النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: كارل بوبر

  1. #1 كارل بوبر 
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    نبذة عن كارل بوبر

    غيّر كارل بوبر الطريقة التي نفكر بها في العلوم، يعتبر أحد أعظم فلاسفة القرن العشرين. كتب على نطاق واسع في الفلسفة الاجتماعية والسياسية. مساهمته الرئيسية في الفلسفة كانت في رفضه للطريقة الاستقرائية في العلوم التجريبية.
    فاز بوبر بالعديد من الجوائز والتكريمات في مجاله، وتشمل القائمة الطويلة جائزة ليبينكوت من جمعية العلوم السياسية الأمريكية، وجائزة سونينج، ومنح دراسية في الجمعية الملكية، والأكاديمية البريطانية، وكلية لندن للاقتصاد، وكلية الملك في لندن، وكلية داروين في كامبريج، وجامعة تشارلز براغ. تعرف على السيرة الذاتية الإنجازات والحكم والأقوال وكل المعلومات التي تحتاجها عن كارل بوبر.بدايات كارل بوبر

    ولد كارل في العاصمة النمساوية في فيينا في 28 يوليو 1902.كان والده سيمون سيغموند كارل بوبر، وهو محامي ثري وناجح، والدته جيني شيف من أصل سيليزي هنغاري، كانت هاوية وموهوبة بالعزف على البيانو. كلا والديه تحولا من اليهودية إلى اللوثرية، لكنهما لم يكونا متدينين، فقد تحولا حتى ينسجما ثقافيًا في المجتمع النمساوي.
    كان كارل أصغر إخوته؛ كان لديه شقيقتين أكبر سنًا دورة وآني. اعتمد والديه في تربيته على درجة عالية من الثقافة. كان لدى منزل بوبر مكتبة مكتظة بالكتب القيمة، إضافة إلى أنهم عائلة تقدر الموسيقى الكلاسيكية والاستماع لها جزءاً مهمًا وممتعًا في حياتهم اليومية.
    على الرغم من نشأة كارل في بيئة مترفة ومهتمة بالحفلات الموسيقية والمعارض الفنية، إلا أن كارل كان اهتمامه الرئيسي هو الفقر الذي رآه في المدينة، فقد أصبح مصدر قلق دائم له، وعمل والد كارل في منظمتين لتأمين المأوى والغذاء للمشردين، ولم يعلم كارل عن ذلك إلا بعد عدة سنوات.
    بدأت أسئلته الفلسفية والعلمية منذ صغره، ووجد كارل الدروس في المدرسة الثانوية بطيئة ومملة وشعر أنه يضيع وقته.
    في عام 1917، عاد إلى المدرسة بعد مرض طويل وجد أنه حتى في الرياضيات، وهو الموضوع الذي يتمتع به، فقد حقق الفصل تقدماً بسيطاً.
    في أواخر عام 1918، بلغ 16 عاماً، غادر المدرسة ودرس في جامعة فيينا، ليس للدراسة والحصول على شهادة، بل لحضور المحاضرات التي اعتقد أنها ستكون ممتعة ومهمة. لم يحتاج إلى اجتياز امتحان القبول للقيام بذلك.

    إنجازات كارل بوبر

    في 1 أكتوبر 1918 انتهت الحرب العالمية الثانية، كان كارل في الجامعة، وكانت النمسا على الجانب الخاسر، وأصيب شعبها بالاضطرابات المالية والاجتماعية الشديدة، وأصبحت مشكلة الفقر تثير قلق بوبر أكثر من قبل.
    أصبح بوبر ماركسياً، وبحلول 1919، كان عمره 17 عاماً، أصبح شيوعياً. لقد اعتقد أن هذه العقيدة قد تقدم أفضل وسائل لإنهاء مشقة مواطني فيينا.
    إلا أن كارل سرعان ما استنتج أن الشيوعيين لم يقدموا شيئاً لتخفيف معناة البشر، بالعكس فقد استغلوا العمال بسخرية واستخدموهم كبيادق في لعبة السلطة.
    لقد تخلى عن الإيدلوجية وظل داعماً لليبرالية الاجتماعية طوال حياته. خلال هذه الفترة اكتشف نظريات التحليل النفسي لفرويد وأدلر وحضر محاضرة ألقاها أينشتاين في فيينا حول نظرية النسبية.
    حصل على دبلوم التدريس في المدارس الابتدائية في عام 1925 وحصل على الدكتوراه في الفلسفة في عام 1928 تحت إشراف كارل بوهلر. كانت أطروحته بعنوان"Die Methenfrage der denkpsychologie" بمعنى أنماط التفكير في علم النفس.
    بحلول عام 1929، كان بوبر مؤهلاً لتدريس الرياضيات والفيزياء في المدرسة الثانوية. من عام 1930 إلى 1936، درّس في مدرسة ثانوية. وفي الوقت نفسه، في عام 1934، نشر كتابه الأول"Logik der Forschung" أي منطق الاكتشافات العلمية، حيث انتقد علم النفس، والطبيعة، والاستقراء، والوضعية المنطقية،
    واقترح نظريته حول إمكانية التزوير كمعيار لفصل النظريات العلمية عن النظريات العلمية الزائفة. بعد ظهور النازية وتهديد أنشلوس في عام 1937، هاجر بوبر إلى نيوزيلندا. في نيوزيلندا، أصبح محاضراً في الفلسفة في جامعة كانتربري،
    كتب عمله المهم ""The Open Society and its Enemiesأي المجتمع المفتوح وأعدائه. انتقل بوبر إلى انكلترا عام 1946 ليصبح محاضراً في المنطق والمنهج العلمي في كلية لندن للاقتصاد. في عام 1949، تم تعينه أستاذاً للمنطق والمنهج العلمي في جامعة لندن.
    من 1958 إلى 1959، شغل بوبر منصب رئيسًا للجمعية الأرسطية. في عام 1965 حصل على لقب فارس من قبل الملكة إليزابيث الثانية، وبعد أربع سنوات، في عام 1959 تقاعد من الحياة الأكاديمية لكنه ظل نشطاً فكرياً طوال حياته وانتخب بوبر كزميل للجمعية الملكية في عام 1976.
    في عام 1982، تم منحه وسام زميل شرف، وقد كان أيضاً عضواً في الأكاديمية الإنسانية. أعلن نفسه محايداً دينياً حيث أظهر الاحترام للتعاليم الأخلاقية اليهودية والمسيحية. حصل أيضاً على الجائزة الكبرى للديكور في جمهورية النمسا من الذهب من قبل الحكومة النمساوية.
    لعب كارل بوبر دوراً مهماً في جعل فلسفة العلوم كقسم قوي ومستقل في فلسفة التحليل وشمل ذلك أعماله الغزيرة الإنتاج والهامة جنباً إلى جنب مع تأثيره على معاصريه والطلاب. في عام 1946، أسس قسم الفلسفة و المنطق والمنهج العلمي في كلية لندن للاقتصاد،
    أثرت محاضرات بوبر في القسم على إمري لاكاتوس وبول فيرايند، الذين أصبحا فيما بعد اثنين من أبرز فلاسفة العلوم في الجيل القادم.
    على الرغم من بعض القضايا المتعلقة بمسألة النفوذ، فقد تقاسم بوبر صداقة وثيقة وطويلة الأمد مع الاقتصادي فريدريك حايك، الذي كان من فيينا أيضًا، كلاهما دعم بعضهم البعض وتبادل أوجه التشابه في أعمالهم. يعتقد بوبر أنه تعلم من حايك أكثر من أي مفكر آخر، باستثناء ألفريد تاريسكي.
    عندما كتب بوبر،"Conjectures and Refutations"أي التخمين والدحض، كرسها لحايك. في المقابل، كرس حايك مجموعة من الأوراق،"دراسات في الفلسفة و السياسة و الاقتصاد"، لبوبر.
    شارك بوبر صداقات طويلة ومؤثرة مع مؤرخ الفن إرنست غومبرتش، عالم الأحياء بيتر ميداور، والعالم الأعصاب جون كارو إكليس. أحد طلابه في كلية لندن للاقتصاد، المستثمر الملياردير جورج سوروس، وينسب لبوبر استراتيجيته الاستثمارية.
    يقول سورس أن استراتيجيته تستند إلى فهم بوبر لتقدم المعرفة من خلال فكرة الهيغلي للتزوير. على شرف بوبر، أسس سوروس مؤسسة خيرية تسمى معهد المجتمع المفتوح. الهدف من المؤسسة هو الدفع للمجتمع المفتوح ضد الاستبداد والشمولية. ساعدت فلسفته أيضاً في إنشاء حركة تحررية، وأخذ الأطفال على محمل الجد.

    أشهر أقوال كارل بوبر

    لن يكون للحجة العقلانية تأثير عقلاني على رجل لايريد تبني موقف عقلاني.

    أولئك الذين يعدوننا بالجنة على الأرض لم ينتجوا أي شيء سوى الجحيم.

    من المستحيل التحدث بطريقة لا يُساء فهمك بها.

    لن يكون للحجة العقلانية تأثير عقلاني على رجل لايريد تبني موقف عقلاني.

    أولئك الذين يعدوننا بالجنة على الأرض لم ينتجوا أي شيء سوى الجحيم.

    من المستحيل التحدث بطريقة لا يُساء فهمك بها.

    لن يكون للحجة العقلانية تأثير عقلاني على رجل لايريد تبني موقف عقلاني.



    chevron_leftchevron_right


    حياة كارل بوبر الشخصية

    التقى بوبر بزوجته في معهد التعليم في فيينا حيث كانت طالبة أيضاً، تزوج بوبر من جوزفين آنا هيننجر في عام 1930. لم ينجبا أطفالاً، توفيت في عام 1985. أحب العزف على البيانو، وقال إن مهاراته كعازف بيانو لا تضاهي والدته أبداً.

    وفاة كارل بوبر

    توفي كارل بوبر بالمملكة المتحدة عن عمر يناهز 92 عاماً بسبب السرطان في 17 سبتمبر 1994. بعد مراسم حرق الجثة، تم نقل رفاته إلى ORF المتاخمة لمركز لاينزر في فيينا. تم دفنه في المقبرة حيث تم دفن زوجته جوزفين.

    حقائق سريعة عن كارل بوبر

    في عام 1920،أقام بوبر في مبنى قديم لمستشفى عسكري، وعمل بأجور زهيدة في التدريس وكمساعد نجار.
    لم يكن بوبر يدخن أويحتسي الخمر، وكان يأكل قليلاً ويرتدي ملابس متواضعة.
    أمضى إبان مراهقته ثلاثة أشهر ماركسياً، ثم انقلب إلى الاشتراكية الديموقراطية، وأصبح في النهاية داعية لما يسمى ليبرالية معدلة.
    رد مع اقتباس  
     

  2. #2  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    معجم كارل بوبر(الحلقة8)/ التاريـخــــانيــــــــــــة

    ترجمة : سعيد بوخليط

    تقديم: عندما صادفت،منذ عقدين،كتاب الأستاذة الفرنسية روني بوفريس،الصادر حديثا آنذاك. توخيت بداية،إنجاز مقاربة تلخيصية تعريفية للعمل باعتباره عنوانا جديدا على رفوف المكتبات.لكن بين طيات ذلك، تبين لي أن كتاب:العقلانية النقدية عند كارل بوبر ثم السيرة العلمية لصاحبته،ينطويان على قيمة معرفية كبيرة.لذلك،من الأمانة العلمية والتاريخية إن صح هذا التأكيد إعادة كتابته باللغة العربية نظرا لي : *اشتغلت روني بوفريس؛من بين أشياء أخرى،على نظريات كارل بوبر.وترجمت له أعمالا من الإنجليزية إلى الفرنسية؛لاسيما سيرته الذاتية. كما أن بوبر نفـسه؛أوكل لها مراجعة الترجمة الفرنسية لعمله الذائع الصيـت بؤس التاريخانية.*اعتبرت روني بوفريس عملها هذا،تقديما عاما لمعجم بوبر المفهومي. ساعية بذلك، إلى جرد ألفبائي للمصطلحات والمفاهيم التي وظفها بوبر، قصد صياغة مشروعه. لقد رصدت وفق تعريفات سريعة لكنها دقيقة وعميقة؛أهم المفاهيم سواء تلك التي نحتها بوبر،أو توخى في إطارها،على العكس من ذلك، مناقشة أصحابها وإبداء رأيه حولها: العقلانية النقدية/ التحقق/ المعرفة الموضوعية /المحتوى/ النظريات العلمية / تحديد /الديمقراطية / المجتمع المنفتح/ مقولة الأساس/ قابلية التكذيب/ قابلية التزييف والتفنيد/ الرائزية /التاريخانية / العقل و اللغة / اللاوعي/ الاستقراء / الوسائلية /الليبرالية / الماركسية/ الميتافيزيقا / العوالم الثلاث / المجتمع المنغلق /الوضعية/ القابلية / النسبية / الكليانية والطوباوية / التوتاليتارية….خطاطة مفهومية، تعكس البرنامج النظري والمنهجي الذي خطه بوبر لنفسه.وقد توزع بين : منهجية العلوم؛ فلسفة المعرفة العامة؛ البيولوجيا؛ علم النفس؛ العلوم الاجتماعية؛ تأويلات الفيزياء الحديثة؛ تاريخ الفلسفة؛ فلسفة الأخلاق و السياسة؛ نظرية العلوم الاجتماعية .أرضية فكرية وعريضة، يتجادل ضمنها مع: أفلاطون وسقراط وهيغل وماركس وفتجنشتاين وهيوم وكانط ...إلخ. منحازا أو مختلفا،لكن بمعنى يتجاوز حدي منطق الميتافيزيقا الغربية الثنائي القيمة :صادق أو كاذب، ولا يوجد احتمال ثالث. لأن بوبر يؤكد نصيب الحقيقة من الخطأ. السمة الفكرية التي تهمه؛أكثر من اليقين والاعتقاد المطلقين.هكذا ظل بوبر رافضا باستمرار،لكل أنواع الطوباويات والإطارات الشمولية المنغلقة؛بل والأفكار الرومانسية المنتهية حتما إلى العقيدة الجامدة والدوغماطيقية؛لأنها تستند بدءا وانتهاء على المرجعية الأحادية. لم يكن من باب الصدفة إذن،أن يخرج بوبر آخر أعماله تحت عنوان مثير: "أسطورة الإطار،في دفاع عن العلم والعقلانية". يقول بوبر في تأويل لما أشرت إليه:(( وعلى الرغم من أنني معجب بالتقاليد وعلى وعي بأهميتها. فإنني في الوقت ذاته أكاد أكون مناصرا أصوليا للا-أصولية: إنني أستمسك بأن الأصولية هي الأجل المحتوم للمعرفة، مادام نمو المعرفة يعتمد بالكلية على وجود الاختلاف. وكما نسلم جميعا، الاختلاف في الرأي قد يؤدي إلى النزاع، بل وإلى العنف. وأرى هذا أمرا بالغ السوء حقا، لأنني أستفظع العنف، غير أن الاختلاف في الرأي قد يؤدي أيضا إلى النقاش، وإلى الحجة وإلى النقد المتبادل. وإني أرى هذه الأمور ذات أهمية قصوى، وأزعم أن أوسع خطوة نحو عالم أفضل وأكثر أمنا وسلاما، قد قطعت حين وجدت حروب السيف والرمح لأول مرة من يضطلع بها، وفيما بعد حين حلت محلها في بعض الأحيان حرب الكلمات ))( أسطورة الإطار: في دفاع عن العلم والعقلانية . ترجمة يمنى طريف الخولي. سلسلة عالم المعرفة. أبريل- مايو2003)ولكي يتم تسليط الضوء بقوة،على الأفق المتطور لهذا الفكر الإنساني في جوهره، أسرعت بوفريس غير ممتثلة لترتيبها الألفبائي؛ نحو الصفة التي عشق بوبر،أن يسم بها اجتهاداته الفكرية والمنهجية. أقصد تصنيف: العقلانية النقدية .فما هي إذن أبرز ملامح وتجليات هذه الفلسفة ؟ ثم كيف عملت بوفريس على توظيف ذلك حين مقاربتها مشروع بوبر؟ لاشك، أن الإجابة عن بعض هذه الأسئلة تخول من جهة أخرى؛ إثارة انتباه القارئ نحو أهم أطروحات هذا العمل،والتي سنقف على مضامينها عبر سلسلة هذه الحلقات. التاريـخــــانيــــــــــــة :

