منذ حوالي 4000 مليار سنة و العالم يعرف، حسب الخبراء، استقرارا في مخزناته من المياه. لم تكن يد البشر لتصل إلى المساس بتلك المخزنات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. لكن منذ فترة قصيرة سابقة (قصيرة بالنظر إلى عمر البشرية) تغيرت الأمور، و صار الماء، منبع الحياة و محركها الأساس، محل تهديد حقيقي، و صار معه الإنسان محل تهديد هو الآخر.
تشير الإحصائيات إلى أن نقصان المياه بدأ منذ حوالي 200 سنة و قد زادت سرعان النقصان بشدة و بطريقة ملحوظة تبعث على القلق منذ 50 سنة. تزيد خطورة الأمر إذا علمنا أنه بالموازاة مع نقصان هذه المادة الحيوية فان استهلاكها سريع جدا و بكميات معتبرة على وجه المعمورة مقابل آليات استرجاع بطيئة جدا لكميات قليلة و بكلفة كبيرة. و هذا ما يجعل الغلبة في الأخير للنقصان بدل الاستقرار.
آثار هذه الوضعية لم تكن لتمر في صمت خلال السنوات القليلة الماضية، و البشر من أكبر المتضررين، كون الأمر يتعلق بمصدر حياتهم. تشير الإحصائيات إلى أن مليار و نصف مليار من البشر مصابون بأمراض مرتبطة بالمياه و نسبة الوفيات في هذا العدد من المصابين كبيرة هي الأخرى. مساحات شاسعة من الأراضي احترقت عطشا و آلت إلى بوار.
مناطق كثيرة من العالم تنذر الأوضاع فيها بخطر حقيقي في السنوات المقبلة و على رأسها بلدان إفريقيا، خاصة الشمالية منها، التي ستشهد ندرة كبيرة للمياه. بالمقابل، كثير من البلدان اتخذت احتياطاتها منذ عقود من الزمن وخططت للمرحلة المقبلة بصفة جيدة، و مع ذلك هي متخوفة من تطورات الأمور التي لا يمكن التحكم فيها. بلداننا للأسف نائمة ملء جفونها في هذا المجال، و هي لا تفكر لا في كيفية استغلال ما لديها من مياه بأحسن طريقة (بعقلانية) تضمن بقاءها أطول مدة ممكنة، و لا في كيفية إعادة استغلالها مرة أخرى عن طريق التطهير أو في تحلية المياه المالحة. كل ما نفعله هو استقدام أفكار الآخرين و لا ندري إلى أين ستوصلنا.
و إذا كان البترول قد شكل مصدر صراع و نزاع خلال العقود الماضية لأنه “مصدر الطاقة”، و كان وراء حروب عديدة و فقدان للآلاف من الأرواح، فكيف سيكون حال الكرة الأرضية و البشر من فوقها و هم يتصارعون على “مصدر الحياة”، و ليس مصدر الطاقة ؟. من دون شك، ستكون منابع المياه المحور المستقبلي للصراعات السياسية و العسكرية، و سيشهد العالم تحولات كبيرة في هذا المجال. و سوف تظهر الى الوجود مبادئ جديدة في العلاقات ما بين الدول لا يمكن التنبؤ بها حاليا، لكن يمكن الجزم أنها ستعطي للحدود معنى آخر مرتبطا ارتباطا وثيقا بالماء و بمصادره.