الشاعر الفلسطيني الأستاذ وليد كيلاني المقيم في ولاية تكساس الأميركية:
================================================== =========
ساحةُ البُرتُقالِ في مَربيا
The Orange Square of Marbella
وليد الكيلاني
في عام 2019 كنت في زيارة لمدينة مربيا الأندلسية في جنوب
إسبانيا .وفي هذه المدينة الجميلة ساحة تتلاقى بها عدة طرق
فيها بيوت وشوارع تاريخية من العهد الأندلسي اطلق عليها
اسم ساحة البرتقال وبها اثار ومطاعم ومقاهي تظللها وتعبق بها
اشجار البرتقال . وعادة تزدحم الساحة في المساء ويذهب الناس
الى شاطئ البحر في الصباح. وذات صباح اخذت دفترا وقلما
وذهبت الى الحديقة بنية كتابة الشعر. ولم يكن في الحديقة تقريبا
احد غيري سوى بعض العصافير على اشجار البرتقال وفي ذاكرتي
الشاعران عمر أبو ريشة ونزار القباني حيث كتب عمر ابو ريشة
قصيدة غادة من الاندلس ومنها:
(وثبت تسستقرب النجم مجالا وتهادت تسحب الذيل إختيالا
وحيالي غادة تلعب في شعرها المائج غنجا ودلالا)
اما نزار قباني فكتب:
(في مدخل الحمراء كان لقاؤنا ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
ما أغرب التاريخ كيف أعادني لحفيدة سمراء من أحفادي)
بالنسبة لي كانت الاثار تحيط بي فتكلمت معها كما تكلم أحمد
شوقي مع ابي الهول عن الاثار الفرعونية . وعبّرت عن الحزن
على الامجاد الضائعة بسبب النزاع بين ملوك الطوائف كما هو
الحال بين البلدان العربية الآن فما أشبه اليوم بالأمس:
ساحة البرتقال في مربيا
ساحةُ البُرتُقالِ في مَربيّا تَجمَعُ الفنَّ والجَمالَ البَهيّا
تَبعثُ الوَجدَ والخَيالَ بنفسي وأُحبُّ الجُلوسَ فيها عَشيّا
حد‍َّثتني الآثارُ فيها وقالتْ أصلُ فني العَريقَ منْ سوريَّا
منْ دمشقٍ أتى إلينا قَديماً ضَمَّ نَقشاً وزُخرُفاً أُمويّا
أدخلوهُ في كُلِّ دارٍ وحَيٍ ثُمَّ أسمَوهُ بَعدُ أندَلُسيّا
قبلَها طارقٌ أتى بسفينٍ وخيولٍ يقودُ جيشاً أبيا
هزمَ الظُلمَ والظَلامَ وأعطى لجميعِ السُكانِ حُكماً رضيا
أقبلَ القومُ في رجاءٍ وحُبٍّ دونَ حربٍ وأسلموا طوعيا
ساهمَ المغربُ الكبيرُ بجُهدٍ في تُراثي فصارَ صرحي عليا
قدْ رأينا حَضارةً وازدهاراً وشَهِدنا تَقدُّماً عِلميّا
وبَنينا مَساجداً وقُصوراً وعَماراً مُطوَّراً هَندسيّا
وأضَفنا إلى المُوشَّحِ لَحناً وغِناءً فصارَ إرثاً ثَريّا
وغَدا للنساءِ دورٌ كبيرٌ في بناءِ الأجيالِ كانَ جَليّا
وجَميعُ الأديانِ عاشت بأمنٍ وَوِئامٍ وكانَ عَيشاً رَضيّا
كانَ عَهداً فيهِ العَدالةُ سادتْ لمْ يكُنْ ظالِماً ولا عُنصُريّا
غيرَ أنَّ الأمورَ بَعدُ تَردّتْ وخلافُ الحُكّامِ باتَ عَتيّا
وصَلَ الأمرُ بينهمْ لنزاع ٍ وحروبٍ وصارَ وضعاً رَديّا
مِنْ مُلوكٍ مِنَ الطَوائفِ كانوا يَعبُدونَ اللذاتِ والكُرسيّا
طلبوا نَجدةَ العَدوِّ وظنوا أنَّهُ كانَ مُخلصاً ووفيّا
وأتى فردِناندُ يرأسُ جَيشاً مُستعدّاً مُدجَجَاً وَحشيّا
جَمعَ الناسَ منْ أُلوفِ الضَحايا وجَرى الذَّبحُ بُكرَةً وعَشيّا
سَقطَ الحُكمُ والمَمالكُ زالتْ وانتهى الأمرُ قاسِياً دَمويّا
قُلتُ يا ساحَةَ "الأُرَنجِ"رُويداً فاضَ دمعي وسالَ مِنْ عَينيّا
نَحنُ ايضاً مِنَ النزاعِ نُعاني وَضعُنا صارَ مُؤسِفاً وغَبيّا
مَزَّقونا فَصائلاً وشُعوباً واستَغلّوا خِلافَنا العَربيّا
ثورُنا الأبيضُ اجتمعنا عليهِ واشتَركنا في ذبحِهِ عَلَنيّا