    يمكن للتاريخانية تحديد المنهجية المرتكزة على تفسير أفكار، وموضوعات المعرفة، إلخ، نتيجة تطور تاريخي؛أو النظرية التي تكون على ضوئها الحقيقة تاريخية. إذا كانت الطوباوية، باعتبارها تقنية اجتماعية شمولية،أول المواقف التي جادلها كارل بوبر،أيضا يبدو له التوجه المعاكس خطيرا، أي المنطلق من رفض للفعل التقني ذاته باسم اعتقاد يدعي العقلانية يسميه بوبر "تاريخانية" : يُفهم من ذلك بحسبه، الإيمان بمصير للتاريخ الإنساني، يحكمه هدف معين عبر سلسلة من المراحل الضرورية. تظهر هذه التاريخانية تبعا لشكلها الراديكالي، في تعارض تام مع الطوباوية، غير أنها حقيقة تتفق معها مبدئيا حول نقطة أساسية. يرتبط التغير الحقيقي الوحيد في مجتمع ما بالبعد الشمولي: إما يصبح بإمكان الإنسان تغيير مجتمعه كليا، أو كونه بدون سلطة على سيرورته العميقة ومكتفيا بالخضوع لها. في جميع الأحوال،لا يمكنه إحداث تغيير جزئي. ليس غريبا إذن تآلف التاريخانية والطوباوية في تمازج مفارق مع أغلب النظريات الثورية. لأن بوبر يدافع عن سياسة إصلاحية، اقتضى منه ذلك رفض الخاصية اللاعقلانية للأسطورة التاريخانية.تجلت التاريخانية عبر مختلف العصور. قديما،أخذت بوضوح الشكل الديني لأسطورة الشعب المختار التي نجدها عند اليهود، وكذا صيغة شبه عقلانية لاتجاه التاريخ إلى الانحطاط، المعنى الذي نكتشفه عند أفلاطون. في الحقبة المعاصرة، تبنت أولا شكل نظرية دورة الحضارات – من فيكو إلى شبنغلر وتوينبي- مؤكدة حتمية تعاقبها وفق إيقاع يقودها من النشأة غاية الازدهار ثم الانحطاط.لكن أساسا،الصيغة الحديثة المهيمنة للتاريخانية تلك المؤمنة بأن للتاريخ معنى،يتجسد في التقدم.أما وفق صيغتها الهيغيلية، تصبح المغامرة التاريخية غزوا مستمرا للإنسان من طرف الإنسان،تفصله شيئا فشيئا عن الطبيعة وتهتدي به نحو الوعي بالذات. مع نهاية القرن 19، ونتيجة تأثير الداروينية، أخذ هذا الاعتقاد شكلا علمويا : من الممكن عقلانيا دراسة القوانين التي تحكم التطور الإنساني والتكهن بمستقبله.ناقش بوبر التصور الأخير عبر صفحات كتابه: بؤس التاريخانية. متوخيا إظهار الخاصية اللاعقلانية للتاريخانية، وبعدها العلمي الزائف. أي أنه في جميع الأحوال، لايمكن لفكرة معنى التاريخ ، وكذا الإحاطة بمراحله المستقبلية،الاستناد على معرفة موضوعية بالواقعة الاجتماعية. من جهة ثانية، التأكيد على أن وظيفة العلوم الاجتماعية ليست مختلفة عن التي تمارسها العلوم الطبيعة، ولايمكن للسوسيولوجيا القيام بتنبؤات تاريخية. قد تتشكل التاريخانية بناء على نوعين من الدلائل، مرتبطين غالبا وليس حتميا : من جهة، بعض الأطروحات "اللاطبيعية" أو "السلبية"، الرافضة لإمكانية تطبيق مناهج الفيزياء في مجال العلوم الاجتماعية، وتثبت حدا أدنى من التاريخانية. بحيث تؤكد بأن وضع العلوم الاجتماعية (الاقتصاد / السوسيولوجية / العلوم السياسية / السيكولوجية الاجتماعية) يحظى بأصالته،بحيث لا يمكنها الاكتفاء على غرار علوم الطبيعة، بإعطاء قوانين ثابتة لموضوعها.تتأتى أولى خصوصياتها من انتفاء الثابت في التاريخ الإنساني، ويستحيل أن نفصل بكيفية مصطنعة عناصر معينة قصد اختبارها. وإذا فعلنا ذلك، نستبعد بالتأكيد العلاقات الأكثر أهمية في الحياة الاجتماعية. ثم في المقام الثالث، لايمكن لتجربة قط أن تتكرر : بما أن المجتمع قادر على التعلم، فلا يتفاعل أبدا مرتين بنفس الطريقة مع الواقعة الواحدة: من النادر حدوث أزمتان اقتصاديتان للسبب عينه. وأخيرا، كون الملاحِظ والموضوع الملاحظ ينتميان لنفس العالم الذي تم خلقه. لذلك تضعنا السوسيولوجيا أكثر من أي حقل آخر، أمام صعوبات لا يمكن تجاوزها : من جهة، وفي نطاق التزام الباحث كعضو في المجتمع بما يلاحظ، فإنه يخضع لأهداف وطموحات وبالتالي لا يمكن أن تكون ممارسته العلمية محايدة : من جهة، وانطلاقا من تماهي الباحث، مع مايلاحظه، باعتباره عضوا في المجتمع، ستحكمه أهداف و نزوعات، وتفقد ممارسته العلمية طابعها المحايد.أيضا من ناحية ثانية، يمكن أثناء ملاحظة اتجاه الانتهاء دائما إلى تغييره وذلك بإثارة قوى تؤثر فيه. كذلك، لا يمكن لمنهجية العلوم الاجتماعية أن تكون تجريبية؛ مادامت تنطوي بالتأكيد على خصوصيتها. يبدو إذن أساسيا تبلور منهجية مقاربة أكثر من مجرد كونها تاريخية : يلزم السوسيولوجية السعي نحو فهم التطور التاريخي بمصطلحات كيفية ثم الذهاب أبعد من التفسير السببي.تقوم على الحدس – و "الفهم" أحيانا كما يتوخى فيلهلم دلتاي – بالتالي توظف منهجية شمولية،وجوهرية،تفترض بأن الكل الاجتماعي أسمى من مجموع أجزائه،فتطرح أسئلة تتعلق بالحقيقة العميقة للظواهر الاجتماعية : ما هي الدولة، الرأسمالية، الطبقة الاجتماعية؟ هكذا يتجلى عمق الهوة بين علوم الطبيعة والعلوم الاجتماعية.لكن إلى جانب هذه الأطروحات "اللاطبيعية"،تلجأ التاريخانية إلى أخرى تؤكد أطروحات مؤيدة"للطبيعي" (أو الوضعية)، تقرِّب عموما بين العلوم الاجتماعية وعلوم الطبيعة، بخصوص بعض المحاور.فإذا أقر التاريخاني بعدم إمكانية التجريب داخل نسق اجتماعي معطى،بالتالي إعطائه قوانين ثابتة، يدافع في المقابل،عن استمرارية إمكانية البحث أولا في القوى التي تخلق التحولات الاجتماعية؛ثم بعد ذلك، تقديم قوانين لتطور النسق كليا، بمعنى وصف المراحل التي يمر عبرها حتما إلى المستقبل. ربما أمكنتنا معرفة بنية النظام الرأسمالي والتناقضات التي تملؤه، كي نتنبأ بحتمية انهياره ثم صعود الاشتراكية. بهذا الخصوص،يماثل التاريخ تحديدا علما كعلم الفلك،القادر على التنبؤ بوقائع بعيدة مثل كسوف الشمس. هكذا تتجلى إمكانية إدراك العلم الاجتماعي باعتباره موردا لقوانين دينامية للتاريخ.فيما يخص الآن، النقد الذي جاء به بوبر، فقد بدأ باستبعاد تام للادعاء بكون العلوم التاريخية تنهض بمثل تلك التنبؤات. تستند حجته بهذا الخصوص على فكرة أن مختلف هذه الأطروحات التاريخية، تفترض مفهوما مغلوطا كليا لمناهج علوم الطبيعة. لاشك، أنها تنطلق تبعا لثلاثة محاور:1 – تكمن مهمة العلم في تقديم تنبؤات تؤطرها شروط معينة، وليست مطلقة أو تكهنات. ينهض القسم الأكبر من الفيزياء على تنبؤات لها صيغة: "وفق قاعدة معينة، يحدث تغيير، يؤدي بدوره إلى تغيير ثان". لايمكن تحقق تكهنات تاريخية على المدى البعيد، تبعا لهذه التنبؤات المشروطة سوى مع نظام منغلق، ثابت، دون تشويش،ومتكرِّر.عمليا، يجسد النظام الشمسي نظاما من هذا النوع، لذلك نتنبأ بالكسوفات. لكن من البديهي أن المجتمع الإنساني ليس نسقا منغلقا: من هنا وهمية التماثل الذي يتمسك به التاريخاني مع علم الفلك.2 –لاتحكم هذا المجتمع الإنساني,قاعدة للتطور، مادامت كل قاعدة تفترض تعددا لحالات تصف خصائصها الثابتة. ولا يمكن أن تقوم قاعدة حينما يتعلق الشأن بتطور منفرد كما الأمر بالنسبة للتاريخ الإنساني.3 -مع غياب القاعدة، بوسعنا وصف ميولات داخل التاريخ الإنساني. لكن من الضروري ملاحظة حقيقتين: من جهة، يعني الإعلان عن نزوع القيام بتأكيد خاص وليس صياغة قاعدة كونية. لا يمكننا إذن تناول مجموعة من النزوعات كقاعدة للتنبؤات. من جهة ثانية، نظرا لعدم إمكانية استنباط هذه الميول من القواعد إلا ارتباطا بشروط خاصة : نسبية وليست حتمية. الشروط التي تجعلها ممكنة، يمكنها الاختفاء دائما. إذا كان صحيحا، أنه بوسعنا مثلا رصد ميل المجتمع المعاصر نحو مراكمة الثروات، فمن السهل ملاحظة أن مسوغا من هذا القبيل يسهل محاصرته مع تغيير بعض الشروط البيولوجية والديمغرافية وكذا السياسية.أيضا وجبت الإشارة إلى دليلين : من جهة، يهتدي كل تنبؤ بالمستقبل إلى"مفعول أوديب"،مادام يثير قوى مجتمعية تتوخى سواء الإسراع بالواقعة التي يريد التنبؤ بها أو منعها. هذا الدليل،المستند ربما على وجهة نظر "لا طبيعية"[1]، ينهض في الواقع ضد كل "تنبؤ مطلق"، يبتغي أن يكون دقيقا مفصلا ونوعيا.نذكر من جهة ثانية، أنه بعد صياغة بوبر لمجموعة من الانتقادات المنهجية في كتابه : بؤس التاريخانية. اقترح تفنيدا للتاريخانية أو الحتمية التاريخية، مؤكدا استحالة كل تنبؤ مطلق بالمستقبل لأسباب محض منطقية، ولأن التاريخ الإنساني في العمق، يجب التفكير فيه كشيء غير قابل للتحديد[2].ما إن أوضح بوبر بطلان ادعاء التاريخانية بالتنبؤ، حتى استعاد ثانية مسألة منهجية العلوم الاجتماعية، مؤكدا في أطروحته على أن المنهجية التجريبية حين توظيفها داخل حقل هذه العلوم، تجابه حتما بعض الصعوبات مع تطبيقها بطريقة كمية، لكن الاختلاف بين منهجية هذه العلوم وكذا علوم الطبيعة، يكمن فقط في الدرجة. الدلائل "اللاطبيعية" عند التاريخانية غير مقنعة، لأنها تجهل بشكل خاص شروط المنهجية التجريبية في الفيزياء: لا تفترض هذه الأخيرة بأن سلوك الطبيعة ثابت. في الواقع، إذا كنا ننزع صوب المبالغة بخصوص تقدير التغير التاريخي، فلا يجب الاستهانة من قيمة التغيرات الفعلية للطبيعة؛ فقط كل تغير يفسر على ضوء قاعدة. فضلا عن ذلك،لا تفترض الفيزياء قط أنه بإمكاننا القيام بتجارب متماثلة : تختلف التجارب فيما بينها،لكننا بالضرورة نكتشف التشابهات والاختلافات عند تطبيق المنهجية التجريبية. نفس الأمر ينطبق جوهريا على العلوم الاجتماعية، مادامت التجربة في الواقع أساسا من تجعلنا نكتشف التحولات التاريخية،بدحضها لبعض التوقعات الكونية. يجب إذن، أن نطرح إشكالية اقتفاء العلوم الاجتماعية لنفس أسس العلوم الطبيعة. عليها أن تسعى بطريقة تجزيئية، نحو محاولة تبيان العوامل، حسب طريقة تمكنها من تقدير نتائج تغيراتها. من الضروري، أن تحاول الوصول إلى قواعد، تأخذ شكل موانع –باستبعادها لبعض الوقائع- وملاحظة إن كان بوسعها الصمود أمام النقد. ينبغي لها أيضا رفض الماهوية،وعدم الخلط بين الوسائل المجردة اللازم تأسيسها من أجل تفسير الواقع، وكذا الواقع نفسه : مما يعني أنها تدرك تأويل الكيانات الجماعية –الطبقات، الدولة إلخ- إلى تعبيرات فردية. يؤكد بوبر إذن بوضوح على مبدأ وحدة المنهجية العقلانية : "توظف كل العلوم النظرية نفس المنهجية" (أي المنهجية الفرضية –الاستنباطية)، حتى وإن كان من اللازم عدم نفي الاختلافات بين علوم الطبيعة والعلوم الاجتماعية ثم بين مختلف العلوم الاجتماعية وعلوم الطبيعة.*المصدر:

    Renée Bouveresse :le rationalisme critique de karl popper ;ellipses ;2000.http://saidboukhlet.com/[1] - يشير بوبر كدليل "لا طبيعي" للتاريخانية إلى تناقض فكرة التقويم الاجتماعي الدقيق والمفصل، لأنه إذا أقمنا تقويما علميا كهذا، فسيحدث مبادرات تؤدي إلى تقلب تنبؤاته(بؤس التاريخانية ص 10) . خطأ التاريخانية اللاطبيعية أنها تستنتج بالنسبة للسوسيولوجية ضرورة استنتاجها لتنبؤات غير دقيقة وغير مفصلة، مختلفة عن المنتمية إلى حقل الفيزياء : لا ترى تميزا بين التنبؤ العلمي والتخمين التاريخي غير المشروط( تخمينات وتفنيدات، ص39) . السوسيولوجيا مثل الفيزياء لا يمكنها التنبؤ بل إعطاء تخمينات مشروطة، أو تخمينات تقنية على نمط : (تحقيق هدف ما، يحتم الالتجاء إلى وسيلة معينة) (بؤس التاريخانية،ص44).[2] - انظر بهذا الخصوص :-indéterminism in classical physics and in Quantum physics 1950,-l’univers irrésolu.-بخصوص وجهة النظر هاته، تعتبر نظرية العالم 3 واللاحتمية، امتدادات ميتافيزيقية للنقد المنهجي للتاريخانية الذي اقترحه بوبر عام 1945
    رد مع اقتباس  
     

  3. #3  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    (1/3) العقلانية النقدية عند كارل بوبر: قراءة في كتاب روني بوفريس

    تعليق: سعيد بوخليط

    - بوبر/ باشلار: مثَّل بوبر إنجليزيا وعلى الجانب الآخر من أوربا؛ الثورة ذاتها التي توخى باشلار على امتداد أكثر من ثلاثين سنة تكريس لبناتها وفي حقول معرفية إنسانية متعددة. أشير هنا خصوصا إلى القسمين الكبيرين: الرياضيات والأدب. لكن عقلا موسوعيا كما الشأن مع باشلار، أدرك كيفية تأليف المتعدد بمنطقه الذي انزاح عميقا بالاستعارات من ترميزات رياضية وتمارين لغوية، إلى افتتان بالوجود ثم تشكلات الموجود.* أي شيء يجمع بين كارل بوبر وغاستون باشلار؟1 – نحت الاثنان مساحات كبيرة وعميقة وجديدة من التفكير الإنساني فترة القرن العشرين. صحيح أن أطروحاتهما أصبحت اليوم مجرد "أرشيف" لهذا التفكير قياسا لتطورات العلوم الحالية؛ لكن خلال لحظتها مثلت ثورة معرفية ومفهومية ومنهجية نوعية، كما أن اجتهاداتهما الفلسفية/العلمية، شكلت رافدا لا محيد عنه لاستيعاب المنظومة الابستمولوجية المعاصرة. 2 – دفاع بوبر وباشلار، المستميت عن البناء المستمر والدائم للحقيقة:- مبدأ التكذيب عند بوبر. - فلسفة النفي مع باشلار . وإدخالهما الخطأ إلى قلب التفكير العلمي، على اعتبار أولويته التأسيسية مثل"الصحيح" تماما، لقد رسما فعلا ذلك، ثورة بالمفهوم الكوبرنيكي؛ وخلقا منافذ شتى أمام اجتهادات التفكير الإنساني. مما أرسى إطارا نظريا معرفيا ومفاهيميا لحقول البحث الجديدة التي جاءت بها النظريات الفيزيائية والرياضية في القرن العشرين.3 – لعبت النظرية الإبستمولوجية سواء مع بوبر أو باشلار، دورا كبيرا في توضيح وتبسيط بعض التطورات العلمية كما الشأن بالنسبة لنظرية النسبية وكذا فيزياء الكوانتوم. أفق استعصى على الكثيرين نظرا للتعقيد النظري والمفهومي، وكذا البناء الهندسي الغريب كليا لتلك النظريات.4 – تأكيد باشلار وبوبر على القيمة المعرفية والتاريخية لانفتاح الحقيقة العلمية. سياق مختلف غيَّر مسار تاريخ العلم، مؤسسا لديكارتية جديدة قادرة على الانصات لحيثيات هذا الواقع الجديد؛ فقد أعطى ذلك انعطافة جديدة لطبيعة المساحة التأملية التي يمكن أن تأخذها علاقة النظرية بالواقع. تراجعت نحو الخلف كل قاعدة مطلقة أو بداهة واضحة بذاتها.ظل الاعتقاد راسخا، انطلاقا من ثوابت المنطق الأرسطي بأن ( أ = أ ) وكون الحقيقة تطابق الواقع؛ لأن العلم يقين مطلق، لكن نظرية بوبر وباشلار، وقد استندت أساسا على منطق ارتيابي متعدد الأبعاد، جاءت تعبيرا عن منظور الاحتمال والممكن الذي انتهى إليه تاريخ العلم.5 - دافع بوبر وباشلار غاية آخر يوم في حياتهما عن المجتمع المنفتح المؤمن بقيم التعدد والاختلاف. بالتالي، رفضهما لكل أشكال الدوجماطيقية والتوتاليتارية، التي تقود إلى أسوأ المؤسسات الاجتماعية؛ وأوليغارشيات سياسية تحكم الشعوب والمجتمع بالحديد والنار.مجتمع يعانق مطلقا قيم الحداثة والاختلاف، ويدافع عن المدرسة خاصة لأنها الفضاء الذي يثري الأفكار بالحياة. وحدها الأخيرة، تصنع تاريخا للمجتمع.في هذا الإطار، اشتغل بوبر على كتابين أساسيين:* عقم المذهب التاريخي.*المجتمع المنفتح وأعداؤه.بالتالي، أمضى صراحة بيانا ضد أعداء الحياة، كما أن مفاهيمه الإبستمولوجية، وخاصة تأطيره النظري لقابلية التكذيب والتفنيد؛ ستشكل حاجزا وسدا منيعا أمام كل تأويل يتوخى بشكل من الأشكال إعطاء مبرر معرفي أو أيديولوجي لأية نظرية تتوخى الشمولية والتسيد المطلق.صحيح أن باشلار من جهته، لم يصدر عملا يظهر مباشرة شحنة أيديولوجية سجالية؛ بيد أن مشروعه العلمي والأدبي، سواء على مستوى العلم والشعر؛ استند ضمنيا على قوة خلفية معرفية، تمثلت في الإيمان ب: النفي والتجاوز المستمرين.6- تذكرنا الموسوعية التي ميزت فكر بوبر وباشلار، بالنظام المعرفي إبان القرن الثامن عشر، كما أن مفاهيمهما خلقت تفكيرا جديدا في علاقة الذات بالعالم والآخر. وبالتأكيد، فقد شهدت معارف القرن العشرين ثورة على مستوى النظرية والمنهج وكذا المفهوم. خلال إحدى مراسلاتي فيما مضى مع الباحثة الأمريكية " تيريزا كاستيلاو- لاولس"(1)؛ أخبرتني بأنها تفكر وتحدث الملامح الأولى لمشروع بحث أكاديمي؛ يتعلق موضوعه بممكنات الاتصال والانفصال بين باشلار وبوبر تقول: ((أما المقارنة بين غاستون باشلار وكارل بوبر فهو مشروع إجازتي نصف السنوية (شتاء 2005). من اللازم إذن، قراءة كل أعمال بوبر مسألة تتطلب الوقت. لحسن الحظ، كتب أغلب أعماله بالإنجليزية، بالتالي غير مطروح بالنسبة إلي مسألة الترجمات غير الدقيقة لعمله، المداخلة التي ألقيتها بـ "فيينا" بمناسبة مئوية ولادة كارل بوبر، شكلت تحليلا مقارنا بين بعض المواقف اللاوضعية. المظهر الأكثر قوة لهذا التماثل أن"التخمين" لدى بوبر يشبه دور الاستقراء في العلم بالنسبة لغاستون باشلار. لقد ابتدأ الاشتغال باكتشافي لعرض أنجزه باشلار سنة 1936 بعد صدور كتاب بوبر "منطق الاكتشاف العلمي" سنة 1934 بألمانيا. وأعتقد بأن باشلار لم يدرك النقطة الأكثر دقة لهذا العمل، ونظرا خطأ إلى بوبر كنموذج للوضعية. في الواقع، أعلن بوبر منذ المقدمة بأنه يبتغي كليا إسقاط الوضعية المنطقية )).أعجبتني الفكرة كثيرا، خاصة وأن اسم بوبر ظل يثير دائما مشاعر خاصة نحوه. منذ أواسط سنوات التسعينات، عندما صادفت نسخة من كتابه: منطق الاكتشاف العلمي، بين رفوف خزانة المركز الثقافي الفرنسي بمراكش؛ فكرت أنا كذلك في جعله "ضيفا" على باشلار.وبينما أنا بصدد تجميع متن بوبر؛ صادفت كتاب روني بوفريس الصادر حديثا آنذاك. توخيت بداية إنجاز مقاربة تلخيصية تعريفية للعمل كإصدار جديد، لكن بين طيات ذلك تبين لي أن كتاب: العقلانية النقدية عند كارل بوبر ثم السيرة العلمية لصاحبته، ينطويان على قيمة معرفية كبير، .لذلك، من الأمانة العلمية والتاريخية إن صح هذا التأكيد إعادة كتابته باللغة العربية نظرا لي: *اشتغلت روني بوفريس، من بين أشياء أخرى، على كارل بوبر، وترجمت له بعض أعماله من الإنجليزية إلى الفرنسية، لاسيما سيرته الذاتية. كما أن بوبر نفـسه أوكل لها مراجعة الترجمة الفرنسية لعمله الذائع الصيت بؤس التاريخانية.*اعتبرت روني بوفريس عملها هذا تقديما عاما لمعجم بوبر المفهومي، ساعية بذلك إلى جرد ألفبائي للمصطلحات والمفاهيم التي وظفها بوبر قصد صياغة مشروعه. لقد رصدت وفق تعريفات سريعة لكنها دقيقة وعميقة؛ أهم المفاهيم سواء تلك التي نحتها بوبر أو توخى في إطارها، على العكس من ذلك، مناقشة أصحابها وإبداء رأيه حولها: العقلانية النقدية/ التحقق/ المعرفة الموضوعية /المحتوى/ النظريات العلمية / تحديد /الديمقراطية / المجتمع المنفتح/ مقولة الأساس/ قابلية التكذيب/ قابلية التزييف والتفنيد/ الرائزية /التاريخانية / العقل و اللغة / اللاوعي/ الاستقراء / الوسائلية /الليبرالية / الماركسية/ الميتافيزيقا / العوالم الثلاث / المجتمع المنغلق /الوضعية/ القابلية / النسبية / الكليانية والطوباوية / التوتاليتارية...خطاطة مفهومية تعكس البرنامج النظري والمنهجي الذي خطه بوبر لنفسه، وقد توزع بين: منهجية العلوم، فلسفة المعرفة العامة، البيولوجيا، علم النفس، العلوم الاجتماعية، تأويلات الفيزياء الحديثة، تاريخ الفلسفة، فلسفة الأخلاق والسياسة، نظرية العلوم الاجتماعية.أرضية فكرية وعريضة يتجادل ضمنها مع: أفلاطون وسقراط وهيغل وماركس وفتجنشتاين وهيوم وكانط ...إلخ. منحازا أو مختلفا، لكن بمعنى يتجاوز حدي منطق الميتافيزيقا الغربية الثنائي القيمة: صادق أو كاذب، ولا يوجد احتمال ثالث. لأن بوبر يؤكد نصيب الحقيقة من الخطأ؛ السمة الفكرية التي تهمه أكثر من اليقين والاعتقاد المطلقين.هكذا ظل بوبر رافضا باستمرار لكل أنواع الطوباويات والإطارات الشمولية المنغلقة، بل والأفكار الرومانسية المنتهية حتما إلى العقيدة الجامدة و الدوجماطيقية؛ لأنها تستند بدءا وانتهاء على المرجعية الأحادية. لم يكن من باب الصدفة إذن أن يخرج بوبر آخر أعماله تحت عنوان مثير: أسطورة الإطار، في دفاع عن العلم والعقلانية. يقول بوبر في تأويل لما أشرت إليه: (( وعلى الرغم من أنني معجب بالتقاليد وعلى وعي بأهميتها؛ فإنني في الوقت ذاته أكاد أكون مناصرا أصوليا للا-أصولية: إنني أستمسك بأن الأصولية هي الأجل المحتوم للمعرفة، ما دام نمو المعرفة يعتمد بالكلية على وجود الاختلاف، وكما نسلم جميعا، الاختلاف في الرأي قد يؤدي إلى النزاع بل وإلى العنف. وأرى أن هذا أمر بالغ السوء حقا، لأنني أستفظع العنف، غير أن الاختلاف في الرأي قد يؤدي أيضا إلى النقاش وإلى الحجة وإلى النقد المتبادل. وإني أرى هذه الأمور ذات أهمية قصوى، وأزعم أن أوسع خطوة نحو عالم أفضل وأكثر أمنا وسلاما، قد قطعت حين وجدت حروب السيف والرمح لأول مرة من يضطلع بها، وفيما بعد حين حلت محلها في بعض الأحيان حرب الكلمات))(2).ولكي يتم تسليط الضوء بقوة على الأفق المتطور لهذا الفكر الإنساني في جوهره؛ أسرعت بوفريس غير ممتثلة لترتيبها الألفبائي نحو الصفة التي عشق بوبر أن يسم بها اجتهاداته الفكرية والمنهجية. أقصد تصنيف: العقلانية النقدية .فما هي إذن أبرز ملامح وتجليات هذه الفلسفة؟ ثم كيف عملت بوفريس على توظيف ذلك حين مقاربتها مشروع بوبر؟ لا شك، أن الإجابة عن بعض هذه الأسئلة تخول من جهة أخرى إثارة انتباه القارئ نحو أهم أطروحات هذا العمل، قد وصله أيضا بالسياق الإبستمولوجي والمفهومي للترجمة التي أنجزتُها لكتاب: العقلانية النقدية عند كارل بوبر.ظل بوبر يرفض الماهوية التي يعتقد بأن أصولها النظرية ترتبط أساسا بفكر أرسطو، مستبعدا في سياق ذلك النقاشات والجدالات الفلسفية الساعية إلى توجيه الأسئلة وكذا إيجاد الأجوبة انطلاقا من بحث: "لماذا"؟ داعيا في المقابل إلى تحليل القضية انطلاقا مما سماه ب: أوضاع القضية.لقد تأسست العقلانية ضدا على الاعتباطية، تتوخى تفسير الوقائع بأن تجد لها تعليلات عبر التدليل بالبراهين والحجج؛ مما يحتم إيجاد أرضية أساس تشكل هذا اليقين الذي يمكن من إقامة ثابت لمعرفتنا.بهذا الخصوص، تقاسم اتجاهان تاريخ المعرفة:- الاتجاه العقلاني الذي ارتبط بتيار فكري امتد من أفلاطون إلى ديكارت.- الاتجاه التجريبي وقد راهن على معطيات الحواس واستلهام التجربة كأساس لصياغة المعرفة الأولى.غير أن التصورين معا، تعرضا للإخفاق ووصلا الباب المسدود؛ فلا شك أن أكثر الأفكار انسجاما ووضوحا وبساطة وبداهة تظهر غالبا خاطئة ما إن نتوخى التأثير في العالم. أيضا، تبقى التجربة وحتى عبر سلسلة لانهائية، عاجزة عن إدراك الحقائق العامة التي قد تشكل أساسا لمعرفتنا.يصعب إذن، بالمطلق الدفاع عن وجهة النظر التجريبية أو العقلانية، الأمر الذي يعطي معه حيزا أكبر لمختلف الاتجاهات اللاعقلانية والتيارات الشكية، التي تجزم بعدم إمكانية البرهنة على كون معرفتنا حقيقية وتدرك الواقع.وضعية يائسة بالتأكيد! لذا يجب الإقرار بما يلي:- لا يمكن مطلقا تجنب الخطأ، فلا يوجد أساس يقيني لمعرفتنا. - حينما نقر بالخطأ، يمكننا البرهنة عليه.يقوم المبدأ الأساسي لعقلانية بوبر على التصور التالي:يجب أن نضع موضع اختبار جل أفكارنا، فلا يمكن تأكيد قيمة إقرارها إلا بعد البرهنة عليها. التجربة سبيلنا نحو ذلك، وسواء كان الاختبار إيجابا أو سلبا؛ تستفيد الذات بكيفية مزدوجة وتكتسب الرهان في الحالتين: ((إذا تم دحض نظريتي، فإن عدد النظريات التي ما زالت قائمة قد تقلص. أما إذا صمدت أمام هذا الدحض، فإنني أكتسبها بنوع من الصلابة )) (3).