نشأة الدين عند هيوم من التعددية إلى التوحيد نقد في تطور الأديان

د.غيضان السيد عليالمركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية
الخوف والقلق هما- فحسب- منبعا التديُّن عند الإنسان».. هذه فكرة جزم بها ديفيد هيوم في معرض تحليله لنشأة الأديان. بيد أنَّها لقيت ردود فاعلة داحضة، كما يرى الدكتور غيضان السيد علي في بحثه هذا. لقد اعتبر هذه الفكرة زعمًا زائفًا إلى حدٍ بعيد؛ حيث كان تفكُّر الإنسان الدائم في خلق السماوات والأرض، ورغبته الجارفة في التعرُّف على سرِّ الكون، أحد البواعث القويَّة التي دفعته إلى الاعتقاد بفكرة الخالق.

أهميّة هذا البحث تكمن في متاخمته النقدية لرؤية هيوم حول أصل ونشأة الأديان وتطوُّرها وارتقائها؛ ليبيِّن أوجُه القصور والنقص التي شابت معالجاته للقضايا الدينيَّة، موضحًا تناقضاته في هذه القضايا التي انبرى لها مُدَّعيًا استكناه حقيقتها وسبر أغوارها.
المحرِّر

تُعدُّ فلسفة ديفيد هيوم (1711-1776) ـ في الغالب ـ نتاجًا طبيعيًّا للفكر الانكليزيِّ السائد في عصره الذي دَأَبَ على تحصيل المعارف بالحسِّ والتجريب، فكانت امتدادًا لفلسفة لوك (John Locke (1632- 1706 الذي رأى أنَّ العقل صفحة بيضاء، والتَّجربة هي التي تخطُّ سطورها عليه، أي أنَّها هي التي تزوِّده بالمعارف والأفكار كافَّة. فقد كان بذلك يعترض على العقلانيِّين القائلين بتوفُّر العقل على أفكار فطريَّة مستقلَّة عن كلِّ تجربة، مؤكِّدًا على أنَّه لا يتوفَّر على شيء بعيدًا عن التجربة، ومن ثمَّ تَصوَّره مجموعة من الإدراكات. كذلك تأثَّر بفلسفة جورج بركلي (George Berkeley 1685 -1733) الذي سار بالمذهب التجريبيِّ إلى أبعد ممَّا وصل به لوك عن طريق رفض تصوُّر الأخير للجوهر الماديِّ واستخدام المذهب التجريبيِّ في خدمة فلسفة ميتافيزيقيَّة روحيَّة.
لقد دعا هيوم من خلال نسقه الفلسفيِّ التجريبيِّ إلى نبذ كلِّ الحقائق التي لا تعضدها التجربة وتدعمها، ووصف الأفكار التي تأتي من غير طريق التجربة بأنَّها أفكار زائفة، “فأفكارنا لا تصل أبعد من تجربتنا”[2]؛ أي أنَّه ينطلق في بناء موقفه من القضايا الدِّينيَّة من منطلقات معرفيَّة خالصة؛ حيث كان لديه شعور عميق باندفاع العقل في ما يقوم به من استدلالات في مجال التجربة، ولم يكن لديه أمل في الوصول إلى معرفة ثابتة عن أيِّ شيء ما لم يتبع المنهج التجريبيِّ، ذلك المنهج الذي اتَّبعه من قبل في دراساته في الأخلاق والسياسة والتاريخ والاقتصاد، فتوسَّم فيه خيرًا في مجال الَّلاهوت والدِّين[3]. ولذلك لا يمكن التأصيل لفلسفة هيوم بعيدًا عن إبراز تأثُّره، وهو طالب في أدنبرة، بنظريَّات إسحاق نيوتن، وتأثُّره القويِّ أيضًا بالمدرسة التجريبيَّة البريطانيَّة من خلال فلسفة لوك، وشافتسبري، ومانديفل، وهاتشيسون، وجوزيف بطلر الذين تتبَّع مناهجهم في الفلسفة والأخلاق؛ ليظلَّ أبرز الفلاسفة الذين تبنَّوا المذهب التجريبيَّ، وحاولوا أن يطوِّروا من خلاله فلسفة تجريبيَّة متِّسقة.
وإلى جانب المذهب التجريبيِّ تأثَّر هيوم ببحوث صمويل كلارك (Samuel Clarke 1675- 1729) في الدِّين وخاصَّة بحثه “برهان على وجود الله وصفاته” الذي انتهى فيه صاحبه إلى عكس ما كان يريد أن ينتهي هو. فكان هذا البحث مع ردِّ الفعل العدوانيِّ على الكالفينيَّة الأوَّليَّة، التي اعتنقها في شبابه، من أهم الأمور التي أبعدته عن أن يكون رجلًا متديِّنًا. كذلك تأثَّر بصراعات القرون السابقة، بين الكاثوليك والبروتستانت، ثم بين أصحاب مذهب التوحيد والمُنكِرين للوحي. ولذلك، لم يكن غريبًا في دراسته للدِّين أن يثير شكوكًا أكثر من الإجابات التي اقترحها، ويعترف بأنَّه غير قادر على حلِّ بعض المشكلات التي رأى أنَّها لا تخضع للحلِّ الإنسانيّْ.
في السياق عينه، انطلق هيوم في تناوله للقضايا الدِّينيَّة من منهجه التجريبيِّ الذي شكَّ- من خلاله- في بديهيَّات العقل، وهَدَمَ الميتافيزيقا، وَعَدَّ أنَّ كلَّ ما لا يمتثل لمعيار التجربة الحسِيَّة يجب أن يُقذف به في النار. ومن هنا أسَّس فلسفته في الدِّين على غرار تصوُّره للأخلاق؛ أي بناءً على الطبيعة البشريَّة للإنسان، وعلى أهوائه وتفاعلاته الاجتماعيَّة. كما أنَّه تطرَّق إلى المعتقد الدينيِّ لا من حيث صدقه وحقيقته، ولا من حيث استبعاد وجود إله أو احتمال ذلك، بل من منظور الحاجة إلى الاعتقاد أكثر من الحاجة إلى ما يُصدَّق أو لا يُصدَّق[4]. وعليه، فقد كان من هؤلاء الباحثين الذين نظروا إلى نشأة الدِّين نظرة تطوُّريَّة أي أنَّه نشأ على يقين أنَّ الأديان عمومًا من عمل الإنسان، وأنَّ فكرة الله وُجدت لدى المجتمعات الأولى بشكل عقائد انبثقت إمَّا من الأفراد أو من الجماعة. وهو بذلك يقف في الصف المقابل لهؤلاء الذين رأوا أنَّ فكرة الله أو الدِّين على العموم إنَّما هي فكرة فطريَّة، وجدت في عقل الإنسان، وأوجدها فينا موجود أعلى، فللدِّين عندهم حقيقة خارجيَّة هي الله، وهو حقيقة منفصلة عن الجماعة بل عن الكون كلِّه ومُبايِنة له، وهو الذي غرس فينا فكرة الله. خلاصة القول، أنَّ فكرة هيوم عن «الله» وعن الأديان بشكل عامٍّ استندت إلى فكرة التطوُّر في سُنَن البشريَّة وفي قوانينها الاجتماعيَّة. وفي هذا البحث تشريح لهذه الفكرة من أجل تقديم صورة نقديَّة لكلِّ حيثيَّاتها.
وتكمن أهمية هذا البحث في أنَّه يقف موقفًا نقديًا من نظريَّة هيوم حول أصل ونشأة الأديان وتطوُّرها وارتقائها؛ ليبيِّن أوجُه القصور والنقص التي شابت معالجته للقضايا الدينيَّة، موضحًا لا موضوعيَّته وتحيُّزاته وتناقضاته في هذه القضايا التي انبرى لها مُدَّعيًا استكناه حقيقتها وسبر أغوارها. ولأجل التناول الجيِّد لهذا الموضوع تم تقسيم البحث إلى مقدِّمة وخمسة محاور وخاتمة؛ اهتمَّت المقدِّمة بإلقاء الضوء على المصادر التي استقى منها هيوم فكره، كما بيَّنت أهميَّة الموضوع ومبرِّرات بحثه والمناهج البحثيَّة المستخدَمة في إنجازه، وعالج المحور الأول بطريقة نقديَّة رؤية هيوم حول «نشأة الأديان وتطوُّرها»، بينما جاء المحور الثاني ليتناول رأيه في أنَّ «الوثنيَّة هي الدِّين الأول للبشريَّة» تناولًا نقديًّا، أمَّا المحور الثالث فاتَّجه إلى تفنيد دعاواه حول «انبثاق التوحيد من الوثنيَّة»، في حين جاء المحور الرابع ليناقش «جدليَّة التعصُّب والتسامح الدينيِّ بين التعدُّد والتوحيد»، بينما تناول المحور الخامس رؤية هيوم حول «التعدُّدية والتوحيد بين الشجاعة والذلّْ». أمَّا الخاتمة فجاءت لترصد أهمَّ النتائج التي تمَّ التوصَّل إليها.
إلى ذلك، اعتمد البحث على مجموعة من المناهج، كان من أهمَّها المنهج التحليليُّ الذي وقف على نصوص هيوم بغية تحليل مضامينها الحقيقيَّة. ثم المنهج النقديُّ الذي نقد رُؤاه، وأظهر تحيُّزاته وتناقضاته. كذلك تم الاعتماد على المنهج المقارن الذي عَمَدَ إلى مقارنة آرائه بآراء االسابقين عليه والَّلاحقين به.
أوَّلًا – نشأة الأديان وتطوُّرها:
نظر هيوم إلى الأديان من منظور التطوُّريين الذين رأوا أنَّ الحياة الإنسانيَّة محكومة بالتطوُّر من الأدنى إلى الأسمى، فكما أنَّه يسود الحياة البيولوجيَّة للإنسان، كذلك يسود الحياة العقليَّة والنواحي الإنسانيَّة الفكريَّة، أمَّا الدّين عندهم فقد بدأ مع الإنسانيَّة في سذاجتها، وتطوَّر معها في درج الحياة حتى وصل إلى كماله الحاليّْ. ومن ثم يضع هيوم قانونًا يحكم هذا التطوُّر تاريخيًّا مدَّعيًا أنَّه يفسِّر كلَّ الأديان الجزئيَّة الموجودة؛ فيرى أنَّه في البدء كانت الوثنيَّة idolatry الدِّين الأول والأقدم في تاريخ النوع الإنسانيِّ، وشهادة التاريخ على ذلك واضحة، وكلَّما عُدنا إلى أعماق التاريخ في العصور القديمة وجدنا الإنسان غارقًا في الشِرك، وليس هناك من دليل يدلُّ على أنَّ البشريّة عرفت دينًا آخر يبدو أكثر كمالًا من الشِرك، ومعظم الوثائق القديمة لا تزال تؤكِّد على أنَّ الوثنيَّة كانت بمثابة العقيدة الشعبيَّة الراسخة[5]. ويعتقد هيوم أنَّه بناءً على هذه المعلومة يمكن دحض أيَّ دليل آخر يمكن أن يعارض هذه الوجهة من النظر؛ فناس الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب يقيمون أدلَّتهم الاجتماعيَّة عليها. وحتى اليوم تشهد الخبرة الحياتيَّة - من وجهة نظره - على صحة هذا الدليل؛ فالقبائل البدائيَّة في أميركا وأفريقيا وآسيا كلُّها وثنيَّة بلا استثناء لهذه القاعدة[6]. كما أنَّه يؤكد رأيه هذا في التطوُّر بطريقة يراها منطقيَّة أو بديهيَّة إذ يرى أنَّ النّاس سكنوا الأكواخ قبل القصور، وتعلَّموا الزراعة قبل علم الهندسة، فالتطوُّر يحكم كلَّ شيء، والعقل الإنسانيُّ ينمو تدريجيًّا من الأدنى إلى الأعلى[7].
في هذا الإطار، يرى هيوم أيضًا أنَّ الدِّين قد نشأ في البداية نتيجة لأسباب سيكولوجيَّة تتمثَّل في القلق والخوف الشديد الذي ينتاب الكائن البشريَّ إزاء أحداث الحياة والمستقبل[8]، ومن الأفكار الغامضة التي يضمرها عن القوى المجهولة وغير المرئيَّة؛ فَتَقَلُبْ أحداث الحياة بين صحةٍ ومرض، ونجاحٍ وفشلٍ، وانتصارٍ وهزيمةٍ، وسعادةٍ وتعاسةٍ، وبين حظٍ مواتٍ وحظٍ معاكسٍ؛ وتعدُّد أحوال الظواهر الطبيعيَّة بين أحوال مفيدةٍ وأحوالٍ ضارةٍ، والحوادث الكونيَّة المفاجئة مثل العواصف والزلازل والبراكين والفيضانات والصواعق، كلُّ ذلك وما شابهه جعل الإنسان في حالة من القلق الدائم والخوف والأمل المستمرَّين، ونتج من هذه الحالة أن عزا كلَّ ظاهرة طبيعيَّة، وكلَّ شأن من شؤون الحياة إلى قوى خفيَّة عاقلة، وتعدَّدت هذه القوى بتعدُّد الظواهر الطبيعيَّة وشؤون الحياة، ونسب لتلك القوى الخفيَّة أو الآلهة اختصاصات محدَّدة، وقسَّم مناطق نفوذها؛ فجونو يُتَوسل إليها في الزواج، ولوسينا في الولادة، ونبتون يستقبل صلوات البحَّارة، ومارس يستقبل صلوات المحاربين... أي أنَّ الإنسان الأول قد قاس طبيعة الآلهة على طبيعته وإرادته التي تتغيَّر من خيرٍ إلى شرٍّ، ومن شرٍّ إلى خير، فظنَّ أنَّ كلَّ ظاهرة وراءها إله[9].
حريٌّ القول أنَّ الوثنيّة كانت البداية الأساسيَّة عند هيوم؛ فنتيجة لخوف الإنسان وقلقه المستمر أراد أن يلجأ إلى قوى عظمى تحميه من الأخطار المرئيَّة وغير المرئيَّة، ولذلك تخيَّل آلهة ذات قدرة لا نهائيَّة، وإنْ تصوَّرها في أشكال وصفات بشريَّة مُضخَّمة من حيث درجة القوة واستمراريَّة البقاء، ومن ثم يمكن استرضاؤها بوسائل الاسترضاء الإنسانيِّ؛ رغبةً في اجتذاب خيرها واتِّقاء غضبها؛ فكان يعتقد أنَّ الأضاحي والنذور والقرابين يمكن أَنْ ترضيها. على أنَّ إرضاءها- كما يرى - لم يكن هو الغاية المنشودة، بل كان وسيلة لغاية أكبر وهي تحقيق الحياة السعيدة الآمنة؛ لذلك لم يتصوَّر الإنسان البدائيُّ هذه الآلهة خالقة للعالم، وإنَّما تصوَّرها متحكِّمة فيه، فلم تشغله تلك الإشكاليَّة النظريَّة لخلق الكون، ولم يتوقَّع هيوم أبدًا أن يُشغل هذا الإنسان عقله في إشكاليَّات نظريَّة بعيدة عن الواقع، وغير مثيرة للاهتمام، وتتجاوز كثيرًا حدود قدراته[10]. وإنَّما شغلته مشكلة الخوف على حياته الراهنة والمستقبليَّة من كلِّ الكائنات المؤذية والشرِّيرة، شهوديَّة كانت أو غيبيَّة، بشريَّة أو طبيعيَّة حتى حرَّكت هذه المخاوف المستمرَّة العقل البشريَّ إلى افتراض كائنات عليا مشابهة للبشر أو ذات طابع إنسانيٍّ، ولكنَّها ذات قوَّة أعظم يمكنها أن تساعد الإنسان على الحياة السعيدة الآمنة.
في الإطار عينه، يرى هيوم أنَّه إذا كانت كلُّ الأمم التي اعتنقت أديانًا، وعبدت آلهة مختلفة ومتعدِّدة، وظهرت لديها أفكار دينيَّة، فإنَّ تلك الأفكار لم تنشأ من التأمُّل في أعمال الطبيعة، بل من الاهتمام بما يتعلَّق بالأحداث الحياتيَّة، والآمال والمخاوف المتتالية التي تشغل عقل الإنسان وتؤرِّقه. ووفقًا لذلك، نجد أنَّ كلَّ الوثنيِّين Idolaters الذين وزَّعوا دوائر سلطة آلهتهم اعتمادًا على تلك القوة الخفيَّة، وأخضعوا أنفسهم لسلطتها، وإلى الدائرة التي تدبِّر ذلك المسار للأحداث، التي يشاركون فيها في أيِّ وقت[11]. ومن ثم تعدَّدت اختصاصات كلِّ إله؛ فكلُّ حدث طبيعيٍّ لابدَّ وأن تكون وراءه قوَّة خفيَّة تتحكَّم فيه، فلا شيء يأتي هكذا، ولا يحدث أمر في هذه الحياة لا تؤثِّر فيه الصلوات أو الثناءات الخاصة[12]. إذن، يرى هيوم أنَّه كان لكلِّ أمَّة آلهتها الحارسة لها، حيث يخضع لها كلُّ شيء، وأنَّ لكلِّ إلهٍ دائرة نفوذ محدَّدة، وعمليَّاته ليست ثابتة، بل تتغيَّر بحسب النُّذور والصلوات والقرابين، وهي مصدر تفضيله أو عداوته، ومنبع نعمته أو نقمته.
ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ هيوم كفيلسوف من المفترض أن يبتعد عن إطلاق الأحكام الدوغماطيقيَّة الجازمة؛ فافتراض الخوف والقلق على أنَّهما- فقط- منبعا التديُّن عند الإنسان، يبدو لنا زعمٌ زائفٌ إلى حدٍ بعيد؛ حيث كان تفكُّر الإنسان الدائم في خلق السماوات والأرض، ورغبته الجارفة في التعرُّف على سرِّ الكون، أحد البواعث القويَّة التي دفعته إلى الاعتقاد بفكرة الخالق. كما يمكن القول أنَّ وجود فكرة العِليَّة في التفكير الإنسانيِّ هي التي تدفع الإنسان دائمًا إلى الاعتقاد بأنَّ لكلِّ صنعة صانعًا، وأنَّ هذا الكون لابدَّ له من صانع له قدرات أكبر من القدرات الإنسانيَّة المحدودة، ولكن رفض هيوم لمبدأ السببيَّة أو العِليَّة الموجودة في الكون هو ما أدى إلى زعمه هذا.
كما يتَّضح، من زاوية أخرى، خطأ وزيف زعم هيوم بأنَّ الإنسان البدائيَّ لم يفكِّر أو يهتمَّ بمسألة التفسير النظريِّ لانتظام الظواهر الطبيعيَّة والكونيَّة، وإنَّما كان مهتمًّا بمحاولة التغلُّب على شعوره بالخوف على حاضره ومستقبله؛ لأنَّ أساطير العالم القديم والمجتمعات البدائيَّة مليئة بقصص الخلق، كما تشهد حفريَّات العصر الحجريِّ القديم على محاولات عديدة ومختلفة قام بها الأوَّلون للوقوف على تفسير مُرضٍ لخلق العالم.
من زاوية ثالثة، يرفض هيوم ما يسمِّيه البعض «غريزة التديُّن» في الإنسان لصالح الشعور بالخوف على الحاضر والمستقبل، ويستدلُّ على ذلك بوجود أجناس بشريَّة في بقاع كثيرة من العالم لا تؤمن بوجود إله، فلو كان الإيمان فطريًّا في الإنسان لكان موجودًا في كلِّ الشعوب، وما وجد من ذلك استثناء[13]. وهو الأمر الذي يُخالف ما يثبته الاستقراء العلميُّ لحال الشعوب والجماعات. كما أنَّ فكرته عن أن «الإنسان كائن غير متديِّن بذاته» هي فكرة تحمل تناقضًا ذاتيًّا، وذلك حسب فهمه لها؛ حيث زعم أنَّ خوف الإنسان وقلقه هما اللذان دفعاه إلى التديُّن، ولم يسأل نفسه لماذا دفع هذا الخوف الإنسان إلى التديُّن بالذات ولم يدفعه إلى سلوك آخر؟ ولماذا دفع كلَّ المجتمعات البشريَّة إلى التديُّن من دون غيره؟! ألا يعكس ذلك تهافت رأي هيوم وتناقضه الذاتيٍّ؟!فالإنسان دائم البحث عن الإله طيلة حياته، ولا يمكنه إلَّا أن يوجد متديِّنًا بدين ما، فالإيمان خاصيَّة إنسانيَّة، ويمكن دعم هذا التصوُّر بما أكَّده هربرت سبنسر حول إيمان الملاحدة، وحديثه عن المعنى المفارق للدِّين؛ والذي يتأسَّس على التسليم بوجود علَّة وراء هذا الكون، من دون الخوض في تحديد ماهيَّتها أو حقيقتها[14].
كذلك يبدو رأي هيوم في تطوُّر الأديان لا يقلُّ تهافتًا عن رأيه عن السبب في نشأتها؛ حيث أنَّه من المتعذِّر إيجاد قانون لتطوُّر الأديان تاريخيًّا يفسِّر كلَّ الحالات الجزئيَّة؛ فكلُّ قانون أو نظريَّة وُضعت، يمكن بسهولة دحضُها؛ لأنَّ ثمة حالات جزئيَّة تعارضها، ولأنَّ في كلِّ مرحلة تاريخيَّة وُجدت أديان تمثِّل نماذج لكلِّ الاتِّجاهات: توحيديَّة، شِركيَّة، وثنيَّة، عبادة مظاهر الطبيعة، عبادة أو تقديس الأرواح، الطوطميَّة... وفي العصور التاريخيَّة الأولى نجد الديانات الطوطميَّة، والإحيائيَّة أو الحيويَّة، ونجد ديانة التوحيد، وديانة المانا، كما أنَّنا في ديانات العالم المعاصرة لا نزال نجد ديانات من كلِّ نوع من الأنواع السابقة، نجد الطوطميَّة والإحيائيَّة بين بعض قبائل أفريقيا وأستراليا وآسيا والأميركيَّتين. كذلك نجد عبادة الأرواح في اليابان وأستراليا، ولا تزال عبادة المانا في بعض قبائل أستراليا، كما لا تزال عبادة مظاهر الطبيعة في بعض ديانات أميركا الَّلاتينية بين الهنود الحمر في سلسلة جبال الأند. لذا، كان اختلاف واضعي نظريَّات نشأة الأديان، فكلُّ واحد منهم أخذ حالة دينيَّة وغفل عن الحالات الأخرى[15]. كما يبدو تهافت نظريَّة هيوم في تطوُّر الأديان من الوثنيَّة التي اعتبرها الدين الأول والأكثر قِدمًا للإنسانيّة، إلى التوحيد المواكب لكلِّ تقدُّم إنسانيٍّ، وهو ما سيتَّضح بجلاء في المحور التالي من محاور هذا البحث.
ثانيًا- الوثنيَّة هي الدين الأوَّل للبشريَّة:
ساد عصر هيوم تفسيران لنشأة الدين: أولهما يقول بأنَّ الدّين الأول للإنسان كان هو التوحيد الإلهيَّ الذي عرفه من طريق الوحي، وليس من طريق التأمُّل النظريِّ، ثم حاد عن التوحيد وسقط نتيجة الخطيئة في الشِّرك والوثنيَّة. وثانيهما يقول بأنَّ تعدُّد الآلهة أو الشِّرك كان هو أول مظهر للدين، وقد عرفه الإنسان نتيجة التأمُّل في انتظام الكون والبحث عن علل ظواهر الطبيعة. وقد كان هيوم من المؤيِّدين للتفسير الثاني لأنّه استبعد أن يكون التأمُّلُ النظريُّ في انتظام علل الطبيعة من بين الاهتمامات التي شغلت تفكير الإنسان البدائيِّ بهمجيَّته وبربريَّته[16]. ومن ثم ذهب إلى أنَّ «الدين الأَول ليس ألوهيًا، وإنما هو شِركيٌّ ووثنيٌّ، يُناسب حيوانًا بربريًّا ومعوزًا كما يناسب الفضوليَّة الضعيفة»[17].
يجزم هيوم في مفتتح كتابه «التاريخ الطبيعيُّ للدين»: «أنه منذ حوالي 1700 سنة كانت البشريَّة بأسْرِها وثنيَّة تعبد آلهة متعدِّدة، وأنَّ المبادئ الشكِّيَّة التي ارتابت بالوثنيَّة لدى بعض الفلاسفة متَّجهة إلى التوحيد لم تمثِّل توحيدًا نقيًّا كاملاً. وحتى لو كان هناك تصوُّر أو تصوُّران خالصان للتوحيد فإنَّ ذلك لا يمثِّل نفيًا جديرًا بالاعتبار لحال الوثنيَّة المسيطرة على العصور القديمة. إذن، فشهادة التاريخ واضحة، وكلَّما أوغلنا في أعماق العصور القديمة وجدنا البشريَّة غارقة في الشِّرك، وأنَّه ليس هناك وجود لآثار أو علامات تدلُّ على وجود دين آخر أكثر كمالًا من الشِّرك، وأنَّ السجلَّات القديمة ما زالت تؤكِّد لنا سيادة هذه المنظومة (عقيدة الشِّرك) بوصفها العقيدة الشائعة والراسخة»[18].
يرى هيوم أنَّ كلَّ الأدلَّة تؤكِّد أنَّ الوثنيَّة هي الدين الأول للبشريَّة. فالدليل العقليُّ يكمن في حركة التطوُّر الحضاريِّ، فإذا كانت حركة الحضارة الإنسانيَّة عامة هي حركة تطوُّر وارتقاء، فإنَّ الدين بوصفه نشاطًا إنسانيًّا قد مرَّ بمختلف مراحل التطوُّر والارتقاء من أدنى إلى أعلى، بدءًا من النظرة التعدُّديَّة إلى الآلهة، مرورًا بالنظر إليها نظرة هيراركيَّة أو هرميَّة، حتى وصلت الإنسانيَّة إلى الوحدانيَّة، بل يرى أنَّه لا يستقيم القول بأنَّ الإنسانيَّة عندما كانت بربريَّة وجاهلة آمنت إيمانًا نقيًّا بوجود إله واحد، وعندما تقدَّمت وتعلَّمت وتهذَّبت وقعت في الخطأ وعبدت آلهة متعدِّدة!. والدليل التاريخيُّ هو ما يستمدُّه من السجلَّات والمدوَّنات التاريخيَّة المتعدِّدة التي تؤكِّد وثنيَّة الأمم البدائيَّة بلا استثناء. كما أنَّ الدليل الاستقرائيَّ التجريبيَّ الذي يسوقه هيوم هو أنَّ القبائل المتوحِّشة والشعوب البربريَّة في عصره، والمنتشرة في أميركا وأفريقيا وآسيا، كلُّها وثنيَّة، ولا يوجد استثناء لهذه القاعدة - كما يقول- وأنَّ الإنسان إذا ما سافر إلى أيِّ منطقة غير معروفة ووجد سكَّانًا جاهلين وبربريِّين فبإمكانه أن يتوقَّع مُقدَّمًا أنهم وثنيون، وقلَّما توجد احتماليَّة خطأ توقُّعه[19]. ثمَّ يستطرد لتأكيد هذا المعنى قائلًا:«فلنبحث عن شعب يفتقر بدرجة كاملة إلى الدِّين، فإذا وجدناه على الإطلاق، فلنكن متأكِّدين أنه شعب بربريٌّ لم يتطوَّر عن رتبة الحيوانات إلَّا بدرجات قليلة»[20].
كذلك يرى هيوم أنَّ هذه الأدلَّة لها من الكمال والقوَّة ما يجعلها تدحض أيَّة أدلَّة أخرى؛ فإذا كان أصحاب النظريَّة المضادَّة يذهبون إلى أنَّ البشريَّة بدأت أول ما بدأت بالتوحيد الذي تكشَّف لها بوحيٍ إلهيٍّ، والذي لم يكن الشِّرك إلَّا مظهرًا من مظاهر فساده، وأنَّ مرحلة التَّوحيد الخالص سابقة في العصور الأكثر قِدَمًا قبل معرفة العلوم المتقدِّمة والثقافات المختلفة، فإنَّ هذه النَّظرة تنطوي على تناقض ذاتيٍّ؛ إذ تعني أنَّ الإنسانيَّة عندما كانت في حالة جهل وبربريَّة اكتشفت الحقيقة، ولكنَّها وقعت في الخطأ بمجرَّد أن حصلت على التعليم والتهذيب[21]. وهو يتساءل مستنكرًا وجهة النظر المضادَّة والتي ترى أنَّ التوحيد سابق على الشِّرك، فيقول: «هل سكن الناس القصور قبل البيوت والأكواخ؟! أم تعلَّموا أصول الهندسة الزراعيَّة قبل الزراعة؟!»[22].
في هذا الإطار، نجد أنَّ هيوم يربط الشِّرك بنشأة الدِّين برباط وثيق؛ حيث يرى أنَّ أفكار الدِّين الأول لم تنشأ من التفكير في أعمال الطبيعة، وإنَّما نشأت من الخوف والقلق الَّلذين كانا يعتريان الإنسان الأول ويقُضَّان مضجعه، فمن الآمال والمخاوف المستمرَّة تحرِّك العقل الإنسانيَّ تجاه التأليه. ولمَّا كان الإنسان البدائيُّ لا يملك من الوعي ما يجعله يفكِّر نظريًّا في الظواهر الكونيَّة، كما أنَّه لم يكن مشغولًا بتقديم تفسير عقلانيٍّ لأعمال الطبيعة لمعرفة العلل الحقيقيَّة التي تكمن وراءها، فضلًا عن أنَّه لم يكن ليرقى بتفكيره إلى درجة افتراض أنَّها تُردُّ في النهاية إلى علَّة واحدة كبرى. ويكمن المنبع الحقيقيُّ للشعور الدينيِّ القائم على الشِّرك، في مشاعر القلق والخوف والأمل التي كانت تسيطر على الإنسان البدائيِّ عن القوى المجهولة وغير المرئيَّة.
بيد أنَّ هذا التفسير من هيوم يعدُّ في الحقيقة تفسيرًا قاصرًا؛ لأنَّ تفسير انتظام العالم ووحدته كان ولا يزال همًّا إنسانيًّا، وقد دفع هذا الهمُّ المعرفيُّ بعض العقول إلى الإيمان بإلهٍ واحدٍ عاقلٍ حكيمٍ كأساسٍ لانتظام العالم ووحدته[23].
وقد تخيَّل الإنسان البدائيُّ- في نظر هيوم- طبيعة الآلهة على طبيعته وإرادته التي تتغيَر وتتبدَّل من حال الرضا إلى حال الغضب، ومن الحالة الخيِّرة إلى الحالة الشرِّيرة والعكس. أي أنَّ الإنسان الأول لم يدرك حقيقة الظَّواهر، وإنَّما فسَّرها تفسيرًا بدائيًّا بعيدًا كلَّ البُعد عن حقيقتها وماهيَّتها، وأسقط عليها صفاته البشريَّة ورغباته، وظنَّ أنَّ كلَّ ظاهرة وراءها إله. ولمَّا كان الإنسان يستشعر الخوف من تلك الآلهة، فقد حاول أن يسترضيها ويستعطفها مثلما يسترضي إنسانٌ إنسانًا ذا جاه أو منصب. وهذا الخوف هو الذي جعل خياله يجسِّد قوى الطبيعة تجسيدات شخصيَّة على شكل آلهة، لكنَّها آلهة لها صفات بشريَّة مضخَّمة من حيث درجة القوة واستمراريَّة البقاء. فهي في الأصل صفات بشريَّة تم مدُّها وتعظيمها إلى ما لا نهاية؛ ففكرة الله أصبحت تعني كائنًا لا نهائيَّ العقل والحكمة والخير والرحمة والجبروت وغير ذلك من صفات الكمال، وكمال الإله ما هو إلَّا الكمال الإنسانيُّ غير المتعيِّن في الواقع البشريِّ وإن كان متعيِّنًا في الوعي الإنسانيِّ كفكرة أنتجها الخيال، وصفات الله الكامل ما هي إلَّا امتداد للصفات الإنسانيَّة، فالإنسان خيِّر وحكيم وعادل وقادر وجبَّار ورحيم، لكنَّ هذه صفات متناهية في الحالة الإنسانيَّة ولا متناهية في الحالة الإلهيَّة. وتصوُّرها على هذا النحو لم يأت نتيجة معاينة الإنسان لها بخبرته، وإنَّما يأتي كنتيجة لفعل الخيال الذي يوسِّع مدى صفات الإنسان لكي تصير لا متناهية، ثم يسقطها على مفهوم الإله[24].
لا شكَّ في أنَّ تفسير هيوم هذا لا يصلح لتفسير جميع العقائد ككلّْ، وتقف صلاحيَّته عند تفسير عقائد المُشَبِهة، أي عقائد الذين يشبهون الله بالبشر. لكنَّه لا يصلح لتفسير عقائد التنزيه التي تثبت الأسماء الإلهيَّة لكنَّها تنفي أيَّ مماثَلة ولو من أيِّ نوع مع الصفات البشريَّة(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(الشورى:11)،(وَجَعَلُوا لِلَّـهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ) (الأنعام: 100)، مهما خطر على بالك فالله بخلاف ذلك»... كما لا يصلح تحليل هيوم لتفسير العقائد المجرَّدة، التي تجرِّد الذات الإلهيَّة من أيِّ نوع من الصفات المعروفة حرصًا على تميُّزها، مثلما تفعل بعض الديانات الوضعيَّة كالديانة البرهمانيَّة أو كما في بعض اعتقادات الفلاسفة[25].
ومع ذلك يرى هيوم أنَّ الأديان البدائيَّة لم تكن متخلِّفة على نحو مطلق ولم تكن تخلو من نقاط إيجابيَّة؛ إذ يعتبر أنَّ لها إيجابيَّات تتمثَّل في أبعاد ثلاثة: فلسفيَّة، وعقائديَّة، وسياسيَّة. ويتجلَّى البعد الفلسفيُّ في حالة الوفاق التي يكون عليها الوثنيُّ مع الطبيعة. وفي ما يتعلَّق بالبعد العقائديِّ، فإنَّه يغلب عليه التسامح تجاه الشعوب الأخرى. وأخيرًا، تتجلَّى إيجابيَّة البعد السياسيِّ لدين الشِّرك في كونه دينًا إيجابيًّا مع كونه متسامحًا [26].
لكنَّنا نتساءل: أيُّ وفاق ذاك الذي يتحدَّث عنها هيوم بين الإنسان القلق الخائف المذعور أمام الظواهر الطبيعيَّة التي تتكرَّر بصفة مستمرَّة؟! وأيُّ وفاق في حياة مضطربة وغير مطمئنة؟ كما أنَّ حالة التسامح التي يدَّعيها هيوم بين الشعوب الوثنيَّة فلا أعلم من أين أتى بها وحوادث التاريخ تشهد بعكس ذلك! وهو الأمر الذي سنتوقَّف عنده كثيرًا في المحور الرابع من محاور هذه الدِّراسة.
ثالثًا- انبثاق التوحيد من الوثنيَّة:
يرى هيوم أنَّ عقيدة التوحيد عقيدة قديمة جدًا نجح في أن يعتنقها أناس من كلِّ الطبقات والمراتب، لكنه لا يعزو هذا النجاح بوجه من الوجوه إلى تلك القوة السائدة غير المرئيَّة التي تأسَّست عليها، ومن يعتقد أنَّ هذه القوة غير المرئيَّة هي التي سعت لنشر هذا الاعتناق الواسع لها بين الناس سيُظهر نفسه قليل المعرفة بجهل وحماقة الناس وتحيُّزهم - الذي لا مناص منه- لصالح معتقداتهم الخرافيَّة الخاصَّة. ويستطرد لتأكيد فكرته هذه مُرتئيًا أنَّ عوامَّ الناس في أوروبا، حتى في العصر الحديث، لا يؤمنون بهذه القوة العليا مستندين إلى النظام والغائيَّة الموجودَين بالكون والتي يجهلهما الناس تمامًا وينظرون إليهما بفتور ولامبالاة، ولكنَّ معظم الناس قد آمنوا بهذه القوة غير المرئيَّة نتيجة للخوف والقلق من الأخطار المحيطة بهم، مثل: الموت المفاجئ، والأمطار والأعاصير، والجفاف الشديد؛ إذ يعزو الإنسان إنقاذ البشريَّة من هذه الشرور إلى العناية الإلهيَّة المباشرة، وهذه هي البراهين الوحيدة لديه[27]. وينتهي من ذلك إلى أنَّ عقيدة التوحيد التي وُجدت بين الناس بُنيت على مبادئ غير عقلانيَّة وخرافيَّة وبلا أيَّة رؤى برهانيَّة، ووجدت خلال تسلسل تفكير محدود انتقل من الشِّرك إلى التوحيد في مرحلة توازى فيها ما هو دينيٍّ مع ما هو سياسيّْ.
إلى ذلك، يرى هيوم أنَّ الشِّرك هو الدِّين البدائيُّ للبشر غير المتعلِّمين، وهو بما ينطوي عليه من الإيمان بوجود آلهة متعدِّدة بتعدُّد الظواهر الطبيعيَّة يلائم سياسيًّا تعدُّد القبائل والجماعات الإنسانيَّة. حيث يرى أنَّ الحياة البدائيَّة فرضت على الإنسان البدائيِّ العيش في جماعات متفرِّقة وقبائل مختلفة، وكان لكلِّ قبيلة معبودٌ خاصٌّ بها، ومن ثم ربط بين التطوُّر السياسيِّ والتطوُّر الدينيِّ حيث أنَّ القبائل المتعدِّدة التي تدين بآلهة مختلفة إذا ما تمَّ ضمُّها وتوحيدها تحت راية واحدة بخضوع تلك القبائل لقبيلة كبرى واحدة نتيجة السيطرة والغلَبة السياسيَّة، فإنَّها تنتقل بهذا التوحيد القبليِّ السياسيِّ من الشِّرك إلى التوحيد الدينيّْ.
هيوم يعتبر أيضًا أنَّ التوحيد الدينيَّ لا يحدث مباشرة عقب التوحيد السياسيِّ وإنَّما يظلُّ فترة يسود فيها الاعتقاد الهرميُّ التراتبيُّ في الآلهة؛ فآلهة القبائل الخاضعة أصبحت في رتبة أقلَّ من إله القبيلة المنتصرة، ولا تزال لها مكانة في الإيمان، لكنَّ إله القبيلة المنتصرة أصبح هو كبير الآلهة ورأسها مثلما أصبحت تلك القبيلة هي كبيرة القبائل ورأسها. وفي مرحلة سياسيَّة أخرى عندما تتمُّ الوحدة السياسيَّة وتتلاشى الفروق القبليَّة، وتخلص السيطرة للقبيلة المنتصرة خلوصًا يهيِّئ لها نفوذًا شاملًا على المستوى الاجتماعيِّ والسياسيِّ والثقافيِّ... عند ذلك ينبثق التوحيد في العقيدة الإلهيَّة ويسود إله واحد لا شريك له.
في هذا المجال، ينبِّه هيوم إلى خطورة هذا التصوُّر الدينيِّ على الإنسان نفسه، فالإنسان المحدود القدرات يشعر بالدونيَّة والخضوع أمام هذا الربِّ السيِّد الكامل، الأمرُ الذي ينتج منه تحديد العلاقة بين الإنسان والإله في شكل علاقة خوف وخضوع، أي علاقة عبدٍ بسيِّد. وهنا يتبلور الخلاص في طاعة هذا السيِّد والالتزام الصُوَريِّ بالعبادات وهو ما يُنتج برودة وخمولًا للقلب، وشيوع عادة النِّفاق والرِّياء وسيادة مبادئ الغدر والزيف والتملُّق. ومن هذا المنظور ينتقد كلَّ الشعائر والطقوس.
لا شكَّ في أنَّ هيوم ينطلق هنا من أفق ضيِّقٍ ذي رؤية أحاديَّة لا ترى إلَّا جزءًا من الحقيقة؛ إذ أنَّ هناك حالات تاريخيَّة تعارض ما ذهب إليه، أو أنَّ تفسيره هذا لا يصحُّ إلَّا في بعض الحالات التاريخيَّة التي تفرض فيها قبيلة ما تصوُّرها في الألوهيَّة على سائر القبائل، وإذا ما سلَّمنا بذلك فإنَّه هنا يتعرَّض لتناقض ذاتيٍّ في ما يتعلَّق بالتسامح الوثنيِّ؛ إذ كيف يستقيم الفرض القهريُّ لتغيير المعبود مع التسامح الوثنيِّ المزعوم من قِبَله؟! كما يخبرنا التاريخ أنَّ هناك حالات كثيرة كانت تتمُّ فيها السيطرة لقبيلة ما لكنَّها لم تقُم بمحو آلهة القبائل الخاضعة، ومن ثم تستمرُّ التعدُّديَّة كما كان يحدث في مصر الفرعونيَّة باستثناء حالة أخناتون.
وينبغي القول أنَّ رؤية هيوم هذه تتعارض أيضًا مع حالات تاريخيَّة أخرى حيث يكون التوحيد هو البداية، أما الشِّرك والتعدُّد فيكون حالة فساد تحدث عندما ينحرف الناس عن التوحيد. وهو الأمر الذي برهن عليه العديد من الدراسات المتخصِّصة التي قام بها علماء الأجناس والأنثروبولوجيا، وأكَّدها الفلاسفة ببراهين ساطعة قويَّة؛ فقد أيَّد كثير من هؤلاء العلماء القول بأنَّ التوحيد هو دين البشريَّة الأول، مثل الألماني اينرايخ Enreich في مقاله “الآلهة والمنقذون Gods and Savers” والذي نشره عام 1906م، وهو بحث عن قبائل الهنود الحمر. كما أَكَّد عالم الأجناس والأنثروبولوجيا الألمانيُّ الأب شيمت Schmidt في العديد من أبحاثه أنَّ التوحيد كان الدين الغالب على القبائل البدائيَّة الموغِلة في التاريخ، وأوضح أنَّ القبائل الأستراليَّة الوسطى التي زعم الباحثون (دوركايم وغيره) أنَّها تُعبِّر عن المرحلة البدائيَّة الأولى للبشريَّة ما هي إلَّا قبائل حديثة تمثِّل الطَّور السادس من تطوُّر قبائل أستراليا، وتوجد قبائل أقدم منها عرفت الإله الواحد الأسمى[28].
هذه الرؤية أكَّدها العديد من الفلاسفة؛ ومنهم الفيلسوف الألمانيُّ فردريك شلنج
(F.W.J. Schelling 1775 -1884) الذي ذهب في كتابه “فلسفة الميثولوجيا” إلى أنَّ فكرة عن التوحيد غامضة وغير واضحة كانت تسود الإنسانيَّة الأولى، وكذلك ذهب أوتو بفيلدرر Otto Pfledrerer، وهو الأمر نفسه الذي أكَّده الفيلسوف الاسكتلنديُّ أندرو لانج (A. Lang 1844- 1912) في كتابه “صنع البشريَّة Making of Humanity”، إذ رأى فيه أنَّ الدين الأول هو دين السماء. واستند في ذلك إلى الدراسات الأنثروبولوجيَّة واكتشافات هويت Howitt وبحوث مان T.H. Man عن الموجود الأسمى في قبائل وسط أفريقيا مثل الزولو والبوشمن والهوتنتوت، وبعض القبائل البدائيَّة الأميركيَّة وبعض قبائل أستراليا الجنوبيَّة والشرقيَّة[29]. ويرى»لانج» أنَّ المعتقدات الصحيحة تسبق المعتقدات الخاطئة، وأنَّ العقل يسبق المخيِّلة في العمل، فالديانات بدأت توحيديَّة نقيَّة، ثم تلتها معتقدات أسطوريَّة غير صحيحة نتيجة عمل المخيِّلة. وكذلك أكَّدت جميع الأديان السماويَّة أنَّ التوحيد كان هو الأصل والبداية. وهكذا يمكننا القول بأنَّ هيوم- في معالجته لتلك المسألة- قد افتقد منهجيَّات علم النقد التاريخيِّ، ولم يبذل المجهود الَّلازم في تقصِّي المعارف الاجتماعيَّة والأنثروبولوجيَّة المُتاحة في عصره، هذا فضلًا عن عدم ميلهِ إلى تحليل النصوص المقدَّسة، وما ورد فيها بهذا الشأن، والذي كان سيفيده كثيرًا بلا شكّْ.

كما أنَّ موقف هيوم العدائيَّ من الدِّين المسيحيِّ قد أبعده تمامًا عن الأخذ بمعطيات الكتب السماويَّة في هذا الإطار؛ إذ تشير كلُّها إلى أنَّ الحالة الأولى للدِّين هي التوحيد، وأنَّ هذا التوحيد لم يكن باستنباط أو تأمُّل أو نتيجة للخوف من المجهول، أو لسبب من الأسباب النفسيَّة أو الاجتماعيَّة كما ذهب هو وغيره. وقد ظلَّ النَّاس على التوحيد الخالص فترة طويلة من الزمان ثمَّ أعقبتها حالة شِركيَّة وثنيَّة اختلفت فيها عقائد الناس ونتجت فيها ديانات باطلة بسبب انحراف في التفكير، أو السلوك، أو نتيجة تأويل خاطئ للكتب المقدَّسة اتِّباعًا للمصلحة أو الهوى الشخصيّْ. ويبدو هذا التفسير هو الأقرب للصواب من وجهة نظر الباحث، وخصوصًا أنَّه يتَّفق كثيرًا مع التسليم بوجود إله، خَلَقَ الناس على الفطرة السليمة، وهداهم إلى صِراطه المستقيم، وما لبث الإنسان أن ضلَّ السبيل، فأرسل الله تعالى الرُّسل لهداية الناس وإرشادهم إلى الطريق الصحيح.
رابعًا- جدليَّة التعصُّب والتَّسامح الدينيُّ بين التعدُّد والتَّوحيد:
قد يتوقَّع القارئ ممَّا تقدَّم، ومن ربط هيوم التَّوحيد بتقدُّم البشريَّة والتعدُّد بالعصور البدائيَّة أنَّه يفضِّل التَّوحيد على الشِّرك، والعكس هو الصَّحيح، حيث يعتقد أنَّ مذهب التعدُّد لا يتميَّز بأنَّه أسبق أو سابق على التوحيد فقط، بل أسمى من التَّوحيد وذلك لسببين:
الأوَّل: إنَّ مذهب الشِّرك أو التعدُّد أقلُّ ضغطًا على العقل البشريِّ، فمذهب الشِّرك ليس أكثر فهمًا، بل -على العكس- هو مزيج كامل من الأساطير المتناقضة والخرافات الباطلة، ولذلك فهو لا يعترف بأيِّ محاولة جادَّة للتعقُّل أو الفهم. أمَّا مذهب التَّوحيد فهو يحفِّز البشر على أن يتفهَّموا الدِّين أو يحثُّهم على جعله يبدو عقلانيًّا، ومحاولة خلق نسق فلسفيٍّ ولاهوتيٍّ، وهذا سيسبِّبُ ضغطًاعلى العقل يؤدِّي بالإنسان إلى السير في طريق لا نهاية له من التعقُّل المزيَّف الذي سيوصف بأنَّه الأسوأ؛ لأنَّه الأكثر فسادًا وخداعًا من الفوضى البدائيَّة للشر[30].
الثاني: يرى هيوم أنَّ الدِّيانات التعدُّدية أكثر تسامحًا من التوحيد؛ فالشعوب متعدِّدة الأديان يسود بينها التسامح وثقافة العيش سويًّا، في حين أنَّ هذا لا يحدث مع الدِّيانات التَّوحيديَّة التي ترى أنَّها وحدها التي تحوز الحقَّ المطلق، وما عداها من أصحاب الديانات الأخرى فهم على وهم وضلال. وأنَّ من واجب هؤلاء الموحِّدين إرشاد هؤلاء الضالِّين إلى طريق الحقِّ وإجبارهم على اعتناق ما يؤمنون به، ومن ثمَّ يتكدَّر مناخ السلام العامِّ ليسود الصراع والحرب وسفك الدماء.
ويُسهب هيوم في تناول عرض جدليَّة التسامح والتعصُّب الدينيِّ بين التعدُّد والتوحُّد، فيقول: «إنّ روح التسامح لدى الوثنيِّين في الأزمنة القديمة والحديثة، أمر واضح جدًا لأيِّ شخص لديه أدنى اطِّلاع على كتابات المؤرِّخين أو الرَّحالة»[31]. وأنَّ الإغريق والرومان، على سبيل المثال، كانوا أكثر تسامحًا وأكثر ميلًا إلى استيعاب آلهة الشعوب الأخرى. وهو يبدو هنا مخالفًا للحقائق التاريخيَّة بشكلٍ ملحوظ، فكيف - إذن- يمكننا تفسير اضطِّهاد الوثنيِّين الرومان للوثنيِّين المصريِّين؟! وإذا ما عدنا إلى ديانات الإغريق والرُّومان الَّذين خصَّهم بالذِّكر نجد أنَّ كلامه عار من الصحة؛ فقد اضطَّهد اليونان الفيلسوف السوفسطائيَّ أنكساجوراس (ت:480 ق.م) الذي أعلن كفره بآلهة الأثينيِّين فتمَّ الحكم عليه بالإعدام جزاءً وفاقًا على كفره وتجديفه مما جعله يفرُّ من أثينا إلى لمباكوس Lampsacus بآسيا الصغرى حيث عاش إلى أن وافته المنيَّة[32]. كما اتُّهم بروتاجوراس بالإلحاد، وأُحرقت كتبه في ميادين أثينا، وحُكم عليه بالإعدام، إلَّا أنَّه تمكَّن من الفرار من براثنهم. كذلك اتُّهم سقراط بالكفر والمُروق عن الدِّين، وبأنَّه يُنكر الآلهة ويُفسد الشباب، وحُكم عليه بالإعدام بتجرُّع السمِّ، وقَبِلَ الحكم[33]. وقد تعرض أرسطوطاليس للاتهام نفسه عقب وفاة الإسكندر الأكبر إلَّا أنَّه تمكَّن من الهرب من أثينا إلى «خلقيس» وطن أمه، قائلًا: «لن أسمح للأثينيِّين أن يخطئوا في حقِّ الفلسفة مرَّتين». يقصد حالة إعدام سقراط السالفة الذِّكر وما كان سيحدث له هو شخصيًّا لو تمكَّن منه الأثينيُّون. ولم يتغيَّر الأمر عند الرومان؛ بل زادت حدَّته سوءًا فقد كان الرومان في الغالب أقلَّ تسامُحًا من اليونانيِّين في كلِّ شيء، وفي ما يتعلَّق بالدِّين على وجه الخصوص، ومن ذلك ما يقوله طه حسين:»وكذلك قامت بحماية الدِّين في روما جماعة (الإكليروس) وهيئة الحكومة ومجلس الشيوخ الذي كان واجبه الأول حماية ما ترك الآباء. فلا تعجَب إذا رأيت الرومانيِّين يقاومون الجديد مهما يكن، ويتشدَّدون في مقاومته إذا مُسَّ الدِّين. ولا تعجَبْ إذا رأيت الرومان في عصورهم الأولى يبغضون أشدَّ البغض ويناهضون أشدَّ المناهضة هذه الديانات الأجنبيَّة التي حاولت أن تنبت في روما بعدما انبسط سلطان روما على الأرض»[34].
ويواصل هيوم عرض فكرته الغريبة مرتأيًا أنه عندما يتمُّ الاتِّفاق حول معبود واحد لا شريك له تُعدُّ عبادة الآلهة الأخرى تافهة وغير ورِعة، ليس هذا فحسب، بل يبدو طبيعيًّا أن وحدة الهدف تستوجب وحدة الإيمان ووحدة الطقوس والشعائر، ويبرز رجال دين مهيَّأون لمواجهة خصومهم من الوثنيِّين، ولهم أهداف مقدَّسة منها الانتقام من هؤلاء الوثنيِّين المارقين، ومن ثم - كما يرى هيوم- تقع الطوائف بشكل طبيعيٍّ في العداء، وتطلق كلُّ طائفة العنان لنفسها للكراهية والحقد المقدَّسين على الأخرى[35].
كذلك يرى هيوم أنَّ عدم تسامح كلِّ الأديان تقريبًا التي دافعت عن وحدانية الله هو أمر مثير للانتباه على العكس تمامًا من الأديان الوثنيَّة. فالوثنيُّون مسالمون – من وجهة نظره - ويسمحون بتعدُّد الديانات والتعايش معها في سلام[36]. أما الموحِّدون فهم أكثر تعصُّبًا ورفضًا للتعايش السلميِّ مع ديانات الآخر المختلف. ومن ثم يلجأ لتأكيد فكرته الغريبة هذه بضرب بعض الأمثلة؛ فيقول: «إنَّ الروح الضيِّقة المتعصِّبة لدى اليهود معروفة جيَّدًا. وانتشرت المحمَّديَّة (الإسلام) بطرق أكثر دمويَّة، وإلى يومنا هذا ما زالت ترسل الَّلعنات وتتوعَّد الطوائف الأخرى، مع أنَّ الأمر ليس بالنَّار والحطب. أمَّا حين يعتنق الإنكليز والهولنديُّون مبادئ التسامح بين المسيحيِّين فإنَّهم يسلكون هذا المسلك الفرديَّ نتيجة للإرادة القويَّة للحكم المدنيِّ وبمعارضة مستمرَّة لمحاولات الرُّهبان والمتعصِّبين»[37]. وقد تأثَّر به كانط (I. Kant 1724 -1804) في هذه النقطة كثيرًا، والغريب أنَّه وافقه عليها ورأى أنَّه نظرًا لتعدُّد الوحي التاريخيِّ اختلف أهل العقائد؛ لأنَّ ما هو معترَف به عند البعض يرفضه البعض الآخر، ومن يرفضه يسمَّى غير مؤمن أو كافر، ويصبح مكروهًا من كلِّ قلب عند أهل العقيدة[38].
وتبدو فكرة هيوم عن «تسامح الوثنيَّة وتعصُّب أو عنف التوحيد» فكرة متهافتة منطقيًّا؛ لأنّه في حالة الوثنيَّة وتعدُّد الآلهة ترى كلُّ طائفة أنَّ معبودها هو الأحقُّ والأجدر بالعبادة من دون غيره، وأنَّ باقي الآلهة لا قيمة لها ولا تستحقُّ أن تُعبَد، ومن ثمَّ يستوجب ذلك الصراع لأجل هداية الفريق الآخر الذي يعاني الوهم والضَّلال، وهذا ما يتحقَّق بالفعل عندما تتغلَّب القبيلة الأكثر قوَّة على القبائل المهزومة التي تخضع لسلطانها وتُرغمها على عبادة إلهها، وذلك بحسب أمثلة هيوم نفسه التي يستخدمها لتأكيد فكرته، والتي يمكن استخدامها في الآن نفسه لتفنيد فكرته وبيان تهافتها. ومن ناحية أخرى، فإنَّ كلِّ الأديان التوحيديَّة وخصوصًا السماويَّة منها - في صورتها النقيَّة - تدعو دائمًا إلى السلام والمحبة والتوادِّ والتراحم والتسامح والرحمة.
من المفيد القول أنَّه إذا كان هيوم مُحقًّا -إلى حدٍّ ما- في حديثه عن التعصُّب اليهوديِّ المقيت؛ حيث يعتبر اليهود أنفسهم شعب الله المختار، ويعتقدون بميثاق إلهيٍّ أبديٍّ ضمن لهم الأفضليَّة على العالمين، فإنَّ الأمر يختلف تمامًا في الإسلام؛ الذي رفع شعار الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(النحل:125). كما أنَّ الإسلام لم ينتشر بحدِّ السَّيف وبإراقة دماء المعارضين كما يزعم هيوم، ومقولته هذه حمَّالة أوجه، فإمّا أن يكون المقصود منها أنَّ المسلمين أجبروا سكَّان البلاد التي فتحوها على الدخول كرهًا في الإسلام، أو أن تكون دواعي الفتح في حدِّ ذاته شجَّعت هؤلاء السكَّان على التحوُّل إلى الإسلام سواء لأسباب ماديَّة أم اجتماعيَّة أو ثقافيَّة، أو أنَّها أدَّت في النهاية إلى اعتناق الإسلام عن اقتناع. ومن ثم فإنَّ الاحتمال الأول مرفوض بنصِّ القرآن ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 256). أمَّا في الاحتمالين الثاني والثالث حيث يرى كلٌّ منهما أنَّ دواعي الفتح قد شجَّعت الناس على الدخول في الإسلام، أو أنَّ الناس اعتنقوا الإسلام عن اقتناع، فلا يعني ذلك إكراههم على الدخول فيه، أو أنَّه انتشر بحدِّ السَّيف. كما أنَّ الواقع يشهد بأنَّ الإسلام انتشر في شرق آسيا ودخل الناس في دين الله أفواجًا نتيجة للأخلاق الكريمة التي تحلَّى بها التُّجار المسلمون أثناء معاملاتهم مع أهل تلك البلاد.
خامسًا- التعدُّدية والتوحيد بين الشجاعة والذل:
في هذا المحور، يثير هيوم مسألة في غاية الغرابة رغم أنَّها تتَّفق مع رؤيته العامَّة في تفضيل الشِّرك على التوحيد؛ فالإله في الديانات التوحيديَّة واحدٌ أحد، لا شريك له، ولا ندٌّ ولا شبيه ولا مثيل، قادر على كلِّ شيء، وبعبارة هيوم «متفوِّق على الإنسانيَّة إلى ما لانهاية». ومع إقراره بأنَّ هذا الاعتقاد في الله هو اعتقاد صحيح جملة وتفصيلًا، فهو يرى أنَّه عندما يُضَمُّ إلى مخاوف أسطوريَّة فإنَّه يهبط بالعقل البشريِّ إلى أسفل دَرْك الخضوع والذلِّ بامتثاله للفضائل الرهبانيَّة التي تقتضي إماتة الشهوات والندم والتواضع والخضوع والمذلَّة في الحضرة الإلهيَّة. ويبدو ذلك واضحًا في الديانات التوحيديَّة. وهذا ينتقص من قدر الإنسان ومكانته في نظر هيوم مقارنة بالأديان الشِّركيَّة، ففي الأديان التوحيديَّة يكون الجلد بالسِّياط والامتناع عن الملذَّات والجُبن والتواضع والخضوع والطاعة التامَّة هي الوسيلة المُثلى لإحراز المكارم السماويَّة بين البشر[39].
حريٌّ القول أنَّ تقديس الآلهة والمبالغة في تنزيهها ووصفها بصفات خارقة، في مقابل الحطِّ من قيمة الإنسان وإظهاره ضعيفًا خسيسًا في حضرتها، كلُّها أمور - في نظر هيوم- تجعل التديُّن ملازمًا للخِسَّة والوضاعة والذلّْ. بمعنى أنَّ المرء إذا كان متديِّنًا فمعناه أن يصبح ذليلًا. وبهذا يتضاءل الإنسان أمام نفسه وأمام إلهه، فتغدو علاقته به كعلاقة العبد بالسيِّد، قائمة على الخوف والترهيب، وليس على الفضيلة والالتزام الخلقيّْ. كما أنَّ هذا الضرب من العبادة والتديُّن- في نظره - يحطُّ من قيمة الإله نفسه؛ إذ يتمُّ تصويره على أنَّه في حاجة ماسَّة ومُلحَّة للثَّناء والمديح والحمد، وهي عبارة عن عاطفة من أدنى العواطف البشريَّة، والتي تنتقص من قيمة الإله إذ نجعلها ملازمة له[40]. ومن ثمَّ يتمُّ تدنيس الإنسان في مقابل تقديس الإله وتعاليه.
وفي الأديان الشِّركية يُدرك الإنسان أنَّ الآلهة ليست متفوِّقة كثيرًا على الإنسان، وأنَّ الكثير منها قد تطوَّر من تلك المرتبة الدنيا إلى مرتبته الإلهيَّة الحاليَّة! وفي هذه الحالة يصبح الإنسان أكثر أرْيَحيَّة في مخاطبتها والتعامل معها، بل يمكنه، ومن دون أن يتحوَّل إلى مجدِّف، أن يطمح في بعض الأحايين إلى منافستها ومحاكاتها، ويكون عندئذٍ ذا روح فعَّالة ولديه من الشجاعة والشهامة وحبِّ الحرِّية وكلِّ المزايا التي تليق بإنسان عظيم[41]. أي أنَّ فكرة عَظَمة الإله الَّلامتناهي وجلالته قد شجَّعت التأكيد على مواقف الانحطاط الإنسانيِّ بخلاف العقليَّة الوثنيَّة[42].
ويدلِّل هيوم على فكرته الغريبة بأنَّ الإسكندر ذلك الإمبراطور الوثنيَّ طمح إلى منافسة هرقل وباخوس حين تظاهر بالتفوُّق عليهما تمامًا، وأنَّ هذا لم يكن يتسنَّى لأحد في الديانات التوحيديَّة. ومن ثمَّ يؤيِّد ملاحظة مكيافيللي الذي رأى أنَّ عقائد المسيحيَّة زكَّت الشجاعة السلبيَّة والمعاناة، وأخضعت الروح الإنسانيَّة وهيَّأت الناس للعبوديَّة والخنوع. فالإنسان الموحِّد يفرط في كلِّ المعاني الإنسانيَّة الرفيعة، ويتحمَّل العذابات من أجل مكافأة السماء في العالم الآخر بينما يستمتع الوثنيُّ بحياته الراهنة[43].
وهنا تبدو مغالطات هيوم ظاهرة، فالأديان الشِّركيَّة تعتقد في الآخرة وتلتزم بالمبادئ الإنسانيَّة رغبة في النعيم وابتعادًا عن الجحيم أو الفناء والعدم. وتُعدُّ الديانة المصريَّة القديمة أبرز مثال على هذا، وهي الديانة التي ذكرها كثيرًا في كتابه «التاريخ الطبيعيُّ للدين» وذكرها بدرجة أقلَّ في سائر مؤلَّفاته، لكنَّه لم يلتزم الحياد والموضوعيَّة، فقد رسم لنفسه أهدافًا منذ البداية، وراح يختار من الشواهد ما يؤكِّدها ويدعمها ويتجاهل تمامًا ما يخالفها. فكيف يرتضي الإنسان لنفسه إلهًا يزعم أنَّ بإمكانه منافسته أو التفوُّق عليه؟! أليس مثل هذا الاعتقاد ينسف فكرة الألوهيَّة ذاتها من الأساس؟
أعتقد أنَّ موقف هيوم السلبيَّ من المسيحيَّة، التي ترى أن يدير المسيحيُّ خدَّه الأيسر ليصفعه ذلك الظالم الذي لطم خدَّه الأيمن، من دون أن يبدي ذاك المظلوم أيَّة مقاومة طمعًا في رضا الإله الذي يأمره بذلك، هو السبب في ذلك الموقف. فهيوم- إذن- يرفض ذلك الخنوع الذي يأتي بأمر إلهيٍّ، ويرى أنَّه لا يناسب الرجال أبدًا. ومن ثم يرى أنَّ الدين يرتبط أكثر بالنساء، ذلك الجنس الذي يراه أكثر جبنًا وورعًا، فإنهنَّ من يحفِّزن الرجال على التقوى والتضرُّع والخضوع للمناسبات الدينيَّة، ورأى أنَّه ليس هناك رجل يعيش بمنأى عن النساء ويقبل الخضوع لمثل هذه الممارسات[44]. ولكن ألا ينتفي هذا الخضوع في معاملة الإنسان للإنسان أو علاقة المظلوم بالظالم في الإسلام في ظلِّ قوله تعالى:( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (الشورى:40). أما فكرة الخضوع والاستسلام والانقياد بالطَّاعة للإله المعبود فهي فكرة لا يمكن تصوُّر الإله من دونها لأنَّها من لوازم الألوهيَّة. أمَّا منافسة الإله ومحاولة التفوُّق عليه فهذه فكرة أسطوريَّة خالصة لم ترِدْ سوى في الأساطير القديمة. ولذلك يرى الباحث أنَّ هيوم قد اتَّبع هواه فنأى عن الحقيقة الموضوعيَّة، وراح يقدِّم وجهة نظر تخصُّه هو وحده من دون أن يكون لها أيَّة مرتكزات عقليَّة أو منطقيَّة أو تاريخيَّة من الممكن أن تستند إليها.
خاتمة:
نستنتج ممَّا سبق عرضُه مجموعة من النتائج المهمَّة التي توصَّل إليها هذا البحث عبر تناوله التحليليِّ النقديِّ لموضوع «نشأة الدين عند هيوم من التعدُّدية إلى التوحيد» والتي يمكن رصد أهمُّها في ما يلي:
أولًا: إنَّ هيوم من خلال رؤيته لتطوُّر الأديان من التعدُّدية إلى التوحيد قد رفض كلًّا الموقفين؛ أي الأديان الشِّركيَّة والتوحيديَّة، على مستوى الإيمان الشخصيِّ، وأنَّه حتى نهاية حياته لم يفكِّر في الاعتقاد بأيِّ إيمان بالدِّين -أيّ دين- وخصوًا منذ أن بدأ في دراسة الدِّفاع العقليِّ عن الَّلاهوت الطبيعيّْ؛ حيث تبيَّن له أنَّ الدِّين ينشأ من انفعالات مثل: الخوف من المصائب والأمل في مستقبل أفضل، أي عندما تتَّجه هذه الانفعالات نحو قوَّة عاقلة غير مرئيَّة، وأنَّ الناس قد حاولوا على مرِّ التاريخ أن يُعقلِنوا الأديان ويجدوا حججًا لصالح الإيمان، بيد أنَّ معظم هذه الحجج لم تصمد أمام التحليل النقديّْ. فالدِّين عند هيوم ليس له تأثير مُجْدٍ؛ إذ أنَّه اعتقد - مثلًا- أنَّ الدِّين يفسد الأخلاق بتشجيع الناس على أن يعملوا من أجل البواعث بدلًا من حبِّ الفضيلة لذاتها، وأنَّ أنواعًا من التملُّق نُسبت إلى آلهة الشِّرك الكثيرة التي أكسبها البشر صفات بشريَّة مضخَّمة، والتي أخذت كمالات تدريجيَّة عبر تطوُّر التصوُّر البشريِّ لها، حيث لم توجد صفة كماليَّة خطرت على بال البشر - كما يدَّعي هيوم- إلَّا وأسرع المتعصِّبون للدِّين إلى إضافتها إلى إلههم من دون تردُّد، حتى نُسب الَّلاتناهي أخيرًا إلى إله مذهب التَّوحيد. وهنا يبدو الخلط الشنيع بين الأديان الوضعيَّة والسماويَّة في ذهنه ممَّا يؤكِّد عدم إيمانه بأيِّ دين.
ثانيًا:إنَّ طرح فكرة تطوُّر الأديان عند هيوم، والبحث في تاريخه الطبيعيِّ جعله يُنزل الدِّين من عليائه المقدَّس ليبحث فيه كأيَّة ظاهرة طبيعيَّة أو بشريَّة ينبغى الغوص في أعماقها، والبحث في تاريخها، واستجلاء أبرز معالمها ومصادرها من دون أن تتحكَّم في من يبحثها، أي بنزع القداسة عنها وتناولها تناولا طبيعيًّا. وقد كان ذلك نتيجة لمذهبه التجريبيِّ الذي يعتمد في المقام الأول على التجربة الحسِّيَّة، ويقدِّم شهادة الحواسِّ على شهادة الفكر والتاريخ، والذي جعله يبتعد تمامًا عن الوقوف على الحقيقة الفعليَّة للدِّين بوصفه اعتقادات روحيَّة لا يمكن مقاربتها تجريبيًّا. وإذا كان هيوم قد زعم أنَّ قضايا الدِّين لا تخضع للمشاهدة والتجربة العلميَّة، ومن ثمَّ رفضه، فإنَّ موقفه هذا لن يستقيم أو يتَّسق ذاتيًّا إلَّا إذا توصَّل بالمشاهدة والتجربة إلى أنَّه في قضاياه الأساسيَّة باطل.
ثالثًا:بيَّنت هذه الدراسة موقف هيوم الانتقائيَّ في عرضه لتطوُّر الأديان من التعدُّديَّة إلى التَّوحيد؛ إذ بدا أنَّه ينتزع بعض الحالات من تاريخ الأديان لكي يرتِّب عليها نتائج عامَّة. وكيف أنَّه غيَّب بعض القضايا والوقائع التاريخيَّة التي تعطينا أفكارًا مهمَّة حول نشأة العقيدة الدينيَّة، كما تجاهل الحديث عن بعض الديانات البدائيَّة مثل «الزرادشتية» والتي كانت ستغيِّر الكثير من الأمور حول تصوُّره لتَأرجُح الإنسان بين التعدُّدية والتوحيد ولأيٍّ منهما كان السبق التاريخيُّ، ممَّا يعكس وجود موقف مسبق مُعدٍّ سلفًا لدى هيوم يستهدف إثبات مقاصد ذاتيَّة، ممَّا ينأى بموقفه من الدِّين عن الموضوعيَّة أو الدقَّة العلميَّة.
رابعًا:يبقى زعم هيوم أنَّ الوثنيَّة هي نقطة البدء، وأن التعدُّد سابق على التوحيد معتمدًا في ذلك على نوع من التحليل الطبيعيِّ الذي ينطلق من فحص الطبيعة البشريَّة في تطوُّرها التاريخيِّ من زاويتين إحداهما نفسيَّة والأخرى عقليَّة، منتهجًا في هذا طريقة الاستنباط، زعمًا زائفًا؛ لأنَّه انتهج نهجًا غير مناسب لدراسة الظاهرة الدينيَّة، فكان عليه ألَّا يعمِّم منهجه التجريبيَّ على دراسة ما لا يقبل التجريب. كما كان افتقاده منهجيَّات علم النقد التاريخيِّ، وتقصيره في بذل أيَّة جهود في تعقُّب وتقصِّي المعارف الاجتماعيَّة والأنثروبولوجيَّة المُتاحة في عصره عن المجتمعات البدائيَّة، فضلاً عن عدم ميله إلى تحليل النصوص المقدَّسة،أسبابًا رئيسيَّة وراء قصور المقدِّمات التي انطلق منها في دراسته للدِّين.
خامسًا: بيَّن هذا البحث تهافُت زعم هيوم بأنَّ مذهب التعدُّد لا يتميَّز بأنَّه أسبق أو سابق على التوحيد فحسب، بل إ يُعدُّ أيضًا الموقف الأسمى؛ لأنَّ التعدُّد- من وجهة نظره- أكثر تسامحًا من التَّوحيد، فالأخير لا يميل إلى التسامح بل إلى التعصُّب أو الدوغماطيقيَّة والتطرُّف الدينيِّ والمذهبيّْ. وأنَّ التطوُّر من مذهب التعدُّد إلى التأليه صاحَبَهُ تطوُّر التعصُّب، والغطرسة، والتحمُّس المفرِط كما تبيَّن في سلوكيَّات اليهود والمسيحيِّين والمسلمين على حدٍّ سواء، وهو الرأي الذي بيَّنا فساده عقليًّا وتاريخيًّا.
سادسًا: بدت غريبةً جدًّا نظرة هيوم المريبة نحوعظَمَة الإله الَّلامتناهي وجلاله وتعاليه وسموِّه والتي قد تؤدِّي إلى الشعوربالانحطاط الإنسانيِّ الذي يتجلَّى في ممارسات الزُّهد وقهر النفس والخضوع للإله. فدوافع التأليه- كما يراها- تقتضي تعالي الإله وقدرته الَّلامتناهية من أجل أن تحمي المتألِّه من كلِّ الأخطار، وتحقِّق له آماله وطموحاته. فكيف- إذن- يحتمي الإنسان في من يماثله أو يستطيع منافسته والتفوُّق عليه؟! إنَّ التناقض يغلب على مواقفه من الدِّين بشكل واضح لسبب بسيط جدًّا وهو استخدام المنهج التجريبيِّ في موضوعٍ روحيٍّ خالص.
------------------------------------
[1]*ـ أستاذ الفلسفة الحديثة المساعد في كلِّية الآداب بجامعة بني سويف، جمهوريَّة مصر العربيَّة.

