القانون العام الإسلامي كيف كان، وكيف ينبغي أن يكون
د. عبد السلام العسري جامعة محمد الخامس ، الرباط.

نتناول في هذا الموضوع العناصر التالية:

• التمييز بين القانون العام والقانون الخاص.
• هل عرف الفقه الإسلامي التمييز بين القانون العام والقانون الخاص.
• أسباب عدم عناية الفقهاء المسلمين بفروع القانون العام.
• سبيل النهوض بفقه القانون العام الإسلامي.
• مصادر القانون العام الإسلامي.
• جواز الاستفادة من تجارب غير المسلمين في فرع القانون العام.

1 – التمييز بين القانون العام والقانون الخاص:

ينقسم القانون من حيث موضوع العلاقة التي ينظمها إلى قسمين رئيسيين هما القانون العام والقانون الخاص. وأساس هذا التقسيم يستند إلى وجود الدولة كسلطة عليا أو عدم وجودها كطرف في العلاقات القانونية التي تحكمها تلك القواعد، فإذا كانت الدولة طرفا في العلاقة القانونية التي ينظمها القانون بصفتها صاحبة السلطة والسيادة فتكون هذه العلاقة خاضعة للقانون العام، كأن تقوم الدولة بنزع ملكية قطعة أرضية من أجل المنفعة العامة، أو تقوم بفرض ضريبة معينة على الأفراد، أو تقوم بتعيين شخص في وظيفة..في هذه الحالات تخضع العلاقة القانونية بين الدولة وصاحب الأرض، أو بينها وبين المكلف بالضريبة، أو بينها وبين الموظِّف لقواعد القانون العام.

وإذا كانت الدولة طرفا في العلاقة القانونية لا باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة، وإنما بوصفها شخصا معنويا عاديا يتعامل كغيره من الأفراد، فتدخل هذه العلاقة في نطاق القانون الخاص: كعقد الإيجار الذي يتم بين الدولة باعتبارها شخصا عاديا وبين أحد الأفراد لاستئجار مبنى بقصد اتخاذه مركزا لوزارة أو مؤسسة عامة، فتسري على عقد الكراء المبرم بين الدولة وبين المالك قواعد القانون الخاص.

وقد أقام كثير من الفقهاء أساس التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص على هذا المعيار.

وبناء على ما تقدم، فالقانون العام هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات القانونية التي تكون الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة.

أما القانون الخاص: فهو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات القانونية بين الأفراد بعضهم بالبعض الآخر، أو بينهم وبين الدولة باعبتارها شخصا معنويا عاديا يقوم بأعمال عادية كالتي يقوم بها كافة الأفراد.()

2 – هل عرف الفقه الإسلامي التمييز بين القانون العام والقانون الخاص؟

إن تقسيم القانون إلى عام وخاص هو تقسيم روماني في الأصل، وهدفه أن يجعل الحاكم متميزا عن المحكومين فيعطيه سلطات وامتيازات خاصة. وقد انتقل هذا التقسيم إلى الفقه اللاتيني، ولم يأخذ بهذا التقسيم الفقه الأنجلوسكسوني.()

ولم يأخذ الفقه الإسلامي أيضا بتقسيم القانون إلى عام وخاص، ولم يستعمل مصطلحات القانون، وإنما بحث العلماء في الفقه الإسلامي جملة، يبدأون بأحكام العبادات ثم بالأحكام المتعلقة بتنظيم الأسرة، ثم أحكام القانون المدني بمفهومه العام الشامل للعقود والملكية والشركات والمعاملات التجارية، ثم أحكام القانون الجنائي: من حدود وقصاص وتعازير.

أما أحكام القانون العام فقد وردت متفرقة في عدة أبواب: في باب الولايات، والقضاء، وفي كتب علم الكلام، وفي كتب التاريخ.

3 – أسباب عدم عناية الفقهاء المسلمين بفرع القانون العام :

وجه الفقهاء المسلمون عنايتهم لفقه العبادات وفقه المعاملات المدنية ولفقه الجنايات والعقوبات.