تتجلى أساسا إجرائية النظرية وقوتها في قابليتها للتكذيب والدحض وليس العكس؛ أي صمودها أمام التجربة كما ظل الاعتقاد سائدا، لذا فإن العقلانية النقدية تشير حتما إلى ضرورة التملص من النظريات اليقينية الاعتقادية، ونراهن أساسا على النظريات الجريئة والغنية أي تلك القابلة للتزييف والتكذيب.يمثل التفنيد والدحض، معطى إيجابيا للنظرية يكسبها مناعة أكثر، حينما يتم تأكيدها تجريبيا للمرة الثانية. لذلك، عندما تكتسب الذات معرفة انطلاقا من دحضها أولا؛ فإن ذلك يقوم عندها بنوع من القوة والتماسك.لا يجب بتاتا الإيمان بالثبات المطلق لنظرية ما. تؤكد العقلانية النقدية، بأن النظرية تظل مجرد فرضية، ولو اجتازت مجموعة من الاختبارات بنجاح، فاليقين جهل وموت. أبرز مثال في هذا الإطار، الثورة التي حققتها نسبية أينشتاين في علاقتها بالعلــم النيوتوني، وكيف أبرزت ما يمكن تسميته بـ إبستمولوجيا الخطأ.على ضوء ذلك، أكد بوبر قابلية العلوم التجريبية للخطأ، ناظرا إليها ك دوكسا doxa. استنادا على التمييز الأفلاطوني بين الإبيستيمي والدوكسا. نظرا لواقعية وحقيقة الخطاب مع الأول، ثم التباسه وتقلبه ارتباطا بالثاني.لا يمتلك العلم الحقيقة، بل يسعى إليها من خلال ديناميتها في بحث دائم عن نمو هذه الحقيقة وتطورها. تطور يأخذ خطا لا نهائيا، ما دام يستلهم بشكل دائم المنهجية والرؤية النقديتين. توقف هذه الحقيقة، لا يعني أنها قد أدركت المطلق، لكن ذلك يفسر بأن قضيتها أصبحت بلا معنى. وحينما يخرج هذا العلم إلى العالم، نظرا لكونه جزءا من الكون وتحولاته، فعليه التخلص من كل تعامل حتمي مغلق مع هذا العالم.حققت المنهجية السالبة لعقلانية بوبر قطيعة كبرى مع الفهم المألوف والمعتاد لما يصطلح عليه بالعقلانية وفق التصور الكلاسيكي؛ بحيث مثلت وجها كليا للدوجماطيقية حينما ننطلق من مبدأ جوهري، نتوخى به أساسا ويقينا ثابتين ثم نستبعد كل شيء لم يتم تأكيد حقيقته. اعتبر الخطأ مع الكلاسيكيين سواء كانوا عقلانيين أو تجريبيين، بمثابة زلة؛ لأن صاحبه أخفق في الإمساك بهذا المصدر الأساسي والخالص للمعرفة، بداهة الحدس عند العقلانيين ومعطيات الحواس لدى دعاة التجربة، إنها سلطة الواحدية في نهاية المطاف.لذلك سعى فكر بوبر، إلى التخلص من مرجعية كتلك، بإيجاده الأسس الإبستمولوجية لعقلانية جديدة غير سلطوية تتميز بتعدديتها وانفتاحها؛ لأنها نقدية أساسا. تتقاطع تماما مع العقلانية الدوجماطيقية الزائفة:- تسلم هذه العقلانية الجديدة بالخطأ كمصدر للحقيقة، في المقابل لا تمنح أي امتياز للحواس أو الحدس أو جعلهما مصدرين للمعرفة.- لا يمكن البحث عن يقين، في حين نحتاج إلى معيار لاختبار وتمييز النظريات.- لا ينبغي النظر إلى الخطأ باعتباره صخبا، الخطأ شيء طبيعي يصعب تجنبه.- يؤدي حتما الدفاع عن الحوار والإقرار به وتخصيب وجهات النظر إلى تأسيس معرفة صحيحة.- تنطبق العقلانية النقدية على كل المبادئ وتستلهم منهجيتها مختلف التخصصات: العلوم الإنسانية وعلوم الطبيعة، مؤمنة بجدلية التحقق وارتكاب الخطأ، لكنها تتقدم وتتطور باكتشافها لأخطائها.إذن يحدد بعقلانيته النقدية مجموع الفلسفة التي يتوخى الاشتغال عليها، أي الفلسفة السياسية وفلسفة العلوم، مع الإقرار بجهلنا وقابليتنا للخطأ.تعتقد بوفريس بأن الأصل الفكري لمنهجية بوبر، يمتد تاريخيا إلى الفيلسوف اليوناني سقراط. ويتحقق تاريخيا في ارتباط أنطولوجي بحتمية "المجتمع المنفتح"؛ حيث تحل الأفكار محل العنف.لا شك أن منهجية بوبر التزيفية، حالت بينه وكذا توظيف "الاستراتيجيات المحصنة"، من بينها مثلا فرضيات "لهذا الغرض"Ad hoc"، داعيا إلى استبعادها. فرضيات يتم توظيفها؛ للإجابة على قضية خاصة، لكن قد يحدث الالتجاء إلى فرضيات مساعدة، شريطة أن تكون قابلة للاختبار والتجربة. ماهي خصوصية التزييف عند بوبر مقارنة مع معيار التحقق عند حلقة فيينا. هل المفهوم ذاته من الناحية الإبستمولوجية؟يعتبر معيار التحقق عند حلقة فيينا معيار دلالة، هكذا ميزت الحلقة بين علم يشترط المعنى ثم الميتافيزيقا التي تشبه قضاياها" "رطانة ".التزييف عند بوبر غير وضعي ولا تحققي، لذلك لم يتردد في إظهار استيائه حينما تُرجم كتابه: بؤس التاريخانية إلى الفرنسية، نظرا لترجمة مفهومه" رائز" بـ "اختبار " .تستند كل مهمة لفلسفة العلوم، على محاربة وتجاوز مختلف أشكال الدوغماطيقا، وبالتالي السعي إلى معالجة الإشكال الكانطي: كيف يمكننا تمييز الخطاب العلمي عن آخر شبه علمي؟ هل نستلهم الاستقراء باعتباره منهجية العلوم التجريبية في تقابل مع تنظيرات الميتافيزيقا والاستنباط الرياضي. لكن ما أظهره بوبر: ((أن كل هؤلاء الذين يجعلون من المسار الاستقرائي مفتاح المنهجية العلمية غير قادرين على إعطاء معيار للعلم التجريبي، وبالتالي من اللازم اقتراح شيء آخر )) (4).يركز هذا المجهود التصنيفي على بعض القضايا شبه العلمية والتي تتوخى العلمية. إذا أمكننا الإشارة سابقا إلى حقول مثل: علم التنجيم والخيمياء والميتافيزيقا؛ ففي عصرنا الحديث بوسعنا الحديث عن التحليل النفسي والماركسية، باعتبارهما أنظمة تأويلية قوية تبحث دائما فيما وراء السلوكات الفردية أو الاجتماعية عن شبكة من التفسيرات المضمرة، تتمظهر أنظمتها الرمزية سواء من خلال الذات الفردية أو المجموعة الاجتماعية.ينظر بوبر إلى العلم، حسب رؤية تطورية تقوم على مبدأ الدحض، لذلك ينفي صفة العلمية عن الأنساق التي لا تتطور وتأخذ سياقا دوغماطيقيا . فهل يعتبر معيار التحقق فاصلا أساسيا لتأكيد علمية الماركسية والتحليل النفسي أم لا؟ فقد أكدت مجموعة من الوقائع صحة كثير من تأويلاتها، إضافة إلى أن أخذ مفهوم التحقق مطلقا، يقصي تعسفيا مجموعة نتائج قابلة للاحتمال. ماذا يمكن أن نقول مثلا عن النظرية أينشتاين التي لا تحيل سوى لاثنين أو ثلاثة " تحققات " واضحة! لذلك من الضروري فقط تكذيب العبارة العلمية وليس التحقق منها . بناء على هذا المبدأ، يفصل بوبر بين العلم الواقعي والأنساق التأويلية؛ فهذه الأخيرة غير قابلة للدحض لأنها لا تستبعد أية واقعة محتملة، كما أن التأويلات الماركسية وكذا تلك التي جاء بها التحليل النفسي؛ تنضبط وتتكيف حسب مختلف الحالات! وضع يستحيل معه إيجاد براهين قادرة على إبطال نتائج هذين المبحثين: (( ما إن تفتحون أعينكم عليها، حتى تلاحظون أمثلة تؤكدها في كل مكان)) (5) .لكن وانسجاما مع ثوابت العقلانية النقدية؛ فإن عدم قابلية تلك الأنساق للدحض، لا تعني قوتها وتماسكها بقدر ماتكشف حقيقة عن ضعفها ووهنها: (( توخي أقصى ربح يؤدي في واقع الأمر إلى خسران كل شيء.. إن نظرية لا تسعى إلى المجازفة نحو الفشل لا يمكنها النجاح مطلقا))(6).كلما توخى التحليل النفسي تأكيد علميته، جاعلا نظرياته فوق كل دحض وتفنيد (متوهما بذلك العلمية)، إلا ووضع ضمنيا نظامه خارج العلم حسب معيار التحديد عند بوبر. يكمن البعد الذي يمنح نظرية قيمة تأكيدها العلمي، في قدرة صاحبها المنهجية على أن يقدم مند البداية الشروط التي تسمح بتزييف وتكذيب نظريته؛ أي المجازفة بالغلط: (( المثال النموذجي الذي يتعارض مع موقف المفسرين الماركسيين وكذا المحللين النفسانيين يحيل على أينشتاين، وقد اعتمدت كل نظريته عن النسبية العامة على تجربة واحدة منذ كسوف ماي 1919 ))(7). لقد تعارضت نظرية أينشتاين مع بعض النتائج المحتملة للملاحظة.يلزم العلم أن يثير ويستفز ويجازف، وليس المطلوب منه اقتفاء مسالك للأمان والائتمان. وكل نظرية لا يتأتى لها ذلك أو لا تعطي لنفسها إمكانية من هذا القبيل؛ تتحول بالتأكيد إلى عقيدة جامدة وتقترب من الدين وتقطع كليا مع العلم.يؤاخذ بوبر- مع جزمه كذلك بأن قسما كبيرا مما قاله فرويد وأدلر، وملاحظاتهما المهمة التي بوسعها لعب دورا كبيرا في صياغة علم سيكولوجي قابل للاختبار – على التحليل النفسي: (( الخاصية الدائرية لأغلب التبريرات النفسانية ونزوعها إلى أن تصير واقعا لذاتها)) (8). ذلك أن التفسيرات السيكولوجية، تنزع غالبا إلى الاستناد على تطبيقاتها السالفة، ومن ثمة تعميمها للتأكيدات والحقائق. أيضا، قد نتوهم علمية التحليل النفسي نظرا لاستنادها على ملاحظات إكلينيكية، لكننا ننسى أنها ملاحظات تظل بدورها: (( تأويلات على ضوء نظريات)) (9).يدافع بوبر عن موضوعية المعرفة، مسألة قد تفهم من خلال منحيين:1- الوجود الفعلي والواقعي للعالم؛ بحيث يتكلم العلم عن عالم واقعي موجود أساسا.2- تنفصل المعرفة عن الذات.تتبلور تصورات كتلك، ضد التأويلات الذاتية للفيزياء المعاصرة، منطق حكمها لفترة طويلة. تتأتى المعرفة الذاتية من هذه العلاقة السلبية المنقادة وراء أشياء العالم. إنه الاعتقاد الذي قامت عليه الأطروحات المفهومية للإبستيمولوجيات التجريبية، في حين يؤكد الاتجاه العقلاني على أن المعرفة بناء ذهني.يميز بوبر بين المعرفة الذاتية والموضوعية؛ تتأتى الأولى من موقف سلبي أولي بالأشياء نتيجة: "اعتقاداتنا وانتظاراتنا ثم استعداداتنا للتأثير". بينما تقوم المعرفة الموضوعية على نظريات مرتبطة بعلاقات محض منطقية، تشكلت لسانيا.كذلك يرفض بوبر مسألة الرهان على اليقين، مهما بلغت قوته، بخصوص إمكانية إثباته مقولة معينة. يقول بشكل جازم: (( لا أؤمن بالاعتقاد )) (10) .والأساسي أن يخضع رجل العلم نظريته على ضوء معايير عقلانية وانتقاد النظريات التي تمت صياغتها موضوعيا، لذلك: ((فالاستقرائي الذي يؤمن بالتراكم السلبي للملاحظات، لا يمكنه إلا الخلط بين الموضوعي والذاتي، ثم المسار العلمي والاعتقادات الإحيائية)) (11).توظيف بوبر لمفاهيم الذاتي والموضوعي تجعله قريبا من كانط؛ لأن المعرفة الموضوعية عنده تعني تلك المعرفة التي يمكن تبليغها إلى كل العقول، أي التأكيد لحقيقة الحكم، وتكون كذلك مقبولة بين الذوات، إلا أن مبدأ التزييف البوبري يفصله عن الكانطية.يستحيل حسب بوبر، الحديث عن تجرد مطلق لرجل العلم عن الأحكام والتعميمات الجاهزة والقبلية؛ فالتحيز العاطفي والوجداني لا مناص منه. فقط الاشتغال الجماعي على المنهجية النقدية، يعطي إمكانية للانفلات والتخلص من هذا النزوع الفردي والسيكولوجي لظاهرة العلم.انتقلت بوفريس بعد ذلك إلى حديث بوبر عن نمو النظرية العلمية وماهية محتواها المنطقي! يؤكد الفيلسوف من جديد قائلا: ((ليست هناك إلا طريقة واحدة بغية تقديم دلائل عقلانية لصالح اقتراحات، .تحليل نتائجها المنطقية: إظهار خصوبتها ومدى قدرتها على توضيح نظرية المعرفــة)) (12). يتجلى المحتوى المنطقي لنظرية ما في: (( صنف كل نتائجها اللاحشوية )) (13)، ومشيرا إلى ما سماه بالمحتوى الإخباري لنظرية ما، تلك النظرية التي تستبعد حالة أشياء ممكنة، وتكون أقل احتمالا، لذلك فهي إخبارية.هوامش:Renée Bouveresse :le rationalisme critique de karl popper ;ellipses ;2000.1- أستاذة في جامعة ميشيغان، تدرِّس فلسفة العلوم وتاريخ العلم والابستيمولوجيا والاتيقا والعلم والدين .انظر تقديمها لكتابي: غاستون باشلار.. نحو أفق للحلم (2006).2- كارل بوبر: أسطورة الاطار: في دفاع عن العلم والعقلانية. ترجمة يمنى طريف الخولي. سلسلة عالم المعرفة. أبريل- مايو 2003 .3-Renée Bouveresse ; ibid page 7 4- -نفسه ص 125- نفسه ص 136- نفسه ص 147- نفسه ص 148- نفسه ص 159- نفسه ص 1610- نفسه ص 1811- نفسه ص 1812- نفسه ص 2013- نفسه ص 21
    رد مع اقتباس  
     

