قاموس المصطلحات الصهيونية
***
الصهيونية
كلمة أخذها المفكر اليهودي "ناثان بربناوم" من كلمة "صهيون" لتدل على الحركة الهادفة إلى تجميع "الشعب اليهودي" في أرض فلسطين ويعتقد اليهود أن المسيح المخلص سيأتي في آخر الأيام ليعيد شعبه إلى أرض الميعاد، ويحكم العالم من جبل صهيون، وقد حول الصهيونيون هذا المعتقد الديني إلى برنامج سياسي، كما حولوا الشعارات والرموز الدينية إلى شعارات ورموز دنيوية سياسية، ورغم تنوع المدارس الصهيونية (يمينية ويسارية، متدينة، وملحدة، واشتراكية ورأسمالية) ظلت المقولة الأساسية التي تستند إليها كل من التيارات الصهيونية هي مقولة "الشعب اليهودي"، أي الإيمان بأن الأقليات اليهودية في العالم لا تشكل أمة متكاملة توجد في الشتات أو المنفى بعيدة عن وطنها الحقيقي: أرض الميعاد أو صهيون، أي فلسطين.
ويعتقد الصهيونيون أنه حينما كان الشعب اليهودي غير موجود في وطنه بل هو مشتت في الخارج فإنه يعاني من صفوف التفرقة العنصرية، ويمارس إحساسا عميقا بالاغتراب عن الذات اليهودية الحقيقة، وبالتالي لا يمكن حل المسألة اليهودية ببعديها الاجتماعي والنفسي، إلا عن طريق الاستيطان في فلسطين.
ويرى الصهيونيون أن جذور الحركة الصهيونية- أو القومية اليهودية كما يسمونها- تعود إلى الدين اليهودي ذاته- وأن التاريخ اليهودي بعد تحطيم الهيكل على يد الرومان، هو تاريخ شعب مختار منفي، مرتبط بأرضه، ينتظر دائما لحظة الخلاص والنجاة.
لكن الدارسين للدين اليهودي يعلمون أن الارتباط اليهودي بالعودة إلى الأرض المقدسة، هو ارتباط توراتي مشروط، إذ أن الدين اليهودي يحرم العودة إلى أرض الميعاد، ويعتبر أن مثل هذه المحاولة هي من قبيل التجديف والهرطقة، لأن عودة اليهود- حسب المعتقد الديني- لا يمكنها أن تتم إلا على يد مبعوث من لدن الخالق، هو المسيح المخلص، وليس على يد حركة سياسية مثل المنظمة الصهيونية العالمية ولذا حينما ظهرت الحركة الصهيونية عارضتها المنظمات اليهودية في العالم.
وقد يكون من الأدق البحث عن الجذور التاريخية الحقيقة للحركة الصهيونية في شرق أوربا، وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر على وجه التحديد فمجتمعات هذا الجزء من العالم كانت تمر بتحول سريع من الإقطاع إلى الرأسمالية، صاحبها انفجار سكاني، نتج عنه وجود أعداد كبيرة من اليهود لم يكن من الممكن استيعابها بسرعة في الاقتصاد الرأسمالي الصناعي الجديد، الأمر الذي سبب خلق المشكلة المعروفة باسم "المسالة اليهودية".
وقد طرحت حلول عديدة لهذه المسألة منها الحل الاشتراكي الثوري، الذي يرى أن الثورة الاجتماعية ستحل مشكلات الكادحين والأقليات ومنها أيضا الحل الاشتراكي القومي الذي يطالب باستقلال ثقافي حضاري لليهود كأقلية قومية متميزة داخل إطار الدولة الاشتراكية ثم كان هناك أيضا الحل الصهيوني الذي لا يرى أي حل لمشكلة اليهود إلا عن طريق توطينهم في فلسطين.
وظهرت إبان هذه الفترة إرهاصات صهيونية عدة إلى أن بدأ هرتزل ينظم الجمعيات الصهيونية المختلفة في العالم داخل إطار واحد ثم دعا إلى عقد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في مدنية بال في سويسرا، وقد اكتشف هرتزل، منذ بداية نشاطه حقيقة بديهية، وهي أنه لابد لتنفيذ الرؤية الصهيونية من الاعتماد على دولة إمبريالية كبيرة، تقوم بتوفير الأرض للمستوطنين الصهيونيين، وبحمايتهم ضد السكان الأصليين، وبالدفاع عنهم في المحافل الدولة، لذا توجه هرتزل إلى جميع الدول الكبرى ذات المصالح الإمبريالية في الشرق الأوسط، ابتداء بالإمبراطورية العثمانية ومرورا بفرنسا وألمانيا، وانتهاء بانكلترا، وقد توجت هذه الجهود بالحصول على وعد بلفور عام 1917.
