النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: قراءة إسلامية في فيلم " عمارة يعقوبيان " : مصر بين الفساد والاستبداد فقدان الهوية

مشاهدة المواضيع

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1 قراءة إسلامية في فيلم " عمارة يعقوبيان " : مصر بين الفساد والاستبداد فقدان الهوية 
    كاتب مسجل
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    76
    معدل تقييم المستوى
    17
    قراءة إسلامية في فيلم عمارة يعقوبيان :

    مصر بين الاستبداد والفساد وفقدان الهوية

    بقلم / د. مصطفى عطية جمعة

    احتل فيلم " عمارة يعقوبيان " الصدارة في حفلات السينما في صيف 2006 في مصر ، وحقق أعلى الأرباح بالمقارنة بسائر الأفلام المعروضة ، وهذا يعود لعدة عوامل ، منها : وقوف شركة إنتاج ضخمة وراء تمويله ، وهي شركة Good News وصاحبها الإعلامي الشهير : عماد أديب ، حيث رصدت له ميزانية تخطت خمسة الملايين دولار ، وهي الميزانية الأضخم في تاريخ السينما العربية بشكل عام ، لذا ، جمع الفيلم أبرز نجوم السينما المصرية : عادل إمام ، نور الشريف ، خالد صالح ، خالد الصاوي ، أحمد بدير ، إسعاد يونس ، يسرا ... إلخ ، وكل اسم من هؤلاء وراءه جمهور متعلق به ، بجانب اختيار رواية راقية المستوى - التي حمل اسمها الفيلم -للأديب : علاء الأسواني ، وتولى السيناريو والحوار والمعالجة السينمائية السيناريست وحيد حامد وهو أحد أبرز كتاب السيناريو في السنوات العشرين الأخيرة ، وتولى الإخراج نجله :مروان وحيد حامد . وبعبارة موجزة : فإن الفيلم جمع عناصر نجاحه قبل عرضه ، ناهيك عن حملات الدعاية الضخمة التي سبقت الفيلم في القنوات الفضائية ، وحصوله على عدة جوائز أبرزها جائزة مهرجان باريس الدولي .
    إن المشاهدة الأولية للفيلم تشهد أنه يستحق ما حققه من نجاح ، لما فيه من تقنية عالية المستوى ، ولغة سينمائية ( بصرية ) متميزة ، وقد تبارى أبطال الفيلم في إخراج أجمل ما لديهم من إبداع تمثيلي .

    وتدور قصة الفيلم حول عمارة " يعقوبيان " التي تقع في منطقة وسط العاصمة المصرية (القاهرة )، وتحتل موقعًا متميزًا ، بجانب بنائها المتميز في زخارفه وتصميمه . وقد بناها في الأربعينيات من القرن الماضي المليونير اليهودي " يعقوبيان " . يتخذ الفيلم هذه العمارة مكانًا يسكنه أشخاص عديدون في مطلع القرن الحادي والعشرين ، حيث كثير من التغيرات السياسية

    والاجتماعية والاقتصادية التي ألمّت بالشعب المصري، فالفيلم لا يقوم على شخصية محورية ، بل على شخصيات محورية ، لكل منها عالمه الخاص ، وكلها تعيش في العمارة .

    أول هذه الشخصيات : شخصية " عادل إمام " ابن لأحد الباشوات القدامي ، وأقدم سكان العمارة ، وهو يعيش بمفرده ، ويتسلى بحياة الصعلكة بكل ما فيها من نساء وخمر وتسكع ، يسترجع ذكريات تجواله في مختلف دول العالم ، ويقاسي من الوحدة والفراغ ، حتى تعمل لديه إحدى الخادمات ( تسكن مع أسرتها في غرفة فوق سطح العمارة ) ، حيث يسقط في غرامها ، وينتهي الفيلم بزواج هذا الارستقراطي الثري الذي تجاوز الخامسة والستين من الفتاة الشابة الصغيرة ، يمثل عادل إمام بقية من بقايا أغنياء ما قبل الثورة ، حيث فقدوا جاهًا وعزًا ، وتوزعت حياتهم ما بين المهاجر في أوروبا وأمريكا أو الذوبان داخل المجتمع المصري ، وبعضهم مثل عادل إمام يعيش يقتات على ما تبقى لعائلته من ثروة ، تنازعه فيها أخته سيدة الأعمال الثرية ، التي أظهرت استعدادها للحجر عليه طمعًا فيه .


