جورج برناردشو الساخر في بلاط الحقيقة
إعداد: عثمان حسن
«إن أسلوبي في المزاح هو أن أقول الحقيقة، وعندما يكون الشيء مضحكاً فإنني أبحث عن الحقيقة الكامنة وراءه».. الحقيقة إذن هي الجوهر، وإن لبست رداء الدعابة الساخرة، ذلك الأسلوب الفريد الذي طبع أدبه، حتى قلّ أن يذكر اسمه إلا أن يقال «الكاتب الساخر».
في السادس والعشرين من يوليو عام 1856 ولد جورج برناردشو في دبلن بإيرلندا، وكان الأصغر بين إخوته الثلاثة لعائلة من طبقة متوسطة، وقد تكفل عمه الكاهن بتعليمه وهو طفل، ورغم أنه ترك المدرسة مبكراً، في الخامسة عشرة من عمره، فقد اتبع نهج الكثير من المبدعين - ومنهم من تناولتهم هذه السلسلة - بأن علم نفسه بنفسه، وتعلم من اللغات: الفرنسية واللاتينية والإغريقية، وحرص على أن يكوّن لنفسه رصيداً معرفياً كان له أثره في أدبه فيما بعد.
على مسرح الحياة، عرف تقلبات درامية «حقيقية» منذ طفولته، لعلها هيأت له فيما بعد ليبدع نحو ستين مسرحية، ليس من قبيل السخرية أنه حظي بسببها بجائزتي نوبل وأوسكار معاً. هو الحقيقي إلى حد السخرية حتى من نفسه.. جورج برنارد شو.
عندما بلغ العشرينات من عمره، انتقل برناردشو إلى لندن، ليقيم إلى جانب أمه التي كانت قد تركت زوجها وانتقلت إلى هناك قبل أربع سنوات مصطحبة شقيقتي جورج، قبل أن تفجع العائلة بوفاة الشقيقة الوسطى في لندن.
وفي لندن بدأ برنارد شو رحلته مع الكتابة، لكنه عرف هناك أيضاً مصاعب معيشية وعانى الفقر سنوات عدة.
تأخر برناردشو في الزواج، فرغم قصة الحب التي عاشها مع الناشطة شارلوت باين تاونسيند، لا سيما من طرفها هي، فقد رفض عرضها عليه الزواج عام 1897 خوفاً من اتهام الناس له بسعيه وراء أموالها، وهي الإيرلندية الثرية، على الأقل بحسب ما قدمه لها من ذرائع في ذلك الحين، ورغم ذلك فقد تزوج الاثنان بعد ذلك بعام واحد، بعد أن تعرض لحادث ألزمه الفراش، وهو الارتباط الذي ظل قائماً حتى وفاة شارلوت عام 1943.
وبعد وفاة برناردشو، عام 1950 عن 94 عاماً، أحرق جثمانه وجمع رماده مع رماد جثمان زوجته الراحلة، بحسب وصية منه على ما يبدو، تبرز بوضوح تعلقه بها ووفاءه لذكراها.




برناردشو الكاتببدأ اتصال برناردشو بعالم الفن والأدب منذ سن مبكرة قبل انتقاله إلى لندن، حيث كانت أمه تشجعه على زيارة المعرض الوطني في إيرلندا باستمرار.
وفي قاعة المطالعة التابعة للمتحف البريطاني، كان شو يقضي ساعات يكتب أولى رواياته، بتشجيع من أمه أيضاً.
واصل برناردشو الكتابة والتأليف حتى أصبح عام 1895 ناقداً مسرحاً لعروض يوم السبت المسرحية في لندن، إلى جانب كتابة مسرحياته الخاصة.
أنتج برناردشو خلال حياته ما يزيد على 60 عملاً مسرحياً، من بينها مسرحيته الشهيرة «بجماليون» التي تحولت إلى فيلم سينمائي مرتين، وجلبت له جائزة الأوسكار.
أما أسلوب برناردشو الساخر، فيرده الدارسون إلى إرث تلقاه عن والديه، اللذين أخذ عنهما الجرأة في معارضة السائد، وعدم التردد في الإفصاح عن رأيه بصراحة، لكن بظرف وفصاحة أيضاً، بل إن هذا التمرد كان هدفه من الكتابة، فها هو يقول «لقد كسبت شهرتي بمثابرتي على الكفاح كي أحمل الجمهور على أن يعيد النظر في أخلاقه، وحين أكتب مسرحياتي أقصد أن أحمل الشعب على أن يصلح شؤونه، وليس في نفسي باعث آخر للكتابة، إذ إنني أستطيع أن أحصل على لقمتي بدونها».
وقد كانت حياته، كما كتاباته، حافلة بالمواقف المبدئية، التي لم يتردد خلالها في التعبير عما يراه، واتخاذ قراره الذي يعتقد به دون مواربة أو مجاملة.
ومن ذلك مثلاً موقفه من جائزة نوبل في عام 1925، فقد قبل التكريم لكنه رفض الجائزة المالية، ساخراً من ألفرد نوبل، مؤسس الجائزة ومخترع الديناميت بقوله: «إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت، ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل».
ومما قال في الجائزة أيضاً «إن جائزة نوبل تشبه طوق النجاة الذي يتم إلقاؤه لأحد الأشخاص بعد أن يكون هذا الشخص قد وصل إلى الشاطئ‏».
‏ولعله يشير بذلك إلى أنه كان أحوج إلى الجائزة المالية خلال سنوات الفقر والشقاء التي كابدها، وأن الجائزة ربما تمنح لمن لا يستحقها في بعض الأحيان.
مسرحياته«سيدتي الجميلة أو بيجماليون».. وتعتبر الأشهر بين أعماله، وقد لقيت رواجاً عالمياً، وفيها يسجل بيرناردشو موقفاً اجتماعياً حاسماً من التقسيم الطبقي في العصر الذي عاش فيه، قال عنها شو نفسه «أفخر بأن بجماليون مسرحية ناجحة بشكل كبير جداً على المسرح وعلى الشاشة».
سبب هذا النجاح يعود للنزعة الإنسانية العميقة، واللغة الأدبية الرفيعة التي كتبت بها المسرحية.
ومن أعمال بيرناردشو أيضاً «بيوت الأرامل» و«السلاح والرجل» و «جان أوف أرك» و «الإنسان والسوبرمان» و«كانديدا» و«الرائد باربرا» و«بيت القلب الكسير».
برناردشو السياسيعرف برناردشو السياسة من بوابة الاشتراكية، التي آمن بها والتزم مبادئها ودافع عنها، وذلك حين انضم إلى جمعية «فابيان»، التي وضعته بين النخبة السياسية المثقفة في بريطانيا.
ومن المفارقات في سيرته أن اتجاهه إلى عالم السياسة كان رد فعل منه على فشله أدبياً، ذلك أن الروايات الأولى التي كتبها كان مصيرها الفشل!
على أن العمل السياسي الذي مارسه برناردشو كعضو في جمعية «فابيان» لم يكن بعيداً عن الكتابة، فهو من تولى تحرير الورقة الدعائية للجمعية، التي كانت عبارة عن مجموعة مقالات في مبادئ الاشتراكية، كما أن «فابيان» لم تكن حزباً سياسياً بالمعنى المعروف، وربما يصح أن يقال إن ميدان عملها كان في الفكر السياسي لا في العمل السياسي.
ومن المواقف السياسية البارزة لبرناردشو أنه أعلن معارضته لمشاركة بلاده في الحرب العالمية الأولى، في موقف دفع ثمنه الإقصاء من نادي الكتاب المسرحيين.
برناردشو والإسلامكان برناردشو - وهو من يوصف باللاديني المتسامح - واحداً من الأدباء الذين أعربوا عن انبهارهم بالإسلام، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، كعادته في الإفصاح عن آرائه دون تردد، أو خوف من الحملات المعادية للإسلام في أوروبا.
وتالياً بعض أقواله في هذا السياق:
«إذا كان لديانة معينة أن تنتشر في أوروبا‏ خلال مئات السنوات المقبلة، ‏ فيجب أن تكون الإسلام».
«إنني درست تاريخ حياة محمد‏، ‏ ذلك الرجل العظيم‏، ‏ وفي رأيي، يجب أن يطلق عليه لقب منقذ البشرية‏، ‏ إنني أعتقد أنه إذا قدر له أن يتولى مسؤولية قيادة العالم‏، ‏ فلا شك أنه سيستطيع حل مشكلاته وإقرار السلام والسعادة‏».‏
«الإسلام هو دين الديمقراطية وحرية الفكر، وهو دين العقلاء، وليس فيما أعرف من الأديان نظام اجتماعي صالح كالنظام الذي يقوم على القوانين والتعاليم الإسلامية، فالإسلام هو الدين الوحيد الذي يبدو لي أن له طاقةً هائلةً لملاءمة أوجه الحياة المتغيرة، وهو صالح لكل العصور».
«إني أعتقد أن الديانة المحمدية هي الديانة الوحيدة التي تجمع كل الشرائط اللازمة والموافقة لكل مرافق الحياة».
