على حافة الحياة
................
حين شعرت بذاتي وجدتني لا أزال أمدّ يدي لذاتي أمسكها ، كرجل أمسك برجل آخر على حافة الهاوية.
الحافة تجرُّه بقوة نحو الأسفل ، والثاني مقيدٌ بخيط طائرة ورقية تعبث بها رياح عاتية.
يتمنى عليّ قسمي الأسفل أن أتركه ، تغرورق عيناي بالألم فأضعف عنه ، أتذكر كل اللحظات التي قضيتها مع نفسي، فتسحبني الطائرة الورقية للأعلى ، فيشدني بقوة لحظتها.
ينقذني وأنقذه ، كلما اشتدت الرياح شدني ، وكلما زادت الجاذبية جذبته.
كنا في هذه الحالة كعقربي ساعة ندور مع مرور الزمن ، سنرتاح ربما لحظة وقوف الساعة عن الدوران أو انعدام الجاذبية أو انقطاع خيط الطائرة الورقية.
يشيخ صاحبي وتتناقص قوته أكثر فأكثر، لكنه ما تركني أبداً.
تتساقط من حولنا الأحلام كأوراق الخريف ،وكلما وهنت عزيمته سردتُ له كيف كنا نمشي معاً تحت المطر نسابق وحدة الطريق ، فيأخذني الحال وترفعني طائرتي الورقية أكثر فأكثر كأن الجاذبية ذابت من تحتي، فتعود قوته ويشدّ يدي ، ويتمتم : أكمل.
كل اللحظات التي عبرتْ ذاكرتنا معاً، وأشعرتنا بوجودنا ،تعود مرة أخرى، تعود بقوة على حافة الحياة ، حيث سقط نصفي في شرخ الأحداث الهاوية وكأنها ثقب أسود يلتهم أنصاف البشر.
يمدُّ يده وهو أقدر مني على التعبير بإحساس حنون فيعبث بشعري وكأنه يمنحني الثقة.
فأذكره بأكثر اللحظات التي قضيناها معاً، تلفنا برودة الوحدة وتسري فينا قشعريرة خيانة الأصدقاء.
إننا اللحظة يا صديقي في هذا الوضع المتوتر المأزوم، أكثر أماناً وتماسكاً من حضور الغائبين ، الناس الأوهام يتبخرون كبخار الماء وينتشرون كالضباب من حولنا.
تزيد كلماتي من بأس نصفي المتهاوي ، فيهمُّ بالصعود والجلوس بقربي ، تراه أحسّ بالأمان الداخلي ،فأنظر في عينه وأخفف من قوة يدي قبل أن يصعد، ينظر فيّ باستغراب وألم ويلفّه حزن واجم، تتساقط دموعه نحو الهاوية ويحاول افلات يدي ، فأذكّره بلحظة أخرى وفراق مرّ بنا فيعود للتشبث بيّ مرة أخرى ، حتى ألفنا هذا الوضع، كعقربي ساعة ندور وندور ، لا ندري من يكون في الأعلى ومن يكون في الأسفل ، من يسقط للأسفل ومن يسقط للأعلى ، نخترق قوانين الفيزياء تارة، ونصنع قوانين أخرى في حزن عابر، أدركت ذلك جيداً وفهمتني .
.................................................. ................... طارق حقي