    بالرغم جدة الدور لعادل إمام ، إلا أنه ظل على عادته في الكوميديا : اتكاء على التلميحات الجنسية ، والمشاهد الساخنة ، وقفشات المخمور ، ويبدو أنها تيمة بات من الصعب أن يتخلص منها فقد لازمته طيلة حياته الفنية ، ووصمت معظم أفلامه بهذه الصفة ، وهكذا تهدر طاقة فنية كبيرة مثل عادل إمام من أجل الإضحاك بأسوأ ما في قواميس الإضحاك .


    ثاني هذه الشخصيات : شخصية الصحفي " حاتم "( رئيس تحرير إحدى الصحف المصرية الناطقة بالفرنسية ) ، وقد قام بها الممثل خالد الصاوي ، وهي شخصية جدلية ، نظرًا لأنه صحفي شاذ جنسيًا ( بالسلب ) ، كان يعيش في فرنسا ، ممارسًا حياته بشكل عادي ، فلما عاد لمصر فوجئ بتحريم المجتمع ذلك ، فراح يصطاد الشباب الفقير ، وكان من ضحاياه أحد جنود الأمن المركزي ، من إحدى قرى أسوان ، فيقيم معه علاقة شاذة ، بالرغم من أن هذا الجندي متزوج ، وبعدما ينهي خدمته العسكرية في القاهرة ، يستطيع الصحفي أن ينشئ له كشكًا في مدينة نصر ، ويستقدم زوجته من الصعيد ويسكنها في غرفة فوق سطح العمارة ، كي يستمر في هذه العلاقة الآثمة ، بالرغم من اعتراض الجندي في البداية أن هذا أمر حرمه الله ، وعقوبته مثل عقوبة قوم لوط، لكن الصحفي يرى أن الله حرّم الزنا فقط ، لأنه ينتج أبناء غير شرعيين ضائعين . وتطور الأحداث حيث يمرض ابن الجندي الصعيدي ،

    ثم يموت ، فترك الجندي مفتاح الغرفة والكشك مع حارس العمارة ، وغادر القاهرة كلها ، وكأن هذا عقاب رباني ، ورسالة تنبيه لهذا الجندي ذي التدين الريفي الفطري ، وفي نفس الوقت : فإن هذا العقاب كان رسالة المؤلف – غير المباشرة – حول عاقبة فعل هذا المنكر . وليلة مغادرة الجندي العمارة ، نرى حاتمًا باكيًا بحرقة ، يجلس وحيدًا في شقته ، يتطلع إلى صورة والديه ، ويتذكر أسباب شذوذه : إهمال والديه له ، وتركه لخادم زنجي يحنو عليه ،

    ويعتدي عليه جنسيًا حتى بات مدمنًا هذا الأمر . وتكون نهاية "حاتم " عندما يُحضِر أحدَ الشباب لشقته ، إلا الشاب يستغفله فيقتله ويسرقه . نهاية مأساوية لشخصية ضحية التربية الخطأ ، وتعمّق رسالة الفيلم لدى المتلقي حول عاقبة هذا السلوك . لكن يؤخذ على الفيلم التوسع في استعراض مشاهد فحش الصحفي ، وكان الأجدر به التصريح لا التلميح ، والمتلقي سيعي المقصود ، ونفس الأمر ينطبق على سخونة مشاهد الزعيم عادل إمام ، والتي إن حذفت لن يتأثر الفيلم ، بدليل حذف دول الخليج لهذه المشاهد وظل الفيلم حاملاً معناه ولكن ماذا نقول لمن يعدّ هذه المشاهد توابل السينما الحريفة التي تجذب جمهور الشباب الشبق ؟


    ثالث شخصيات الفيلم شخصية الحاج " رجب عزام " ، التي أدّاها باقتدار الممثل نور الشريف ، وقد كان يعمل ماسح أحذية في شارع الشواربي ، ودخل ميدان التجارة ، حتى أصبح يمتلك نصف محلات شارع الشواربي – وسط القاهرة - ، نراه مزواجًا ، يتزوج مطلقة جميلة ( سمية الخشاب ) في الأسكندرية لديها طفل ، ويشترط عليها : أن تترك ابنها عند أهلها ، وألا تخرج من البيت إذا تزوجها إلا وهو معها ، وألا تنجب منه أطفالا ، وأن تبقي الزواج سرًا ، كيلا تعلم أم أولاده بذلك . توافق المرأة ، ويعدّ لها " عزام "

