كلمة عن مقتل الحسين عليه السلام ٢٠١٧ ( مع إضافة محدثة لها )

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
لروحك الطاهرة أغلى سلام يا ابن الغالي سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعتنا وفجعت الأمة بموتك.
ولكنك الشهيد ابن الشهيد وجدك الشهيد طيب الله ثراكم آل البيت فبكم ننتصر على أعداء الدين،وعليكم تجتمع كلمة الأمة وتتوحد .
حين نقول سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا نعني ؟ هل نقصد النسب ؟

روى الترمذي في صحيحه بسنده عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه ( و آله ) و سلم: "حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط ( وفي رواية وهو يحمل الحسن والحسين ومن أبغضهما فقد أبغضني) .
هل يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسب الحسين له ؟
حتماً ليس كذلك فهو يقول سبط من الأسباط ولنعد للقرآن الكريم ، يقول الله تعالى :

{ إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا } [ النساء : 163 ]

فهذه هي مكانة الحسين فهو سبط من الأسباط يوحى إليه
الوحي ونزول الملائكة لا يعني أنه نبي فالملائكة تتنزل على الصالحين من عباد الله يقول الله تعالى :

{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ]

من هنا ندرك عظمة ومكانة الحسين ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله أعلمه بخبر استشهاد سبطه فأخبر عن مكانة من بغض الحسين وهي إشارة أخرى اتضحت لاحقاً.

لقد كانت حادثة مقتل الحسين من أبشع الحوادث التي يمكن أن نتصورها عبر التاريخ الإسلامي.

ذكر السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" فقال حديث :

( قَاتِلُ الْحُسَيْنِ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ، عليه نصف عذاب أهل الدنيا )

قيل في الكتب لقد بقيت البراري تنزف الدماء على مقتل الحسين، وكل ما رفع أحدهم حجراً وجد تحته دماً.

- من قتل الحسين عليه السلام ليس يزيد وزبانيته فحسب ، من قتله من تخلى عنه وانهزم من أبناء العراق الذين راسلوه وبايعوه ولقد اشترك في مقتله عشاق الملك والتملك من الطرفين.
تقول كتب التاريخ إن الحسين رضي الله عنه أراد السفر للكوفة فأوقفه أكثر من صحابي جليل ونصحوه بعدم الذهاب للعراق
حتى قال له أحدهم : لقد قتلوا أباك قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
لكن الحسين عليه السلام أصر على الذهاب.

لماذا أصرَّ الحسين رغم نصيحة العقلاء له، ورغم أنه يعرف موقف الحسن رضي الله عنه حيث بايع معاوية و حقن دماء المسلمين وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن موقف الحسن عليه السلام فقال :
" لعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين"

هل كان الحسين مخالفاً لموقف الحسن في اقباله على الحكم بينما أعرض عنه الحسن رضي الله عنه ؟
هل كان والدهما علي بن أبي طالب بطالب ملك ؟
وهل كان جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد ملكاً وقد
عرض عليه سادة قريش الملك والمال والنساء فرفض .

رجال ملكوا قلوب الناس فماذا سيفعلون بالمال والقصور ؟
لا يمكننا أن نشك للحظة برجاحة عقل الحسين فلقد نهل الحكمة والعلم من نور النبوة.
لكن ما جرى هو ما شرحه الحسين بنفسه فقال للمعترضين على سفره خوفاً عليه:
(((لقد وصلني حمليّ بعير))).
حملي بعير من الرسائل المكتوبة من أهل العراق الذي خذلوا الحسين بعدها.
ماذا تحمل هذه الكتب؟
لا شك إنها تحمل مبايعة لسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتحثه على القبول بمبايعة المسلمين له، وتعلن له السمع والطاعة.
خاصة أن والده علي بن أبي طالب كان قد نقل دار الخلافة من المدينة المنورة إلى الكوفة .

وحين بايع الحسن معاوية، ثبت للمسلمين إن الشام صارت دار الخلافة وإن دمشق هي عاصمة الخلافة الجديدة.
بذلك حدث حدث بالغ الأهمية من الوجهة السياسية
فانتقلت العاصمة من بلاد الرافدين إلى بلاد الشام
هذا الانتقال من إقليم إلى إقليم بحاجة لوقفة مطولة عند أبعاد التغيرات السياسية التي ستحصل بعدها، ودراسة التأثيرات النفسية على الحاشية المقربة والبعيدة والتي خسرت سياسياً عاصمة بين ليلة وضحاها، ولا شك أن لها لذة في محبي الحكم والخلافة من أهل العراق وإن ألبسوها اللبوس المقدس بخلافة سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم . لا يمكن لعاقل أن ينكر وجود المحبين لآل البيت في العراق وقتها كما لا يمكن نكران وجود طبقة تسعى للملك والوسيلة هي الدين وهذه النزعة موجودة ليومنا هذا بل هي أوضح اليوم . ولا شك أن الأمور قد تتداخل ويحدث تنازع بين الرغبات لأننا ندرس هنا تاريخ الإنسان وهو إشكالي بطبعه ونزعته ومتغير برغباته .

إننا لنفهم ما حدث بشكل موضوعي علينا أن لا نغفل العوامل الخارجية والإطار المحيط بالحدث .
فقبيل الحديث عن مقتل الحسين عليه السلام يجب أن نتذاكر الصراع السياسي ومناطق النفوذ بين الشام والعراق تاريخياً، فقدوم الإسلام وتغير الفكر والدين لا يعني التغافل عن المكانة السياسية لكل منطقة عبر تاريخهما بلاد الشام كانت واقعة تحت نفوذ الرومان والعراق تحت نفوذ الفرس.

الغساسنة ( التنوخيون) والمناذرة ( اللخميون)
وهما ينحدران من قبيلة قحطان العربية .والراوية الضعيفة تقول أنهم هاجروا من اليمن، بينما تؤكد النقوش التاريخية أنهم أهل المنطقة تاريخياً
المناذرة : عاصمتهم الحيرة وكانت ولاؤهم للبيزنطيين ثم أصبح ولارهم للفرس وتمتعوا بحكم ذاتي شبه مستقل ووصل نفوذهم للبحرين وساحل الخليج العربي.
وكانت بينهم وبينهم الغسسانة معارك كيوم حليمة مضرب للأمثال على شهرتها (ما يوم حليمة بسر).

دعم الفرس الكنيسة المشرقية أو الآشورية أو النسطورية لتكون مقابل كنيسة الرومان الأرثوذكسية
لنلاحظ التباين الديني لخدمة الغاية السياسية.

الغساسنة :اتخذ الغساسنة من بصرى عاصمة لهم قبل تحويل عاصمتهم لاحقاً إلى الجابية ( بمرتفعات الجولان )، وسرعان ما امتد حكمهم ليشمل كل الأردن والجولان وحوران وغوطة دمشق وجنوب سورية، ووصلوا في غزواتهم حتى خيبر.
ساند البيزنطيون الغساسنة, وكان لمملكتهم سلطانها وأهميتها, عندما غادر الملك الغساني جبلة الشام ومعه 30000 ألف غساني من سورية حيث شدوا الرحال إلي الإمبراطورية البيزنطية, واحتلوا مكانوا عالية في الدولة .

- إذن لنا أن نفكر بالأبعاد السياسية التي حملت أهل العراق على مراسلة الحسين للقبول بالخلافة، ونضعها موضع دراسة وتفكير.

لكنا ما يهمنا هو موقف الحسين رضي الله عنه من كل هذه الأحداث
لا شك إن الحسين كان يدرك أبعاد ذلك وهو الملهم ، لكنه حمل أمانة دقيقة في هذه اللحظة التاريخية، فكيف يرفض حمل مسؤولية الأمة وقد صارت الأغلبية معه.
فهذه العراق ترسل له مبايعة ، و جزيرة العرب تبايعه حيث هو ، وكيف لا تبايع حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بقي إقليم بلاد الشام الذي من غير المستبعد أن يبايع الحسين حتى ولو كان جند يزيد سيبطش بهم.

هذا الإحساس بالمسؤولية قد وضع الحسين في موقف خطير، فلولا الكتب تلو الكتب والرسائل تلو الرسائل لما كان الحسين قد أعلن قبوله للخلافة.
ومضت الأحداث المعروفة وصدق من قال له: قلوبهم معك وسيوفهم عليك".

و قد دخل في جيش زياد بن أبيه كثير ممن أرسل للحسين الرسائل التي تحضه على السفر للعراق حين اجتمع الجمعان، حيث رأي القوة المادية والغلبة الظاهرة في طرف جيش يزيد وزبانيته.
لقد قتل الحسين من كاتبه وراسله وخذله في ساحة المعركة ،قبل زياد بن أبيه ويزيد المجرم.

وإننا قد نسمع من يبرئ يزيد من دم الحسين . فما هي نتيجة إرسال جيش مدجج بالأسلحة ، ما هي مهمة حملة السلاح إلا القتل ؟
لو كان حقاً يريد النقاش لأرسل له الرسل والأمراء أو ذهب بنفسه لذلك.
ولقد وجد هذا البيت مكتوباً في قصر يزيد :

أترجو أمة قتلت حسيناً
شفاعة جده يوم الحساب

وهو دليل على الإدانة الواضحة كما إنه حين مات يزيد بن معاوية أوكلت الخلافة لأخيه فرفض الخلافة وكان يبكي فقالت له أمه ليتني أنجبت بنتاً ولم أنجبك.
وهذه البلبة حدثت في بيت يزيد إشارة واضحة على شناعة فعلته.

- وقفة متأنية
...............
ربما يأخذ القلب العبرة لتو العبرة لقصة الحسين الحزينة
فمن من المسلمين لا يتمنى لو نصر الحسين فلعل حقبة راشدة أخرى تستمر.
لكنها سنة الله في الأرض وكان أمر الله حقا في قبض الأنبياء، وكانت حكمة الله تقتضي أن لا يكون لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولد ذكر ، وإلا لكان قد قتل وكانت الفتنة أكبر مما هي عليه.
كانت الأحداث تعلمنا أنه سيأتي نبي يهدي البشر، وسيمضي ويترك الأمانة بين البشر .
فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، لأن الدنيا هي امتحان للبشر وليست دار مقام كما يريدها البعض . كلكم اليوم الحسين وكلكم مطالبون بتطبيق دين محمد بن عبد الله نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

البشرية اختيار الله وإلا لكان مكان الأنبياء كلهم وجعلهم ملوكاً كداوود وسليمان ويوسف، لكنه أبقى الحكم والخلافة مدنية بشرية، لا نبوية ، فالحكم في النهاية لله عز وجل هو مدبر الأمور بحكمته وعزته.

الملك للبشر يملكون أموال الأمة وثرواتها ويملكون ألسنة الناس .
وملك قلوب الناس للأنبياء والصالحين والأولياء، فانظروا أيها أثقل في الميزان.

الحسين كان و سيبقى ولي المسلمين، وعلي بن أبي طالب عليه السلام ولي المسلمين ، و آل البيت لقيامة الساعة هم أولياء المسلمين .
وإن الحكمة البالغة التي يجب أن تقر في القلوب، إن أولياء الله هم الغالبون، وهم القادة والحكام الحقيقيون للناس.

وإن مكانة الولي تعطى من إيمان الناس و زهدهم في تراب الدنيا الزائل، لكن كما التراب الزائل يلمع في قلوبهم فحتماً سيكون الكرسي السياسي هو الملعب الذي تسفك فيه الدماء ، ويقتتل الطامعون على هذه الدنيا الزائلة لكنها حتماً ضرورية فلا دين بدون دولة ولا دولة بدون دين.

ستبقى الولاية الدينية لآل البيت هي الولاية التي أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل بيته وذريته الطاهرين، وسيبقى الطامعون في الولاية السياسية يقتتلون حتى ولو رفعوا رايات الدين كذباً وبهتاناً.

الأنبياء لا يورثون، لا مالاً ولا دولاً ، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يبعث رئيساً لدولة بل خاتم الأنبياء ورحمة بالعالمين ، رحمة بكل من على هذه البسيطة.
لم يكن النبي محمد صلى الله عليه إلا عبداً لله ، وحتى الخلفاء الراشدون لا يمكن اعتبارهم ملوكاً ورؤساء ، فالملك يتملك وله القصور والخدم والحجاب والحراس ، فلو كان لأبي بكر وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان حجاب وحراس يمنعونهم من الناس أكانوا قتلوا بهذه السهولة ؟ لكنهم قبلوا الفداء وفدوا الأمة بدمهم.

النبي صلى الله عليه وسلم ورث علي بن أبي طالب العلم . ومكانة العلماء عبر التاريخ هي أعلى من الخلفاء والساسة والملوك والأمراء .
ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام كانت الولاية العلمية الدينية، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في الكبيرة والصغيرة وفي كل ما استغلق عليه حتى كان يقول : بئس المقام بأرض ليس فيها أبو الحسن.

التنازع السياسي سيبقى في منطقة شاء الله أن تتوالى عليها الأحداث الجسام، والساسة لن يتخلوا عن ميزة توظيف الدين والمذهب لصالح تنازعهم السياسي، ليست المشكلة فيهم فهذه هي جبلتهم، المشكلة هي في الناس الذين يرتضون بهذه اللعبة ديناً لهم.
- كلمة أخيرة
.................
أين العلمانية اليوم من تناول هذه القضايا التاريخية بين الحاكم السياسي وبين ثائر قام بثورة دينية ضده ؟
في النهاية دمشق اليوم هي وريثة الأمويين .

يرتبك العقل في مقاربة مثل هذه القضية ويذهب العقل العلماني لتدوير الزويا وربما يدخل في تناقض بين تعاليمه العلمانية ونصرته للحسين .
أولاً مقاربة هذه القضايا يجب أن تكون في بيئتها وسياقها التاريخي. ولفهم قضية كمقتل الحسين فنحن بحاجة لفهم عوامل عديدة تاريخية وسياسية ودينية.

إن أهم نقطة في مقاربة الأمور هي تمكننا من أدواتنا العقلية وقدرتنا على الفصل في الحكم على الأمور من منطلق ديني أو من منطلق سياسي
لا يمكننا مقاربة الأمور الدينية بأدوات ومنطق سياسي .
كما لا يمكننا مقاربة الأمور السياسية بأدوات دينية وهذا هو جوهر العلمانية .
إن مقتلة العقل في هذه المحاكمات يكمن في استخدام أدوات و مناهج و مصطلحات معاصرة واسقاطها على حدث تاريخي قبل ألف وأربعمائة سنة ، كأن نسمع من يقول بأن الحسين قام بثورة وكأنه انطلق من كومينة المدينة المنورة أو الدخول في مصطلحات سياسية معاصرة ، وفي ذلك قسرية واضحة تخل بالقضية.

كذلك لا يمكننا رغم بشاعة هذه الواقعة وغيرها كواقعة الحرة أن نلغي منجزات الأمويين الحضارية واتساع دولتهم لأن حضارة الدول ومنجزات شعبها وعلمائها لا تختصر بحكامها وإن حملوا اسمها ومحصلتها .
وإننا بحاجة ماسة للاستعانة بأداة الفصل لتوازن موقفنا لما لتأثير محاكمتنا العقلية على الآخرين خاصة أصحاب العواطف المشبوبة.

طارق شفيق حقي