نداء تشرين ــــ د.علي عقلة عرسان

الذين خاضوا غمار حرب تشرين، وذاقوا طعم المجد ومرارة الهزيمة، وقدموا دمهم ليكون تحرير ويكون انتصار ويكون أمل، وحملوا الهم القومي وعتَّقوه سنينا، وتعرضوا بسبب حمله والثبات عليه الكثير مما يصعب حمله واحتمال آلامه، وتعرضوا لأنواع العذاب والمعاناة، هل يستطيعون ببساطة نسيان أهدافهم ومقاساتهم وتضحياتهم ويتخلون عن مبدئيتهم ويكتفون، من كل ما حملوه طوال حياتهم من أحلام وآمال وتطلعات، بالتراجع البائس عنه والتخفف منه؟! سؤال لا بد من مواجهته ونحن في خضم ذكرى الحدث الذي لا ينسى،


حرب تشرين 1973، والاستحقاقات التي تحملها والذكريات التي تعيدها لنا والواجبات التي تفرضها علينا. والأحداث الكبيرة التي تجري اليوم في غزة والعراق ودار فور.. وهي أحداث تؤثر فينا وعلينا، شئنا ذلك أم أبينا. تجدد الجرح وتذكر بالتحدي وتطرح أسئلة مرة تلو أسئلة مرة، وتجدد التأكيد على أهمية تجاوز المحنة ليتم تجاوز أزمة الوجود ذاتها. وكل ذلك يقيم علينا الحجة في أن تحرير الأرض مقدمة لحماية أرواح الأبرياء الذين يتساقطون هنا وهناك بأيدي أعداء الأمة ومن يتعاونون معهم ضدها من أبنائها، قبل أن يأتي وقت لا يجدي معه وقوف مشترك وموقف مشترك وتحرك باتجاه التحرير، ونواح على الحرية والتحرير.‏

من يستعيد شريط الأحداث والأيام التي أدت إلى حرب تشرين، وتلك التي رافقتها أو تلتها، يعرف جيدا أن الذين اتخذوا قرارها إنما اتخذوا قرار تحرير، ولم يكن أحدهم يقول للآخر غير ذلك، في الظاهر المعلن على الأقل.‏

وإذا كان السادات قد أضمر في نفسه غير ما أظهر كما كشفت الوقائع، فإنه لم يعلن ما أخفاه في ذلك الوقت لا لشركائه في قرار الحرب، ولا لمعظم الذين قاتلوا بإمرته وضحوا بدمائهم من أجل التحرير، وعبروا قناة السويس، ودمروا خط بارليف، وحققوا خطوة مذهلة على طريق النصر والتحرير، رفعت وما تزال ترفع رأس العرب عاليا وتغذي تطلعاتهم لمجاوزة الإحباط تعلقاً بالأمل.‏

لقد كان قرار الحرب، كما فهمه وعمل له المناضلون والمقاتلون على حد سواء، قرار تحرير للأرض، لا قرار تحريك للقضية تأتي نتائجه السلبية على كل ما حققته الحرب وما كان يمكن أن تحققه لو لم تنصب الخيمة 101 ويتحرك الشرير كيسنجر بالتعاون مع صديقه السادات تحركات أدت على ما أدت غليه من نتائج مدمرة حتى الآن؟! ولم يكن أولئك الذين خاضوا حرب التحرير لا حرب التحريك، مستعدين لقبول النتائج التي آلت إليها الأمور بعد ذلك، ولا يبدوا أنهم على استعداد للتفكير اليوم بنتائج ما قبلوه بالأمس ولو كان لهم خيار حق لما قبلوه ولما تجرعوا ما يتجرعه الأحرار منهم نتيجة ذلك القبول حيث لا يهون عليهم أن ينتشر ظل الاحتلال الاحتلال الإسرائيلي ـ الأمير كي فوق وطننا العربي، ويلفِّع قضايانا وأهدافنا وأحلامنا ووجوهنا بالسواد، ويسقط خنادقنا صمودنا الواحد تلو الآخر، ويفرق صفوفنا كما لم بفعل من قبل، ويقتل من يقتل ويدمر ما يدمر من بيوتنا ومقومات حياتنا وقيمنا التربوية والاجتماعية والقافية والقومية والوطنية، ويزرع اليأس في نفوسنا، حتى من إمكانية أن تعود إلينا نفوسنا ذاتها وليس الإحساس ببعضنا بعضاً وبأننا أمة واحدة تحمل عقيدة واحدة.‏