أما فقه القانون العام: فقه القانون الدستوري والإداري والمالي، فكان ضئيلا، ويرجع السبب إلى عدة أمور:

أولا – النظام الاستبدادي الذي ساد الحكم بعد عهد الخلفاء الراشدين:

برجوعنا إلى التاريخ نجد أن سلطة الحكم كانت تقوم في الواقع على أساس القوة والقهر والغلبة، ولم تكن المبايعة لولي العهد –حين تحدث- سوى مجرد مظهر أو ستار يخفي وراءه ما تستند إليه القوة من أساليب متعددة.

إن الفقه السياسي لا ينبت بدوره إلا في تربة الحرية ولا يزدهر إلا عند خضوع الحكام لأحكام الشرع.

ثانيا – إن العدد القليل من كتب القانون العام التي ألفت كانت تتصف بالسمات التالية:

أ) عدم استنادها إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وما ألحق بهما من مصادر شرعية معتمدة. وإنما كانت تكتب تبريرا لانحرافات الحكام تزلفا وتملقا إليهم ولتثبيت خضوع الشعب لهم.
ب) وصفها لواقع الحكم الذي كان سائدا في الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة الفاطمية، حيث وصفوا طريقة تولي الخلافة وولاية العهد وأنواع الوزارة والحجابة وإمارة الأقاليم.
ج) بعض كتب القانون العام كانت تكتب في جو من الخوف والرهبة، وكان المؤلف يسرب أفكاره في شكل مواعظ أو تخيل حكايات على ألسنة الحيوانات، كما فعل عبد الله بن المقفع، أو في شكل معجزات الأنبياء أو كرامات الأولياء، كما فعل أبو بكر الطرطوشي في كتابه "سراج الملوك"، وأبو حامد الغزالي في كتابه "التبر المسبوك في نصيحة الملوك".

ثالثا – عدم تخصص الفقهاء في فرع القانون العام وعدم تدريسه:

لم تتجه عناية الأساتذة ولا الطلبة إلى التخصص في أبواب القانون العام، فلم يكونوا يدرسونه كما يدرسون أبواب العبادات والمعاملات والدعوى والقضاء والبينات، وربما السبب أن التخصص في أبواب القانون العام لم يكن يوصل إلى مهنة تجلب المعيشة والرفاهية مثل الأبواب الأخرى.

4 - سبيل النهوض بفقه القانون العام الإسلامي:

لكي ننهض بفقه القانون العام الإسلامي يجب أن ندرسه في كليات الحقوق وكليات الشريعة كتدريسنا لفقه القانون الخاص.

ونظرا لإهمال الفقهاء الأقدمين الاجتهاد في القانون العام الإسلامي بسبب أنظمة الحكم في زمنهم، القائمة على القهر والغلبة، فإن الأمور في زمننا قد تغيرت بسبب ظهور منظمات دولية وإقليمية ومحلية تدافع عن حقوق الإنسان وتطالب بالحريات للشعوب، مما قلص من سلطة القمع والقهر. لذلك ندعو إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه في القانون العام والقانون المالي والاقتصادي، وأن يكون هذا الاجتهاد قائما على تعاون أساتذة القانون العام وأساتذة الفقه الإسلامي، فيقوم فقهاء القانون العام ببيان النظم الوضعية وما كتب حولها ببيان مختلف الآراء والاجتهادات. وتعتبر هذه المرحلة بيانا لفقه الواقع. ثم يأتي فقهاء الشريعة فيتتبعون تلك النظم والتطبيقات والدراسات (أي فقه الواقع) ويعرضونها على الممنوعات الشرعية (المحرمات بنص قطعي)، وينظرون في التنظيمات التي تتعارض مع المحرمات، ويبحثون هل توجد ضرورات ورخص تبيح المحرم، ولا بد من العمل بالأصل العام في الشريعة الإسلامية الذي يقرر «أن دفع المضار مقدم على جلب المصالح».

وبهذه العملية الاجتهادية تقع مَسْلَمة التنظيمات والقوانين التي أحدثها الناس في دولتهم أو اقتبسوها عن غيرهم من الدول.

إن القانون العام الإسلامي قد لا يختلف كثيرا عن القانون العام الوضعي، وذلك لأن النصوص من الكتاب والسنة لم تتعرض للتفاصيل في قسم القانون العام. فالشريعة سكتت قصدا عن تفاصيل القانون العام، لأن التفاصيل مرتبطة بظروف الزمان والمكان وأحوال الناس ومصالحهم، وإنما جاءت بنصوص عامة تتناول مبدأ الشورى، ومبدأ العدل والمساواة، ومبدأ المسؤولية، ومبدأ تولية الأمير لجمع كلمة المسلمين وقيادتهم في الدفاع عن حوزتهم وإقامة الأمن بينهم.

5 – مصادر القانون العام الإسلامي:

أولا - طبيعة مصادر القانون العام الإسلامي:

يدرس الأصوليون مصادرالأحكام بصفة عامة تنطبق على جميع فروع الفقه: فقه العبادات، والمعاملات: معاوضات، وتبرعات، وفقه الجنايات والعقوبات، وفقه القضاء والدعوى، والأحكام السلطانية.

ومما يلاحظ أن المصادر النصية (أي الكتاب والسنة) جاءت بتفاصيل في الأمور الثابتة التي لا تقبل التغيير والتبديل بحسب العصور والأمصار، كمسائل العبادات، ومسائل الأسرة. ثم يأتي بعد ذلك مسائل القانون المدني والقانون الجنائي.

أما مسائل نظام الحكم والسياسة والتدبير الإداري والاقتصادي فإن النصوص جاءت فيها قليلة، واقتصرت على الأمور الكلية، وسكتت عن الأمور الجزئية التي بطبيعتها غير ثابتة، بل سريعة التطور والتغيير، وتقتضي الاختلاف من حيث المكان، وذلك لكي تحقق المصلحة للمواطنين، لأنه إذا كانت الأحكام جامدة دائما قد يترتب عنها الضرر والحرج للناس، فالقرآن الكريم يقول (وما جعل عليكم في الدين من حرج)()، ويقول (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).()

ثانيا - عدم اشتراط دليل تفصيلي يتعلق بالجزئية في مسائل القانون العام، وإنما المطلوب مراعاة روح الشريعة ومقاصدها:

لقد تقرر عند فقهاء الشريعة أن الأحكام المتعلقة بالسياسة، أي القانون العام، وحفظ النظام، والقضايا المتجددة بسرعة، لا يشترط أن تكون مبنية على النصوص، وإنما المطلوب أن لا تكون معارضة للنصوص، والتوسعة فيها على الحكام ليس مخالفا للشرع، بل تشهد له الأدلة.

وقد أكد هذا المعنى ابن قيم الجوزية في كتابيه "أعلام الموقعين"() و"الطرق الحكمية في السياسة الشرعية"()، وكذلك ابن فرحون في كتابه "تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام".()

ونعرض فيما يلي ما أورده ابن القيم في كتابيه المذكورين بشيء من التصرف:

فقد نقل حوارا بين فقيه شافعي وبين ابن عقيل الحنبلي، فقال ابن عقيل: «السياسة ما كان من الأفعال بحيث يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يشرعه الرسول ولا نزل به وحي»، كما نقل عنه أيضا: «جرى في جواز العمل في السلطة بالسياسة الشرعية أنه هو الحزم ولا يخلو من القول به إمام».

