على هامش فتاوى تكفير حزب الله .. مطلوب نزع سلاح المقدسات و(الفتاوى) من أيدى الجهلة !!

د. رفعت سيد أحمد (مصر


قبل أيام مضت أفتى أحد شيوخ النفط ، بأن نصرة حزب الله في حربه المقدسة ضد العدو الصهيوني ، حرام ، وأنه لا يجوز الدعاء له ، ووفقاً لنص فتواه ، أن هذا الحزب ، حزب رافضي ، خارج عن ملة الإسلام ، ومن ثم لا يجوز نصرته أو مساندته في حربه ضد العدو الصهيوني ؛ ومن فضل الله أن العلماء الثقاة ، وشيوخ الأزهر الشرفاء ، هبوا رافضين تلك الفتاوى التكفيرية ، مؤكدين أن حزب الله ، حزب إسلامي ، مجاهد يدافع عن قضية إسلامية عادلة ، ضد عدو للإسلام وللأمة ، وأن تلك الفتاوى تنم عن جهل بالفقه والدين ، ولا تخدم سوى العدو الإسرائيلي ذاته الذي أسرع بنشرها على مواقع صحافته وفى كافة أنحاء عالمنا الإسلامي حتى يزيد من البلبلة وسط جموع المسلمين والعرب .




تحرك العلماء ، وتحرك الإعلاميون ، ورفضوا دعوة الشيخ النفطي (عبد الرحمن ابن جبرين) وكل هذا جيد ورائع ، ولكن الأمر في تقديرنا يحتاج إلى معالجة أكبر من مجرد الرد على هذا الشيخ وفتاويه " الخوارجية " تلك ، لأن الرجل في الواقع لا يصدرها منفرداً ، الرجل يقف ، ومن خلفه مؤسسة دينية متخلفة وجاهلة ، بل دولة كاملة بسياسييها وبنفطها وإعلامييها ، بل انه يقف ومن خلفه صحافة عربية مدجنة وإعلام امتلأ فمه (بالنفط) بديلاً عن (الماء) فخرس، ولم ينطق لأن أرباب النعم لا يريدونه إلا أخرساً !! .





ونزيد فنقول أن صاحب هذه الفتوى ، وأمثاله من شيوخ السلاطين ، شيوخ أمريكا وإسرائيل، يستمدون قوتهم وتأثيرهم من كون (الأماكن الإسلامية المقدسة) تقع ضمن السيادة الجغرافية لبلادهم وهنا مربط الفرس ، وخطورته ، والذي كان يستلزم ممن يتصدى للفتاوى ، أن يكون واعياً ومدركاً لخطورة ما يصدر عنه ليس فحسب من فتاوى ، بل حتى من مجرد رأى في أية قضية تمس شئون المسلمين : سياسة كانت أو دينية ، فمنزلة الحرمين والكعبة كبيرة ومن يدعى سيادة عليها لابد وأن يكون كبير مثلها وأن يكون على نفس درجة قداستها وأهليتها هذا في تقديري هو الجانب الأهم في تلك الضجة التي أثيرت من حول الفتوى ، ولكنه للأسف لم يتم تناوله بشكل صريح وقاطع ، أما باقي الجوانب فيأتي تالياً لها ، وإذا ما فهمنا الأمر على هذا الأساس ، يمكننا أن نعيد قراءة المشهد ، ونتابع تداعياته وفقاً للمحاور التالية :





أولاً : من المؤكد أن الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان ، والتي لا تزال رحاها دائرة حتى لحظة كتابة هذه السطور ، قد فرزت الأمة إلى معسكرين أو إلى خندقين ، خندق [ مَّن مع الأمة ومصالحها ودينها ] و [ من ضد الأمة ومصالحها ودينها ] ، فإذا كان القرآن الكريم قد قال في محكم آياته توكيداً وجزماً [ لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا] (الآية 83 المائدة) ، فإن اليهود المعاصرين الذين اغتصب فريق منه أرضاً إسلامياً ، ودمروا ولوثوا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين فيه ، هؤلاء اليهود الصهاينة ، قطعاً هم (أشد الناس عداوة) لأمة الإسلام ؛ و" منَّ يتولهم منكم فإنه منهم " ؛ والحرب الأخيرة (وهى الحرب السادسة في تاريخ الصراع العربي / الإسرائيلي) ، أتت بأحداثها ومجازرها الجسام (قانا نموذجاً) لتحسم الأمر أمام الأمة ولتفرز وبشكل قاطع ونهائي ؛ الخنادق ؛ (خندق أبناء الأمة) و(خندق أعداء الأمة) ، في هذا الإطار تأتى مثل تلك الفتاوى وأصحابها والواقفين خلفها من ساسة وملوك ، وتابعين لواشنطن وتل أبيب ، ليمثلوا الخندق المعادى للأمة ، ولدينها ، ولمصالحها ، مهما تزينوا بعمائم أو تغطوا بسياسات وتصريحات تدعى حباً للبنان وشعبها ، إن هؤلاء الذين قال (كبيرهم السياسي) في اليوم الأول للحرب أن هذه مغامرة غير محسوبة ومقاومة غير مشروعة ، قاصداً عملية أسر حزب الله للجنود الصهاينة ، ثم قال (كبيرهم الديني) أن حزب الله حزب كافر ، رافضي لا تجوز نصرته وتُحرم مساندته ، الاثنان يصبان في خندق أعداء الأمة ، أعداء الإسلام ، هكذا ينبغي أن نحسم الأمر ، ولا نتردد في قوله على الملأ حتى لا يتبلل شباب الأمة فيما يرونه ويقرؤونه ، إن من يواجه إسرائيل بالشهادة والدم ، لا يستقيم أخلاقياً أو دينياً أو سياسياً أن يقيمه الجبناء أو العملاء أو الجهلاء بالدين ، إن من يقاوم في فلسطين ولبنان هو وحده في تقديرنا ، وفى هذا الزمان الموبوء ، المعبر عن الإسلام الحق وعن مصالح الأمة مهما تقيأ شيوخ النفط وساسته من فتاوى أو آراء أو مواقف معلوم جيداً أن محركها هو البيت الأبيض الذي حل لديهم محل الكعبة الشريفة في العبادة والتقديس.





ثانياً : في ضوء فتاوى التكفير التي كان ولا يزال يعتنقها نفر من تيارات الإسلام السياسي السلفي في بلادنا العربية والإسلامية ، يستبين أمام المراقب ، حقيقة مزعجة ، وهى أن هذه التيارات في أغلبها تضم نخبة من الجهلة بأصول الدين والفقه من ناحية وجهلة بمجريات الأحداث السياسي والإقليمية والعالمية من ناحية أخرى ، وعندما يلتقي الجهلان ، الجهل بالدين والجهل بالواقع المعاش ، فإن حجم ما يترتب على هذا اللقاء مدمر ، وعنيف ، ولنتأمل مسار هذا (الدمار) على سبيل المثال لا الحصر في بلد مثل مصر منذ جاء شكري أحمد مصطفى (أمير جماعة التكفير والهجرة في مصر عام 1977) وما تناسل من حركته وأفكاره على النسيج السياسي والاجتماعي والعقيدي للبلاد حتى يومنا هذا ، وكيف أثر هذا الجهل المزدوج على صورة الإسلام ذاته ، وقدمه كدين إرهابي بامتياز وسهل لدى الأعداء ترويج تلك الصورة غير الصحيحة عن الإسلام ، باعتباره دين يكفر ليس فحسب الآخر : الديني أو السياسي بل حتى أبناء الدين الواحد ذاته ، هذا الجهل المزدوج قد يسهل الرد عليه ودحضه بل ومواجهته في بلاد مثل مصر ، ولكن الأمر يصبح أصعب وأعقد ويزداد خطورة حين يمسك أصحابه بمفاتيح الأماكن المقدسة ، حين ينتقل كمنهج وأسلوب حياة إلى من يناط بهم أن يكونوا قدوة للمسلمين في التسامح والاستيعاب وحرية المعتقد ، هنا تأتى الطامة الكبرى كما يقولون ، وهنا يستوجب الأمر السعي الحثيث من علماء الإسلام وعقلاء الأمة كي يُنزع من أيدي هؤلاء الجهلة ، المتسترين بالدين – وهو منهم براء – سلاح خطير ، يعد أشد فتكاً من أسلحة الدمار الشامل على عقول وقلوب المسلمين إذا ما استخدم خطأ ، ألا وهو سلاح الاحتماء بالمقدسات ، وبشرف مكانتها سلاح التحدث باسمها كما يفعلون الآن .