ومن يستعيد شريط الأحداث والأيام، ويقوم بقراءة واعية واستقراء موضوعي لما جرى، يدرك جيدا أن التنازل عن الأرض والحق والثوابت القومية، بالنسبة لرجال الجبهة الشمالية مع فلسطين، الجبهة السورية، أمر غير وارد ويجب ألا يرد على الإطلاق، مهما كانت النتائج والتضحيات، لأن في ذلك نهاية لتطلع الأمة نحو ثبات وصمود في مواقع الحد الأدنى من كل شيء بعد أن تراجعت عن مواقع ومواقف أضرت بكل شيء، ولأن فيه قضاء على معقل وموقف تحتاج إليهما لتبني وتستأنف الحلم والأمل والعمل.‏



ويكفيه للدلالة على ذلك أن يتبصَّر بالأمور وبالنتائج التي قد تسفر عنها تراجعات جوهرية وجذرية عن المواقف المبدئية، ويمكنه أن يستعين للتثبيت والتثبّت بقراءة المواقف المبدئية في السياسة السورية منذ مؤتمر مدريد حتى اليوم، ليتأكد من أن مبدئية حرب تشرين وأهدافها ما زالت هي التي تعمر قلوب الرجال الذين يقودهم ويوجههم واجب وطني وانتماء قومي سليم ووفاء لأهداف معارك تشرين ولشهداء الأمة العربية فيها ولجوهر القضية الفلسطينية وجوهر الصراع مع العدو الصهيوني وطبيعته وحقيقته، وأن ذلك المعطى الكبير ينبغي أن يصان بكل الأشكال ابتداء من تكوين قاعدة عريضة للوعي القومي والعمل بعيداً عن كل ما يضعف الجبهة الداخلية ومن يتخذون مواقف مبدئية. وليس ذلك أمرا عارضا في سورية ولا هو بالأمر المستغرب، فما تخذ به سورية ينبغي أن يبقى مبدئيا وملتصقا بالثوابت القومية ونابعاً منها ومعبراً عنها، لأننا لا تأخذ بذلك تمويها على أغراض أو غايات قطرية، ولا طلبا لمغانم إقليمية، ولا انتهازاً لفرص وتظاهراً بمواقف وتلويحاً بشعارات.. وهي لا تستطيع الثبات على ذلك وحدها في خضم الضغط المتعدد المصادر والأشكال عليها.‏



واليوم، بعد مرور واحد وثلاثين سنة على حرب تشرين وأكثر من عقدين على خيانة السادات لأهداف تلك الحرب ولرفاق السلاح فيها، ولجوهر القضية الفلسطينية التي قامت من أجلها كل الحروب العربية ـ الإسرائيلية، نجد أن الموقف المبدئي للمفاوض السوري أبعد ما يكون عن القبول بأقل من الانسحاب الكامل من الجولان وجنوب لبنان، وتنفيذ القرارات الدولية التي تشكل مرجعية مدريد لحل القضية الفلسطينية وحفظ حقوق الفلسطينيين، وأساس الحل الذي اتجهت إليه سياسة العرب لحل تلك القضية، منذ قمة فاس، والذي لم تقبله الجماهير العربية في الأصل والأساس، وإنما حوصرت به وبالمتغيرات التي حدثت من بعد، فسكتت عن ذلك على مضض.‏



ولفت النظر إلى حرب تشرين في هذا الوقت وفي هذه المناسبة، والربط بينها وبين الصمود والضغط والتهديد والتفاوض، ينبغي أن يشد انتباهنا إلى أمرين هامين هما:‏



1 ـ أن الحرب أفرغت من نتائجها المادية على الأرض؛ فبدل التحرير الفعلي الذي تم لبعض المواقع التي كان يحتلها العدو، احتل العدو مواقع جديدة كانت لنا، بسبب, المآثر الساداتية في الدفر سوار، واعتماده ,,تكتيك ,, المدحلة الروسية للوقوف في المكان وإفساح المجال أمام القوات الصهيونية لتنقل ثقل المعركة إلى الجبهة السورية، تلبية لطلب صديقه كيسنجر، حيث ظهر التواطؤ هناك في الدفرسوار.‏

