أربيل- محمد صادق أمين- الخليج أونلاين


الحديث عن العمل التنصيري ليس سراً يذاع، فهو مصطلح مسيحي يستمد شرعيته من الإنجيل؛ ففي عدة نصوص فيه دعا أتباع المسيحية إلى نقل دينهم والتبشير برسالة يسوع وموته وقيامه بحسب الاعتقاد المسيحي، وهو عبارة عن عملية تحويل الأفراد أو الشعوب إلى الديانة المسيحية.
وتنشط المنظمات التنصيرية في قارات العالم الخمس، وخصوصاً في البلدان التي تنتشر فيها الحروب، والكوارث، والفقر، والمجاعات، حيث تدخل هذه المنظمات للعمل كمؤسسات إغاثية، ومن خلال تقديم المساعدات الإنسانية تمارس العمل التبشيري، من خلال شريحة واسعة من الانشطة؛ تشمل إلقاء المحاضرات، وتوزيع الكتب، وإصدار المنشورات، وفتح الإذاعات المسموعة والمرئية، كل ذلك يأتي من خلال الأنشطة الإغاثية.
- التنصير في العراق
العراق هو أحد البلدان التي نكبت بالحروب منذ عام 1979، وآخر تلك الحروب غزو العراق عام 2003 من قبل القوات الأمريكية لإسقاط نظام صدام حسين، على حين يخوض العراق اليوم غمار حرب أهلية، بين الدولة الشيعية الوريثة للاحتلال الأمريكي، وتنظيم "الدولة الإسلامية" الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق، هذه النكبات المتوالية جعلت من أرض العراق ساحة خصبة للنزوح، والتهجير، والقتل، واستتبع ذلك جهل، وفقر، ومرض، وعوز، وهي بيئة مثالية للعمل التنصيري بحسب مراقبين.
فقد نقلت وكالة الأناضول للأنباء، السبت 16 مايو/ أيار 2015، عن مسؤول إيزيدي تحذيره من اتساع ظاهرة التبشير بالمسيحية بين النازحين الإيزيديين شمالي العراق.
وقال مدير عام الشؤون الإيزيدية في وزارة الأوقاف، خيري بوزاني، بحكومة إقليم كردستان العراق: إنه "وفق معلومات وردتنا، فقد تم رصد انتشار بضع ظواهر نراها غاية في الخطورة بين النازحين الإيزيديين في المخيمات التي يقطنونها في إقليم كردستان"، مضيفاً: "من ضمن تلك الظواهر نشاط غير مسبوق من قبل بعض الـمنظمات التبشيرية المسيحية (لم يحددها)، والتي تقوم باستغلال محنة وظروف هؤلاء النازحين المعيشية الصعبة، من خلال تقديم بعض المغريات لهم".
- دخول رافق الغزو
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر شنت الولايات المتحدة حرباً على دولتين في العالم الإسلامي؛ أفغانستان والعراق، ومع جيوشها الجرارة غزت جيوش المنصرين البلدين تحت عنوان منظمات إغاثية، ولا تزال تقدم الخبز للجائعين فيها باسم يسوع المخلص، فما بدأت الحرب على العراق حتى احتشدت جيوش المنصرين على بوابة العراق الغربية (الأردن) بانتظار دخول العراق مع طلائع الجيوش الأمريكية؛ لنشر رسالة الخلاص في مدنه التي أعياها الفقر، وأحيائه التي أنهكها المرض، وبين أطفاله الذين لم يعرفوا سوى الحرمان رفيقاً قط.
ويحتل العراق أهمية إنجيلية بالغة في الخطاب الصليبي، وهو ما أكد عليه بيلي غراهام، كبير مسؤولي التيار المسيحي الصهيوني في أمريكا، والصديق الحميم للرئيس جورج بوش الابن، في البيان الذي أصدره قبل أن تبدأ حرب تحرير الكويت جاء فيه:
"إذا كان هناك دولة يمكن أن نقول عنها إنها جزء من الأراضي المقدسة فهي العراق، لذلك يجب أن نضاعف صلواتنا، فالتاريخ أكمل دورته ونحن نعود مرة أخرى إلى هذه الأرض". التحالف المسيحي الذي يقوده غراهام يضم نحو 20 مليون أمريكي، بما فيهم الرئيس السابق جورج دبليو بوش الذي يؤمن بعودة المسيح وظهور ما يسمى (بالعصر الألفي السعيد) القائم على حتمية عودة المسيح، والدورة الكاملة للتاريخ التي تبدأ بعودة اليهود إلى الأراضي المقدسة في القدس ثم العراق؛ لأن منفى اليهود الذي عادوا منه كان بابل وعودة اليهود للقدس والسيطرة على بابل من علامات نهاية العالم.
- أهم المنظمات التنصيرية
المنصرون يعلنون أنهم يريدون إنقاذ الأرواح، وقد كتب ديفد ريني من ولاية أوهايو قائلاً: "إن الدعاة النصارى في الولايات المتحدة أعلنوا حرباً لتخليص الأرواح في العراق"؛ لذلك أفادت تقارير صحفية محلية أن أكثر من مئة منظمة تبشيرية دخلت العراق، وكبرى هذه المنظمات:
-هيئة الإرساليات الدولية، الذراع التبشيرية للمعمدين الجنوبين الذين يعدون أكبر طائفة بروتستانتية في أمريكا.
-مجلس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
-مجموعة من المعمدين الجنوبيين من ولاية نورث كارولاينا.
-هيئة المعونة الأمريكية.
-منظمة كريستيان شاريتي ورلد نيشون انترناشنال.
-منظمة المجتمع الدولي للإنجيل.
-منظمة تعليم أمة كاملة، تعرف اختصاراً (داون).
-القس البروتستانتي جون حنا من ولاية أوهايو.
-المبشرة جاكي كون، التي زعمت أن بعض العراقيين اعتنقوا النصرانية على يدها.
-منظمة سامرتيان بيرس.
-منظمة المنصرين البروتستانت.
تدخل هذه المنظمات إلى العراق تحت اسم منظمات إغاثة إنسانية، فالمسؤولون الأمريكيون اعترفوا بوجود المبشرين، مؤكدين أنهم يقدمون العون للناس وليس لينصروهم، وقد ذكر مسؤول حكومي لمجلة التايم أنه "بالنظر إلى العلاقات الودية بين الرئيس بوش واليمين المسيحي ومساندة المنظمات الخيرية الدينية، فإنه يكاد أن يكون من المستحيل أن يمنع البيت الأبيض منظمات الإغاثة الإنسانية من الذهاب إلى العراق".
- أهم وسائل المنظمات
-المعونات الغذائية: وتعتبر من أهم الذرائع التي دخلت بها المنظمات التبشيرية إلى العراق، حيث شهد العراق موجات نزوح بسبب الغزو، ثم الحرب الطائفية، ثم الحرب على "الدولة" ويعاني النازحون من صعوبات جمة، في السكن، والحصول على الغذاء والدواء، حيث أدخلت المنظمات التنصيرية آلاف الأطنان من المواد الغذائية معها، ووزعت على الفقراء ومعها الأناجيل وكتب الدعوة إلى المسيحية، وبهذا الخصوص يقول المبشر جيم ووكر، أحد كبار المنصرين العاملين في العراق، والذي حمل معه معونات غذائية تم شحنها في 45 ألف صندوق عام 2003: "لقد قابلت أطفالاً يموتون جوعاً، لكن احتياجهم الأول لم يكن للطعام وإنما كان لمعرفة حب المسيح".
-العلاج والدواء: من أشد المصائب التي حلت بالشعب العراقي انتشار الأوبئة والأمراض الخبيثة والمستعصية؛ بسبب استخدام الأسلحة المحرمة دولياً في الحرب على العراق، واستخدام الأراضي العراقية حقلاً للتجارب، ومع وجود شح في الدواء وفي الكفاءات الطبية بسبب الحروب، والتهجير، والقتل الطائفي، أصبح أهم حاجة ومطلب لعشرات آلاف العراقيين بعد الغذاء هو الدواء، ولا سيما للأمراض المستعصية مثل اللوكيميا والسرطان والتهاب الكبد الفيروسي....وغيرها من الأمراض التي ترتفع أثمان علاجاتها، ويتعذر على السواد الأعظم من المصابين بها تغطية تكاليفها، وكذلك العمليات الجراحية المعقدة، ومعظمها غير متيسر داخل العراق بسبب نقص المعدات وهجرة الكفاءات الطبية، من هنا تعمد المنظمات التنصيرية إلى سد حاجة هؤلاء الفقراء من خلال توفير الدواء المجاني، وتكفل العمليات الجراحية وتسفير المحتاجين إلى الخارج.
ناشط في مجال الإغاثة الإسلامية قال لـ"الخليج أونلاين"، طالباً عدم الكشف عن اسمه: "سمعت رواية لإحدى المنصرات في صحيفة أمريكية تفاخر بأنها استطاعت أن تنصر امرأة كردية وطفلها، وحين تحريت عن القصة تبين لي أن المرأة تنصرت بدافع الحصول على المساعدة من هذه المنصرة؛ بسبب حاجة طفلها للسفر إلى الخارج لغرض العلاج، وليس عن اقتناع".
-الاتصال بالمثقفين والمؤسسات الثقافية: لم ينس المبشرون وهم يقدمون الغذاء والدواء للعامة أن يتواصلوا مع المثقفين ومؤسساتهم في العراق؛ بهدف إنشاء جيل متأثر من المثقفين بالثقافة والدعوة التبشيرية، فقد تم تقديم ملايين الدولارات لبناء المدارس ولتأسيس الجمعيات والمؤسسات الثقافية .
وفي هذا الصدد يقول الناشط في الهلال الأحمر العراقي، عبد الباقي أحمد: "استطاع المبشرون خلال عام أن يوزعوا مليون نسخة من الإنجيل باللغة العربية، وشرائط فيديو تجسد ميلاد المسيح وحياته، وتعليقات تدعو المسلمين للانخراط في النصرانية، ومليون كراسة دعائية إنجيلية".
وفي السياق نفسه قالت نشرة لهيئة الإرساليات الدولية: "إن العراقيين فهموا أن الذي يمنحهم المواد الغذائية مسيحيون أمريكيون، وأن عمال الإغاثة يوزعون نسخاً من إنجيل العهد الجديد إلى جانب المواد الغذائية".
ختاماً
لا بد من الإشارة إلى أن البعض من هذه المنظمات التي دخلت بعد عام 2003 إلى الأراضي العراقية غادرت بعد أن أدت رسالتها، وبعد أن تعرض نشطاؤها للقتل والاستهداف في أنحاء مختلفة من العراق، إلا أنها آثرت أن تعتمد على الجهود المحلية في إتمام رسالتها؛ فأسست لهذا الغرض عشرات المنظمات بعضها أخذ شرعية قانونية من الحكومة المركزية في بغداد، أو في إقليم كردستان، وهي تعمل في مجال الإغاثة، أو الأنشطة الاجتماعية، وتواصل رسالة نشر المسيحية تحت عناوين وأسماء وأنشطة عدة، وتشكل عمليات نزوح الأقليات من مناطق سيطرة "الدولة" بيئة خصبة لها، إذ تم تهجير هذه الأقليات بناء على ادعاء ديني تحت اسم "الخلافة الإسلامية"، ولا يعرف بالتحديد عدد الذين تم تنصيرهم، إلا أن النشطاء العاملين في مجال الإغاثة الإسلامية أكدوا لـ"الخليج أونلاين" أن جهود تنصير المسلمين باءت بإخفاق ذريع، ما جعل هذه المنظمات تستهدف الأقليات الدينية ومنها الإيزيدية