وقد حدثت انقسامات عدة في صفوف الحركة الصهيونية فثمة اتجاه صهيوني روحي (ديني ثقافي) يؤكد ضرورة أن يكون البعث الصهيوني القومي بعثا دينيا وثقافيا في الدرجة الأولي، وبعثا سياسيا في الدرجة الثانية، وثمة اتجاه آخر سياسي، يرى أن المسألة اليهودية هي أساسا مسألة فائض سكاني يهودي يجب توطنيه في فلسطين، في إطار دولة ذات طابع ليبرالي- أما الاتجاه العمالي فكان يرى أن المسألة هي في الأساس مسألة عمال يهود، وأن حل المشكلة لا يتأتى إلا بتأسيس دولة صهيونية تتبع النموذج الاشتراكي ولكن جميع المدارس الصهيونية تتفق على ضرورة إسقاط حق الفلسطينيين.
ويمكن تخطي هذه التقسيمات التقليدية، فتقسم المدارس الصهيونية كلها إلى فرقتين أساسيتين: صهيونية استيطانية، وصهيونية تدعيمية- أما الصهيونية الاستيطانية فهي التي تهدف إلى تجمع اليهود وتوطينهم في فلسطين، أما الصهيونية التدعيمية فهي التي تهدف إلى تجنيد يهود العالم في أوطانهم المختلفة، لتحويلهمإلى جماعات ضغط تعمل من أجل الاستيطان والمستوطنين وهي تهدف أيضا إلى جمع العون المالي من يهود الشتات.
ولكل فريق صهيوني مؤسساته التي تحاول تحقيق أغراضه فالصهيونية الاستيطانية كانت تعبر عن نفسها في مؤسسات مثل "الهستدروت" والمنظمات الحزبية الاستيطانية وحركة "الكيبوتز" والجماعات العسكرية المختلفة مثل الهاغاناه وغيرها.
أما الصهيونية التدعيمية فكانت تقوم أساسا بتكوين جمعيات مختلفة مثل "الجباية اليهودية الموحدة" التي ترمي إلى جمع الأموال للمستوطنين ولكن الفريقين كليهما يضمهما إطار تنظيمي واحد، هو "المنظمة الصيهونية العالمية/ الوكالة اليهودية".
ولعل هذه التسمية المزدوجة تشير إلى طبيعة الصهيونية المزاوجة، فالقسم الأول من التسمية يشير إلى الصهيونية التدعيمية، في حين يشير الجزء الثاني إلى الصهيونية الاستيطانية وتنتمي المدارس الصهيونية كلها، بغض النظر عن ارتباطاتها الأيديولوجية، إلى المنظمة الصهيونية العالمية، وتأخذ منها العون المالي، مما يدل على أن الخلافات شكلية، ولا تنصب على الجوهر في أية حال والصهيونية حركة عنصرية في موقفها من العرب ومن اليهود الشتات على حد سواء فهي تنكر على يهود الشتات حقهم في الانتماء إلى الشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها، كما أنها تفترض دائما أنهم يتسمون بحاله من الشذوذ المرضي، وتنكر على الفلسطينيين العرب حقهم في تقرير المصير على أرض وطنهم فلسطين، ولذا نجد أن ثمة معارضة عربية وأخرى يهودية للصهيونية، أما المعارضة العربية فهي تتضح أكثر مما تتضح في الرفض العربي للكيان الصهيوني، وفي المقاومة الفلسطينية المسلحة.
أما المعارضة اليهودية للصهيونية فهي تتركز بين اليهود الاندماجيين الذين لا يريدون ترك أوطانهم الحقيقة والانتماء إلى وطن وهمي، كبعض الاشتراكيين من اليهود الذين يعتبرون الصهيونية حركة إمبريالية تستخدم اليهود من أجل المصالح الإمبريالية، كما أن فريقا من اليهود الأرثوذكس يعارضون الصهيونية باعتبارها نوعا من أنواع الكفر والإلحاد.
المزيد على هذا الرابط:

-------
من قراءات السندباد