قصيدة (حوار فيما بينهم) - الشاعر فواز حجو
(اعترافات جيش الاحتلال الصهيوني)
ماردٌ يطلعُ من تحت الخناجر
ومن الموت إلى البعث يسافر
سائراً فوق طريقٍ من دمٍ
نحونا، والموتُ في عينيه سائر
في يديهِ النارُ، لا بل حجرٌ
يتحدّى النارَ والفتكَ المعاصر
كلّ أنواعِ الردى ما أفلحتْ
معهُ، وانسلّ من رحم المجازر
يتهجّى الدربَ، يطوي وعرَهُ
وعلى زنديهِ تمتدُّ المعابر
إنّهُ آتٍ بقاماتِ الذُّرى
حاملاً في كفّهِ تصميمَ ثائر
هاهنا ينهضُ من كبوتهِ
شارعٌ يغلي وبالرفض يُجاهر
وانبرت بيّارةٌ غاضبةٌ
إثرَ أخرى بفواكيها تُحاجر
وإلى الأرض انحنت والتقطتْ
بيديها حجراً أعلى المنائر
ثُمّ ماذا؟ ورصيفٌ حانقٌ
راحَ يُدلي: إنّه بالصمتْ كافر
خرجتْ أحجارُهُ عن صمتها
ومضتْ تصطادُ منّا كلّ عابر
ثُمّ ماذا؟ ما فعلتم؟ ... سيدي
لو ترى ما اقترفتْ فيهِ العساكر
ما الذي يدوي؟ صدامٌ ساخنٌ
جابهتنا فيهِ أشباحٌ طوائر
أهيَ جنّ؟ شبهُ جنّ، ولهم
قدرةُ التشكيل في كلّ المظاهر
من لُهاثِ النار شبُّوا بعدما
أنضجتْ أعوادَهم حُمرُ المجامر
واستحالَ القهرُ في أضلاعهم
عبواتٍ فجّروها بالحناجر
ثُمّ ماذا؟ ما الذي نفعلُهُ
قُلْ لنا يا سيدي ما أنتَ آمر
داهموا أوكارهم في عقرها
قبل أن تنشقّ عن جيلٍ مغامر
سيدي أمرك، لكن ... اخرسوا
فتّشوا فيها الثرى، فَلّوا الستائر
لم نَدَع رُكناً بها إلا انبرى
لتحرّي ما به، أدهى العناصر
ما الذي يحوي؟ صخورٌ سيدي
اضبطوها هيَ من أعتى الذخائر
هيَ من نوعٍ ثقيلٍ سيدي
قُلْ أذن ترسانة فيها المخاطر
كلّ ما نبغيهِ تفتيت الحصى
قبل أن يحمله منقارُ طائر
هاهنا الجدران من أرحامها
تولدُ الأحجارُ صمّاءَ المكاسر
ثُمّ تنصبُّ علينا مطراً
بلْ شُواظاً بأزيز الموتِ هادر
اطحنوا الجدران، ثُلُّوا صرحها
فتّتوها، في حشاها ما نُحاذر
سيدي نخشى إذا ما طُحِنتْ
أن يُحيلوها إلى شكلً مُغاير
هاجسٌ في نفسه الحيرى: متى
كان للأحجار أيدٍ وأظافر؟
وعلى العصيان مَن حرّضهُ
ليصيرَ الحجرُ المقهورُ قاهر؟
نحنُ في الميدان أخضعنا الذُّرى
ووطِئنا هامةَ الطود المُكابر
ما لنا اليومَ نُولّي هرباً؟!
مِلْؤنا ذُعرٌ كطابور الصراصر
هل كَبتْ أسطورة النصر بنا
كي نخرَّ اليومَ في ساحِ المَساخر؟
وا يهودا، وا حِمى صهيون، وا ...
عجباً يا سيدى، مَن ذا تُحاور؟!
سيدي حُوصِرتَ، هيّا قاوموا
لم نعُد نقوى، وإن كُنا نُكابر
اصمدوا "أي" يا خنازيرُ اصمدوا
لم يَعُد يُجدي صمودٌ... فَلْنُناور
أقبَلوا من كلّ حدب سيدي
أطْلِقوا النارَ على كلّ المحاور
إنّهم أطفالُ... ما يمنعكم؟
مستحيلٌ... جرّبوا حرب "السنافر"
إنّهم آتونَ... صُدّوا زحفَهم
سيدي انقضوا كأشبالٍ كواسر
هلْ خَوَتْ من كلّ سهمٍ عندكم
جَعبةُ الغدرِ... وفينا كلّ غادر؟!
مارسوا القتلَ الجماعي... إنّهم
لا يبالونَ بأنيابِ المخاطر
جرّبوا التهجيرَ... لا يُجدي بمَن
يعشقُ الأرضَ ويأبى أن يُهاجر
حاولوا أن تشتروهم... عبثاً
أن ترى فيهم عميلاً أو مُتاجر
واجِهوا الموتَ إذن... يا سيدي
إنْ تكن حقّاً شجاعاً فَلْتُبادر
ملاحظة:
إعادة نشر لهذه القصيدة التي سبق نشرها في الصحافة إبان الانتفاضة كما نشرت في ديوان
( أبجدية طائر الشعر ) عام ٢٠٠٤