  4. #4  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    باسل فرحان يسلط الضوء على فلسفة النقد العلمي في 'كارل بوبر والمنعطف الإبستمولوجي'


    الباحث باسل فرحان صالح يرى ان فلسفة كارل بوبر استندت إلى نظرية أينشتاين في النسبية العامة والخاصة لتقوم أولا على البحث في المنطلقات والبديهيات وتشريحها بالمبضع النقدي واعتبرت منهج العلم 'منهج التخمينات الجريئة والمحاولات الفذة لإثبات بطلان هذه التخمينات'.


    الثلاثاء 2019/09/17












    'كارل بوبر نتاجا لتيارات فلسفية وعلمية متمازجة حينا والمتناقضة أحيانا'










    كارل بوبر من كبار فلاسفة القرن العشرين، ومن المؤثرين الرئيسيين في فلسفة القرن الحادي والعشرين، ذلك لأن فلسفته أتت نتيجة لتأثره بعدة تيارات فلسفية وعلمية سمح لها بأن تشكل منعطفا أساسيا على المستوى الإبستمولوجي. استوعب بوبر اتجاهات العصر العلمية والفلسفية، ابتداء من استخدام آلات تكنولوجية فائقة التطور لرصد المتغيرات والمؤثرات البسيطة والدقيقة، والتراكمات الفلسفية النقدية، وليستنتج من ذلك عدم قابلية أية نظرية للثبات على أسس نهائية.
    الباحث د.باسل فرحان صالح في كتابه "كارل بوبر والمنعطف الإبستمولوجي" الصادر عن المجلس القومي للترجمة بمصر تتبع فلسفة كارل بوبر قال إن التطورات العلمية بدأت مع العالم شارلز داروين واكتشافه للنزعة التطورية في حياة الكائنات، والتي وصلت إلى الإنسان بشكله الحالي بعد تطور وعيه عن سائر المخلوقات الحية. وأدى اكتشاف العالم أرنست ماندل أيضا إلى تطور مبحث جديد من مباحث البيولوجيا، وهو علم الوراثة، ووصوله في زماننا إلى الاكتشافات الثورية المذهلة على صعيد الجينوم "الشجرة الجينية" التي تحمل الخصائص الوراثية للإنسان من بدايات الحياة إلى يومنا هذا، وما ستقوم به هذه الخصائص من تأثير على حياة الإنسان المعاصر والإنسان المستقبلي.
    وأضاف "لا ننسى بالطبع أثر العالم الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين، ومدى أهمية نظريته النسبية التي وضعت حدا لسيطرة براديغم الفيزياء النيوتونية بعد استمرارها حوالى مائتى عام؛ حيث وصلت الفيزياء الكلاسيكية إلى مكان لا تستطيع معه تحديد ودراسة كل الظواهر الطبيعية، والاكتشافات العلمية، وأخذها تحت جناحها؛ فأدت النسبية إلى اكتشاف بعد جديد يؤثر كثيرا في حياة الإنسان، وهو الزمان، مع الأخذ بعين الأعتبار جميع الفلاسفة والعلماء الذين بحثوا في طبيعة الزمان والضوء، والذين استفاد منهم أينشتاين. أدى هذا الاكتشاف إلى عادة خلط الأوراق والنظريات العلمية، وإعادة البحث فيها على أساس الأبعاد الأربعة التي يحيا الإنسان تبعا لهما، وهيثلاثة ضمن الفيزياء الكلاسيكية "العرض، والطول، والارتفاع"، والبعد الرابع الذي اكتشفه وهو الزمان؛ فقد اختلف شكل الكون ككل تبعا للحساب الدقيق للزمان، واختلف معه بالضرورة أفق الإنسان وكينونته، ما أعطى التفكير حقلا وبعدا جديدين تفجرا مجددا بعد اكتشافات الفيزياء الكوانتية وعلاقة اللايقين المنبثقة عنها.
    ورأى فرحان أنه بناء على هذه الاكتشافات قامت فلسفة كارل بوبر النقدية العلمية التي استندت إلى نظرية أينشتاين النسبية العامة والخاصة، والتي لم تبق لأية نظرية ثباتها. ففلسفة بوبر قامت أولا على البحث في المنطلقات والبديهيات العلمية وتشريحها بالمبضع النقدي العلمي الذي لم يتخل عنه، وهو أنه تمسك وشدد على النقد لاعتباره أن النقد يقوم بتفنيد النظريات العلمية والكشف عن الأخطاء والثغرات التي تعتريها، ويتضح هذا في تعريفه لمنهج المعرفة العلمية؛ حيث يقول "إن منهج العلم هو منهج التخمينات الجريئة والمحاولات الفذة لإثبات بطلان هذه التخمينات". كل هذا بهدف بناء نظرية علمية تكون أقرب إلى الحقيقة التي نحاول اكتشافها بالنظريات التي تخضع لـ"المضمون الاختباري"، أي مدى عمق المعلومات التي تقدمها عن الظاهرات الطبيعية، وتخضع أيضا لـ "القانون المنطقي"؛ أي مدى ترابط قوانينها المنطقية، والتي لا تزيد معرفتنا بالشئ أو بالظاهرة.
    ولفت إلى إن ما تقدم يبين مدى صرامة ودقة التفكير العلمي النقدي عند بوبر، ولكن المعرفة بالنظريات العلمية، وكيفية تطويرها لتحيط العلم بعدد كبير من الظاهرات الطبيعية، تقوم على معيار الإبطال أو الدحض كما يقول بوبر؛ فهل تنجو فلسفته من هذا الإبطال؟.
    وأجاب فرحان أن الفلسفة ضمت من قبل بوبر مختلف حقول العلم المتوفرة آنذاك "الفيزياء إلى الطب.. إلخ" في طياتها، وذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة "هدف الفلسفة الدائم". أما لاحقا، فقد انفصلت العديد من العلوم عن الفلسفة، وأضحت علوما قائمة بذاتها لها حقولها الدراسية الخاصة، ومناهجها المختلفة، كنتيجة لعصري التنوير والحداثة التي مرت بهما أوروبا بشكل خاص، والتي كان من نتائجها قيام الفلسفة التجريبية التي حاولت التملص من سيطرة الكنيسة والمعتقدات الغيبية التي كانت سائدة، والتي عاقت تطور وحدة رؤية الفلاسفة العلماء، ما أدى إلى التمرد على السلطة الدجمائية الغيبية التي لا تجاري الحقيقة الحسية التجريبية.
    وأكد أن كارل بوبر هو نتاج لهذه التيارات الفلسفية والعلمية المتمازجة حينا والمتناقضة أحيانا، فانكب من جراء ذلك على دراسة الفلسفة والتفكير بتلك النظريات بنهم. وككل الفلاسفة، أبقى بوبر على النظريات التي رآها أقرب إلى الحقيقة الطبيعية، ورفض النظريات التي لا تقترب منها، وذلك بعد أن قام بالبحث والتمحيص قبل إقرار مدى صدقها أو كذبها.
    وأوضح فرحان أن كارل بوبر تأثر كما العديد من فلاسفة القرن العشرين، بالإضافة إلى الفلاسفة والعلماء الذين ذكرناهم، بايمانويل كنط، وببرتراند راسل، و بكارل ماركس في رؤيته وتحليله النقدي الذي لعب دورا بارزا في تشكيل رؤيته النقدية سواء على المستوى العلمي أم على المستوى السياسي والاجتماعي. فقد انتسب بوبر إلى الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ولكنه سرعان ما اكتشف لا علمية الماركسية فقط، إنما كل الفلسفات التاريخانية بداية من أفلاطون، مرورا بهيغل، وذلك على عكس ادعاءات تلك تلك المذاهب، وذلك في تصديره لكتاب بؤس التاريخانية؛ حيث اعتبر أننا لا نستطيع الوثوق بنتائج الاستقراء، فما حدث في الماضي لن يحدث بالضرورة في المستقبل بنفس الطريقة؛ إذ لا يمكننا التنبؤ بمجرى التاريخ الإنساني بالطرق العلمية. وبوبر يطبق هذه القراءة على جميع الموضوعات التي بحث فيها، ذلك لأن التاريخ يتأثر في سيره بنمو المعرفة الإنسانية التي لا يمكن التنبؤ بها، ما يوصلنا إلى عدم إمكانية وضع قواعد للعلوم الاجتماعية تناظر قواعد العلوم الطبيعية.
    وأشار إلى أن كارل بوبر قام بإضافة الكثير إلى المناهج العلمية، بداية من تصويب ما وجد فيها من خلل. وساهم، حسب زعمه، في بناء منهج يفتح الأفق أمام العلم؛ حيث توصل في كتاباته إلى عدم التمكن من الوصول إلى نتائج نهائية في النظريات العلمية، حاول الوضعيون المنطقيون إقراره. فما كان منه إلا أن حطم الأطر المحددة ـ له كتاب اسمه " أسطورة الإطار/في دفاع عن العلم والعقلانية " – وهو آخر ما كتبه وفيه يهاجم كل الأطر العلمية والثقافية والفكرية والسياسية المغلقة، ويقوم بنقدها نقدا صارما لا هوادة فيه؛ فهو من دعاة المجتمع المفتوح وكل الأطر المعرفية الحرة وعلى الرغم من أهمية قراءة بوبر السياسية، ونقده للتاريخانية، فإن هذا البحث يتضمنها، ولن يشتمل على فكر بوبر الليبرالي، ولا مواقفه من التاريخانية، بل سيتناول رؤيته للعلم حصرا.
    وسعى فرحان في كتابه إلى محاولة إدراك آليات التحليل النقدي العلمي عند كارل بوبر، محاولا بذلك توسيع دائرة النقد البوبري إلى فلسفته، تلك القراءة التي تسعى إلى تطوير الإتجاه الفكري وعدم حصر هذا التطوير بالعلم.وقال "إن المشكلة التي طرحها بوبر، والتي تعتبر امتدادا لنظرية دافيد هيوم، واكتشافه لا يقينية ولا علمية الاستقراء بشكل عام، لا تسمح بإسقاط النظريات العلمية التي أثبتت فاعليتها حتى الآن على المستقبل، ذلك لأنها ضرب يتعارض في بنيته العلم.
    وتطرق فرحان إلى عدد من المحاور الرئيسية تمثلت في تساؤلات: ماذا أحدث كارل بوبر في جميع النظريات العلمية؟ تقوم فلسفة بوبر على دحض جميع الدغمائيات، وتحاول فتح الأفق أمام تطوير النظريات العلمية،فماذا قصد كارل بوبر بهذا الكلام؟ وكيف استطاع التوصل إلى هذه النظرية؟ وما الانعطافة التي أحدثها على مستوى الإبستمولوجيا؟.. وغيرها من الأسئلة التي تفتح أمامنا الأفق، وتكشف عن بعض الثغرات التي رآها العديد من الفلاسفة من خلال إلقاء الضوء على المعارضين مع رؤية كارل بوبر.
    ورأى ان بوبر استطاع أن يعري كل النظريات التي تحتاج إلى تعرية، ويطور ما يحتاج إلى تطوير، لكنه قام بدحض كل ما هو قائم على الوهم "المعرفة الذاتية، أو اليقينية" من خلال تبني منهجية فرضية استنباطية مختلفة عن المنهج الاستقرائي الذي كان متبعا؛ بالظواهر الطبيعية وحقيقتها.
    وقسم فرحان كتابه إلى ثلاثة فصول تتابعت "أبرز مفاصل العلم الحديث، بداية من الثورة الكوبرنيكية، والمرور بلمحة عامة على أبرز الاكتشافات العلمية، ومتابعة أبرز المشكلات التي واجهت مناهج العلم بداية من نقد هيوم للاستقراء، مرورا بمعالجة كنط لهذه المشكلة. وبعد المرور بالهندسة اللاإقليدية، والفيزياء النسبية، وفلسفة فتغنشتاين "الأب الروحي للوضعية"، بدأ البحث في فلسفة كارل بوبر التي حاولت معالجة كل المشكلات السابقة،في محاولة منه لكشف المنطق العلمي وكيفية تطويره لمعرفة الكون بطرق أكثر تعزيزا استنادا إلى المنهج الاستنباطي الفرضي، ومنهج المحاولة والخطأ. وقد استبعد بوبر المنهج الاستقرائي بعد أن رفض معالجة هيوم السيكولوجية لمشاكل هذا المنهج، حيث أكد على أن مشكلة الاستقراء يجب ألا تعالج إلا بشكل موضوعي. في هذا السياق، رفض بوبر المعيار الذي وضعه الوضعيون المنطقيون للفصل بين العلم والميتافيزيقا، ووضع معيارا مختلفا وهو معيار قابلية الدحض الذي يفصل بين العلم وأشباه العلم".
    ورأى أن بوبر بنى وفق هذه الأسس رؤيته للعلم، ولفلسفة العلم، محاولا بذلك وضع العلماء على الطريق الصحيح، ووضع العلم على الطريق التي تبرز ما يمكن أن يطوره أكثر وأكثر. فالعلم، حسب بوبر، هو افتراضي لكيفية العالم، وهو ليس معرفة بالمعنى اليقيني، بل معرفة العالم لا تأتي إلا على صعيد استبعاد الأخطاء من خلال تبني معيار الدحض المرادف لمعيار الاختبار الذي يطبقه العلماء. لكن محاولة بوبر لاقت اعتراضات كثيرة من قبل العلماء والفلاسفة الذين توصلوا إلى اعتبار الدحضية تؤدي إلى دحض بنية العلم بالكامل، وإلى العدم المعرفي؛ لأن تاريخ تطور العلم لا يقوم على تاريخ استبعاد الأخطاء، بل على تطوير معرفة الانسان بالطبيعة أولا، وبالحقيقة الموضوعية ثانيا.
    ولفت أن بوبر كان قد رفض القضايا الاحتمالية على اعتبار أنها مفيدة للعلم لأنها غير قابلة للدحض "للاختبار". إلا أنه، وبعد التدقيق، ظهر أن بوبر لم يرفض تلك القضايا إلا ضمن البنية الداخلية للعلم، ولكنه كان قد استخدم المنهج الفرضي الاستنباطي الذي يقوم على فرضيات تأخذ طابعا احتماليا يتم التحقق منها بالتجربة، ما يعني أن بوبر رفض تلك القضايا الاحتمالية واستبعدها من البنية الداخلية للعلم، لكنه انطلق من مثيلاتها، واعتبرها الأساس الذي يقوم عليه العلم. بالإضافة إلى أن العلم المعاصر، لا سيما في الفيزياء النووية، كان قد استخدم مثل هذه القضايا، وأكد عليها بما يتعارض مع ما قال به بوبر أيضا.






    رد مع اقتباس  
     

  5. #5  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    نقد بوبر للماركسية
    كارل بوبر(1902-1994) فيلسوف نمساوي المولد اكتسب فيما بعد الجنسية البريطانية، اشتهر بمبدأ التكذيب او التفنيد falsification principle(1) وهي طريقة العلوم في بيان زيف الفرضية العلمية، وبالتالي السماح بإيجاد فرضية أفضل. الفرضية يمكن بيان انها زائفة حتى ولو بملاحظة مضادة واحدة. المثال الكلاسيكي على ذلك: افتراض "كل البط ابيض اللون" ثبت زيفه عندما لوحظ وجود بط أسود في استراليا. لكن مساهمات بوبر العظمى للفلسفة هي في هجومه على التاريخية historicism(2) وهي الفكرة بان التاريخ له اسلوب وهدف ونهاية، وانه يتحرك بلا توقف نحو تلك الغاية طبقا لقوانين معينة.
    بوبر درس بعناية التاريخية في كتابه (فقر التاريخية) الصادر عام 1957 وذهب بعيدا نحو الفلسفة السياسية والمجتمع في كتابه من جزئين (المجتمع المنفتح واعداؤه، عام 1962).هذا الكتاب العالي الاتقان في الفلسفة السياسية يمثل حالة دراسية نموذجية في فن النقد، ويجسد دفاعا حماسيا عن الديمقراطية الليبرالية. الأعداء الفلاسفة للمجتمع المنفتح، يرى بوبر، يدخل ضمنهم افلاطون وهيجل وماركس.الجزء الاول من الكتاب يتعلق بافلاطون الذي رأى التاريخ ليس كتقدم وانما دائري، وهو في تراجع عن العصر المثالي الذهبي. افلاطون في جمهوريته حفز على النظام الاجتماعي المحكوم بالفلاسفة الملوك، المحميين بالنخب العسكرية وبمساندة طبقة كبيرة من العمال. بعض الخصائص الكريهة في نظامه الاجتماعي دفعت بوبر للهجوم عليه.لكننا نهتم هنا بالجزء الثاني من كتاب بوبر الذي يناقش هيجل وماركس – خاصة ماركس، رغم اننا عند مناقشة ماركس والتاريخ لا يمكننا تجنب هيجل. في الحقيقة، كان ماركس قد تأثر بعمق بنظرية هيجل في التطور التاريخي. كلاهما اعتقد بان التاريخ له غرض وقدر محتوم، وان البشرية منذ البداية تحركت نحو مصيرها مندفعة بالصراع عبر سلسلة من المراحل المستمرة، كل مرحلة جديدة تأتي الى الوجود عبر الصراع الناتج عن التناقضات او النفي للمرحلة السابقة. وعندما تتحرك العملية التاريخية نحو الامام، فان الظروف تتحسن حتى يتم في النهاية حل التناقضات والوصول الى نوع من الحرية.ولكن رغم هذا التشابه فان النظريتين في تضاد مع بعضهما. نظرية هيجل في التاريخ التي عرضها في فينومولوجيا الروح هي تجريدية، تتكشف دائما في الذهن. مختلف حركات الفكر او العقائد تتصارع مع بعضها مجتمعة لتعطي دفعا لظهور حركات جديدة تستمر بدورها بالصراع مع اخرى في عملية مستمرة تسمى الديالكتيك. تاريخ العالم هو انكشاف لما يسمى الذهن المجرد او الروح من خلال الديالكتيك. بهذا المعنى، يعتمد العالم على الذهن، على الافكار، وعليه تسمى نظرية هيجل بالمثالية الديالكتيكية. في اوج الحركة الديالكتيكية، يمارس الفرد التحرير من خلال علاقته مع الدولة التي يمجدها هيجل حين كتب "الدولة هي فكرة دينية كما تتجسد على الارض"(محاضرات هيجل في فلسفة التاريخ، جزء 41).(3)فكرة هيجل عن العملية التاريخية – ديالكتيك التناقضات – بدون شك اثّرت على ماركس وانجلس. ذكر انجلس في وصفه ديالكتيكية هيجل بانها منطق جديد "لامع". لكن هذا المنطق فيه مشكلة. فكما ذكر ماركس "ليس وعي الناس منْ يقرر وجودهم، وانما وجودهم الاجتماعي هو من يقرر وعيهم"(نقد الاقتصاد السياسي، 1859).نظرية ماركس، بالمقابل، تنكشف في عالم العمل، لذا هو يسميها المادية الديالكتيكية. صراعها هو بين الطبقات الاقتصادية، وان ذروة حركتها تتمثل في بلوغ المجتمع اللاطبقي، وبالنهاية زوال الدولة. كلا الرجلين تأثرا بقوة بهريقليطس الذي ذاع صيته في القرن الخامس قبل الميلاد. هيرقليطس قال بان كل شيء في حالة من التدفق او السيلان، يتغير الى الابد من خلال قوانين الطبيعة التي اسماها اللوغس او المنطق، يقوده التصادم بين الاضداد، ولكن بما ان هيرقليطس كان ماديا، لذا اعتبره ماركس مبشرا لماديته التاريخية.بوبر حول ماركس والتاريخ

    طوال تفحصه لماركس، اتّبع بوبر خطا رفيعا بين الاعجاب والخشية. هو يشعر بالاحترام لماركس، وجده صادقا في عقيدته، حاد الادراك في تحليلاته، متحمسا نحو المسحوقين. اعتقد بوبر ان ماركس ذاته"قام بمحاولة شريفة لتطبيق الطرق العقلانية على معظم المشاكل العاجلة للحياة الاجتماعية... امانته واخلاصه في بحثه عن الحقيقة ومصداقيته الفكرية ميّزته دائما، نعتقد و من خلال العديد من اتباع بوبر "...ان الماركسية هي التي ازعجت بوبر الذي اسماها" شكل التاريخية الأنقى والاكثر تطورا والاكثر خطورة".يرى بوبر ان الاختلاف الاساسي بين ماركس وغالبية المؤرخين (بمن فيهم هيجل) هو ان الآخرين رأوا التاريخ "ومصير الانسان" يتقرر بالصراع بين الامم. ماركس رأى التاريخ يتقرر بالصراع بين الطبقات. وكما ذكر ماركس "تاريخ جميع المجتمعات القائمة حتى الان هو تاريخ الصراع الطبقي"(البيان الشيوعي). وكما يوضح بوبر "التفسير السببي الماركسي للتاريخ بما فيه الحروب القومية، هو ان مصلحة الطبقة يجب ان تأخذ مكان المصالح القومية المزعومة والتي هي في الحقيقة فقط مصلحة الطبقة الحاكمة في الامة".طبقة المرء تتقرر بموقع المرء في نظام المجتمع لإنتاج السلع والخدمات. في الرأسمالية، البرجوازية هي من يملك وسائل الانتاج، وبهذا هي من يصنع الطبقة الحاكمة. اما اولئك الذين يقومون حقا بالعمل لإنتاج السلع والخدمات فهم يصنعون الطبقة العاملة او البرولوتاريا. المالكون يُجبرون لزيادة الانتاجية لكي يمكنهم التنافس، وبهذا هم مجبرون لإجبار العمال على انتاج المزيد وبكلفة اقل، وهو ما يعني اجور عمل قليلة. هم ايضا واعون تماما بان حريتهم تعتمد على انعتاقهم من العملية الانتاجية. هم يمكنهم "شراء مقدار اكبر من الحرية فقط على حساب استعباد اناس آخرين"، كما يذكر بوبر. "فقط عبر جعل الآخرين يقومون بعمل قذر يمكن للحكام ان يكونوا متحررين". ولكن مع استغلال العمال، هم يطورون وعيا طبقيا: نتذكّر ان ماركس اعتقد ان وجود الانسان الاجتماعي يقرر وعيه. وبهذا فان العمال يصبحون باستمرار واعين بان حاجتهم للحرية تتقرر بموقعهم في وسائل الانتاج. الحكام ملزمون باستعباد المحكومين، والمحكومين ملزمين بالكفاح ضد الحكام. "وهكذا دائما، الحكام ومعهم المحكومين يقعون في الفخ، ويُجبرون للصراع ضد آخر"، يوضح بوبر."انها العبودية"، هو يضيف"هذه الحتمية في الصراع... نبوءة تاريخية علمية". يلخص بوبر حتمية ماركس بالقول ان علاقات الطبقة التي تميز النظام الاجتماعي هي مستقلة عن رغبة الانسان الفردية.من المفزع ان كل هذا يبدو غير شخصي – ازيل من الواقع الوحشي للحياة اليومية. لكن ماركس رأى القسوة المميتة للراسمالية في انجلترا في اواسط القرن التاسع عشر. ماركس يعطي هنا امثلة:1- وليم وود شاب عمره 7 سنوات.. يأتي للعمل كل يوم من الساعة السادسة صباحا حتى الساعة التاسعة مساءا.. "15 ساعة من العمل لطفل بعمر سبع سنوات، شيء مدهش حسب تقرير رسمي للجنة استخدام الاطفال عام 1863".2- ماريا آن والكلي شابة عملت دون توقف لمدة 26 ساعة ونصف، مع 60 من البنات الاخريات، 30 منهن في غرفة واحدة.. استدعي الطبيب لاحقا، شهد امام الطبيب الشرعي بان ولكلي ماتت بسبب ساعات العمل الطويلة في غرفة عمل مزدحمة".النبوءة ومفارقة الحرية

    يربط بوبر الظروف المزرية للرأسمالية المنتصرة بشيوع فكرة الحرية الاقتصادية: "هذا الاستغلال المخزي جرى الدفاع عنه وبسخرية من جانب المنافقين الذين لجأوا الى مبدأ الحرية الانسانية، لحقوق الانسان في تقرير مصيره، وللدخول بحرية في اي عقد يراه مفضلا لمصالحه".مفارقة الحرية هو مفهوم يعود تاريخه الى افلاطون الذي يقول بوضوح ان "الحرية اللامحدودة تقود الى لا حرية". بوبر طبق هذاه المفارقة على نوعين من الحرية هما الفيزيقية والاقتصادية. "الحرية في اي ميدان تهزم ذاتها اذا كانت غير محدودة"، هو يكتب. الحرية الفيزيقية غير المقيدة هي حرية البلطجيين في ايذاء الضعفاء. ولكن بالنهاية، ذلك البلطجي سيأتي ضد بلطجي اقوى، وذلك البلطجي ايضا سوف يواجه آخر وهكذا. لذا من الضروري للدولة ان تقيد الحرية الفردية في طرق قانونية معينة لحماية حرية كل شخص. السلطة الاقتصادية غير المقيدة تقود الى نفس النتيجة في العالم الاقتصادي. "في دولة كهذه، القوي اقتصاديا حر في ايذاء الضعيف اقتصاديا، وسرقة حريته"، يكتب بوبر. فمثلا، "اولئك الذين يمتلكون فائض من الطعام يمكنهم اجبار الاخرين الجياع على "عبودية مقبولة "بشكل حر". لذا من الضروري ايضا للحكومة ان تحمي الضعفاء اقتصاديا.يجادل بوبر ان الدولة يمكن ان تبني مؤسسات لتوفير هذه الحماية من خلال الوسائل القانونية. هو سمى هذه العملية "الهندسة الاجتماعية التدريجية" piecemeal social engineering(4). ماركس اعتبر السياسة والنظام القانوني خادما للطبقة الحاكمة. هو آمن بان الانظمة السياسية البرجوازية انكرت الحريات الاساسية للعمال والفقراء. ورغم انهم جرى التعبير عنهم في لغة العدالة والحرية، لكن هذا كان مجرد ديكور خارجي. بوبر في وصفه عقيدة ماركس في هذا، كتب" هذا يبين ان الاستغلال ليس مجرد سرقة. انه لايمكن منعه فقط بالوسائل القانونية". بالنسبة لماركس، الخيار الوحيد هو الثورة.طبقا للتاريخية الاقتصادية لماركس، النظام الاجتماعي لفترة تاريخية معينة يجب ان يزيل نفسه لينتج الفترة التاريخية القادمة. هذا يبين كيف ان الاقطاعية انتجت الرأسمالية. الرأسمالية بدورها، تحتوي على بذور فناءها. تلك البذور توجد في ظروف الانتاج. في كتاب رأس المال، ادّعى ماركس هناك تركيز متزايد للثروة بأيدي القلة، وزيادة مماثلة في شقاء وتعاسة الطبقة العاملة المتزايدة. هذه اول خطوة من ثلاث خطوات في نبوءة ماركس بالثورة. هذه النزعة ستؤدي الى الخطوة الثانية، محتوية على نتيجتين. كما يوضح بوبر حول نظرية ماركس: "كل الطبقات ماعدى البرجوازية الحاكمة الصغيرة والطبقة الكبيرة العاملة المستغلة ملزمة لتختفي او لتصبح بلا اهمية". وايضا، "التوتر بين هاتين الطبقتين يجب ان يقود الى ثورة اجتماعية" من خلال الصراع بين المالكين والعمال. اخيرا، في الخطوة الثالثة، العمال سيبرزون كمنتصرين على المالكين ويؤسسون ما يسميه ماركس دكتاتورية البروليتاريا. بالنسبة لماركس هذه الدكتاتورية ضرورية للدفاع ضد الثورة المضادة ولخلق المجتمع اللاطبقي.اعتقد ماركس ان هذه العملية التاريخية حتمية. هذه التاريخية وجدها بوبر خطيرة، ومن هنا هو فصل نفسه عن ماركس. بوبر بوضوح شجع مفارقة الحرية لمواجهة الشروط الضرورية لثورة ماركس الحتمية:"نحن يجب ان نبني مؤسسات اجتماعية، تُفرض بسلطة الدولة، لحماية الضعفاء اقتصاديا من الاقوياء اقتصاديا.. يجب ان نطالب بان الرأسمالية غير المقيدة تسمح بالتدخل الاقتصادي. وهذا بالضبط ما حدث. النظام الاقتصادي الذي وصفه وانتقده ماركس لم يعد موجودا في اي مكان".يعطي بوبر امثلة لما حدث في تحديد الحرية المطلقة للسوق مثلما كان ايام ماركس: تحديد ساعات العمل، الحماية ضد المرض والعجز والبطالة والضرائب التصاعدية وظهور اتحادات العمال وغيرها. يذكر بوبر ان ماركس "لم يستوعب ابدا مفارقة الحرية، وهو لم يفهم ابدا الوظيفة التي يمكن لسلطة الدولة تأديتها في خدمة الحرية والانسانية". يجب التأكيد ان بوبر لم يكن ساذجا فيما يتعلق بسلطة الدولة وامكانية الاستبداد. "تدخّل الدولة"، هو يكتب "يجب ان يقتصر على ما هو ضروري لحماية الحرية". باطلاع تام على سايكولوجيا الانسان، شدد بوبر على اهمية السيطرة على المسيطرين. في الحقيقة، معظم الدول الغربية اسست اطارا قانونيا للفصل بين السلطات لتحديد سلطة الدولة بالاضافة الى الحرية المطلقة للسوق.نهاية التاريخية

    سبب فشل نبوءة ماركس " يكمن كليا في فقر التاريخية" يكتب بوبر: "في ابسط الحقائق حتى لو نلاحظ اليوم ما يبدو من نزعة تاريخية، نحن لا نعلم انها سيكون لها نفس المظهر غدا". بوبر ذكر ايضا ان الناس عندما يتحدثون عن تاريخ البشرية "ما يعنونه وما تعلموه في المدرسة هو تاريخ السلطة السياسية. لا وجود لتاريخ البشرية، هناك فقط اعداد لا متناهية من التواريخ... وأحد هذه التواريخ هو تاريخ السلطة السياسية. هذا التاريخ رُفع الى مستوى تاريخ العالم. لكن هذا هو جريمة ضد كل تصور لائق للبشرية.. بالنسبة لتاريخ السلطة السياسية لاشيء عدا تاريخ الجريمة الدولية والقتل الواسع". لكي يوضح هذا يستشهد بوبر من الثورة الروسية وتأسيسها دولة صناعية باستخدام العمل الاجباري والقمع المفرط للمعارضين.في نهاية المجتمع المنفتح واعداؤه، يعرض بوبر مرة اخرى غموضه نحو ماركس. "ماركس أوهم الناس الاذكياء ليعتقدوا بان النبوءة التاريخية هي الطريقة العلمية في حل المشاكل الاجتماعية". مع ذلك، هو يسمي عمل ماركس "نظام فلسفي فخم، مقارنا او أرقى من الانظمة الكلية لافلاطون وهيجل. ماركس كان آخر العظام من مؤسسي الانظمة الكلية. نحن يجب ان نحرص على تركه هناك، ولا نستبدله بنظام آخر عظيم".وهنا يجب ذكر ملاحظتين. اولا، ان بوبر الذي مات عام 1994 ربما سيشعر بالقلق من التصاعد الاخير للقومية المتشددة في اوربا والولايات المتحدة، وايضا سيلوم الفجوة الواسعة بين الاغنياء والفقراء. كلاهما يعزز انتعاش مفاجيءللماركسية او انظمة شمولية اخرى، وهو موقف سيواجهه بوبر بمزيد من الهندسة الاجتماعية المتدرجة.اخيرا، ملاحظة بشان هيجل وماركس. الفلاسفة الحديثين احيانا يبحثون عن دعم من اليونان القديمة لإعطاء نظرياتهم بريق الحكمة القديمة. هيجل وماركس كلاهما وجد ضالته في هيرقليطس. هيجل كان فخورا به: "لم توجد فرضية لهرقليطس لم اتبنّاها في منطقي.. كل الاشياء تمر طبقا للصراع"، بينما ماركس اعتبره سبّاقا في ماديته الديالكتيكية للتاريخ. وكما ذكر الفيلسوف وليم ساخان في تاريخ الفلسفة 1968: "هرقليطس اعتبر العالم كنظام يتغير بلا توقف، لا يكتمل ولا ينتهي ابدا في بلوغ اهدافه او التوقف في حالة من الكمال"................................................... ...............الهوامش
    (1) مبدأ التكذيب اقترحه الفيلسوف العلمي كارل بوبر. المبدأ يفترض بان الشيء لكي يكون علميا يجب ان يكون بالامكان تكذيبه. اذا كانت الاشياء قابلة للتكذيب او ممكن اثباتها كاذبة عندئذ يمكن استخدامها في التحقيقات والدراسات العلمية. مثال على البيانات القابلة للتكذيب القول بان جميع السيارات حمراء. هذا القول يمكن تكذيبه بسهولة عبر ملاحظة سيارة واحدة ليست حمراء. كل شيء لا يمكن اثباته كاذبا هو غير صالح للتحقيق العلمي. مثال على بيان لا يمكن تكذيبه هو وجود كائنات خرافية غير مرئية تسكن الكهوف والجبال وتسرق الاطفال لايمكن اكتشافها من قبل الانسان. هذا القول لا يمكن اثباته صحيحا او كاذبا، ولذلك هو لايمكن تكذيبه ولا يمكن استخدامه في التحقيق العلمي.
    (2) التاريخية هي الاعتقاد بان التاريخ يتقرر وفقا لقوانين، وان فهم الناس والثقافات يتطلب فهم الاحداث التاريخية. مثال على التاريخية هي الاعتقاد بان ما حدث في الـ 100 سنة الماضية سيقرر ما يحدث اليوم.
    (3) يرى هيجل ان الدولة هي أعلى تجسيد للفكرة الدينية على الارض وهي الوسيلة الرئيسية التي يستعملها المطلق في تجسيد ذاته كما ينكشف نحو الانجاز التام. جادل هيجل بان الدولة هي أعلى شكل من الوجود الاجتماعي والمنتج النهائي لتطور البشرية، بدءً من العائلة ومرورا بالمجتمع المدني وصولا الى ادنى اشكال التجمعات السياسية. الدولة هي كل عضوي متسامي يتألف من تجمعات الافراد في جماعات محلية وجمعيات وغيرها. هذه الاجزاء ليس لها اي معنى عدى علاقتها مع الدولة التي هي غاية في ذاتها. الدولة يمكنها ان تطلب من اجزاءها التضحية لأجل مصالحها. كل انسان خاضع للكلي الاخلاقي. اذا طالبت الدولة بحياة فرد ما عندئذ يجب على الفرد التسليم. بما ان كل شيء بالنهاية هو واحد، فان الجماعي له السيادة على الفرد. دولة هيجل ليس فيها مكان لفكرة الحقوق الفردية او النظرية الليبرالية للدولة.
    (4) في كتابه (فقر التاريخية، 1957) انتقد كارل بوبر التاريخيين ولاسيما الشيوعيين والفاشست في محاولتهم التنبؤ بالمستقبل، وجادل بان التجارب الاجتماعية الكلية المرتكزة على هذه النظريات محكوم عليها بالفشل، ذلك بسبب ان طريق التاريخ الانساني يتأثر كثيرا بنمو المعرفة، ونحن لا نستطيع ان نتنبأ عقلانيا ولاعلميا بمستقبل النمو في المعرفة العلمية. بدلا من ذلك، ومقارنة مع الدور المركزي للتجارب المتدرجة في العلوم، هو يرى ان الشكل الوحيد للتغيير الاجتماعي الذي يمكن تبريره هو ذلك الشكل الذي يكون على نطاق صغير، وسلس ومتدرج ويمكن باستمرار تعديله في ضوء التجربة. هذا الاتجاه يرتكز على التجربة والخطأ وليس على الرؤى التاريخية القبلية، وكما يقول بوبر"نحن نصنع التقدم فقط عندما نكون مستعدين للتعلّم من اخطائنا: نعترف بأخطائنا ونستعملها نقديا بدلا من الاستمرار الدوغمائي عليها. الهندسة الاجتماعية هي إدخال لتصور بوبر للطرق العلمية في التخطيط والسياسة.


    ...........................
    رد مع اقتباس  
     

  6. #6  
    المدير العام الصورة الرمزية طارق شفيق حقي
    تاريخ التسجيل
    Dec 2003
    الدولة
    سورية
    المشاركات
    13,619
    مقالات المدونة
    174
    معدل تقييم المستوى
    10
    أحمد فاروق يحلل فلسفة كارل بوبر السياسية




    المفكر المصري يرى أن أعمال الفيلسوف النمساوي في الأبستولوجيا والميثودلوجيا والفلسفة السياسية لم تكن مترابطة فكريا فحسب ولكن أيضا تاريخيا.



    الأحد 2018/07/22









    التحليل النقدي لأزمة الليبرالية الداخلية










    الفاشية تشكل تهديدا للعلم والحضارة الانسانية كلها

    بوبر نشأ وسط بيئة تقدمية ليبرالية يهودية في فيينا قبل الحرب العالمية الأولى



    يرى د. أحمد فاروق أن أعمال الفيلسوف النمساوي كارل بوبر (1902 ـ 1994) في الأبستولوجيا والميثودلوجيا والفلسفة السياسية لم تكن مترابطة فكريا فحسب ولكن أيضا تاريخيا، لقد ارتبط تطور فلسفة العلم عنده بتفاعله مع الأحداث السياسية في النمسا وبرؤيته للشروط الاجتماعية التي تنمو من خلالها المعرفة. وبعض من أفكاره الأساسية عن طبيعة المعرفة العلمية متجذرة في مشاركاته المبكرة في الأنشطة السياسية الثورية ومواجهاته مع الماركسية والشيوعية خلال فترة الثورة النمساوية في عامي (1918 ـ 1919).
    وفي السنوات التالية تجسدت هذه الاهتمامات في كتابه "منطق البحث" سنة 1934 وكتابيه "المجتمع المفتوح" و"فقر المذهب التاريخي" محاولة لتطبيق نظرية المعرفة والمثيولوجيا العلمية التي قدمها الكتاب الأول على المشاكل الاجتماعية والسياسية للجمهورية النمساوية الأولى، وعلى الصراع العالمي بين الديمقراطية والشمولية فيما بعد، لقد أدت الحياة السياسية للجمهورية النمساوية لظهور اهتماماته الفلسفية والعلمية، وأدى هذا الاهتمام بدوره إلى محاولة البحث عن علاج لأمراض المجتمع النمساوي الاجتماعية والسياسية في الفلسفة والعلم.
    ويشير فاروق في دراسته "فلسفة كارل بوبر السياسية من الابستولوجيا إلى الأيديولوجيا" الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة إلى أن بوبر نشأ وسط بيئة تقدمية ليبرالية يهودية في فيينا قبل الحرب العالمية الأولى، ولذلك حددت هذه الفلسفة والسياسة التقدمية السياق لعمله، وأصبح بوبر في السنوات التالية للحرب العالمية معروفا من خلال أعماله السياسية، وقد اعتبر كتابه "المجتمع المفتوح الذي نشر للمرة الأولى عام 1945 بمثابة دفاع بليغ عن الديمقراطية الليبرالية ضد الشمولية.
    ويوضح فاروق أن بوبر لا يقدم فلسفة سياسية بالمعنى الدقيق لـ "الحد" "وأقصد بذلك تصورا عن النظام السياسي الفاضل أو الأسمى. المدينة الفاضلة إذا استخدمنا الحد الذي ابتكره الفارابي في القرن التاسع الميلادي وإنما يقدم نقدا لفلسفات السياسة والتاريخ التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وسادت في النصف الأول من القرن العشرين وهي فلسفات سياسية معادية للفلسفة السياسية الليبرالية.





    بوبر يقدم نقدا لفلسفات السياسة والتاريخ التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وسادت في النصف الأول من القرن العشرين وهي فلسفات سياسية معادية للفلسفة السياسية الليبرالية.





    ويلفت بوبر إلى أن بدايات بوبر كفيلسوف علم وإبستمولوجي تلعب دورا كبيرا في تكوين الانتقادات التي وجهها إلى الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والسياسية المعارضة للفلسفة والسياسات الليبرالية، حيث إن دحضه أو تفنيده لمفهوم العلم الذي ترتكز عليه الأسس النظرية والفلسفية للمذاهب المعارضة لليبرالية ـ دحضه لمفهوم العلم الذي ترتكز عليه النظرية المادية التاريخية الماركسية مثلا ـ هو نقطة الانطلاق والخلفية الأساسية التي يعتمد عليها هذا النقد.
    هذه الحركة أو عملية الانتقال داخل فلسفة بوبر ككل هي التي تفسر العنوان الذي اختاره د. أحمد فاروق لهذه الدراسة "فهناك انتقال في فكر بوبر وحتى في أعماله ذاتها من الإبستمولوجيا أو نظرية المعرفة العلمية إلى الأيديولوجيا أو نظرية الأفكار، والرابطة التي تعمل كجسر تتم من خلاله عملية الانتقال هي مفهوم العلم والمنهج العلمي. بناء على ذلك يرى بوبر أن فلسفة العلم يجب أن تدفع عن المجتمع المفتوح ويجب عليها أيضا أن تتصدى للفاشية المترتبة على محاولات العودة للمجتمع المغلق. نتيجة لصدمة الحضارة من ناحية ولفشل المشروع الليبرالي للإصلاح من ناحية أخرى. ويجب عليها كذلك تقديم معيار للتمييز بين العلم من ناحية وبين العلم الزائف من ناحية أخرى. لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتحقيق الإجماع على محاربة الفاشية التي تهدد لا العلم فحسب ولكنها تهدد الحضارة الإنسانية كلها بما ذلك المجتمع المفتوح.
    ويضيف فاروق أنه بهذه الصياغة لإشكالية علاقة الفلسفة بالسياسة يقبل بوبر الليبرالية بوجهها القيمي، مستخدما الاتجاه النقدي العام لنظرية المعرفة العلمية كتبرير لهذا القبول، ويتضمن هذا القبول تسليما بمحدودية ما يمكن تطبيقه من مبادئ العلم على السياسة، فهو لم يعد في حاجة أصلا للتورط في المناظرة القديمة حول مناهج لعلوم الطبيعة وأخرى لعلوم الإنسان أو الروح، ما دام التركيز على المثيولوجيا يجعل من الممكن لفيلسوف العلم أن يعالج القضايا الخاصة بالليبرالية، والتي هي محل نزاع في المناظرة السياسية والاجتماعية الدائرة باعتبارها قضايا تدخل ضمن نطاق مشكلة المعرفة.
    وبعبارة أخرى فإن ما ينصح به بوبر هو التعاطي مع الليبرالية باعتبارها قضية من قضايا نظرية المعرفة العلمية أو كمقولة فرعية من قولات نظرية المعرفة العلمية، ولا يعني هذا الطرح أن الليبرالية ليست معنية في الأساس بمشاكل تقع خارج نطاق هذه المناقشات بل إن القضية قضية أولويات فسوف يصبح من الممكن تقديم توصيات سياسية حقيقية، إذا كان بمقدورنا التمييز بين العلم وبين العلم الزائف، لأن ذلك سوف يتضمن بطبيعة الحال القدرة على فهم القضايا الابستمولوجية والميثودلوجية المطروحة للنقاش بشكل صحيح.
    انطلاق فلسفة ظلت خفية لأسباب لم تعد قائمةقسم د. فاروق دراسته إلى خمسة فصول وخاتمة، في الأول يدرس الخلفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأزمة الفلسفة السياسية الليبرالية في النصف الأول من القرن العشرين، ثم ينتقل بعد ذلك للتحليل النقدي لأزمة الليبرالية الداخلية وكذلك المحاولات العديدة التي فشلت في تقديم حل للأزمة، وينتقل بعد ذلك إلى إلقاء الضوء على الطريقة التي يدخل من خلالها عمل بوبر ضمن نطاق الاستجابة الفكرية لأزمة الفلسفة السياسية الليبرالية، ويقارن تفسير بوبر وتلاميذه لأزمة الليبرالية مع التفسير ما بعد البنيوي الذي انطلق أيضا من نظرية المعرفة العلمية حسب التصور التقليدي الفرنسي التاريخي كما عرضه جاستون بشلار وتلاميذه.
    وفي الفصل الثاني يدرس د. فاروق التطور التاريخي للإبستمولوجيا التكذيبية البوبرية ـ الطور الأول للعقلانية النقدية ـ كما تجسدت في أعمال بوبر وحواره الممتد مع الاتجاهات الفلسفية والإبستمولوجية المواكبة. وجاء موضوع الفصل الثالث المحاولة التي قام بها بوبر من أجل تقديم رؤية للمعرفة الإنسانية بإمكانها تمييز العلم دون اللجوء إلى الاستقراء.
    وناقش الفصل الرابع مقاربة بوبر للفلسفة السياسية في كتابه "المجتمع المفتوح وأعداؤه" ونقطة الانطلاق في هذا العرض هي رفض بوبر للنزعة الماهوية لتأثيراتها السلطوية ـ السياسية والاجتماعية ـ على المجتمع والافراد. ويجئ الفصل الخامس والأخير ليدرس التطورات الفكرية المتأخرة في فلسفة بوبر السياسية ـ بعد المجتمع المفتوح ـ وما يكشفه لنا ذلك التطور من نقاط انطلاق فلسفة ظلت خفية لأسباب لم تعد قائمة.
    ويخلص د. فاروق إلى أن ما يطرحه بوبر هو نظرية في المعرفة تأخذ في اعتبارها فشل مشروع الفلسفة الحديثة في إنجاز ما وعدت به من تشييد لأسس راسخة للمعرفة الإنسانية لكنها بالرغم من ذلك تتضمن أملا في التقدم، وهذا هو الجانب الذي يتخذ فيه اهتمام بوبر بالمشكلة الإبستمولوجية لفكرة الحقيقة طابعا سياسيا واضحا. فهو يتفق مع التنوير في أن تحدي السلطات السائدة ـ سواء كانت أخلاقية أو سياسية ـ أمر ضروي، ولكن اعتقاده في اللامعصومية المعرفية يؤدي به لاعتقاد آخر مفاده أن من يقوم بتحدي السلطات الراسخة ليس له الحق في إدعاء المعصومية، لأن ذلك بدوره يقود إلى السلطوية، يجب على من يقوم بتحدي السلطة أن يكون منفتحا على النقد من قبل الآخرين، وخصوصا فيما يتعلق بمزاعمه عن العالم وفي أنشطته السياسية، وأكثر الأشياء لفتا للانتباه في إبستمولوجيا بوبر هو عداؤها للسلطوية، لا توجد سلطات فوق النقد، ولا يقتصر عمل النقد على البشر والمؤسسات السياسية والاجتماعية فحسب، بل إنه يتسع ليشمل ما يبدو لنا على أنه واضح بذاته من خلال العقل أو بيانات حواسنا والاعتقاد في عدم وجود مصادر للمعرفة يؤدي ظهور جانب محافظ في عمل بوبر:
    فأولا يرى أنه لا يحق لنا رفض أي شيء ببساطة بسبب عجزنا عن تبريره، فليس بالإمكان أصلا تبرير شيء إلى الدرجة التي تجعله فوق الفحص النقدي مستقبلا. وثانيا من المهم اكتشاف مكمن الخطأ في الأشياء، ولكن الاكتشاف في ذاته لا يقول لنا كيف نزيل الخطأ، إن اهتمام بوبر بالتقدم في الإبستمولوجيا والسياسة جعله يعطي الأولوية لإصلاح ما في متناول الأيدي وهذا هو المعنى الذي يستخدم به الحد.






    رد مع اقتباس  
     

المواضيع المتشابهه

  1. فكرة التفتّح في فلسفة كارل بوبر
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20/08/2020, 01:53 AM
  2. فكرة التفتّح في فلسفة كارل بوبر
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى فسيفساء المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15/08/2020, 02:06 AM
  3. مقال: لماذا هي استراتيجية توتر ..
    بواسطة طارق شفيق حقي في المنتدى مجلة المربد
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26/03/2014, 10:47 PM
  4. بؤرة توتر ....قصة بقلم بوفاتح سبقاق
    بواسطة بوفاتح سبقاق في المنتدى القصة القصيرة
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 24/08/2008, 08:11 PM
  5. تـــاريخ الأدب العربي .. كارل بروكلمــــــان ...
    بواسطة أبو شامة المغربي في المنتدى قضايا أدبية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30/05/2007, 08:57 AM
ضوابط المشاركة
  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •