* هذا ما حدث *

....................



قال عم جعفرى :
ـ عند عودتك إلى المدرسة صباح السبت ، سأكون قد قرأت المجلة ، فأعيدها لك ..
كان عم جعفرى هو حارس مدرستى الفرنسية الابتدائية الأميرية . فى شارع جانبى قبل نهاية شارع المأمون . تختلف عن بنايات المدارس الابتدائية ـ ربما لأنها أولى المدارس الابتدائية التى جعلت من الفرنسية لغة أولى ـ بطابع القصر ، وبالفناء الواسع ، والفيلات الملاصقة ، والهدوء الذى يحيط بها ، ووجبة الغداء الساخنة ، نهبط إليها فى مطعم البدروم ..
كان عم جعفرى فى حوالى الخمسين . تشى لهجته بأصله الجنوبى . كنا نخطب وده بمناقشته فى الغناء الذى يحبه ، والأغنيات التى يستمع إليها فى الراديو الخشبى الصغير ، داخل غرفته المطلة على فناء المدرسة ..
لمح فى مجلة " المصور " ـ وأنا أتصفحها وقت الفسحة ـ إشارة إلى حفل فريد الأطرش ، فى تلك الليلة ..
قال :
ـ اعطنى هذه المجلة ..
اعتذرت بأنى اشتريت " المصور " لأبى ، وأنى ربما لا أجدها فى طريق العودة إلى بحرى ..
ارتسمت فى ملامح الرجل خيبة أمل واضحة . حدثنى عن الحفل الذى ينتظره ، والأغنية التى أعلنت الإذاعة أن الأطرش سيقدمها فى الحفل ..
لاحظ الرجل ترددى ، فقال :
ـ مجرد أن أقرأ استعدادات الحفل ونص الأغنية ..
قبل أن يسألنى أبى عن المجلة ، ادعيت أنى نسيتها فى المدرسة ..
قال أبى :
ـ المهم ألا تضيع !
طالعتنى ـ صباح السبت ـ حركة لم أعتدها فى المدرسة ، وزحام أمام غرفة عم جعفرى ..
فاجأنى الولد مرعى عبد المجيد بالقول :
ـ عم جعفرى مات ..
أضاف للذهول فى ملامحى :
ـ أغلق على نفسه من البرد . خنقه فحم المدفأة وهو يقرأ ويستمع إلى الراديو !
حين عدت إلى البيت ، سألنى أبى :
ـ هل أحضرت المجلة ؟
أدركت أن كرة الكذب الثلجية ستواصل التدحرج . قلت وأنا أتهيأ للبكاء :
ـ عم جعفرى مات ..
امتزج فى نظرة أبى عدم الفهم ، والإشفاق على ما بدا أنى أعانيه .