إن هذه المقدسات أتخيلها الآن ، تصرخ باكية حين ترى بعض من يقف على بابها مدعياً حمايتها منذ مائة عام ، وقد انتهك حرمتها وقداستها بتكفير أخاه المسلم الذي يتوجه إلى ذات القبلة ، ويدعو نفس الرب الواحد الأحد ، أتخيلها تنادى ، أن أنقذوني من هؤلاء الجهلة ، الذين فاقوا القرامطة والخوارج ويوسف الثقفي ، بغضاً لله ، ولسماحة دينه ، وقداسة حرماته .





* إذا كان الأمر كذلك،والبكاء نكاد نسمعه من بلادنا المقدسة ألا يليق بنا أن نلبيه ، نصرة لهذه المقدسات ،ونصرة للذين يستشهدون دفاعاً عما تمثله من قيم التوحيد ، والربوبية ، والإسلام ؟





ثالثاً وأخيراً : يطرح سؤال رئيسي في هذه الأجواء الملتهبة ؛ ما العمل ، إذا كان (الجهلة) بالدين والواقع يتصدرون المشهد ، و(العملاء) يقفون إلى جوارهم يفركون الأيدي سعادة وغبطة و(الأعداء) على مسافة أمتار يمطرونهم بالقبلات تحية وتقديراً لجهلهم المركب ؛ ما العمل ؟ هل يكفى فقط أن ندعو إلى نزع سلاح المقدسات من أيديهم حتى تخيب طلقاتهم (فتاويهم) وتفرغ من مضمونها المُقدس ؟ أم نكتفي بالإدانة الواسعة ، والحصار الواسع لهم وللأنظمة السياسية التي تَّركبهم وتوظفهم ؟ في تقديرنا أن الإجابة المباشرة ، والبسيطة هنا تتمثل في الأخذ بالسؤالين معاً ، وفى استمرار الكشف عن أبعاد التوظيف الأحمق للمقدسات وللفتاوى ، لخدمة حكام غير مؤهلين (شرعاً وسياسة) لكي يشرفون عليها ؛ لأنه وببساطة ، لا يمكن أن يلتقي الليل والنهار ، لا يمكن أن تلتقي العمالة لواشنطن والركوع أمامها والاشتغال كخدم في إستراتيجية شرق أوسطها الجديد ، مع حماية مقدسات إبراهيم ومحمد ورسل الله كافة ، لا يستقيم أن يلتقي (الحلال) و(الحرام) في قالب واحد ، لا يستقيم عقلاً وشرعاً أن يدافع عن مكة، والقدس ، من يسجد للبيت الأبيض ؛ حتى لو بذر عدة ملايين من الدولارات – تماماً كقنابل الدخان – مساعدة للنازحين وللمهجرين في لبنان وفلسطين .





* هنا أصل الداء ، فإذا أردنا ألا يعود " الشيخ " إلى فتواه ، وألا يتقيأ هؤلاء الجهلة كل يوم فتاوى ، تكفر المسلمين وتحرم عليهما كل شيء تقريباً ، وتحول دون نصرة المجاهدين ، فلنبدأ من البداية الصحيحة والوحيدة ، والفعالة : ألا وهى أن ننزع سلاح " المقدسات " من بين أيديهم وأن نعيده إلى الأمة ، فهذا هو الأسلوب الرادع لهم ولسادتهم ، وتلك مقدساتنا ، وما يصدر عنها من فتاوى وما يتصل بها من شئون ، ينبغي أن يعود إلينا ، إلى هذه الأمة ، التي ابتليت بعلمائها قبل سلاطينها . والله أعلم