وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) سورة ص
جاء في تفسير الزمخشري
{ أُوْلِى الأيدى والأبصار } يريد : أولي الأعمال والفكر ، كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ، ولا يجاهدون في الله ، ولا يفكرون أفكار ذوي الديانات ولا يستبصرون في حكم الزمنى الذين لا يقدرون على أعمال جوارحهم والمسلوبي العقول الذين لا استبصار بهم . وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ، ولا من المستبصرين في دين الله ، وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما . وقرىء : «أولى الأيادي» على جمع الجمع . وفي قراءة ابن مسعود : «أولي الأيد» على طرح الياء والاكتفاء بالكسرة . وتفسيره بالأيد - من التأييد - قلق غير متمكن

وجاء في تفسير الطبري :

وقوله( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) ويعني بالأيدي: القوّة، يقول: أهل القوّة على عبادة الله وطاعته. ويعني بالأبصار: أنهم أهل أبصار القلوب، يعني به: أولى العقول (1) للحقّ.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم في ذلك نحوًا مما قلنا فيه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( أُولِي الأيْدِي ) يقول: أولي القوّة والعبادة، والأبْصَارِ يقول: الفقه في الدين.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: فضِّلوا بالقوّة والعبادة.
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور أنه قال في هذه الآية( أُولِي الأيْدِي ) قال: القوّة.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزّة، عن مجاهد، في قوله( أُولِي الأيْدِي ) قال:

القوّة في أمر الله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد( أُولِي الأيْدِي ) قال: الأيدي: القوّة في أمر الله،( وَالأبْصَارَ ) : العقول.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: القوّة في طاعة الله،( وَالأبْصَارَ ) : قال: البصر في الحقّ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) يقول: أعطوا قوة في العبادة، وبصرًا في الدين.
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: الأيدي: القوّة في طاعة الله، والأبصار: البصر بعقولهم في دينهم.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله( أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ) قال: الأيدي: القوّة، والأبصار: العقول.
فإن قال لنا قائل: وما الأيدي من القوّة، والأيدي إنما هي جمع يد، واليد جارحة، وما العقول من الأبصار، وإنما الأبصار جمع بصر؟ قيل: إن ذلك مثل، وذلك أن باليد البطش، وبالبطش تُعرف قوّة القويّ، فلذلك قيل للقويّ: ذو يَدٍ; وأما البصر، فإنه عنى به بصر القلب، وبه تنال معرفة الأشياء، فلذلك قيل للرجل العالم بالشيء: يصير به. وقد يُمكن أن يكون عَنى بقوله( أُولِي الأيْدِي ) : أولي الأيدي عند الله بالأعمال الصالحة، فجعل الله أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا أيديا لهم عند الله تمثيلا لها باليد، تكون عند الرجل الآخر.
وقد ذُكر عن عبد الله أنه كان يقرؤه:"أولى الأيدِ" بغير ياء، وقد
يُحتمل أن يكون ذلك من التأييد، وأن يكون بمعنى الأيدي، ولكنه أسقط منه الياء، كما قيل:( يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي ).

تفسير القرطبي
أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ" قَالَ النَّحَّاسُ: أَمَّا" الْأَبْصارِ" فَمُتَّفَقٌ عَلَى تَأْوِيلِهَا أَنَّهَا الْبَصَائِرُ فِي الدِّينِ وَالْعِلْمِ. وَأَمَّا" الْأَيْدِي" فَمُخْتَلَفٌ فِي تَأْوِيلِهَا، فَأَهْلُ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ: إِنَّهَا الْقُوَّةُ فِي الدِّينِ. وَقَوْمٌ يَقُولُونَ:" الْأَيْدِي" جَمْعُ يَدٍ وَهِيَ النِّعْمَةُ، أَيْ هُمْ أَصْحَابُ النِّعَمِ، أَيِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: هُمْ أَصْحَابُ النِّعَمِ وَالْإِحْسَانِ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَحْسَنُوا وَقَدَّمُوا خَيْرًا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ.