الطفل يبكي والأب يتألم

رجع الأب من عمله منهكا، لا شك أنه رأى ممارسات في العمل، ممارسات لا تشرف بلاده،وضع محفظته، تمدد على الفراش كي يتخلص شيئا ما من التعب،انتفض فجأة من مكانه، لقد أثاره برنامج يعرض حالة ابنه الذي يشكو مرضا عضال ، لقد زاره البارحة في مستشفى الأطفال لعلاج السرطان الذي يقيم فيه منذ مدة، اختلطت عليه الأمور، مرت في ذهنه زوبعة من الأحاسيس ، اقترب من الشاشة ، مر المشهد بسرعة ، بقي مسمرا أمامها ، شد رأسه بكلتا يديه ، أوقف الجهاز والدموع تستعصي على الخروج ، تمدد مرة أخرى ، بدأ يتكلم ، يصيح في بعض الأحيان ،الدموع تسيل.

لا تبكي يا ولدي ، لا تبكي ، أوقفوا إشهاراتكم ، إن الطفل يبكي ..لقد كدرتم حياتنا ، أكثرتم مشاهدكم ، دعوا ابني يتألم ، يعبر، قال الطفل : إنني لا أزداد طولا ، إني أعاني من هذا المرض الخبيث، يا ولدي لقد وعيت منذ صغرك بحجم ملازمك.

قال : إن أقراني يحتقروني .الأب:لا تحتقروه يا أوغاد ، لا تعرفون إلا الاحتقار والكلمات النابية ، تعلموا المحبة والعطف ، كفى يا أوغاد.لقد آلمتمونا، آلمتوا صغيري ، لا تستسلم يا إبني ، لا تستسلم، لا تترك الوهن يسيطر عليك، لينوا يا أطبائنا يا ممرضينا لطفلي، واسوه ، أوعدوه الشفاء،استصغروا مرضه، الصغير يبكي ، الصغير يتألم، لا يريد ثدي أمه ، لا الخبز ولا الماء ،لقد كبر، لقد أصبح يتناول غذاءه وحده ، كره أواني المستشفى .يا أيتها الآلات الطبية إني أخاطبك بقوة،الإبر، الأنابيب،المقص،والبطون التي تمزقت،والعمليات غير الناجحة، والذين ينتظرون في الخارج،هل نجحت العملية،وتصفية الدم المتتالية،من السرطان الخبيث.

قلت لك : لا تخيفي ابني،ليني له،ربما أنت تعي حجم معاناته،يا أطفال خذوا العصي واضربونا نحن الكبار،عذبونا،فضربكم غير مبرح،أما البكاء فلا،لقد آلمتمونا، حتى أصبحنا لا نستطيع الأكل،يا ولدي إن مت ستبقى لحظة تألمك أمام الناس،والكاميرا،راسخة في أذهاننا، يا لحظة الضعف ويحك،ستبقى لحظة تألمك غمة في حلقنا،فلا تحلو لنا الراحة والسعادة بعد موتك.ازدادت حالة الطفل سوء ، الأب من مستشفى إلى آخر ، استقر به الحال بالمستشفى المركزي ، خسر ثروة كبيرة ، لم يندم على ذلك، لا يهمه شيء سوى رؤية ابنه يستعيد عافيته، باع المنزل الذي كد من أجل بنائه، اكترى منزلا صغيرا ، ازداد تعلق العائلة بالطفل الوديع،الذكي.خاصة في آخر أيامه، مات أيوب ، لم يعد إلا ذكرى ، ذكرى أليمة ، يستعيدها أفراد العائلة في بعض الأحيان ، أنجب الأب طفلين آخرين ، نسي الذكرى الأليمة شيئا ما ، بقي أيوب حاضرا ، في المنزل،في قلوب أقرانه ، نموذجا في مخيلة أخويه الاصغرين، يسألون أبيهم عنه من حين لآخر.