وأن نتائج الحرب المعنوية المتصلة بإسقاط الوهم والأسطورة كادت تجهض، ليحل محلها اليأس من إمكانية تحقيق انتصار عسكري على العدو الصهيوني، والإحباط الروحي العام الذي ينتشر عربياً، بسبب حروب لا تؤدي إلى نتائج إيجابية تؤثر جوهريا على الصراع مع العدو، بل تبقي الباب مفتوحا أمام اليأس أكثر مما تبقيه مفتوحا أمام الأمل، وبسبب عقليات وسياسات لا تستفيد من الدروس والهزائم والنكسات، وبسبب الفساد المستشري في صعد ومجالات شتى، وبسبب من أصبحت لديهم أقل إشارة من الولايات المتحدة تعني أمراً لا يحتمل الجدل وقدراً لا يُرَد ولا يُرتجى التخفيف من وقعه.‏

2 ـ أن التفاوض الذي لا تدعمه قوة ولا يتم في ظل ميزان قوى معقول نسبياً، يستأصل كل أمل قد نعلقه على أي تفاوض يعقب حرباً، ويلغي نتائج أي نصر مبدئي تحققه حرب تحرير. لأنه في النتيجة يغير التوجه والخيارات والمعطيات أصلا، ولا بد من أن يسفر، في أفضل حالاته عندنا، عن اعتراف بالعدو وسيادته على أرض لنا، وبحق له في البقاء في أرضنا، وإقامة دولة مستقرة فيها على حساب شعبنا وحقوقنا ومستقبلنا، وباستمرار مشروعه العدواني التوسعي من دون ردع من أي نوع؟! وهذا، بحد ذاته، مناقض لفعل الحرب وأهدافها واستراتيجياتها، وناف للتفكير في خوضها مستقبلاً، والإعداد والاستعداد لها.. لأنه لماذا تقوم أصلاً إذا كانت النتائج واضحة؟!‏




والتفاوض على أرض محتلة ينطوي على تغيير في التوجه نحو تحريرها أصلاً كما ينطوي على تغيير في الاستراتيجية والسلاح، ولا بد من أن ينطوي أيضا على تغيير في الأهداف والأفكار والاستعدادات، أو يسفر عن تغيير فيها، في أفضل الظروف والحالات. أما في حالنا المعروف فإنه يعني خضوعاً لكل ما يريده العدو في المرحلة الحالية، وقبولاً بظروف وشروط تجعله قادراً على استئناف حربه العدوانية في إطار مشروعه التوسعي، وتجعلنا عاجزين عن أي رد عليه.. كما هو وضعنا اليوم معه: والناس يقتلون في غزة وقراها، وفي العراق ومدنه وقراه، والبلدان تهدد والتدخل في الشؤون الداخلية على أشده حتى في مجالات الثقافة والتربية والهوية والاعتقاد الديني؟!.‏



لقد اتجه العرب إلى الخيارات السلمية أو أجبروا عليها، واتجه الكيان الصهيوني، لا سيما بعد حرب تشرين، كما لجأ حلفاؤه أو ألجأهم هو إلى استغلال توجه العرب هذا استغلالا سلبياً تاما، لإجبارهم على تقديم تنازلات كبيرة تحت ضغط الضعف والخوف من جهة، ولزيادة قدراته القتالية وإضعاف قدرات العرب حتى على استخدام أجسادهم العارية في الدفاع عن أنفسهم في بيوتهم من جهة أخرى.‏

