بينما كنت أحتسي فنجان قهوتي الصباحية بالمحطة الطرقية بمكناس ، وعيني ملتصقة بجريدة الصباح ، لعلني أجد أخبار جديدة ومثيرة ، أقلب نظراتي من حين لآخر وأصوات الباعة امتزجت بأزيز الحافلات ،ها أنا أترقب قدوم الحافلة الحمراء لتحملتي إلى مقر عملي ،إنها معروفة بعويطة ويعزى هذا اللقب إلى السرعة التي تطبعها .وكنت على علاقة طيبة مع سائقها الأصلع البهجة....لم تبق الآن إلا عشر دقائق على وصولها ،وبينما كنت أنظر إلى باب المحطة استرعت
انتباهي نظرات ضابط شرطة ، كان يلبس بذلته العسكرية ،ويتتبعني ويتفحص ملامحي ،كنت أتفادى أن تقع عيني في عينه ، ربما لأن كلمة المخزن ربت في نفسي هذا العزوف لم يفارقني بنظراته الحادة، وكان طويل القامة و عريض
المنكبين حليق اللحية... يبدو عليه الحزم وكله شباب وحيوية .....كنت أترقبه وأخفي وجهي وراء الجريدة .......
هاهو الآن يقصدني ،بخطوات متئدة وكل فرائسي ترتعد وكأن بي زلزال شديد، هممت بالهروب لكن ركبي تجمدت ،وبدأت أراجع نفسي لعلني أكون قد ارتكبت جريمة وأنا لا أدري ،ارتمى علي وكاد أن يغمى علي، لكن سرعان ما استعدت وعيي ،لما سمعته يقول والبسمة تعلو محياه وهو يعانقني....
لم تتغير يا أستاذي العزيز ،فما زلت كما كنت ،وقد كنت تلميذك منذ عشرين سنة....
...أقدم لك نفسي ضابط الشرطة .. علي المنصوري ...
أخفيت رعبي، وقلت له....المنصوري، مازلت أذكرك ،فقد كنت ذكيا ومجتهدا،أعانك الله على خدمة هذا الوطن...
وفي تلك اللحظات وصلت الحافلة ،وودعت تلميذي وأنا أنتشي طعم الانتصار،لأنني استطعت أن أقدم مواطنا صالحا يخدم وطنه....واستقليت مقعدا كالعادة بجانب السائق، صديقي البهجة ولم أعرف كيف مرت الرحلة الطريفة ، لأن موضوع الحديث كان بطله الضابط المنصوري تلميذي.....