    شقة فخمة في عمارة يعقوبيان ، وتبدأ حياتها الجديدة معه : ثراء ، ووحدة ، وحرمان من زيارة أهلها . تتطور الأمور : حيث تحمل الزوجة دون قصد منها ، فلما علم " عزام " بذلك ، هاج وماج ، واشترط عليها أن تزل الطفل ، فأبت المرأة ، فهذا حرام ، فما كان منه إلا أن يرسل نسوة محترفات إجرام ، يقتحمن الشقة عليها ليلاً، ويجهضنها ، ثم يحضر ابن " عزام " في المستشفى ، حيث يعطيها ورقة الطلاق ، وحقوقها : عشرين ألف جنيه مؤخرًا ، وأثاث الشقة كاملاً . تتقاطع شخصية " عزام " مع الشخصية الرابعة فنلتقي مع "

    كمال الفولي " زعيم الأغلبية في الحزب الوطني ، والمهيمن الفعلي على شؤون الحزب والترشيح والانتخابات ، إسقاط واضح على " كمال الشاذلي " أحد رجال الحرس القديم في مصر الآن ، ويؤدي الشخصية بحنكة الممثل " خالد صالح " . يذهب إليه الحاج " عزام " في مكتبه ، بعدما أفلح في نيل موعد معه

    ، ويطلب منه أن يترشح في انتخابات مجلس الشعب في دائرة قصر النيل – تمثل منطقة وسط البلد - ، فيرسم " كمال " أرنبًا على ورقة أمامه ، فيبدي " عزام استغرابه ويقول : مليون جنيه يا كمال باشا ، فيرد عليه كمال : أنا لا أعرف إلا رسمين : الأرنب ( المليون جنيه ) ، والديك الرومي ( المليون دولار ) . ويردف : إنك ستترشح في دائرة يسمونها " قطعة الجاتوه " ، لأنها منطقة راقية ، وسكانها من كبار الأغنياء ، سيريحون مرشحهم . يوافق عزام

    على الطلب ، ومن ثم يصبح عضوًا بمجلس الشعب . يصل لعلم " كمال الفولي " أن " عزام " حصل على توكيل ضخم سيربح منه سنويًا مئتي مليون جنيه ، فيأتيه ويطلب منه أن يحصل على ربع الأرباح ، فلما يعترض عزام ، يخبره الفولي أن المال ليس له ، بل لرؤوس كبرى غيره ، وأن هذا العقد " لقمة كبيرة جدا " . يرفض عزام ، ويعلن أنه لا يريد عضوية المجلس ، تتطور

    الأحداث ، حيث يُفاجَأ عزام بهجوم من مباحث المخدرات على مقر شركته ، ثم يضبطون عنده أكياسًا من الهروين ، يتصل " عزام " على الفور بالفولي ، مستنجدًا به ، فقد أدرك أنها مؤامرة من السلطة ، ويقول له " إنني تحت أمركم ، وسيأتي لمقابلته . وعندما يتقابلان : يبدي "عزام " موافقته على شرط ربع الأرباح ، ولكن الفولي يبتسم ويقول : هذا كان زمان ، الشرط تغير إلى


    نصف الأرباح . فلم يجد أمامه عزام إلا الموافقة ، ثم يتساءل عن مصير الهروين المضبوط ، يضحك الفولي ويقول إنه ليس هروين بل بودرة تلميع السيارات . يبتسم عزام بسخرية ، وعندما يغادره الفولي ، ينفخ في الهواء ويقول : أنا قرد وهو قرد ، ويحركنا قرداتي .


    يفضح الفيلم جانبًا من جوانب الفساد السياسي وغياب الشفافية الاقتصادية في مصر ، وتضافر رجال المال مع رجال السياسة في استغلال النفوذ ، كما نرى بشكل غير مباشر انتقام الله من عزام الذي فعل ما فعل مع زوجته وكيف أجهضها .

