بسم الله الرحمن الرحيم
بعد التحية، أرسل إليكم بأول مشاركاتي معكم، أنا أكتب القصة القصيرة منذ سنوات، وأنتظر تعليقاتكم.
سهيلة
قال لي شيخي عليك بلبس الصوف والنوم على الخشن من الفراش لكن جسدي اعتاد لباس الحرير الدمشقيِّ والنوم على وسائد المخمل كيف لي أن أطيعه؟!قال الشيخ (قصة قصيرة)
قررت أن أجرب: اشتريت لباسًا وفراشًا خشنًا ولكنني لم استطع النوم.
رجعتُ إليه فقال: لا تأكل لحمًا قط.
- أنا أمير، أحب مشهد الخراف المحشوة بالأرز والزعفران، لست أكولاً، اكتفي بفخذ الضأن وقليل من الثريد، كيف أمتنع عن أطيب عاداتي في الطعام؟
خشيت أن أعود إلى شيخي فيردني خائبًا من طول ما رفضت أوامره ماذا أفعل؟
استجمعتُ شجاعتي وعدت إليه قال: أعرف أنك لا تطيع نصائحي، ارجع إلى أهلك ولا تطرق خيمتي ثانية.
- لكنني أريد توجيهك.
عدت أدراجي واتكأتُ على جانبي الأيمن، دخلت على زوجتي تتبخر في ثوب يماني مُقصب، فشرحت صدري، وعندما شممت عطرها أدركت أنني في فردوس أرضيِّ، أنجبت لي ولدي الأول ووريث عرشي، فرحتُ به وألبسته خاتم الملك منذ أن كان صبيًا.
كانت له مرضعة تقوم على حضانته والعناية به، وأفردت للصبي جناحًا خاصًا في قصري، جئتُ بأمهر البنائين وصُنعتْ ساحة مليئة بالأراجيح في وسطها بركة دائرية مُلئت بالسمك الملون النادر.
شبَّ ولدي عن الطوق، أحضرت له مؤدبًا وفقيهًا، كبرَ وصار راشدًا، يجيد فنون القول، يشرح الكَلِمَ بمهارة شيخ مُعلم، يقرأ القرآن فيبتهج من يسمعه.
عينتُ له مدربًا للسلاح فصار ولدي فارسًا وأميرًا مفوهًا، كنت فخورًا به بين قومي ورافقني في رحلات صيدي، كان سهمًا صائبًا وصيده دائمًا سمينًا.
تسليت بمرافقته ووجدته عند شيبتي.
في أحد الأيام دخلَ عليَّ يرفل في ثيابه الخُضر.
قال: أبي اسمح لي بالخروج على رأس الجند.
- أخشى عليك صولة الموت.
- أصبحتُ رجلاً لا أخشى شيئًا.
- ولكنني شيخ هرم لا أحتمل فراقك.
- سأعود بالنصر- إن شاء الله- فتقر عينك.
- وإذا قتلت؟
- حُسبتُ عند الله شهيدًا!
- رفقًا بي ودع الجيش لقواده.
- كفاك خوفًا عليَّ.
كنت أشعر أنني لن أراه، كأنه لن يعود تسليت بالخروج كل صباح والنظر إلى البركة ومتابعة السمك الملون.
جاءني رسول من ثغر البلاد، انقبض صدري وخشيت أن اسمع له.
قال: أبشرك بعودة الأمير فاتحًا.
- ارتج قلبي .. أهو بخير؟!
قذفت بهواجسي إلى البركة وخرجت إلى كرسي العرش استقبل وفود المهنين من أرجاء المعمورة.
عندما أطفئت مشاعل البهو شعرت بالضيق ومرَّ الوقت ثقيلاً على صدري، لمـَّا سمعتُ هُتاف الجند فرحت وخرجت بملابس النوم استقبل ولدي الفاتح.
انصرف القوم، خلوت به فكشف لي عن جرحه فآلمني توجعه وبعثت في طلب الطبيب.
قال: إصابته عميقة، أُهمل الجرح وقتًا طويلاً حتى تقيح وانتشر الورم.
- افعل شيئًا أيها الطبيب.
- إنها إرادة الله..
هالني الرعب فوقعتُ مغشيًا عليَّ لمـَّا فتحتُ عيني وجدتني في فراشي والأضواء مطفأة وصوته لا يصل إليَّ، عرفت أنه قد مات.
لم استطع النوم، شعرت أنني لا أطيق ثوبي أو فراشي دخلت عليَّ زوجتي في ثوب الحداد تواسني فأشحت عنها خرجتُ إلى البركة وأمرت بردمها وخلعت لباسي وخاتم ملكي ووهبته زوجتي وانزويت في جناح ولدي اقطع الوقت بالنظر إلى قوسه وإلى ثيابه الخضر حتى خشيت على نفسي لوثة الجنون قالوا: طارقٌ يريد لقاءك.
- لكنني لا أبغى رؤية أحد.
ـ إنه يصر على الانتظار.
- دعوة يدخل.
- مرحى مرحى أيها الشيخ كيف عرفت بمصابي؟
- ألم أقل لك متى أردتني سأجدك.
- وكيف لي أن أجد راحتي بعد فقد عزيزي؟!
لم تطق طريقتنا فكيف تطيق صبرًا لا تعرفه!
- انصحني أيها الشيخ!
- لماذا خلعت خاتمك وتركت عرشك؟
- أيها الشيخ أعطني أنت جوابًا وحيدًا شافيًا: لماذا ذهب ولدي؟
- أنت أدرى بولدك، دعاه أَجَلُه فلبَّاه فكان أسرعُ منك إليه وفطِن إلى الحقيقة فذهب.
- أي حقيقة؟
- ستعرفها يومًا.
- أيها الشيخ، انتظر.
- لم يعد بقائي إلى جوارك يفيدك قلتُ ما لديَّ
- ولكنني لم أفهم!
- الأيام قصيرة لا تعطيني فرصة لأكرر لك؛ اعتمد على قريحتك وابحث ربما تجد جوابًا في يومٍ ما.
ـ أيها الشيخ، أيها الشيخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نهى رجب محمداللقب/ سهيلة