تعدد الزوجات

فهم المشاكل البشرية لا يتم إلا حين تبتعد عنها
كثيراً ما يقوم الرجل العاقل حين يصعب عليه حل مشكلة عائلة
بمجالسة صديق حكيم
إنه يقوم عملياً بتشغيل عقل إضافي لحل مشكلته، لكن هذه العقل الإضافي عليه أن يكون حكيماً أولاً وعليه أن يكون بعيداً عن المشكلة ولا يتعاطف مع طرف دون آخر وحين يصدر الأحكام ولو كانت على غير ما يشتهي الصديق فإنها ناجعة تبرد المشكلة وتحلها.

مشاكلنا تحتاج لعقل موضوعي ينظر إلى المشكلة دون التعاطف معها، فالمشكلة قد تتبدى بشكل بينما حقيقتها مختلفة عما ظهرت عليه.

الله سبحانه وتعالى حين أنزل العقوبات فإنها ما فوق بشرية
ولذلك لن يقدر البشري على استيعابها وفهمها رغم نجاعتها
وكذلك أنزل الحلول للمشاكل الاجتماعية فإننا كثيراً ما نرفض هذه الحلول لأننا ننطلق من منطلق ذاتي لفهم ظاهرة جماعية عامة

فمثلاً تعدد الزوجات

لو استعرضنا المجتمعات البشرية اليوم لرأينا أنها تعدد الزوجات بعقد أو بدون عقد
فالمجتمع المسلم يوجد فيه التعددية لكن بعقد
والمجتمع الغربي يوجد فيه تعددية لكن بدون عقد بمعنى تعدد عشيقات

لو أعطينى أي عاقل مجتمع فيه عدد الإناث أكبر من عدد الذكور وطلبنا منه تحقيق العدالة لكل فرد

فكيف سيمنح العدالة لكل فرد بالزواج الكاثوليكي

سأقوم بنقل منقولات مختلفة من كتاب قصة الحضارة لول ديورنت و رغم أن هذه الظاهرة كانت موجودة قبل الإسلام ولم يبتكرها الإسلام لكن الإسلام وضع لها الضوابط والقيود التي لم تشدها الأمم السابقة وصان بذلك هذا الحل الاجتماعي أن ينزلق عن ضرورته:

وتعدد الزوجات لم تكن فكرة اختص بها المجتمع المسلم كما يظن البعض وهو موجود في التوارة ولم ينكره الإنجيل وإنه هذه الظاهرة تكثر وتقل بحسب موجباتها الاجتماعية

"إن تعدد الزوجات أصبح بعد عصر المأمون مصدراً للانحطاط من الناحيتين الخلقية والاجتماعية، كما أصبح بعد أن أربت نسبة زيادة السكان على زيادة الطعام، من أسباب تزايد الفاقة والسخط بين الأهلين."

"لقد دافع لوثر كينغ عن تعدد الزوجات باعتباره أمراً لم يحرمه الإنجيل"

"وكان التتر يحافظون على استمرار جنسهم أو عرقهم بالمواظبة على تعدد الزوجات"

"وأجاز التلمود، كما أجاز العهد القديم والقرآن ولم ينكره الأنجيل و أحله ، تعدد الزوجات، ومن أقوال أحد الأحبار في هذا المعنى: "يستطيع الرجل أن يتزوج أي عدد من النساء يشاء" ولكن فقرة ثانية في مقاله هذا تحدد عدد الزوجات بأربع

في عام 1563 قام القس بازل بنشر حواراً بدا فيه المدافع عن تعدد الزوجات أقوى حجة من نصير الزواج الواحد."

في أوربا كان تعدد الزوجات جائزاً، ويشجعون عليه بين العلية، لأنه مما يسجل للرجل بالفخر أن يعول زوجات كثيرات وأن ينقل إلى الخلف قوته(، وكذلك كان هناك تعدد الأزواج، فقصة "دروبادي"التي تزوجت خمسة إخوة دفعة واحدة تدل على وقوع تعدد الأزواج للزوجة الواحدة- في أيام الملاحم- حيناً بعد حين، وكان الأزواج عادة إخوة، وهي عادة بقيت في جزيرة سيلان حتى سنة 1859م، ولا تزال متلكئة في بعض قرى الجبال في التبت، لكن التعدد كان في العادة ميزة يتمتع بها الذكر دون الأنثى، لأنه عند الآريين هو رب الأسرة يحكمها حكماً لا ينازعه في سيادته منازع، فكان له حق امتلاك زوجاته وأبنائه، وله الحق في ظروف معينة أن يبيعهم أو يرمي بهم في عرض الطريق