    خامس شخصيات الفيلم : شخصية الشاب المتدين ويؤديها " محمد " نجل عادل إمام ، وهو من ابن حارس العمارة ، ويسكن فوق سطح العمارة ، يلتحق بإحدى كليات جامعة القاهرة ، ثم ينخرط مع التيار الإسلامي ، دون تحديد لجماعة إسلامية بعينها ، ويحرص على صلاة الجمعة وراء شيخ من شيوخ الجماعات الإسلامية الذي يصرخ على المنبر قائلاً : لا نريدها شرقية ولا غربية ، نريدها إسلامية إسلامية . يتزعم " محمد " المظاهرات الطلابية التي تخرج من حرم الجامعة ، ويتتبعه مخبرو أمن الدولة ، حتى يقبضوا عليه في

    حديقة الأورمان ، ويتعرض " محمد " لتعذيب بشع حتى يفصح عن إخوانه في الجماعة فيرفض ، فيدخل عليه أحد ضباط أمن الدولة ، ويقول له إنهم يعرفون كل شيء يجري في مصر ، وفي العمارة ، واستشهد بالصحفي " حاتم " ، فيخبره محمد أنه يعلم أنه شاذ ، فيضحك الضابط ويقول سنفعل بك مثلما يفعل الشباب بحاتم الصحفي ، ثم يتعرض محمد لاغتصاب في زنزانته ... ،

    يخرج وقد أضمر نية الانتقام ، ويذهب ليقابل الشيخ ويطلب منه أن يعينه على الانتقام ، فيرسله الشيخ إلى معسكر للجماعة في الواحات ، فيتزوج ويتدرب على حمل السلاح ، وبعد شهور طويلة ، يعود محمد وصديق له إلى القاهرة ، ويؤجران سيارة إحدى المؤسسات الصحفية ، ويقفان أمام مقر أمن الدولة ، وحين ينزل الضابط الذي عذب محمدا ، يهجمان عليه ويمطرانه نارًا ، ولكن الضابط وحرسه يردون النار ، وينتهي المشهد بقتل الجميع : الضابط والشباب والحرس ، في إشارة إلى أن التعذيب البشع عاقبته تصيب الجميع، لا تفرق بين

    من في السلطة أو المعارضة أو عامة الشعب . يحسب للفيلم أنه لم يسر وراء حملة الدولة ضد التيار الإسلامي التي تتهمه بالتطرف والإرهاب ، بل علل للإرهاب أنه سبب للممارسات البشعة التي تقوم بها أجهزة أمن الدولة ، ضد شباب كل تهمتهم أنهم ارتضوا الإسلام منهجًا في حياتهم . صحيح أن الفيلم جعل الإسلاميين جميعهم في خندق واحد ، ولهم أفعال متشابهة ، فلم يفرق بين جماعة معتدلة مسالمة مثل الإخوان المسلمين ، وبين غيرها . ولكن لعل هذه سابقة تجعل صناع السينما يغوصون في حياة الإسلاميين ، ويتعرضون لها ، بشكل حياد فقد باتوا جمهورًا عريضًا لهم مناصروهم ورؤاهم التي تتعمق في الشارع يومًا بعد يوم .
    لقد وجدنا في فيلم عمارة يعقوبيان تشخيصًا دقيقًا لمجمل الوضع السياسي والاجتماعي في مصر ، فهو يعبر عن حالة الاحتقان السياسي الناتج عن الاستبداد وتحكم أهل المال في السلطة والنفوذ ، وكتم أصوات المعارضة التي تعبر عن نبض الشارع الحقيقي وهو الصوت الإسلامي ، بجانب عرض جوانب الفساد الأخلاقي : خمر ودعارة وشذوذ التي تنخر في المجتمع ، وتمثل وجوهًا من وجوه الفساد والفقر . بالفعل إننا نعيش أزمة ضياع في الهوية ، نتج عنها فساد أخلاقي وسياسي واجتماعي .
    التعديل الأخير تم بواسطة د.ألق الماضي ; 06/08/2007 الساعة 08:39 PM
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31/05/2012, 01:09 PM
  2. المنهج الثقافي " البحث عن الهوية المفقودة"
    بواسطة محمد يوب في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08/10/2010, 08:37 PM
  3. قراءة في دويان" قوافل الثلج " للشاعر عبد اللطيف غسري
    بواسطة محمد يوب في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 06/06/2010, 06:34 PM
  4. قراءة نقدية في "أنين الوتر" للشاعر عبد اللطيف غسري
    بواسطة عبد اللطيف غسري في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17/04/2010, 07:58 PM
  5. قراءة سيكولوجية في " أنــا والمجنون" للروائي شاكر الأنباري
    بواسطة بنور عائشة في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08/06/2007, 04:13 PM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •