أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي (و. 1059 ت. 1126)، شهرته الطرطوشي، كان واحداً من أبرز الفلاسفة السياسيين المسلمين-الهيسپان في القرن 12. كتابه سراج الملوك كان واحداً من أهم أعمال النظرية السياسية والتي كتبت في العالم الإسلامي في العصور الوسطى. كان الطرطوشي أيضاً فقيهاً بارعاً في المذهب المالكي.

هو أبو بكر محمد بن الوليد القرشي الفهري الأندلسي الطرطوشي، المعروف بابن أبي رندقة. أحد الأئمة الكبار، عالم، فقيه مالكي، أصولي، محدّث، مفسّر، صوفي، شاعر. ويسمى بالطرطوشي نسبة إلى المدينة الأندلسية طرطوشة، طائفة طرطوشة، التي ولد فيها (في شمال شرقي الأندلس، على ساحل البحر المتوسط).[1]
ولد ونشأ في طرطوشة، ودرس الفرائض والحساب فيها. وقرأ الأدب على أبي محمد بن حزم بمدينة إشبيلية. وصحب القاضي أبا الوليد الباجي بمدينة سرقسطةالأندلسية، وأخذ عنه فيما أخذ، مسائل الخلاف. ما عدا ذلك أخذ من كثير من الفقهاء، وحكى بعض العلماء، بأن الطرطوشي كان يأتي إلى الفقهاء. وهم نيام، فيضع في أفواههم الدنانير، فيهبّون فيرونها في أفواههم. هذا دليل على أنه كان من عائلة ميسورة، ويؤمن بدور المال في تحصيل العلم. وهو القائل:
إذا كنت في حاجة مرسلاً وأنت بانجازها مغرم
ودع عنك كل رسولٍ سوى رسول يقال له الدرهم
رحل الطرطوشي إلى المشرق سنة 476هـ وحجّ. ثم زار بغداد و البصرة، وسمع هناك من القاضي أبي عبد الله الدامغاني ورزق الله التميمي وأبي عبد الله الحميدي، وتفقّه على أبي بكر الشاشي وأبي محمد الجرجاني، وسمع سنن أبي داود من أبي علي التستري.ثم زار الشام، وأقام فيها مدة ودرس بها، ونزل بيت المقدس. ثم ذهب إلى مصر، فاستقبله الأفضل بن بدر الجمالي وزير الخليفة الفاطمي، وأنزله في أحد المساجد. ووعظ الطرطوشي الأفضل ونصحه قائلاً: «إن الأمر الذي أصبحت فيه من الملك، إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عن يدك، فاتّق الله فيما خوّلك من هذه الأمة». وعندما قُتل الأفضل وولي بعده الوزارة المأمون بن البطائحي، أكرم الشيخ الطرطوشي كثيراً، الذي بدوره الّف كتاب «سراج الملوك» وأهداه للمأمون كاتباً عليه.
الناس يهدون على قدرهم لكنني أهدي على قدري
يهدون ما يفنى وأهدي الذي يبقى على الأيام والدهر
كان الطرطوشي يحنّ للوطن والأهل والأحبة معبّراً عن ذلك بشعره:
يقولون ثكلى ومن لم يذق فراق الأحبة لم يثكل
لقد جرعتني ليالي الفراق كؤوساً أمرّ من الحنظل
كان أبو بكر الطرطوشي ورعاً، ديناً، متواضعاً، متقشفاً، متقلّلاً من الدنيا راضياً باليسير، حيث قال: إذا عرض لك أمران، أمر دنيا وأمر آخرة، فبادر بأمر الآخرة، يحصل لك أمر الدنيا والآخرة. ووصفه القاضي أبو بكر بن العربي بالعلم والفضل والزهد.صنّف كثيراً من الكتب، منها: «سراج الهدى»، «الحوادث والبدع»، وغيرها الكثير. ولكن أشهرها كتابه «سراج الملوك» الذي قسّمه إلى أربعة وستين باباً، منها يتجاوز العشرين صفحة من القطع الكبير، ومنها أسطر. جمع فيه سير الأنبياء والخلفاء و الصالحين، وآثار الأولياء، ومواعظ العلماء، ونوادراً وقصصاً وحكماً من القرآن الكريم والحديث الشريف. وكأنه نصائح للحكام (خلفاء وملوك وسلاطين وولاة ووزراء) على الرغم من أن الكاتب يكرّر بعض العبارات أو ما سبق أن قصه من حكايات في أكثر من موضع. لكن فائدته كبيرة وكما قال أحدهم: قلما سمع به ملك إلا استكتبه، ولا وزير إلا استصحبه.توفي الطرطوشي في ثغر الإسكندرية بمصر، وصلى عليه ولده محمد، ودفن في مقبرةٍ قبلي الباب الأخضر قريباً من البرج الجديد.
من مؤلفاته

  • سراج الملوك
  • مختصر تفسير الثعالبي
  • شرح لرسالة الشيخ ابن أبي زيد القيرواني
  • الكتاب الكبير في مسائل الخلاف
  • كتاب الفتن
  • كتاب الحوادث والبدع