الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: مقالات محمود محمد شاكر رحمه الله

  1. #1 مقالات محمود محمد شاكر رحمه الله 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    عبادة الأحرار
    العلامة محمود محمد شاكر رحمه الله
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	محمود شاكر.jpg 
مشاهدات:	173 
الحجم:	16.4 كيلوبايت 
الهوية:	1986

    سألتني أن أكتب لك شيئًا عن هذه الكلمة المعذبة: (الصيام) فقد ضرب عليها الناس من الحكم، وصبوا عليها من الفوائد ما لو تأملته لم يَعْدُ أن يكون عرضًا طفيفًا من أعراض التجارب التي تمرُّ بالصائم، ولرأيتهم يبنون فوائدهم وحكمهم على غير منطق، كالذي يزعمونه من أن الغنيَّ إذا جاع في صيامه أحسَّ، بل عرف كيف تكون لذعة الجوع على جوف الفقير، فهو عندئذ أسرع شيء إلى الجود بماله وبطعامه.

    ثم يزعمون أن الفقير الصائم إذا عرف أنه استوى هو والغني في الجوع قنع واطمأنت نفسه، لا أدري أمِن شماتته بالغني حين جاع كجوعه وظمئ كظمئه، أم من حبه للمساواة في أي شيء كانت، وعلى أي صورة جاءت! ولا تزال تسمع مثل هذه الحكم، حتى كأنَّ ربك لم يكتب هذه العبادة إلا ليعيش الفقير، وليعيش الغني، كلاهما في سلطان معدته جائعًا وشبعان..!

    ومنذ ابتلي المسلمون بسوء التفسير لمعاني عباداتهم، ومنذ أدخلوا عليها ما ليس منها، ساء أمرهم ودخل عليهم عدوهم من أنفسهم ومن غير أنفسهم، وجعل بأسهم بينهم، وتتابعوا في الخطأ بعد الخطأ، حتى تراهم كما تراهم اليوم: ألوف مؤلفة ما بين الصين ومراكش، تستبدُّ بهم الطغاة، بل تهاجمهم في عقر دارهم شرذمة من قدماء الأفاقين، ومن أبناء الذل والمسكنة، فتمزق أبناء دينهم ولغتهم من الأرض المقدسة شرَّ ممزَّق.

    وكل نكيرهم أصوات تضجُ، ثم عودة إلى موائد الشهوات ولذات النفوس ومضاجع الراحة والترف والنعيم: حرصوا على الحياة وأسباب الحياة، فذلُّوا حتى أماتهم الذلُّ، ولو حرصوا على الموت وأسباب الموت، لعزُّوا به في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

    ولقد كتب علينا الصيام لينقذنا من مثل هذا البلاء، ولكنا نسينا الله فأنسانا أنفسنا، حتى صرفنا أعظم عبادة كتبت علينا إلى معنى الطعام نتخفف منه لتصحَّ أبداننا، ونبذله لنواسي فقيرنا، ونجتمع عليه لتأتلف قلوبنا، ونصوم شهر رمضان فلا تصحُّ لنا أبدان، ولا يواسى فقير، ولا تأتلف قلوب وإذا تمَّ بعض ذلك فسرعان ما يزول بزوال الشهر، وتنتهي آثاره في النفس وفي البدن وفي المجتمع.

    ولو أنصفنا هذه الكلمة المظلومة المعذبة لرأينا الصيام كما كتب على أهل هذا الدين طاعة خالصة بين العبد وربه، يأتيها الفقير الهالك ابتغاء رضوان الله، ويأيتها الغني الواجد ابتغاء رضوان الله، ويأتيانها جميعًا في شهر رمضان، ويأتيانها فرادى في غير شهر رمضان، لا ليعيشا في معاني المعدة بالبذل أو بالحرمان، بل ليخرجا معا سواء عن سلطان الطعام والشراب، وليخرجا معا سواء من سلطان الشهوات، بل ليخرجا معًا سواء من سلطان كل نقيصة: من سلطان الخوف، فلا يخاف أحدهما إلا الله، ومن سلطان الرياء، فلا يعمل إلا لله.

