(الاحتضان).. حينما نحن لظلماتنا الثلاث!
تقرير - نوف السبيعي:
تتعدد إعلانات كريمات الترطيب.. ترطيب للبشرة، للوجه، للجلد، لكل ما يظهر في المرأة.. مؤخراً ظهر إعلان من خلال برنامج أوبرا يدعو لترطيب الروح تحت عنوان (free hugs) أو عناق مجاني.. شاب استرالي يدعى juan mann يحمل لافتة يطوف بها الشوارع للبحث عن أشخاص يمنحهم أو يمنحونه - لا فرق - بعض الترطيب!.. في البدء شكك بقدراته العقلية وتعرض لمساءلة من قبل الشرطة وسلسلة من الاعتقالات.. وفور إطلاق سراحه يعود لحمل يافطته كمناضل! يقابله البعض بتهكم وظن، فيما آخرون يحضنونه ثم يغادرون ببساطة ويكملون مشوارهم مبتسمين.. حضن في الشارع لشخص لا تعرف حتى اسمه وربما لا تتذكر حتى ملامح وجهه.. ثم تكمل حياتك بشكل عادي كيفما شئت!
مشهد آخر لامرأة هندية متدينة في مجلس لا ترى نهايته يحج لها الضعفاء حتى من أوروبا للحصول على عناق دافئ يستمر لدقائق ثم يخرجون بوجه لا يشبه الذي اتوا به.. ويتحدثون عن إحساس لذيذ يغمرهم بعد حضنها ورضاها!
السؤال: هل ما يدعون له شيء لا يستحق كل هذا؟
نشرت مجلة (Healthy Living) مقتطفات من دراسة أمريكية تقول ان العناق يساعد على انتظام ضربات القلب، واعتدال ضغط الدم، وانخفاض نسبة الكولسترول.. بالإضافة إلى انه يقوي جهاز المناعة، ويخفف من الإحباط ويحث على الاسترخاء. والسبب يعود إلى إطلاق المخ هرمون أوكسيتوسين الذي يساهم في شعور المرء بالأمان.. ووجد العلماء السويسريون مؤخراً حسب صحيفة العرب اونلاين ان نفس هذا الهرمون يعزز مشاعر الثقة بالآخرين عند استنشاقه، لذا فقد يساعد في تطوير علاجات جديدة للاشخاص الذين يواجهون صعوبات ومشكلات في تكوين الصداقات والعلاقات الاجتماعية، خصوصاً المصابين بمرض التوحد النفسي.. وقد اكتشف بعض العلماء في السويد ان هناك شبكة من الأعصاب تحفز مشاعر السرور في الدماغ عند حدوث اللمس.. وتوصلوا الى نظرية معينة بعد إجراء عدد من التجارب على سيدة فاقدة لحاسة اللمس.. حيث رأوا انها اظهرت استجابة إحساس بالسرور عند لمس جلدها بفرشاة دهان وأكدت المسوحات الدماغية التي أجريت لها باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي ان هذا اللمس نشط منطقة الدماغ المسؤولة عن الاستجابات العاطفية والمشاعر والأحاسيس!
وفي دراسة حديثة تبين ان احتضان الطفل عند البكاء يساعد على نموه عصبياً وعاطفياً!
وقد ذكرت الدكتورة (فوزية الدريع) في كتابها (اللمس) ان النساء في الثقافات القديمة يتناوبون على احتضان الطفل الخديج حتى يكمل التسعة شهور.. خلالها ينمو وكأنه عاش في بطن أمه وكانت وسيلة ناجحة في وقتها!
"إننا بحاجة إلى أربعة احضان في اليوم لنبقى أحياء.. ونحتاج إلى ثمانية مثلها في اليوم الواحد لنستمر.. ونحتاج إلى اثني عشر حضناً آخر في اليوم من أجل ان ننمو ونتطور!"
فرجينيا ساتير
تقول (لمياء): "الأطفال يعطونك كل فوائد العناق دون اضرار جانبية!".
وتضيف (ريم): "بعد ان قرأت عن فوائد العناق.. بت مؤمنة بأنه العقار السحري ولو حصلنا على ما يكفينا ممن نحب لتخلصنا من أدوية الضغط والكولسترول والاكتئاب.. إلى الأبد!".
المشكلة ان فرصنا في الحصول على عناق صحي تقل بزيادة العمر.. نادراً ما نجد شخصاً تجاوز العشرين يطلب ان يرتمي في احضان امه.. والأمثلة كثيرة.. وعادة يفسر هذا الطلب بالضعف والنكوص لمرحلة الطفولة!.. تقول (نسرين): "بعد ان تجاوزت سني الطفولة أصبح من المعيب ان اطلب من عائلتي حضناً مجانياً!".
.. في حين علق (عبدالله) قائلاً: "المبدأ غريب.. لا استسيغ ان احضن شخصاً لا اعرفه جيداً فما بالك بشخص لا أعرفه أبداً؟!.. الاحتضان فعلاً يعطي إحساساً مريحاً شرط ان يكون لشخص ترغب فعلاً في معانقته!".. ويؤكد (أبو خالد): "كنت دائماً أردد لأصدقائي أن المحافظة على احتضان أطفالنا يومياً يساعد على تحقيق التوازن النفسي وتحمل كل العقبات.. وكانوا في كل مرة يضحكون.. لكنني الآن سأبرهن لهم بالدراسات!".
تحت وطأة ظروف الحياة وتوترها الذي لا ينتهي.. وبيئتنا التي صار مجرد إلقاء السلام فيها أمراً لا يتكرر كثيراً.. في وسط هذا ومعه.. اصبحنا اشد حاجة لطلب الدفء والسكينة بعناق لا يكلف شيئاً في حين يربح كلا الطرفين!
(سارة) أخبرتنا: "بعد أن شاهدت برنامج أوبرا احتضنت كل أخواتي وأطفال العائلة.. فعلاً العناق يمنحك شعوراً مريحاً.. شيئاً يشبه الطمأنينة".. وبابتسامة واسعة تجيب (أم خالد): "أنا تربيت في عائلة تجيد التواصل وتمنح الحب بكل أشكاله.. لذلك أنا الآن أعطي عائلتي كل ما تلقيت واستمتع بحضن ابنائي صغاراً كانوا أم كباراً.. واعتقد ان ذلك يعد من اهم اسباب نجاحنا كعائلة".
(juan mann) الآن له متبعون كثر. وربما يسعى لإنشاء رابطة.. إن لم يكن أنشأها!
تخيل ان حملك للافتة تدعو لحضن مجاني.. تكون سبباً في احتلالك عناوين الصفحات الرئيسة واستضافتك في برامج عالمية وتنصيبك قدوة يحتذى بها وأحياناً اختيارك من ضمن اهم المجانين في العالم!
القصص تتعدد..بعضها يرحل مثلما جاء دون أن يلقي أحد عليه التحية..وبعضها يمر كغريب على قرية ريبة..مخلفاأسئلة عديدة على أفواه مفتوحة..
والحياة مجموعة قصص..بأبطال يحضرون ل(الواجهة)قدرا!
منقول عن:
جريدة الرياض/ثقافة اليوم/الاثنين 25جمادى الأولى 1428هـ-11يونيو2007م-العدد14231
الآن
ما رأيكم/ن
فيما قرأتم/ن
لنثري الموضوع بتجارب شخصية/غيرية.