وقد ناقش ابن القيم قول القائلين: «لا سياسة إلا ما وافق الشرع»، وذكر أن هذه العبارة تكون صحيحة إذا كان يقصد بها أن السياسة -وهي أمور اجتهادية- ينبغي أن لا تخالف الشرع. أما إذا كان يقصد بها أن السياسة ينبغي أن تلتزم فقط ما نطق به الشرع نصا من الأحكام التفصيلية على سبيل الحصر، فإن العبارة تكون قد جانبت الصواب، وحكمت على تصرفات الخلفاء الراشدين بالخطأ، إذ أنهم قد فعلوا أحيانا ما لم يرد فيه نص مفصل من كتاب أو سنة، مثل جمع المصحف في عهدي أبي بكر وعثمان، وتحريق عثمان كل ما عدا المصحف الإمام من مصاحف، وذلك لما أدخل بعض الصحابة في مصاحفهم تفسير بعض الكلمات، ثم أخذ المسلمون ينقلون هذه المصاحف، وبعضهم لايفرق بين اللفظ الأصلي وتفسيره.

ومن الأمور التي ليس فيها نص: تدوين عمر الدواوين، وفرضه الخراج، وإنشاؤه السجن.. إلى غير ذلك مما عدده ابن القيم، وعقب عليه بقوله: «إن هذا وأمثاله سياسة جزئية بحسب المصلحة تختلف باختلاف الأزمنة، فظنها من ظنها شرائع لازمة للأمة إلى يوم القيامة، ولكل عذر وأجر»، وقال: «هذه السياسة التي ساسوا بها الأمة هي تأويل القرآن والسنة، ولكن هل هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة؟ أم هي من السياسات الجزئية التابعة للمصالح فتتقيد بها زمانا ومكانا؟».

وبعد طرح هذا التساؤل استرسل ابن القيم في توضيح الأمر فقال: «إن جمود الفقهاء يجعل الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد، ولما رأى ولاة الأمر ذلك ووجدوا أن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة، أحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها حال الناس. فنتج عن جمود الفقهاء ومحدثات هؤلاء الولاة شر عظيم وفساد عريض، وأفرطت طائفة فسوغت من ذلك ما ينافي حكم الله ورسوله، وكل ذلك ناتج عن التقصير في معرفة ما بعث الله به رسوله».

ثم يبين ابن القيم القول الفصل في مقاصد الشريعة وجوهر رسالة الإسلام، فيقول: «إن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العدل بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد، وأبطل غيره من الطرق.. بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق وعرف العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها».()

6 – جواز الاستفادة من تجارب غير المسلمين في فرع القانون العام (السياسة الشرعية).

إن الاستفادة من تجارب غير المسلمين في مجال القانون العام (السياسة الشرعية) أمر جائز، بل مطلوب مادام ذلك يحقق العدل بين الناس ويكفل مصالحهم، وما دام ذلك لا يتعارض مع أي نص شرعي قطعي الثبوت والدلالة.

ولقد ورد في الحدث النبوي: «الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها».()

ولقد استفادت نظم الدولة الإسلامية في مجال الواقع والفكر مما تضمنه هذا الحديث الذي يعتبر قاعدة جليلة، ولم تتقاعد الإدارة الإسلامية عن الانتفاع من أي اجتهاد سليم أو قياس نافع.

فالشريعة الإسلامية لما نزلت وجدت عند العرب وغيرهم من الأمم أنظمة وأعرافا وتقاليد في كافة المناحي التعبدية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية، ولم تشطب عليها كلها، بل أبقت ما هو صالح ونافع، ولا شرك ولا ضرر فيه.()
ولهذا السبب لم يترك الرسول حديثا واحدا يبين فيه من يتولى الخلافة من بعده وكيفية تنصيبه ونظام الحكم في الإسلام.

ومن المعروف أن السنة النبوية ثلاثة أنواع: قولية وفعلية وتقريرية. والسنة التقريرية هي أن لا يعترض الرسول على أمر حدث بحضرته، أو كان موجودا لكنه لم يأمر بتغييره. وهذا ما يلاحظ في تفصيلات نظام الحكم. فالرسول لم يأمر بتغيير ما كان سائدا عند العرب في نظام الحكم. فلما توفي الرسول سار الصحابة على تقاليد العرب في تولية شيخ القبيلة، فاختاروا من كان تتوفر فيه الشروط التي أقرتها تقاليدهم منذ القديم.