    وليس بين الصائم وبين ربِّه أحد، ولا يحول بينه وبين الاستجابة لربه شيء من أشياء الدنيا، أو حاجات البدن، أو داعيات الغرائز أو نزوات العقول.

    فتأمَّل معنى الصيام من حيث نظرت إليه: هو عتق النفس الإنسانية من كل رقٍّ: من رقِّ الحياة ومطالبها ومن رقِّ الأبدان وحاجاتها في مآكلها ومشاربها، من رقِّ النفس وشهواتها، ومن رقِّ العقول ونوازعها، ومن رقِّ المخاوف حاضرها وغائبها، حتى تشعر بالحرية الخالصة، حرية الوجود، وحرية الإرادة، وحرية العمل.

    فتحرير النفس المسلمة هو غاية الصيام الذي كتب عليها فرضًا وتأتيه تطوعًا، ولتعلم هذه النفس الحرة أن الله الذي استخلفها في الأرض لتقيم فيها الحق، ولتقضي فيها بالحق، ولتعمل فيها بالحق، لا يرضى لها أن تذلَّ لأعظم حاجات البدن؛ لأنها أقوى منها، ولا لأعتى مطالب الحياة؛ لأنها أسمى منها، ولا لأطغى قوى الأرض؛ لأنها أعزُّ سلطانًا منها.

    وأراد الله أن يكرِّم هذه العبادات فأوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس عن ربه إذ قال: «الصوم لي» (البخاري: 7492)، فلا رياء فيه؛ لأنه جُرِّد لله فلا يراد به إلا وجه الله، فاستأثر به الله دون سائر العبادات، فهو الذي يقبله عن عبده، وهو الذي يجزي به كما يشاء.

    وقد دلَّنا الله سبحانه على طرف من هذا المعنى إذ جعل الصيام معادلًا لتحرير الرقبة في ثلاثة أحكام من كتابه:
    إذ جعل على من قتل مؤمنًا خطأ تحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 92].

    وجعل على الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا تحرير رقبة من قبل أن يتماسا {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 4].

    وجعل كفارة اليمين تحرير رقبة {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196].

    فانظر لِمَ كتب الله على من ارتكب شيئًا من هذه الخطايا الثلاث: أن يحرر رقبة مؤمنة من رقِّ الاستعباد، فإن لم يجدها فعليه أن يعمل على تحرير نفسه من رقِّ مطالب الحياة، ورقِّ ضرورات البدن، ورقِّ شهوات النفس، فالصيام كما ترى هو عبادة الأحرار، وهو تهذيب الأحرار وهو ثقافة الأحرار.

    ولو حرص كل مسلم على أن يستوعب بالصيام معاني الحرية، وأسباب الحرية، ومقاليد الحرية، وأنف لدينه ولنفسه أن تكون حكمة صيامه متعلقة بالأحشاء والأمعاء والبطون في بذل طعام أو حرمان من طعام- لرأينا الأرض المسلمة لا يكاد يستقرُّ فيها ظلم؛ لأن للنفوس المسلمة بطشًا هو أكبر من الظلم، بطش النفوس التي لا تخشى إلا الله، ولا يملك رقَّها إلا خالق السموات والأرض وما بينهما. ولرأينا الأرض المسلمة لا يستولى عليها الاستعمار؛ لأن النفوس المسلمة تستطيع أن تهجر كل لذة، وتخرج من كل سلطان، وتستطيع أن تجوع وتعرَى، وأن تتألم وتتوجع صابرة صادقة مهاجرة في سبيل الحقِّ الأعلى، وفي سبيل الحرية التي ثقفها بها صيامها، وفي سبيل إعتاق الملايين المستعبدة في الأرض بغير حق وبغير سلطان.

    واستطاع كل مسلم أن يكون صرخة في الأرض تلهب القلوب، وتدعوها إلى خلع كل شرك يقود إليه الخوف من الظلم، ويفضل إليه حب الحياة وحب الترف وحب النعمة، وهي أعوان الاستعمار على الناس.

