قصة إسلام إبراهيم خليل فلوبرس
(الجزء الثاني)
*********
... ومن هنا بدأت ولعدة سنوات دراسة هذه التنبؤات ووجدتها حقيقة لم يمسها التبديل والتغيير لأن بني إسرائيل ظنوا أنها لن تخرج عن دائرتهم .. وعلى سبيل المثال جاء في (سفر التثنية)، وهو الكتاب الخامس من كتب التوراة (أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به) توقفت أولاً عند كلمة (إخوتهم) وتساءلت: هل المقصود هنا من بني إسرائيل؟ لو كان كذلك لقال (من أنفسهم) أما وقد قال (من وسط إخوتهم) فالمراد بها أبناء العمومة، ففي سفر التثنية إصحاح 2 عدد 4 يقول الله عز وجل لسيدنا موسى عليه السلام: (أنتم مارون بنجم إخوتكم بني عيسو …)، و(عيسو) هذا الذي نقول عنه في الإسلام (العيس) هو شقيق يعقوب عليه السلام، فأبناؤه أبناء عمومة لبني إسرائيل، ومع ذلك قال ( إخوتكم) وكذلك أبناء (إسحق) وأبناء (إسماعيل) هم أبناء عمومة، لأن إسحق، (شقيق) (إسماعيل) عليهما السلام ومن (إسحق) سلالة بني إسرائيل ، ومن (إسماعيل) كان (قيدار) ومن سلالته كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الفرع الذي أراد بنو إسرائيل إسقاطه وهو الذي أكدته التوراة حين قالت (من وسط إخوتهم) أي من أبناء عمومتهم.
وتوقفت بعد ذلك عند لفظة (مثلك) ووضعت الأنبياء الثلاثة: موسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام للمقابلة، فوجدت أن عيسى عليه السلام مختلف تمام الاختلاف عن موسى وعن محمد عليهما الصلاة والسلام، وفقاً للعقيدة النصرانية ذاتها، والتي نرفضها بالطبع، فهو الإله المتجسد، وهو ابن الله حقيقة، وهو الأقنوم الثاني في الثالوث، وهو الذي مات على الصليب.. أما موسى عليه السلام فكان عبدا لله، وموسى كان رجلاً، وكان نبياً، ومات ميتة طبيعية، ودفن في قبر كباقي الناس، وكذلك سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وإذاً فالتماثل إنما ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم، بينما تتأكد المغايرة بين المسيح وموسى عليهما السلام، ووفقاً للعقيدة النصرانية ذاتها، فإذا مضينا إلى بقية العبارة: (وأجعل كلامي في فمه..) ثم بحثنا في حياة محمد صلى الله عليه وسلم، فوجدناه أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ثم لم يلبث أن نطق بالقرآن الكريم المعجزة فجأة يوم أن بلغ الأربعين..
وإذا عدنا إلى نبوءة أخرى في التوراة سفر أشعيا إصحاح 79 تقول: (أو يرفع الكتاب لمن لا يعرف القراءة ولا الكتابة ويقول له اقرأ، يقول ما أنا بقاريء..) لوجدنا تطابقاً كاملاً بين هاتين
النبوءتين وبين حادثة نزول جبريل بالوحي على رسول الله في غار حراء،
ونزول الآيات الخمس الأولى من سورة العلق.
ـ هذا عن التوراة، فماذا عن الإنجيل وأنت الذي كنت تدين به؟
ـ إذا استثنينا نبوءات برنابا الواضحة والصريحة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم بالاسم، وذلك لعدم اعتراف الكنيسة بهذا الإنجيل أصلاً، فإن المسيح عليه السلام تنبأ في إنجيل يوحنا تسع نبوءات، و(البرقليط) الذي بشر به يوحنا مرات عديدة … هذه الكلمة لها خمسة معاني: المعزّي، والشفيع، والمحامي، والمحمد، والمحمود، وأي من هذه المعاني ينطبق على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تمام الانطباق، فهو المعزّي المواسي للجماعة التي على الإيمان وعلى الحق من بعد الضياع والهبوط، وهو المحامي والمدافع عن عيسى ابن مريم عليه السلام، وعن كل الأنبياء والرسل بعدما شوه اليهود والنصارى صورتهم، وحرفوا ما أتوا به وهو الإسلام.. ولهذا جاء في إنجيل يوحنا إصحاح 14 عدد 16 و17 (أنا أصلي إلى الله ليعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق).. وقال في نبوءة أخرى إصحاح 16 عدد 13 ـ 14 ( وأما متى جاء ذاك الروح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية، ذاك يمجدني )، وهذا مصداق قول الله تبارك وتعالى: ﴿قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ﴾.
ـ كيف كانت لحظة إعلانك للإسلام وكيف كانت بداية الحياة الجديدة في رحاب الهداية والحق؟
ـ بعد أن وصلت إلى اليقين، وتلمست الحقائق بيدي كان عليّ أن أتحدث مع أقرب الناس إلي زوجتي، لكن الحديث تسرب عن طريقها إلى الإرسالية للأسف، وسرعان ما تلقفوني ونقلوني إلى المستشفى، وتحت مراقبة صارمة مدعين أني مختل العقل، ولأربعة شهور تلت عشت معاناة شديدة جداً، ففرقوا بيني وبين زوجتي وأولادي، وصادروا مكتبتي وكانت تضم أمهات الكتب والموسوعات… حتى إسمي كعضو في مجمع أسيوط وفي مؤتمر (سنودس) شُطب، وضاع ملفي كحامل ماجستير من كلية اللاهوت…ولذلك كان عليّ أن أكافح قدر استطاعتي، فبدأت العمل التجاري، وأنشأت مكتباً تجارياً هرعت بمجرد اكتماله للإبراق إلى (د. جون تومسون) رئيس الإرسالية الأمريكية حينذاك، وكان التاريخ هو الخامس والعشرين من ديسمبر 1959م والذي يوافق الكريسماس، وكان نص البرقية: (آمنت بالله الواحد الأحد، وبمحمد نبياً ورسولاً) لكن إشهار اعتناقي الرسمي للإسلام كان يفترض عليّ وفق الإجراءات القانونية أن ألتقي بلجنة من الجنسية التي أنا منها لمراجعتي ومناقشتي.
وفي الوقت الذي رفضت جميع الشركات الأوربية والأمريكية التعامل معي تشكلت اللجنة المعنية من سبعة قساوسة بدرجة الدكتوراه .. خاطبوني بالتهديد والوعيد أكثر من مناقشتي، وبالفعل تعرضت للطرد من شقتي، لأنني تأخرت شهرين أو ثلاثة عن دفع الإيجار واستمرت الكنيسة تدس علي الدسائس أينما اتجهت.. وانقطعت أسباب تجارتي .. لكني مضيت على الحق الذي اعتنقته…
مرة وفي عام 1975م طُلب مني تقديم محاضرة بكلية أسيوط... فتكلمت عن المسيح عليه السلام، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم، من خلال الأناجيل والتوراة… وكان للمحاضرة صدى واسعاً انتهى بإعلان 17 من الشبان أبناء الجامعة إسلامهم.
********************
د. أبو شامة المغربي