«لقد نظرت دائماً إلى ديانة محمد بأعلى درجات السمو بسبب حيويتها الجميلة، إنها الديانة الوحيدة في نظري التي تملك قدرة الاندماج في هذه المرحلة من مراحل البشرية بما يجعلها جاذبة لكل عصر».
مواقف وطرائفكان برنارد شو صديقاً حميماً لونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا. وكان تشترشل يتعمد التحرش بصديقه ليستمتع بسخريته، ومن ذلك أن تشرشل - وكان رجلاً سميناً - قال مرة لبرناردشو، الرجل النحيل: إن من يراك يا شو يظن أن في إنجلترا مجاعة.
وهنا أجاب برنارد شو على الفور: ومن يراك يعرف سبب هذه المجاعة.
ومن المواقف الضاحكة بينهما أيضاً أن برناردشو أرسل ذات مرة بطاقتين لونستون تشرشل لحضور العرض الأول لإحدى مسرحياته، وأرفق معهما الملاحظة التالية: «تعال مع صديق، إن كان لديك».
فأعاد له تشرشل البطاقتين معتذراً بأن لديه ارتباطاً آخر، وأرفق ملاحظة تقول: «أرجو أن ترسل لي بطاقتين للعرض التالي، إن كان هناك».
وهناك طرائف عدة بين برناردشو والنساء منها مثلاً، أن إحدى السيدات أرادت إغاظته فقالت: لو كنت زوجي لوضعت لك السم في القهوة، فسارع إلى القول: ولو كنت زوجتي لشربتها.
قالت إحدى السيدات البارعات في الجمال لبرنارد شو: حبذا لو تزوجت بي فيأتي مولودنا بجمالي وذكائك، فيكون أعجوبة الدهر.
فرد برنارد شو: أخشى أن يأتي المولود بذكائك وجمالي، فيكون مصيبة الدهر.
منزل برناردشوكان يعرف في السابق باسم «ركن شو» وهو المقر الرئيسي للكاتب المسرحي الشهير جورج برنارد شو، أصبح الآن بمثابة ملكية خاصة ل «ناشيونال ترست»، التي حولته إلى متحف تفتحه لزيارة الجمهور للتعرف إلى آثار ومتعلقات الكاتب الكبير، لا تزال غرف المنزل كما تركها بيرناردشو، وقد تم بناء المنزل على الطراز الإدواردي القديم، الذي تأثر بمعمار القرية الصغيرة المعروفة باسم «آيوت سانت لورنس» وهي تقع في جنوب إنجلترا.
انتقل بيرناردشو وزوجته للسكن في هذا المنزل بين 1906 ثم قام بشرائه عام 1920 مع الحديقة المحيطة به، وظل فيه حتى وفاته في 1950.
كتب بيرناردشو في كوخ صغير أسفل الحديقة، معظم أعماله المسرحية بينها «بجماليون» ذائعة الشهرة.
والطريف أن شو أطلق على هذا الكوخ اسم «لندن» لإبلاغ الزائرين الذين لا يرغب باستضافتهم أنه كان يزور لندن العاصمة.
تؤكد مصادر كثيرة، أن شو استقبل في منزله هذا، كبار المشاهير في عصره منهم: المهاتما غاندي وشارلي شابلن، والبرت اينشتاين.

من أقواله
- كن حذراً من الرجل الذي لا يرد لك الصفعة، فهو بذلك لا يسامحك ولن يسمح لك بمسامحة نفسك.
- بعض الأشخاص يفكرون مرتين أو ثلاث مرات في السنة، بالنسبة لي، فقد نلت شهرة عالمية لأنني أفكر مرة أو مرتين في الأسبوع.
- حتى إذا امتلك الإنسان المال وتمتع بالصحة فلن يتوقف عن التساؤل إن كان سعيداً أم لا.
- لقد تعلمت مند زمن طويل ألا أتعارك مع «خنزير»، لأنني بذلك سأتسخ، وذلك يروق له.
- يبدو الأسد في القفص أكثر ألفة، لأنه في القفص يكون في مأمن من الناس.
- إذا أعاد التاريخ نفسه سيظهر عجز الإنسان عن التعلم من التجارب.
- إذا كان كل شيء في هذا العالم إيجابياً، فلن يكون لدينا ما نفعله.
- إذا كانت المرأة دقيقة جداً في البحث عن مواصفات الرجل المناسب، فهي لن تتزوج على الإطلاق.
- من قال إن المرأة ليس لها رأي !.... المرأة لها كل يوم رأي جديد.
- ادعاء المعرفة أشد خطراً من الجهل.