    ويوم يعرف المسلمون صيامهم حق معرفته، ويوم يجعلونه مدرسة لتحرير نفوسهم من كل ضرورة وكل نقيصة، فحقٌّ على الله يومئذ أن ينصر هذه الفئة الصائمة عن حاجات أبدانها وشهوات نفوسها، الطالبة لما عند ربها من كرامته، التي كرَّم بها بني آدم، إذ خلقهم في الدنيا سواء أحرار، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وفعل الخيرات.

    ويومئذ ينصرهم على عدوهم، ويستخلفهم في الأرض مرة أخرى لينظر كيف يعملون.

    ــــــــــــــــــ

    المصدر: كتاب (جمهرة مقالات الأستاذ محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1، 2003م، (2/937)).
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    "أَيَحسُن بالكاتب أن يشكوَ نفسه إلى قُرَّائهِ؟ وسواءٌ كان ذلك ممَّا يَحسُن به أو ممَّا لا يَحسُن به، فإنِّي لشاكٍ نفسي إلى القرَّاء.

    فأنا حين أتهيَّأ للكتابة، يُخيِّل إليَّ أنَّ الموضوعَ قد استقرَّ في نفسي واستوى، وأنَّ الوجه قد استبان واستتبَّت لي مذاهبه.. وعندئذٍ أكون كالَّذي يرى جنَّة مترامية الأطراف من المنظر الأعلى¹، كأنَّها زُوِيَت لي في رقعةٍ يحيط بها البصر! فيرى أفنانَ شجرها، وتناويرَ أثمارها، وتخاريجَ ألوانها²، ولألاء جداولها، ومسارب طرقها، ومدَبَّ حصبائها، بل أكاد أشمُّ شذاها وعَرفها وعطرها.
    فإذا أخذتُ مكاني وأمسكتُ القلم وبدأتُ أكتب.. فكأنِّي قد انحدرتُ من سماء مَرقَبَتي وأفضيت إلى سوادها، وأجدني وقعت على حواشِي حرَجَةٍ³ مظلمة الجوانب، وإذا تلك المعالم الَّتي كانت منذ قليلٍ بيِّنةً مقسَّمةً لا يضلُّ فيها بصري قد انطمست، فأذهب أتحسَّس منفذًا في سوادها المُحدِق بها، أبتغي لنفسي مدخلًا، فإذا وجدته؛ فمن قِبَله تأتي البلوى.

    فأنا عندئذٍ يستخفّني الفرحُ بهذا المدخل الذَّي اهتديتُ إليه بعد طول الضَّلال عنه، ويغرُّني ما كنتُ فيه من طمأنينة الإحاطة بمشاهدها من ذلك المنظر الأعلى، وينشب في وهمي أنِّي قادرٌ على أن أسلك فيها طرقًا واضحةً بقدمي كما كنت أسلكها من مَرقَبتي بالبصر المشرف! وأنِّي قادرٌ أيضًا على أن أحيط بنعت هذه الجنَّة في لحظات، كما كان بصري يحيط بها في لمحةٍ خاطفةٍ.
    ولكن، ما أضيَعَ المرء بين النَّعتِ والبصَر!

    وأَلِجُ المدخل على ثقة، ويؤدِّي بيَ المدخل إلى منظرٍ غير المنظر، وأسير في مسارب أراها كأنَّها غير المسارب الَّتي كانت تلوح لعيني، وأجد شذًا غير الشَّذا الَّذي كنت أستروِح، ويفتنني الحاضر القريب عن غائبٍ يتباعد كلَّما أوغلتُ في المسير في حُرِّ ثَرَاها.
    وما أكاد أتوغَّل حتَّى أرى بين المشهدين فروقًا عجيبة لم يكن يخطر لي أنَّها كائنة، وأنا حيث أنا في مَرقَبتي من المنظر الأعلى!

    هكذا أنا بين التَّفكير في الموضوع الَّذي أتهيَّأ له، والإقبال على كتابة الموضوع الذَّي تهيَّأت له.
    أراه مجتمعًا واضحًا قريبًا سهلَ المسالك ممهَّدًا؛ ثمَّ لا أكاد أحمل القلم وأمضي حتَّى ينشقَّ سهله أحيانًا عن وعورة جارحة، وأذهب أتعاطى ما كنت أراه قريبًا فإذا هو أبعد بعدًا ممَّا أتوهَّم!

