فـائدةمهمّة:
# تضعيف الألباني لحديث السيدة عائشة عندما قالت لهم: "انظروا قبر النبي ﷺ" (دراسة حديثية).





الحديث رواه الإمام الدارمي في سننه بسنده عن التابعي الجليل أبي الجوزاء أوس بن عبد الله قال: "قحَط أهل المدينة قحطًا شديدًا، فشكوا إلى عائشة، فقالت: انظروا قبر النبي ﷺ ، فاجعلوا منه كوى إلى السماء حتى لا يك ون بينه وبين السماء سقف، قال: ففعلوا، فمطرنا مطرًا حتى نبت العشب، وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم، فسمي عام الفتق".

قال الألباني في كتابه: (التوسل أنواعه وأحكامه صـ126): "وهذا سند ضعيف لا تقوم به حجة لأمور ثلاثة:
أولها: أن سعيد بن زيد وهو أخو حماد بن زيد فيه ضعف.
وثانيهما: أنه موقوف على عائشة وليس بمرفوع إلى النبي ﷺ، ولو صح لم تكن فيه حجة، لأنه يحتمل أن يكون من قبيل الآراء الاجتهادية لبعض الصحابة، مما يخطئون فيه ويصيبون، ولسنا ملزمين بالعمل بها.
وثالثها: أن أبا النعمان هذا هو محمد بن الفضل، يعرف بعارم، وهو وإن كان ثقة فقد اختلط في آخر عمره ... وهذا الأثر لا يدرى هل سمعه الدارمي منه قبل الاختلاط أو بعده، فهو إذن غير مقبول، فلا يحتج به"، هذا حكمه على الحديث باختصار.
والجواب في نقاط ثلاث:
1 ــ بالنسبة لتضعيف سعيد بن زيد، نقول: سلك الألباني كعادته جمع أقوال من ضَعَّفَ فقط ليبني حكمه عليها، وكل ما نقله عن سعيد بن زيد كان مصدره (ميزان الاعتدال) للذهبي فقط، ونحن نقر أن بعض أهل العلم ضعَّفَه كابن المديني ويحيى بن سعيد، والدارقطني مما لم يذكرهم الألباني، ولكن لمَ يُغفل الألباني قول جمهور المحدثين حين قبلوا روايته: فقد وثَّقه يحيى بن معين كما في رواية الدوري والدارمي، وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل: ليس به بأس، وكان سليمان بن حرب يقول: حدثنا سعيد بن زيد وكان ثقة، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه، وقال ابن سعد في الطبقات: وكان ثقة، وعدَّه العجلي في الثقات، وترجم له البخاري، بل واستشهد به فقال: صدوق حافظ كما رواه الحافظ، وروى له في الأدب المفرد وغيره، وروى له الباقون إلَّا النسائي، وقال ابن عدي: "وليس له متن منكر لا يأتي به غيره، وهو عندي في جملة من ينسب إلى الصدق"، وعدَّه الذهبي فيمن تُكُلِّم فيه وهو موثوق أو صالح، فعلى هذا فليس من حق الألباني أن يحكم على هذا الراوي بالضعف بعد أن علمت أن جمهور المحدثين على قبول روايته والاحتجاج به!.
2 ــ قوله: "إن هذا حديث موقوف ولسنا ملزمين به!" قول لا يتناسب ــ عندنا ــ مع إجلال الصحابة الكرام، فإن كان الألباني لا يرضى بقول السيدة عائشة وفعلها، فنحن نرضى به ونضعه على العين والرأس، لأننا نلتزم بأقوال أسلافنا، أما من يرفض فعل الصحابة الكرام لشيء في نفسه، فالله حسيبه يوم القيامة!.
3 ــ أما زعم الألباني بأن محمد بن الفضل مع كونه ثقة اختلط في آخر عمره، فهو شبهة واهية، لأنه لم تثبت عنه رواية واحدة تدلك على اختلاطه، حتى قال الحافظ الدارقطني: "تغير بآخرة وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة"، وقال الحافظ الذهبي معلقًا (ميزان الاعتدال 4/8): "فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله" ثم رد ردًّا شديدًا على ابن حبان عندما بالغ في مسألة اختلاطه، حتى قال الحافظ: "ولم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكرًا، فأين ما زعم؟"، وقال الحافظ العلائي في (المختلطين صـ 117) ردًّا على قول ابن حبان: "هذا غلو، وإسراف من ابن حبان، فقد روى عنه البخاري الكثير في الصحيح، وأحمد بن حنبل، وعبد بن حميد، والناس، واحتج به مسلم، وقال فيه الدارقطني: تغير بآخره، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة، فهذا معارض لقول ابن حبان".
وعلى هذا فما يقوله الألباني عبارة عن شُبَهٍ واهية كنسيج العنكبوت، واحتجاج بقول من هنا وقول من هناك لردِّ الحديث الثابت، فلا يعتمد في أحكامه على عماد ثابت قويم، ويتبين بما قلناه: أن الرواية حسنة مقبولة كما جزم بذلك أئمة العلم قبل ابن تيمية والوهابية جميعًا، ويكفي لصدق ما نقوله أن الإمام الدارمي حين روى هذه الرواية في سننه، أوردها تحت عنوان: (باب ما أكرم الله تعالى نبيه ﷺ بعد موته)، وهذا التبويب فقط دليل على تصحيحه وقبوله لتلك الرواية.
وأوردها الإمام البغوي في (مصابيح السنة) عند حديث رقم (4657) من الأحاديث الحِسَان (وصنيع البغوي في كتابه أنه يضع تحت كل باب: الصحاح، والحسان من المرويات في باب آخر)، وهذا تحسين آخر من الإمام البغوي رحمه الله، وأورد نفس الرواية الإمام ابن صالح الشامي في كتابه: (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد 12/347) تحت عنوان: (في الاستسقاء بقبره الشريف ﷺ)، وهذا وغيره يدلك على قبول الرواية عند علماء الأمة وأنها صحيحة، ولا مجال لنقدها وفق صنعة المحدثين، والله أعلم..

نقلها عدنان بن شيه