[2]- (Hume, Dialogues Concerning Natural Religion, in The English Philosophers from Bacon to Mill, edited. With An Introduction by Edwin A. Burtt, the Modern Philosophy,New York, 1939, p.701.

[3]- محمد فتحي الشنيطي، مقدِّمة لكتاب “محاورات في الدين الطبيعيّْ” لهيوم، مكتبة القاهرة الحديثة، الطبعة الأولى، 1956، ص 4.

[4]- حمادي أنوار، فلسفة الدين عند ديفيد هيوم، مجلَّة «التفاهم»، العدد(62) السنة السادسة عشرة، خريف 2018، ص 247.

[5]- (Hume, The Nature History of Religion, in: Philosophical Works of David Hume, Vol.IV, Boston: Little, Brown and Company, Edinburg: Adam and Charles Black.1825,pp. 420- 421.

[6]- Ibid, p. 421.

[7]- Ibid, pp. 421- 422.
[8]- Ibid, p.478.

[9]- محمد عثمان الخشت، الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم، دار قباء للنشر والتوزيع، القاهرة، 1997، ص 17.

[10]- Hume, The Nature History of Religion, p.423.

[11]- Ibid, p.423.

[12]- Ibid, p.427.

[13]- عبدالرحمن بدوي، موسوعة الفلسفة، المجلَّد الثاني، المؤسَّسة العربيَّة للدراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1984، ص 618.

[14]- حمادي أنوار، فلسفة الدين عند ديفيد هيوم، الهامش، ص 260.

[15]- محمد عثمان الخشت، تطوُّر الأديان- نظريَّة جديدة في منطق التحوُّلات، نيوبوك للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الثانية، 2017، ص 43.

[16]- محمد عثمان الخشت، الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم، ص 14.

[17]- جاكلين لاغريه، الدين الطبيعيُّ، ترجمة منصور القاضي، المؤسَّسة الجامعيَّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الأولى، 1993، ص 83.

[18]- (Hume, The Nature History of Religion, p.423.

[19]- (Ibid, p.421).

[20]- Ibid, p.492.

[21]- محمد عثمان الخشت، تطور الأديان، ص70.

[22]- (Hume, The Nature History of Religion, p.422.
[23]- محمد عثمان الخشت، الدِّين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم، ص 16.

[24]- See, Hume, An Enquiry Concerning Human Understanding, Edition Seliby Bigge, Oxford, 1975, p.19.

[25]- محمد عثمان الخشت، تطوُّر الأديان، ص71- 72.

[26]- محمد عثمان الخشت، الدين والميتافيزيقا في فلسفة هيوم، ص 18-19.

[27]- See, Hume, The Nature History of Religion, pp.445- 446.

[28]- أنظر،محمد عثمان الخشت، تطوُّر الأديان- قصة البحث عن الإله، القاهرة، دار الشروق الدوليَّة، الطبعة الأولى، 2010، ص 153.

[29]- علي سامي النشار، نشأة الدين - النظريَّات التطوُّريَّة والمؤلَّهة، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، د.ت، ص 183.

[30]- سامية عبدالرحمن، الدين والمعجزة في فكر هيوم التجريبيِّ، (من دون بيانات نشر)، ص 41.

[31]- (Hume, The Nature History of Religion, p.457.

[32]- أنظر، توفيق الطويل، قصة النزاع بين الدِّين والفلسفة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2011، ص65.

[33]- أنظر، مراد وهبة، ملاك الحقيقة المطلقة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1999، ص226.

[34]- طه حسين، من بعيد، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 2012، ص154.

[35]- (Hume, The Nature History of Religion, p.457.
[36]- يضرب هيوم أمثلة لهذا التسامح الوثنيِّ بالإسكندر الذي يصفه بالإمبراطور الوثنيِّ الذي أعاد عبادة البابليِّين التي أبطلها الأمراء الموحِّدون، وكيف أنّه قدَّم الأضاحي تبعًا للطقوس والشعائر البابليَّة. ( Ibid,p.458).

[37]- Ibid, p.458.

[38]- See, Kant, Lectures on Philosophical Theology, translated by Allen W. Wood & Gertrude M. Clark, Cornell University Press, London, 1978, p.40.

[39]- Ibid, pp.460- 461.

[40]- حمادي أنوار، فلسفة الدين عند هيوم، ص 264.

[41]- Hume, The Nature History of Religion, p.460.

[42]- فردريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة، المجلَّد الخامس، ترجمة محمود سيد أحمد، مراجعة وتقديم إمام عبدالفتاح إمام، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، الطبعة الأولى،2003، ص 387.

[43]- Hume, The Nature History of Religion, p.461.

[44]- See, Ibid, p.433.