    كذلك كان شأني حين بدأت أكتبُ المقالة السَّالفة، كنتُ أتوهَّم أنِّي سأفرغ من الموضوع كلِّه في مقالةٍ واحدةٍ؛ لأنَّ معارف وجهه كانت عندي مستبينةً كلّ الاستبانة وأنا أتهيَّأ له؛ فلمَّا دخلت إليه من حيث دخلت، انصدَعت معارفُه عن مجاهل يضلُّ فيها الدَّليل الحاذق، وعن وعورةٍ يعيَى عليها السَّالك البصير!
    وأقبلت أجمع أطرافه من هنا ومن ثَمَّ، وأنا أكتب؛ حتَّى لا ينتشر ويتبعثر.
    فقد رأيتُني كأنِّي بدأتُ في إنشاء كتاب قائمٍ برأسه، لا إنشاء مقالة يتعجَّلها قارئها على عادة أهل زماننا في العجلة.
    والعجلة شَرُّ خُلُقٍ أخاف مغَبَّته وأنا أكتب، وأخاف أن أجد القارئ وقد استبدَّت به العجلة الدَّاعية إلى الكَلال، فأجدُني أداريه وأتلافاه بالصَّبر وضربٍ من الملاطفة وبشيءٍ من المساهلة والمياسرة، وربَّما عمدتُ إلى إدخال بعض الهزل في مواطن الجد؛ لتأخذ النَّفس من خفَّة الباطل جَمَامًا تستعين به على معاناة الحقِّ.

    ولكنَّي أخفقت حين مضيت في كتابة تلك المقالة؛ فلم أستطع إلَّا أن أقبل بجِدٍّ لا هزل فيه، وكأنِّي طالبتُ القارئ بتعبٍ لا راحة معه، وبأناةٍ في القراءة لا يشوبُها طائف من عجلة، وأظنُّني سأفعل ذلك اليوم حتَّى يتسنَّى لي أن أفرغ من هذا الكتاب الَّذي جاء في صورة مقالة.
    واللّظ°ه المستعان على لأواء القلم وعلى الَّذي أُعاني من همِّ الكتابة وأداء الأمانة".

    أباطيلً وأسمارٌ / ص: (123-124).

    عن صفحة محمود محمد شاكر على الفيسبوك

    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    ‏أنا لا أجد حُريَّتي إلَّا مع القلم؛ فهو وحده الذي يستطيع أنْ يتحدَّث عن نفسي مُبِيناً عنها،غير مترددٍ ولا خائفٍ ولا مُتَهيِّبٍ.أَلِفتُ هذه الحريّة وأحببتُهَا حتّى بطلَ عملُ لساني وشفتيّ أو كاد، وصار القلمُ وحده هو لساني الذي أتحدَّثُ به لجموع النّاس.

    محمود شاكر
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    الشيخ عبدالرشيد صوفي:
    "أحب الشيخ محمود شاكر، ويعجبني بيانه، وقرأت له كتاب أباطيل وأسمار خمس مرّاتٍ أو ست".

    نقلا عن صفحة الشيخ علي العامري
    رد مع اقتباس  
     

  5. #5  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    قُصَارَى ما يُقالُ هو أنَّ الحَياةَ في هذا الشَّرقِ على اختِلافِ نِحَلِهِ ومَذاهِبِهِ وأديانِهِ وأحزابِه، قد صار كأهلِ سَفينَةٍ جُنَّ أكثَرُ مَن فيها، وكُلُّهُم يُريدُ أن يَقودَ السَّفينةَ كما خَيَّلَتْ له طَوائِفُ وَساوِسِهِ وأوهامِه، مُستَبِدًّا بما يَرَى من الرَّأي. ولكِنِّي مع ذلك لن أيأسَ ساعةً من أهلِ الخَيرِ، لن أيأسَ من رَجُلٍ أو رِجالٍ تُوقِظُهُم هذه البَلوَى المُحِيطَةُ بالجَماعةِ، فيَدفَعُها حُبُّ الحَياةِ وحُبُّ الخَيرِ إلى نَفْضِ غُبارِ القُرونِ عن أنفُسِهِم، ثُمَّ تَنشَطُ من عِقالِها إلى قِيادَةِ هذه النَّاسِ بقُوَّةٍ تَنفُثُ في هؤلاء جَميعًا رُوحًا مُسَدَّدَةً هادِيَةً تُبْرِئُهُم مما أصابَهُم، وَتستَنقِذُ منهم مَن يَصلُحُ للبَقاءِ والعَمَلِ في جِيلٍ جَديدٍ، له هَدَفٌ مُعَيَّنٌ، وله طَريقٌ لا يُفارِقُهُ، وله هِمَّةٌ جَيَّاشَةٌ تَجعَلُهُ يَطوِي المسافاتِ المُتَرامِيَةِ طَيًّا حتَّى يَصِلَ إلى غايَتِهِ لم يَلحَقهُ كَلَلٌ ولا سَآمَةٌ ولا إعياء.

