في مجتمع أبيسي، لا يمكن أن ننتظر إلا مثل هذه السلوكات، حيث يصبح الذكر رمزاً ل"الرجولة"، ناسين أو متناسين أن القرآن الكريم كرم الأنثى، "و إذا بشر أحدهم بأنثى... الآية..
هنيئاً للكريمة عائشة بنور على هذا النص الماتع، الذي قارب تيمة من التيمات التي يسعى المجتمع الأبيسي أن يضعها على هامش التداول..
من عنوان النص/ القصة " صرخة الحياة" نلمس المفارقة عبر هذه الثنائية التقابلية الحياة / الحلم /الأمل ..الصرخة/الألم /المعاناة.. المحددة عبر العلاقة الإسنادية الذي ولدت لدى القارئ/ المتلقي توتراً.. فالصرخة تعبير بصوت قوي موجع عن إحساس سلبي .. و قد أسند إلى الحياة.. فولد لدى القارئ/ المتلقي توتراً سيسعى إلى حله عبر نقله من مستوى دلالي أول إلى مستوى دلالي ثان، سمته الانزياح/ الرمز ستكشف عنه متواليات النص عبر التمسك بآليات التأويل..
يقارب النص تيمة الذكورة /الأنوثة ..
بقيت كلمة أخيرة ، تتمثل في عتبات النص، فالآية الكريمة التي وضعت كعتبة للنص،كان، حسب رأيي المتواضع يمكن الاستغناء عنها، لأنها لعبت دوراً أساسياً في توجيه القارئ /المتلقي..و هو ما يمكن أن يشوش عليه، أي المتلقي، و يوجه قراءته، و يحرمه من متعة الاستكشاف..
ثم لم يكن من بد أن يشار إلى واقعية القصة.. لأن حدوثها ليس كفيلاً بجعلها واقعية، بل واقعيتها حصلت عبر تمكن الأستاذة عائشة من شدنا لقراءتها، و قد تمكنت من امتلاك أدوات التعبير الجمالي..
في الوقت الذي يلزم أن يكون الطرفان ، الزوج و الزوجة في النص، يشكلان ثنائية تكاملية، تعاضدية، قدمهما النص لنا كثنائية تقابلية تضادية تعارضية، تم التعبير عنها من خلال حقلين دلالين:
قدم لنا النص الفاعل الأساسي عبر حالتين متقابلتين متضادتين،حالتين مرتبطتين، بوضعي القبل و البَعد، فقد تم توظيف علامات دالة على الإيجاب، في مرحلة الانتظار، انتظار المولود/ الذكر: (فرحة عارمة أحسها، الطمأنينـة، السعـادة،رجولة، كبرياء، تيقن، يتطلع بشوق ولهفة، امتدادا لرجولتـه، ويرفـع رأسه. و بالمقابل عندما يتذكر "بناته"أو يفكر في أن زوجته ستلد مولودا أنثى، تم توظيف حقل دلالي دال على السلب:والخيبة قطعت دربه وتجرع تنهيدة الحسرة التي تلاحقه والحظ العاثر الذي يلازمـه ويطارده بكثير من العناء الذي أثقل أيامه.
وقع عليها الخبر كالصاعقةوآلمتها الغصة في حلقها وانتظرت الليل بعدما اسودت الدنيا في عينيها ولاحقتها الأفكار الجهنمية وقد سكنها اليأس والإحباط.
إلا أن اللافت للنظر هو مشاركة المرأة نفسها في هذه النظرة الدونية للأنثى / المرأة: " سمعت العجوز في البهو صراخ الطفلة فضربت الأرض برجلها وهي مقطبة الحاجبين تقول لولدها: إنه صراخ بنت.
و لم يقف موقف المرأة عند هذا الحد بل سعت إلى تكريسه، بل كانت أقسى من الرجل/الذكر/الزوج و ذلك بارتكابها جريمة القتل في حق المولودة.." حذقت النظر في الصغيرة.. نظرت من حـولها.. سحبت الوسادةوكتمت بها أنفاس الصّبية المولودة".
هنيئاً مرة ثانية للمبدعة عائشة ودام لك الألق.