وعمل العدو وحلفاؤه لكسب الوقت من جهة وشل العرب وتضليلهم من جهة أخرى، عملوا على:‏



أ ـ تفتيت الساحة العربية على أرضية اتفاقيات الإذعان الثنائية، وما يرافقها ويستتبعها من تطبيع مع أطراف وأقطار عربية وتطويع وتركيع لها، والوصاية عليها، والاحتلال المباشر لبعضها ولإرادتها وقرارها السياسي بشكل شبه تام، والنماذج على ذلك كثيرة هذه الأيام، ويكفي أن يستطلع المرء منا مساحة ما لا يوجد فيها نفوذ يهودي مباشر أو غير مباشر؟! كما يكفي هذا السكوت العاجز عما يجري في الأرض المحتلة من ذبح ودمار ليكون دليلاً على ما نقول.. والأمور تُعرف بخواتيمها.. وخواتيم كل عدوان على أرض أو فئة أو بلد في وطن العرب: دمٌ عربي يسيل، ودمارٌ يتسع، وقبول بالنتائج البائسة الدامية، وثغاء في مراعي الأمم يعقبه ذبح من نوع ما.‏



ب ـ إحداث تغييرات على الأرض، ذات مردود كارثي على العرب وقضاياهم ومستقبلهم، بمعرفة العرب والعالم مع صمت، وإذعان، تغييرات من شأنها أن تضمن تهويدا أكبر وأوسع في المناطق المحتلة لاسيما في القدس، من خلال الجدار وفرض الأمر الواقع على الأرض، وضمان عدم قيام " دولة فلسطينية بالمعنى السليم تحت أية ظروف صحية، وتحقيق عدم جدوى الاعتراض على ذلك: عربياً، وفي المؤسسات والهيئات الدولية.‏




وفعلا لم يعد العرب بجدوى الاعتراض رسميا على أفعال وقرارات وممارسات "إسرائيلية"، ولم تعد المنظمات الدولية تقر شيئا من ذلك ـ إذا ما طرح عليها ـ فالفيتو الأميركي جاهز للاستخدام بوقاحة واستهتار بالحياة البشرية والحقوق والحريات لا نظير له مع ادعاء عريض بحماية ذلك لا يخجل منه المفترون، وتنفذه القوة، وهي تفعل ذلك حتى لا تعكر القرارات الدولية مسيرة ,, السلام ,, ولتترك للأطراف المعنية ذاتها فرصة معالجة قضياها فيما بينها، بإشراف الولايات المتحدة الأميركية وحدها؟!! وقد تنامى هذا الاتجاه في السياستين العربية والدولية بعد اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة وتوابعها، وأصبح نهجا أمير كيا ـ صهيونياً لا يعترض عليه أحد.‏



وإذا كان ,, الكيان الصهيوني" بمساعدة حلفائه وأصدقائه وعملائه، قد استطاع أن يقلب هزيمته العسكرية في حرب تشرين إلى نصر سياسي أجهض نتائج تلك الحرب بالنسبة للعرب، وأن يستفيد إلى أقصى الحدود من حرب الخليج الثانية ومن أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ومن تدمير العراق واحتلاله، فيكون الرابح الرئيس فيها، وأن يحول مؤتمر مدريد ومرجعيته وبعض أطرافه إلى أوراق لعب رابحة تمكنه من نهب الأرض والسلام وابتزاز الأقطار العربية وإيقاعها في شباكها وابتزاز الدول الأخرى أيضاً، فان أمامه اليوم مجموعة من الحقائق والوقائع الصعبة التي تحول دون سقوط المنطقة نهائياً في يده، ومن تلك الحقائق والوقائع نذكر:‏



ـ وجود شعب فلسطيني يعد أفراده بالملايين، داخل فلسطين المحتلة وخارجها، يرفض التنازل عن حقوقه في وطنه، لاسيما حقه في العودة، ويرفض اتفاقيات أوسلو ووادي عربة، ويتمسك بأرضه وبحق تقرير المصير فوق ترابها المحرر، ويرفض الهزيمة، وهو على استعداد للتضحية في سبيل تحقيق هذه الأهداف، ولديه سلاح لا يقهر هو الإرادة والشهادة النوعية، وهذا الشعب لا يضعه أحد في جيبه، ولا يمكن أن ينكر أحد وجوده ورفضه للاذعان واتفاقياته وللذل وصيغه، وهو ينظر على المستقبل البعيد بثقة وأمل.‏



