أول من أخذ الإيلاف لقريش هاشم بن عبد مناف: والإيلاف؛ كتاب أمان يؤمنهم بغير حلف. فأما الولاف: فتدارك لمعان البرق ولا يكاد يخلف.
والآلاق: بالقاف أن يلمع لمعة بعد لمعة، وربما أخلف.
أخبرنا غير واحد عن ابن دريد وغيره عن أبي حاتم العبثي ومحمد بن سلام قال: كانت قريش تجاراً، وكانت تجارتهم لا تعدو مكة وما حولها، فخرج هاشم بن عبد مناف إلى الشام فنزل بقيصر وكان يذبح كل يوم شاة ويصنع جفنة ثريد ويدعو من حوله. وكان من أتم الناس وأجملهم فذكروا ذلك لقيصر فأحضره فلما رآه استجهره وكلمه فأعجبه فلما رأى مكانه عنده قال: أيها الملك! إن قومي تجار العرب، فإن رأيت أن تكتب لي كتاباً تؤمنهم فيقدمون عليك بما تستظرف من أمتعة الحجاز فيكون أرخص لكم، فكتب كتاب أمان لمن يخرج منهم، فخرج هاشم به فكلما مر بحي من العرب اخذ من أشرافهم الأمان حتى قدم مكة فأتاهم بأعظم شيء أوتوا به قط بركة. فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج معهم هاشم يجوزهم ويوفيهم أيلافهم حتى ورد بهم الشام، وفي ذلك يقول القائل:
تحمل هاشم ما ضاق عنه ... وأعيا أن يقوم به ابن فيض
ثم خرج المطلب بن عبد مناف إلى اليمن، فأخذ من ملوكهم عهداً لمن أتجر إليهم من قريش، وكان أكبر ولد أبيه ويسمى الفيض وهلك بردفان من اليمن. وخرج عبد شمس بن عبد مناف إلى ملك الحبشة وأخذ لهم إيلافاً ثم ورد مكة وهلك بها وقبره بالحجون، وخرج نوفل بن عبد مناف وكان أصغر ولد أبيه فأخذ لهم عهداً من كسرى ثم قدم مكة ورجع إلى العراق فمات بسلمان، فاتسعت قريش في التجارة وكثرت أموالها، فبنو عبد مناف أعظم قريش بركة في الجاهلية والإسلام. وفيهم يقول الشاعر:
كانت قريش بيضة فتفلقت ... فالمحّ خالصة لعبد مناف
وقال مطرود بن كعب يرثيهم:
يا عين جودي وأذري الدمع وانهملي ... وأبكي على البيض من سر المغيرات
وأبكي لك الويل أما كنت فاقدة ... لعبد شمس بشرقي الثنيات
وهاشم في ضريح وسط بلقعة ... تسفي الرياح عليه وسط عرات
تبكين عين العلا إذ كان مصرعه ... سمح السجية بسّام العشيات
وكان هاشم يسمي أبا فضلة، واسمه عمرو.