفاضل
    فالقصة آلمتني , وأحسست بشجونها وهمومها
    وقد أبدعت في تصوير حال هند وحسام ........ ومضمون القصة حمل لنا كثير من العبر والمواعظ
    فسلم الله لسان قلمك , وبارك بك
    أمينة أحمد خشفة
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5 رد: بلا دموع ...! 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو مريم مشاهدة المشاركة
    لقد كان بطل قصتنا في موقف لا يحسد عليه ، وقد هجرته فتاة أحلامه
    وارتمت في أحضان الدكتور محسن ،وتركت له الدبلة علامة على توقف العلاقة
    بينهما....وشرخ للعلاقة الحميمة التي كانت تربطهما...
    تصوير جميل وأسلوب مميز ننظر منك المزيد أخي حسين...تحياتي.
    أبومريم.
    شُكراً للأديب المبدع أبي مريم،
    على تعليقه،
    نع موداتي.
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6 رد: بلا دموع ...! 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت الشهباء مشاهدة المشاركة
    أستاذنا الفاضل

    الدكتور حسين علي محمد

    إن مثل هذه الفتاة لا تستحق دمعة واحدة منه والله ......
    فالخيانة والغدر والنفاق هي من سمتها ...
    وللأسف إن من يمتلك مثل هذه الصفات الخسيسة لا يعرف معنى الحب والوفاء
    ولا يستحق الرحمة والشفقة ....

    عذرا منك يا أستاذنا الفاضل
    فالقصة آلمتني , وأحسست بشجونها وهمومها
    وقد أبدعت في تصوير حال هند وحسام ........ ومضمون القصة حمل لنا كثير من العبر والمواعظ
    فسلم الله لسان قلمك , وبارك بك
    شُكراً للأديبة المبدعة بنت الشهباء،
    على تعليقها الجميل،
    مع موداتي.
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7 رد: بلا دموع ...! 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Jun 2006
    المشاركات
    1,123
    معدل تقييم المستوى
    19
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجدة2 مشاهدة المشاركة
    بلا دموع ........لا دموع عندما يطعنك الخنجر !
    شُكراً للأديبة ماجدة على التعليق الجميل.
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. دموع
    بواسطة كريم محسن في المنتدى الشعر
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 06/09/2009, 03:03 PM
  2. دموع الحب
    بواسطة محمودعلي الخليف في المنتدى الشعر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 18/02/2008, 04:41 PM
  3. دموع في يوم الذكرى
    بواسطة إبراهيم العدوي في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09/02/2008, 05:45 PM
  4. دموع أُختي
    بواسطة ماجدة2 في المنتدى الرسائل الأدبية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 05/02/2008, 11:41 AM
  5. دموع الندم
    بواسطة آمال وأحزان في المنتدى الشعر
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 05/05/2005, 01:48 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •