للمؤرخ العربي فيليب
تكشف "بوابة الأهرام" عن مقال قديم للمؤرخ العربي فيليب حتي، أستاذ الحضارة الإسلامية الزائر بجامعة كولومبيا بأمريكا، والذي كتبه في عام 1917م، العام الذي شهد تقسيم المنطقة العربية فجعلها دويلات صغيرة، حيث تناول المقال التواجد السوري في أوربا منذ العصور القديمة قبل الميلاد، وهي الاتصالات التي تحير علماء الآثار في أوربا حتى الآن.

كانت هيئة الإذاعة البريطانية bbc قد نشرت الخميس الماضي تقريرًا عن كشف أثري حير العلماء في انجلترا، حيث اكتشف العلماء اكتشافًا مفاجئًا يغير من موقفهم إزاء تاريخ العلاقات التجارية بين بريطانيا والشرق الأوسط؛ إذ عثروا على أدلة تثبت صلات بين الأنجلوسكسونيين وسوريا في القرن السابع قبل الميلاد، حيث تم العثور على مادة القار موجودة على متن قوارب كانت تستخدم كمقابر للأنجلوسكسونيين تعود إلى القرن الـسابع الميلادي، وعثر عليها في موقع ساتون هوو بمقاطعة سوفولك شرق إنجلترا في عام 1939، ضمن أحد أكبر الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين.

ووصف المتحف البريطاني منذ أيام هذا الاكتشاف بأنه في منتهى الندرة؛ إذ يشكل أول دليل واضح على وجود اتصالات تجارية بين بريطانيا العريقة والشرق الأوسط، في أكبر الاكتشافات الأثرية في القرن العشرين بانجلترا، حسب وصف المتحف.

"بوابة الأهرام" تنفرد بنشر المقال الذي كتبه المؤرخ الكبير فيليب حتي، الذي استعرض في مقاطعه هجرة السوريين في بلاد أوروبا كانجلترا وفرنسا في عام 61 قبل الميلاد، حيث أكد في إحدى فقراته أنه تحت سور هدر يانس بانجلترا تم اكتشاف منظومة شعرية لضابط سوري في مدح آلهته السورية، بينما في قرب منطقة نيوكاسل وجدت مقطوعة شعرية أخرى، حيث أقامت سرية من الجنود الصوريين بعد أن استقدمتهم الامبراطورية الرومانية كعبيد وكجنود من الشام.

أما في فلسطين قديمًا قبل احتلالها عثر أحد المنقبين أيضًا على حجر كتب عليه أحد السوريين رسالة لزوجته التي كانت تقطن في وران بفرنسا، والتي رافقته حين مجيئه من فرنسا للإقامة ببلاد الشام؛ حيث كانت أغلبية الكتابات، كما يشير فيليب حتي، مكتوبة باللغة السريانية واليونانية؛ حيث كانت السريانية هي اللغة السائدة في سوريا آنذاك.

كتب المؤرخ العربي الكبير فيليب حتي في عام 1917م مقالًا في مجلة "المقتطف" يربط بين هجرة السوري في المنافي والبلاد البعيدة، وبين تاريخه، قائلًا بلغة عذبة: "للسوري القديم - الفينيقي- في عالم الاستعمار والمهاجرة سفر مكتوب بماء الذهب على صفحات البحار".

وما يحدث في سورية من خراب وتدمير على يد تنظيمات إسلامية متشددة مدعومة من بعض الدول العربية وتركيا ودول أوربية يجعل ما قاله المؤرخ العربي الكبير عن عشق المستعمرين لتحويل السوري لمهاجر ولاجىء في المنافي وتقسيم وطنه دورة تاريخية تستمر في كافة العصور حتى عصرنا الحالي، بينما ما سطره مقاله يهدىء من حيرة العلماء الأوروبيين أيضًا كي يكفوا عن البحث عن الصلات في أكبر اكتشاف في القرن العشرين بانجلترا.

والمؤرخ فيليب حتي، عمدة المؤرخين العرب ولد في لبنان عام 1886م وتوفي عام 1978م، التحق بجامعة كولومبيا في أمريكا، وحصل منها على درجة الدكتوراة سنة 1915، أي قبل كتابته للمقال النادر الذي تنشره "بوابة الأهرام" بعامين. ويكشف فيليب حتي في مقاله النادر أن الكثير من تجار سوريا نزحوا إلى بلاد اليونان في عهد الإسكندر الأكبر، وأنشأوا معاملهم ومخازنهم، وقاموا بإنشاء مستعمرتين في قلب أوروبا بالقرب من موانىء اليونان، وفي صقلية، وأقاموا فيها هياكل للإلهة أفردويت إلهة الحب والجمال.