وفعلا تم اختيار أبي بكر الصديق للخلافة في سقيفة بني ساعدة بذات الطريقة التي ورثها المسلمون من أسلافهم العرب عن طريق مشاورات بين (مجلس شورى المسلمين) من المهاجرين والأنصار.()

ولقد استفاد الصحابة من تجارب الأمم الأخرى، فقد استفادوا من أنظمة الفرس والروم وغيرهما. وقد روي أن عمر بن الخطاب حين رأى اتساع الفتوح وكثرة أموال الفيء والغنيمة استشار أصحابه فيما ينبغي أن يفعل لحفظ هذا المال وإنفاقه في وجهه بحق، وبعد أن أدلى كبار الصحابة بآرائهم أخبرهم الوليد بن هشام بن المغيرة أنه رأى عند ملوك الشام تدوين أموالهم وشؤونهم في دواوين منظمة، فاستحسن عمر بن الخطاب هذا النظام وقال: «لا بد من هذا»، أي تدوين الدواوين.

فالفتح الإسلامي شمل بلادا لها سابقة في الحضارة وتفوق في العمران، ولها نظمها المألوفة التي تتباين فيما بينها بتباين الأقطار والأقاليم، ولم يكن بد لهذه البلاد أن تدار بعد الفتح الإسلامي كما كانت تدار قبل الفتح، فلم يكن الفتح الإسلامي فتح تخريب وتدمير، وإنما كان فتح تأمين وتعمير، ولم يكن من الممكن أن يصبح العرب فجأة مَهرة في الإدارة والسياسة، فلم يكن لهم بد إذن من أن يحتفظوا بالإدارات التي وجدوها في تلك البلاد حين أخضعوها لسلطانهم.

إن القرآن الكريم أورد عدة نظم لأمم سابقة، وفي ذلك إرشاد لنا لنقتبس من مختلف النظم الإدارية والسياسية ما فيه مصلحة لنا.

مثلا قصة بلقيس في سورة النمل: (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون..)() فهذا نظام حكم مبني على الشورى، وهو من أنظمة مملكة سبأ قبل الإسلام بعدة قرون.

وبرجوعنا إلى قوانين العرب في الجاهلية نجدها قد أدمجت في الشريعة الإسلامية ومُسلمت بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، فأقر منها ما فيه مصلحة، وحرم ما فيه مضرة.

وفعل ذلك الفقهاء السبعة في المدينة المنورة ومن جاء بعدهم، ولا سيما أئمة المذاهب كأبي حنيفة ومالك. فالزواج، والبيوع، ونظام القبيلة، وأهل الحل والعقد، ودار الندوة، والشورى.. وغير ذلك من النظم بل وحتى العبادات، فيها كثير من المظاهر التي كانت موجودة في الجاهلية، فجاء الإسلام ومَسلمها بناء على أصوله العامة التي هي وحدانية الله وإخلاص العبادة له، ودرء المفاسد ورعاية المصالح..

وقياسا على ذلك، يمكن لفقهاء عصرنا أن يـمسلموا القوانين والنظم الرائجة في واقع الناس، سواء كانت من إنشائهم أو كانت مستوردة عن أمم أخرى، فنقر ما فيه مصلحة للأغلبية، ونترك ما فيه مضرة.

وفي ضوء هذه القواعد يمكن لنا أن نستنبط القانون العام الإسلامي بجميع فروعه: القانون الدستوري والإداري والمالي والاقتصادي والدولي العام.

• اعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم، بتحقيق محمد محيي الدين، مطبعة السعادة، 1955م.
• تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون،المطبعة البهية بمصر 1302هـ.
• الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية لخليل عبد الكريم، مطبعة القاهرة، 1990م.
• الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم، تحقيق محمد حامد الفقي، السنة المحمدية، 1953م.
• علم القانون والفقه الإسلامي للدكتور سمير عالية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت.
• كشف الخفا للعجلوني، دار إحياء التراث.

مدخل لدراسة القانون وتطبيق الشريعة الإسلامية للدكتور عبد الناصر العطار، دار الفضيلة، مصر، 1997م.