من أقطاب الحركة المناهضة للتثليث برنارد أوشينو Bernard Ochino الذي حارب عقيدة التثليث بكل قواه على أساس أنه لم يجد لها سندا في الأصول الإنجيلية· ومن الأمور التي قال إنه لم يجد لها في الأصول الإنجيلية سندا مسألة تحريم تعدد الزوجات· إذ قال إنه مباح وإن العبارات الإنجيلية التي فهم خطأ منها المنع، يجب أن تحمل على سبيل المجاز وأن من فهم أن تعدد الزوجات ممنوع لا يفهم اللغتين اليونانية واللاتينية

ولقد كتبت ملتون رسالته السرية "العقيدة المسيحية" دافع عن إعادة "تعدد الزوجات"، ألم يجره العهد القديم. ألم يترك العهد الجديد هذا القانون الحكيم الشجاع دون إلغاء أو تعطيل

لقد قام أبشالوم (وهو دوق مونموث) على الثورة ضد أبيه داود (شارل الثاني). ولما كان داود وشارل كلاهما قد أحبا عدداً من النساء، فأن القصيدة تبدأ ببحث في قيمة تعدد الزوجات:

"في عهد التقى والورع، قبل ظهور الكهنة وأساليبهم، وقبل أن يصموا تعدد الزوجات بأنه خطيئة، وحين تكاثر الإنسان بتعدد زوجاته وقبل أن يقتصر الواحد على واحدة بشكل بغيض. وحين استحثت الطبيعة - ولم يمنع أي قانون - على معاشرة الخليلات والزوجات دون تمييز، وحين عاش ملك بني إسرائيل، برضا السماء، على الزوجات والإماء من مختلف الأنحاء، في قوة وحيوية، ونشر صورة خالقه على أوسع نطاق على الأرض، بأمره".

إجراءات الحرب الأهلية في أوربا
هبطت حرب الثلاثين بسكان ألمانيا من 20.000.000 إلى 13.500.000. وبعد عام أفاقت التربة التي روتها دماء البشر، ولكنها ظلت تنتظر مجيء الرجال. وكان هناك وفرة في النساء وندرة في الرجال. وعالج الأمراء الظافرون هذه الأزمة البيولوجية بالعودة إلى تعدد الزوجات كما ورد في العهد القديم. ففي مؤتمر فرانكونيا المنعقد في فبراير 1650 بمدينة نورمبرج اتخذوا القرار الآتي:-
"لا يقبل في الأديار الرجال دون الستين... وعلى القساوسة ومساعديهم (إذا لم يكونوا قد رسموا)، وكهنة المؤسسات الدينية، أن يتزوجوا.... ويسمح لكل ذكر بأن يتزوج زوجتين، ويذكر كل رجل تذكيراً جدياً، وينبه مراراً من منبر الكنيسة، إلى التصرف على هذا النحو في هذه المسألة

وهناك ترجمة للكاتب سيل الإنجليزية للقرآن-هذه كلها أظهرت الإسلام، لا عالماً من الهمجية، بل ساحة لعقيدة منافسة قوية، ولنظام خلقي بدا موفقاً رغم تسامحه مع فطرة تعدد الزوجات في جنس الرجال

- حرص الصينيين على إنجاب أبناء أقوياء كان من القوة بحيث يجعلهم يسمحون عادة للقادرين منهم بأن يتخذوا لهم سراري أو "زوجات من الدرجة الثانية". أما تعدد الزوجات فكان في نظرهم وسيلة لتحسين النسل؛ وحجتهم في هذا أن من يستطيعون القيام بنفقاته منهم هم في العادة أكثر أهل العشيرة قدرة على إنجاب الأبناء. وكانت الزوجة الأولى إذا ظلت عاقرا تحث زوجها على أن يتخذ له زوجة ثانية؛ وكثيرا ما كانت هي نفسها تتبنى ابن إحدى المحاظي. وكثيرا ما كان يحدث أن الزوجات اللاتي يرغبن في أن يحتفظن بأزواجهن داخل بيوتهن يطلبن إليهم أن يتزوجوا بالمحاظي اللاتي يؤثرونهن بالعناية وبالصلات الجنسية، وأن يأتوا بهن إلى منازلهم ويتخذونهم فيها زوجات من الدرجة الثانية(109).

ومن أجل ذلك نرى القصص والأخبار الصينية تثنى على زوجة الإمبراطور جوانج- تشو أطيب الثناء لأنها قالت: "لم أكف قط عن إرسال الرسل إلى المدن المجاورة للبحث عن النساء الجميلات لأجعلهن خليلات لمولاي"

يقول ديورنت "لم نعد نفهم من نظام تعدد العشراء للعشير الواحد إلا إحدى صورتيه. ألا وهي تعدد الزوجات للزوج الواحد؛ ولقد ظن رجال الدين في العصور الوسطى أن تعدد الزوجات للزوج الواحد نظام ابتكره محمد ابتكاراً لم يُسبق إليه، لكنه في الواقع نظام سابق للإسلام بأعوام طوال، لأنه النظام الذي ساء للعالم البدائي وهنالك من الأسباب عِدَّة عملت كلها على تعميم هذا النظام ونشره أولها أن حياة الرجال في المجتمع الأول كانت أشد عنفاً وأكثر تعرضاً للخطر بسبب اضطلاعهم بالصيد والقتال، ولذا زاد الموت في الرجال عليه في النساء واطراد الزيادة في عدد النساء يضع أمام المرأة اختياراً بين حالتين: فإما تعدد الزوجات للرجل الواحد، وإما عزوبة عقيمة ليس عنها محيص لبعض النساء، لكن مثل هذه العزوبة للمرأة لا تنظر إليها بعين الرضى شعوب تريد نسبة عالية من الولادة تقابل بها نسبة عالية في الوفاة، ولذا ترى أمثال تلك الشعوب تزدري المرأة العانس والمرأة العقيم، وثاني هذه الأسباب أن الرجال يميلون إلى التنوع، فالأمر كما عبر عنه زنوج أنجولا أنهم: "لم يكن في وسعهم أن يأكلوا دائماً طعاماً واحداً"، كذلك يحب الرجال أن تكون عشيراتهم في سن الشباب، والنساء يكتهلن بسرعة في المجتمعات البدائية، بل أن النساء أنفسهن كنَّ أحياناً يُحَبّذن تعدد الزوجات، حتى يباعِدنَ بين فترات الولادة دون أن يُنقِصنَ عند الرجل شهوته وحبه للنسل، وأحياناً ترى الزوجة الأولى، وقد أنهكها عبء العمل، تشجع زوجها على الزواج من امرأة ثانية حتى تقاسمها مشقة العمل، وتنسل للأسرة أطفالاً يزيدون من إنتاجها وثرائها، فالأبناء عند هؤلاء الناس كسب اقتصادي، والرجال بمثابة من ينتفع بالزوجة انتفاعه برأس المال، يستولدها الأبناء الذين يقابلون الربح في رأس المال؛ ففي الأسرة الأبوية، لا تكن الزوجة وأبناؤها إلا بمنزلة العبيد لرأس الأسرة وهو الرجل، وكلما ازداد الرجل زوجات ازداد مالاً؛ وقد كان الفقير يتزوج من زوجة واحدة، لكنه كان ينظر إلى ذلك نظرته إلى وصمة العار. وينتظر اليوم الذي يعلو فيه إلى المنزلة العالية التي ينزلها صاحب الزوجات الكثيرة في أعين الناس.
ولا شك أن تعدد الزوجات لاءم حاجة المجتمع البدائي في ذلك الصدد أتم ملاءمة، لأن النساء فيه يزدن عدداً على الرجال؛ وقد كان لتعدد الزوجات فضل في تحسين النسل أعظم من فضل الزواج من واحدة الذي نأخذ به اليوم، لأنه بينما ترى أقدر الرجال وأحكمهم في العصر الحديث هم الذين يتأخر بهم الزواج عن سواهم، وهم الذين لا ينسلون إلا أقل عدد من الأبناء، ترى العكس في ظل تعدد
زوجات، الذي يتيح لأقدر الرجال أن يظفروا- على الأرجح- بخير النساء، وأن ينسلوا أكثر الأبناء؛ ولهذا استطاع تعدد الزوجات أن يطول بقاؤه بين الشعوب الفطرية كلها تقريباً، بل بين معظم جماعات الإنسان المتحضر، ولم يبدأ في الزوال في بلاد الشرق إلا في عصرنا الحاضر؛ لأنه قد تآمرت على زواله بعض العوامل؛ فحياة الزراعة المستقرة حَدَّت من عنف الحياة التي كان يحياها الرجال وقللت من أخطارها، فتقارب الجنسان عدداً؛ وفي هذه الحالة أصبح تعدد الزوجات المكشوف، حتى في الجماعات البدائية، ميزة تتمتع بها الأقلية الغنية وحدها أما سواد الناس فلا يجاوزون الزوجة الواحدة؛ ثم يخففون وطأة ذلك على نفوسهم بالزنا

المصادر قصة الحضارة

طارق شفيق حقي