كانت مستعمرة ديلوس في "صقلية" سوقًا رائجة للعبيد، وبخاصة للرقيق السوري، وهؤلاء العبيد انتهى بهم الحال في أوروبا بسبب الحروب التي كانت تشن على بلدانهم أو بسبب الديون والأفلاس أو ارتكاب الجرائم، وبعضهم كان النخاسون "تجار العبيد" يسرقونهم أو يشترونهم من ذويهم كما تشترى وتباع السلعة.

يؤكد فيليب حتي "أن الأسكندر الأكبر نقل من صور وحدها 30 ألف أسير ونقلهم لأوروبا، وأن تيطس بعده بأربعة قرون نقل 90 ألف أسير من أورشليم"، مضيفًا أن عدد العبيد السوريين حين زاد في سهول صقلية اشتد عليهم ضغط سادتهم من اليونانيين والرومان، ومن هنا اشتعلت حرب الرقيق الأولى في التاريخ، التي نشبت عام 135 قبل الميلاد، وحولت صقلية لخراب.

الذي قاد الثورة كان يدعى يونس السوري، أو يونو السوري، وولد في مدينة حماة السورية، وكان من قدره أن يتحول لعبد في جزيرة صقلية. استطاع يونس أن يحظى بثقة أقرانه من العبيد مشجعًا إياهم على التمرد على مُستغليهم، ولقبول دعوته قال إن الإلهة السورية أترعتا عينته قائدًا لجميع السوريين في جزيرة صقلية، وأمرته برفع لواء الثورة على روما التي لم يحترم قادتها آلهة السوريين، استطاع يونس وفي زمن قصير أن يجمع حوله ما يقارب الـ70000 من العبيد، حيث تم تنظيمهم ليصبحوا قوةً لا يستهان بها.

تمكن الثوار بقيادة يونس السوري من الاستيلاء على مدينة إنا، حيث نُصب يونس ملكًا عليها ملقبًا نفسه بالملك أنطيوخوس، وهو لقب كان يحمله حكام سوريا من السلوقيين، لم يمضِ وقت طويل حتى استطاع يونس أن يسيطر على وسط وشرق جزيرة صقلية، حيث قام بصك قطع نقدية من البرونز. أخفقت روما في محاولاتها الأولى لقمع التمرد؛ حيث هزمت جيوشها هزائم قاسية، إلا أن روما استطاعت هزيمته بعد إرساله عدة حملات أخرى وقُبض على القائد يونس السوري حيث توفي في سجن مورغانتينا.

يوضح حتي أن يونس السوري كان عليه أن يثبت أن الآلهة السورية اختارته كي يقود ثورة العبيد في أوروبا ضد الاستعباد، فقام ببلع النار، لافتًا إلى أنه بعد هزيمة يونس السوري ودعوته للتحرر قام سفليوس السوري بادعاء النبوة في أوروبا، وقام بثورة تدعو لتحرير العبيد السوريين في عام 103 قبل الميلاد، وسمى نفسه تريفون، أحد الملوك السوريين القدامى.

ويضيف أنه في عام 61 قبل الميلاد قامت روما بنقل آلاف السوريين إلى أوروبا وبالأخص إيطاليا وبعض الولايات التي تتبعها حتى تحول لفظة سيروس، أي سوري، إلى مرادف لكلمة عبد، حيث كان على العبيد السوريين أن يسوقوا المركبات لأسيادهم ويخدمون في بيوتهم وبعد أن أثبتوا مهارتهم وتفوقهم وزاد عددهم تم إلحاقهم كجنود في جيش الأمبراطورية الرومانية حيث تم تقسيمهم لفرق مثل الفرق الأوغسطية -نسبة لأغسطس، وهي مكونة من جنود من دمشق وحماة وطرابلس وصيدا وصور وبيروت، وكانت مكلفة بحماية نوميديا، تونس حاليًا، والفرقة التراجانية الثانية التي عسكرت في الإسكندرية وغيرها من الفرق التي كان لزامًا عليها أن تخدم في غير أوطانها السورية الأصلية.

كانت الفرق السورية المتواجدة في أوروبا هي التي استخدمها الرومان في الجيوش، وقامت بدور كبير في إخضاع ألمانيا، في حين كانت الفرق السورية المتواجدة في فرنسا تقوم بتحية الشمس، وهي العادة التي اكتسبوها من بلدانهم الأصلية، وجاء في التاريخ أن سرية عددها ألف من رماة حمص انتدبهم أحد القياصرة في روما للإقامة في بونيا، وأخرى من رماة دمشق انتدبهم القيصر في ألمانيا العليا، كما انتدب جنودًا من تدمر السورية، وكتب أولئك الجنود كتابات ومراسلات مهمة تدل على غيرتهم الدينية وارتباطهم بجذورهم في سوريا. ويوضح المؤرخ في مقاله النادر أن التجار السوريين نشطوا كثيرًا في عهد الإمبراطورية الرومانية فانتشروا في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا، وما تزال أعمالهم قائمة حتى الآن.