ـ سورية التي تتمسك بالقرارات الدولية المتصلة بالقضية الفلسطينية، ولاسيما حق العودة وحق تقرير المصير بالنسبة للشعب الفلسطيني، وبانسحاب العدو الصهيوني انسحابا تاما، كاملا وشاملا، من الجولان، إلى المواقع التي كان فيها قبل الرابع من حزيران 1967، وكذلك انسحاب قوات العدوان من جنوب لبنان، وإزالة كل أثر أو رمز للاحتلال والعدوان.‏

ـ الشعب العربي الذي لم ينس شهداءه ولن ينساهم، ولم ينس وطنه فلسطين ولن ينساه، ولم ينس القدس ورمزيتها ومكانتها ولن ينسى ذلك، ويرفض أن تمحى ذاكرته وتغير قيمه، ويزيف تاريخه ووجدانه، ولا يقبل أن يفرض عليه أي شكل من أشكال التطبيع مع عدو ما زال ينظر إليه، وسيبقى ينظر إليه، على أنه دخيل وعنصري ومستعمر وقوة قهر وهدم وهيمنة مرفوضة، لا تستقر المنطقة إلا بزواله، ولن يتم ذلك إلا بالإعداد والاستعداد لذلك على أرضية العلم والإيمان والعمل بهما، وإبقاء العداوة حية لتبقى القضية حية تستدعي حلا ويستدعي حلها قوة واستعدادا وإعدادا.‏

ـ مطامع توسعية، ونوازع عنصرية، وبرامج استيطانية، كفيلة بجعل الأحلام الصهيونية، التي يقال إنها تتراجع، تدفع الكيان الدخيل إلى ممارسات عدوانية دائمة، وتشققات داخلية، الأمر الذي يجعل الصراع بيننا وبينه في تجدد، والمستقبل مليء بالمعطيات والاحتمالات، وكلها فيما أقدر، معطيات واحتمالات تجبر الحكومات والشعوب على حسم هذا الصراع لصالح قوة دون قوة.‏

ـ قوة تدمير شاملة يملكها العدو ويطورها وينوعها، وتشمل فيما تشمل أسلحة نووية، وهذا سيجعل العرب في دارة الخطر، الأمر الذي لا بد أن يجبرهم على امتلاك قوة يدافعون بها عن أنفسهم ووجودهم، وهذا سيولد سباقا في حقول العلم والمعرفة يدفع إليه سباق على التسلح، كما سيولد سعيا عربيا لامتلاك مقومات التوازن الاستراتيجي والدفاع الذاتي.‏

وسوف يصل العرب إلى ذلك طال الزمن أم قصر، ومعنى ذلك استمرار حضور شبح الحرب، واستمرار ولادة أمل التحرير، وتوليد تلك الإرادة المرتبطة بالحرية ومعاني الحياة.‏

ـ وجود قضية القدس التي ترتبط بها ضمائر وعواطف ومصائر، ولن تكون تلك قضية سهلة على الإطلاق، وحتى لو قدم الكيان الصهيوني تنازلات في موضوعها، فإنها ستبقى تثير الصراع وتوحي لنا نحن العرب بضرورة العمل من أجل التحرير بوحي المقدس والإيمان العميق.‏

وكل ذلك وسواه، مما لا يتسع المجال لذكره هنا، يجعل تشرين حيا في الذاكرة والوجدان، وفعلا تنتظره أجيالنا، وموعداً يعود، ويجعل الأمل باستعادة لحظة بكاء غولدا مائير، مع برقية من كلمتين يوجهها أحفادها إلى من يناصرهم تقول: “إسرائيل" تحترق، أمرا منتظرا؛ ولكن المنتظر الأهم ألا يكون هناك سادات آخر، ودفرسوار أخرى، وجسر أمير كي آخر، وتواطؤ مستمر يبقي الصهاينة قوة عدوان عنصري مطلقة العنان في أرضنا، ولا ينقذهم من مصير لا بد أن يكون، هو مصير المعتدين والقوى الغازية التي طالما دفنها أبناء وطني، العرب، وطواها النسيان، وأدانها التاريخ .‏

وربما كان هذا هو النداء الذي أصيخ إليه السمع وأنا في قرطبة ينطلق من أرض تشرين وتلوح به هذه الذكرى.‏

قرطبة في 6/10/2004‏