    [لِمَن أكتُبُ؟ || جمهرة المقالات]
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    وأنا أعلَمُ أنَّ أكثَرَ أهلِ السُّلطانِ في هذا الشَّرقِ، لا يَزالُونَ يَعِيشونَ في عُزلَةٍ لا يُبالُونَ قَليلًا ولا كَثيرًا بما فيه خَيرُ بلادِهِم، وأنَّهُم يَحتَقِرونَ جَماهيرَ الشُّعوبِ احتِقارًا يَنسَرِبُ في خاصِّ كَلامِهِم كما يَنسَرِبُ في أكثَرِ أفعالِهِم. وهُم فِئَةٌ قليلةٌ فَتَنَتْها النّعمَةُ والتَّرَفُ واللذاذاتُ، حتَّى ما تُبالِي أن تَصُبَّ على أُمَمِها ضُرُوبًا من المَظالِمِ كان يَنبغِي أن تَتَرَفَّعَ عن ارتِكابِها، لا رَحمَةً بالنَّاسِ، بل مَخافَةً من النَّاسِ، فالشُّعُوبُ إذا هاجَها ما يهيجها لم تُبق على شَيءٍ وإن كان في بَقائِهِ خَيرُها.

    [لِمَن أكتُبُ؟ || جمهرة المقالات]
    رد مع اقتباس  
     

  7. #7  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فأنا أكتُبُ لرَجُلٍ أو رِجالٍ سوف يَخرُجون من غِمارِ هذا الخَلقِ، قد امتلأتْ قُلوبُهُم بالقُوَّةِ التي تَنفَجِرُ من قُلوبِهِم كالسَّيلِ الجارِفِ، تُطَوِّحُ بما لا خَيرَ فيه، وتَروي أرضًا صالِحَةً تَنبُتُ نَبَاتًا طَيِّبًا.

    [لِمَن أكتُبُ؟ || جمهرة المقالات]
    رد مع اقتباس  
     

  8. #8  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فتأمَّل معنى الصيام من حيث نظرت إليه: هو عِتق النفس الإنسانية من كلِّ رِقٍّ: مِن رقِّ الحياة ومطالبها، ومِن رقِّ الأبدان وحاجاتها في مآكلها ومشاربها، مِن رقِّ النفس وشهواتها، ومِن رِقِّ العقول ونوازعها، ومِن رِقِّ المخاوف حاضرِها وغائبها؛ حتى تشعر بالحرية الخالصة: حرية الوجود، وحرية الإرادة، وحرية العمل. فتحرير النفس المسلمة هو غاية الصيام الذي كُتب عليها فرضًا، وتأتيه تطوُّعًا؛ ولِتعلم هذه النفس الحُرَّة أنَّ الله الذي استخلفها في الأرض، لتقيم فيها الحق، ولِتَقضي فيها بالحق، ولِتعمل فيها بالحق = لا يرضى لها أن تذِلَّ لأعظم حاجات البدن؛ لأنها أقوى منها، ولا لأعتى مطالب الحياة؛ لأنها أسمى منها، ولا لأطغى قُوَى الأرض؛ لأنها أعزُّ سلطانًا منها. وأراد اللهُ أن يُكرِّم هذه العبادات فأوحى إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يخبِـرَ النَّاس عن ربِّه إذ قال: (الصَّوْمُ لِي)، فلا رياءَ فيه؛ لأنَّه جُرِّد للهِ، فلا يُراد به إلََّا وجهُ الله، فاستأثر به اللهُ دونَ سائر العبادات، فهو الذي يَقْبَلُه عن عبدِه، وهُو الذي يجزي به كما يشاء».

