الشريف حاتم بن عارف العوني
لئن كان طلب الدين لأجل الدنيا رياء ومتاجرة بالدين ، فطلب الدنيا من أجل الدين عبادة من أفضل العبادات ، ومن أصعبها ! لأن من وسائل نصرة الدين القوة الدنيوية : اقتصادية أو بدنية أو علمية وغير ذلك من صور القوة الدنيوية .
ولكن لكل إنسان قُواه الإيمانية الخاصة به ، والتي تختلف من شخص لآخر ، فهناك من يُفسِد دينَه قليلٌ من الدنيا ، وهناك من يُصلِح دينَه كثيرٌ من الدنيا ، وكم من شخص زعم طلب الدنيا للدين ، فلما نال الدنيا أفسد في الدين . وكم من شخص ترك طلب الدنيا بحجة الحفاظ على الدين فضاقت دنياه ، فلم يصبر ، فأفسد عليه ذلك دينه ودنياه ، وكم من شخص كان يكفيه قدرٌ من الدنيا كان كافيا لصلاح دينه ، فلما تجاوزه إلى ما فوقه أفسدت الزيادةُ عليه دينه ، فلو اقتصر على ما لديه لكان أصلح لدينه . وكم من شخص يَصلُح دينه بصلاح دنياه ، مهما زادت دنياه واتسعت .
فعلى المسلم أن يطلب من الدنيا ما لا يُعرِّض إيمانه للضعف ، وما لا يفتنه عن دينه . وأن يعلم أن طلب الدنيا عبادة ينبغي الحرص عليها ، ما دامت بغرض خدمة الدين ، وكان قادرا على الثبات على هذه النية الصالحة للحد الذي يبلغه من دنياه . أما مطلق الإعراض عن الدنيا دون مراعاة صلاح الدين فهو ضعفٌ للدين والدنيا ، وليس هذا من الزهد الشرعي في شيء ، بل هو من الدروشة والفهم المغلوط للدين وللزهد .