وأتى دَورُنا فَصِرنا جَميعاً في مَهبِّ الرياحِ نُذرى سَويّا
أشعلوا النارَ حَولَنا بِدهاءٍ وغَدا لحمُنا بها مَشويّا
ساحةُ البُرتُقالِ في مَربيّا لَخًّصتْ لي حَديثَنا الوُديّا
وَحدةُ الصَّفِّ للشُعوبِ ضَمانٌ ليعيشَ الإنسانُ حُرَّاً أبيّا
===============================
قصيدة بائع السوس
وليد كيلاني
نابلس بلدي ولدت بها وعشت فيها طفولتي وجزءا من صباي . وكنت عند
احتلالها عام 1967 ادرس في الولايات المتحدة فانقطع الوصال بيننا لفترة
طويلة وزرتها في اواخر عام 2005 فتألمت لوضعها لاني وجدتها سجينة
مكبلة. فتفاعلت عواطفي وكتبت ديوانا خاصا لنابلس وقراها، فيه اربعون
قصيدة واسميت هذا الديوان "لوحات شعرية من التراث النابلسي" . وفي هذه
القصائد رائحة الورد والحنين وروح الأمل والايمان. وتضمنت قصائد
الديوان مواضيع مختلفة مثل الكنافة النابلسية وصابون نابلس وصبر نابلس
وقد كتبت عدة دواوين اخرى غطت قضايا فلسطين ومواضيع عالمية
وإنسانية بالإضافة الى كتيبين من الأشعار للأطفال ممكن الاطلاع عليها
في موقعي هذا: Wkeilanipoetry.org
بائع السوس
يا بائعَ السوسِ في الأسواقِ تسقينا كأساً من السوس بعد العصريُحيينا
يا بائعَ السوسِ في حاراتِ نابُلُسٍ سلمْ عليها بها كانت مغانينا
قد كنتَ تسرحُ فيها الرزقَ تطلبهُ تمشي الشوارعَ ترتادُ الميادينا
والناسُ تخرجُ بالأيدي ملوحةً لما تمرُ بحوش أو دكاكينا
وكنت ترزحُ تحتَ الشمسِ في جَلَدٍ تُروي العطاشَ إذا صاحوا مُنادينا
وفوقَ رأسكِ طربوشٌ تُعرِّشُهُ والصدرُ يلمعُ مرصوصاً نياشينا
سروالكَ الأسودُ الفضفاضُ تلبسهُ على قميصٍ يفوقُ الوصفَ تزيينا
فيه الشراشيبُ بالألوانِ زاهيةٌ وأنتَ تزهو بها لما تُحيينا
ورغوةُ السوسِ في الإبريقِ جمَّعها هزٌ من المشي طولَ اليومٍ تسقينا
وكنتَ في رمضانَ السوسَ تعرضهُ عندَ الغروبِ لمن صاموا مُطيعينا
وقد عهدناكَ يومَ العيدِ مُنهمكاً تَسقي الكؤوسَ وتأتينا مُهنينا
تصبُ بالكأسِ فيضاً سائلاً ذهباً ويطفحُ الكأسُ مملوءاً ويروينا
كأنَّما الكأسُ والإبريقُ قد وُصلا من الخيالِ بحبلٍ كالمُحبينا
يا بائعَ السوسِ هلْ ما حلَّ من قدرٍ كان القضاءُ بنا أم صنعُ أيدينا
نباتُ ننتظرُ الأيامَ تُنصفِنا نرجو من الحظِّ يوماً أن يواتينا
ولنْ يغيِّر ربي ما بنا أبداً حتى نُغيرَ ما بالنفسِ مكنونا
يا بائعَ السوسِ ذكرى الأمسِ تحضُرنا والواقعُ المرُ صارَ اليومَ يُشجينا
زبائنُ الأمسِ في الدنيا مبعثرةٌ وصارَ ابريقكَ المشهورُ مَركونا
طربوشُكَ الأحمرُ المنسيُ غلَّفه ثوبُ الغبارِ وغطى سطحَهُ طينا
والعثُّ يأكلُ في السروالِ خرَّقهُ ورثَ يقبعُ فوقَ الرَّفِّ مخزونا
أصبحتَ كهلاً يهدُ الدهرُ كاهلهُ وذابَ صوتُكَ في صمتِ المُعانينا
وكنتَ تمرحُ في الأسواقِ مُبتهجاً وكانَ صوتُكَ في الحاراتِ شادينا
يا بائعَ السوسِ لن ننسى طفولتَنا ولستَ أنتَ مع الأيامِ ناسينا
لو أنَّ يوماً مع الأحلامِ يجمَعُنا لما نناديكَ عن بُعدٍ تُلبينا
نسعى إليكَ وبالأشواقِ تسكبهُ كأساً من السوسِ يجتاحُ الشَّرايينا
نجددُ العهدَ من ماضٍ ومن قصصٍ نَروي اليكَ حكاياتٍ وتُروينا
يا بائعَ السوسِ عبِّ الدنَ مازجَهُ حُلمَ اللقاءِ لعلَّ الحُلم يُدنينا
واملأ لي الكأسَ حتى الرأسِ مُترعةً إني سأشربُ نخباً للمحبينا
ربي يُحييكِ يا نابُلسُ من بلدٍ إنا نُحييكِ يا نابُلسُ حيينا