    الأستاذ محمود شاكر - رحمه الله -.
    رد مع اقتباس  
     

  9. #9  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فإنِّي رأيتُ الأُدَباءَ قد أكَلَ بعضُهُم بَعضًا بألسِنَةٍ كظَهرِ المِبرَدِ، وتَشاحَنُوا بينهم للكَلِمَةِ التي لا تَرفَعُ ولا تَضَعُ، وتَنابَذُوا على الأهواءِ الغالِبَةِ المُستَكلِبَةِ، ومَن كان ذلك هِجِّيراهُ ودَأْبُهُ، فهو عند النَّقدِ أو الاعتِراضِ كالوَحشِ الجوَّعِ الغرثانِ قد أُجهِضَ عن أشلاءِ فَريسَتِهِ، يَكادُ يَنقَدُّ عليه إهابُهُ من الغَيظِ والحِقدِ والرَّغبَةِ في الإيقاعِ بمَنْ يَصرِفُهُ عن أحلامِ مَعِدَتِه. وهذا أسوأُ الخُلُقِ وأبعَدُهُ عن صَريحِ نَهْجِ الأدب، وأقلُّهُ غَناءً في تَهذيبِ الأديبِ، وما أظُنُّ أنَّ في الدنيا العاقِلَةِ أدِيبًا تُخَيِّلُ له أوهامُ "العبقرية" الطائِفَةِ به أنَّهُ قد سَبَقَ السَّهوَ والخَطَأَ وبَقِيَ النَّقدُ والنُّقَّادُ وراءهُ لَقًى يَتَلَوَّذُونَ بظِلالِهِ -في طَلَبِ البَرَكَة!

    [منهجي في هذا الباب || جمهرة المقالات]
    رد مع اقتباس  
     

  10. #10  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فإنَّ المَصدَرَ الحَيِّ للأدَبِ إنَّما هو النَّفسُ، فهو يَصدُرُ عنها مَوسُومًا بسَمتِها، إما مُستَقِرَّةً هادِئَةً مُفَكِّرَةً في جَوٍّ من الرَّاحَةِ، وإمَّا ثائِرَةً لَمَّاحَةً مُتَخَطِّفَةً في مَسبَحِ الأحلامِ والآلام والأمانِي المُعَذَّبَةِ بالحِرمان ..

    [منهجي في هذا الباب || جمهرة المقالات]
    رد مع اقتباس  
     

  11. #11  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    فنَفسِي الآنَ هي نَفسِي التي لا أكادُ أجمَعُها وألُمُّ أشتاتَها إلا قليلًا، وما هو إلا أن أراها مُبعثَرَةً تَفِرُّ مِنِّي أوابِدُها في كُلِّ وَجهٍ، وأقِفُ أنا أتلَفَّتُ.. أنظُرُها وهي تَغِيبُ في ظَلامِ الأحزانِ، وتَترُكُ عندي أطيافًا من الذِّكرَى تَطُوفُ في تأمُّلاتِي مُرسِلَةً من مَزامِيرِها ونايِها أنغامًا حَزينَةً مَهجُورَةً مُتَفَجِّعَةً كأنَّما تقولُ: "هذا مَكانٌ كان أهلُهُ ثُمَّ بادوا"، وهكذا أيضًا أجِدُني..

    [منهجي في هذا الباب || جمهرة المقالات]
    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. "الحياة البرزخية" الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى إسلام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03/11/2018, 11:12 PM
  2. من شعر الإمام الشافعي رحمه الله
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 22/01/2008, 03:58 PM
  3. عز الدين القسام رحمه الله
    بواسطة وائل في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 17/11/2007, 06:44 PM
  4. من شعر الإمام الشافعي رحمه الله
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى مكتبة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11/04/2006, 07:21 PM
ضوابط المشاركة
  • تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •