لماذا تدريس المناهج التربوية، باللهجة العامية، في الجزائر؟!





بقلم: سامي قاسمي*





هل الحكومة الجزائرية جادة في تدريس المناهج التربوية، باللهجة العامية، في الطور الابتدائي؟ ولماذا تم تسويق هذه الفكرة، في هذا الوقت بالذات؟ وهل إثارة القضية لمجرد إشغال الرأي العام في الجزائر؟ أليست الٌاشكالية مطروحة على مستوى مناهج بن زاغو، وليس على مستوى اللغة العربية؟ ولماذا ينحسر تعليم التخصصات العلمية في الجزائر، على اللغة الفرنسية بدلا من اللغة الانجليزية؟ وهل الحنين إلى الجزائر الفرنسية هو ما يمنع مسؤولينا من اعتماد لغة شكسبير؟


فوجئنا، كغيرنا من عموم الجزائريين، بخبر من وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط مفاده، أن أبناءنا لا يستوعبون مضامين المناهج التربوية، في الأطوار الأولى من التعليم الأساسي، والحل يتجه نحو التدريس باللهجة المحلية، لتفادي الصدمة المعرفية.


بلا شك نزل الخبر كالصاعقة، وأثار علامات استفهام كبيرة، عن دلالة التوقيت، والأهداف الخفية، التي تقف وراءه..!


نتفهم رغبة المشرفين على قطاع التربية، في تطوير المنظومة التربوية، بما ينسجم مع تطور طرق التعليم على المستوى العالمي، لكن ما لا نستطيع هضمه هو: كيف للَغة العربية، التي أنجبت جهابذة العلماء، عبر السنين، لا تستوعبها عقول الجيل الجديد؟ فهل المشكلة في اللغة العربية، أم في إصلاحات بن زاغو، التي دمرت قطاع التعليم، بشهادة أغلبية التربويين، ودفعت المستوى التعليمي إلى الانحدار؟!


عندما يتهكم رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال، على اللغة العربية، ويقلل من شأنها، زاعماً أنها لغة تنتج الشعر فقط، فإننا لا نستغرب أبدا الطرح الذي يسوقه مسؤولو وزارة التربية، الذي يتسق مع مشروع المستعمر الفرنسي خلال 132 سنة من احتلال الجزائر، والذي كان يخيِّر الأهالي بين الدارسة باللغة الفرنسية والعامية، في محاولة لتهميش اللَغة العربية، وطمسها من الذاكرة الجمعية.


فكرة تعويم اللغة في المناهج التربوية لصعوبة استيعابها، حجة لا تنطلي على أحد.. فهل يمكن للهجة العامية أن تنتج فكرا؟ والأهم من ذلك، هل اللهجات الجزائرية، رغم تنوعها، قادرة على استيعاب المعرفة ومفرداتها الدقيقة؟


الواضح، أن التيار الفرانكفوني يسعى بكل ما أوتي من قوة، لاستغلال حالة الفراغ الموجود، في هرم السلطة، لتمرير سياسته ومشروعه القديم والخبيث، لأنه يرى أن فرصته ذهبية، وقد لا تتكرر مرة أخرى..!


قد يفهم البعض أننا ضد الفرنسية، وضد تعليمها لأبنائنا، لكن العكس هو الصحيح، لأنها "غنيمة استعمارية" على حد قول كاتب ياسين، وندعو للانفتاح عليها، وعلى جميع اللغات الأخرى، لكننا نتساءل: لماذا يصر ساسة البلاد على تعليم الفرنسية، على نطاق واسع، بينما يجري تغييب اللغة الإنجليزية وهي لغة العلوم الحديثة؟!


شئنا أم أبينا، فإن اللغة الإنجليزية تفرض نفسها بقوة، ولا بد من إعطائها مساحة أكبر في عقول النشء، فهي اللغة الأكثر شيوعاً في العالم، ونسبة متحدثيها يفوق ٢٥٪ من سكان العالم، بينما لا تتجاوز نسبة متحدثي اللغة الفرنسية ٣٪، كما أن المحتوى الرقمي المنشور على الإنترنت بلغة شكسبير يتجاوز ٨٠٪، ما يؤكد صحة ما ندعو إليه.


إثارة موضوع التدريس باللهجة المحلية، في المدارس الجزائرية في الوقت الراهن، يراه البعض توظيفاً سياسياً، لأن تقاليد السلطة علمتنا أنها تثير موضوعا بعينه لإلهاء الشعب، وإفراد مساحات واسعة من التجاذبات حوله، لإبعاده عن مواضيع حساسة، ولعل قضية مرض الرئيس تأتي في مقدمتها.


لن نفاجأ أبداً بإقالة الوزيرة بن غبريط، والتضحية بها ككبش فداء، مع بداية الدخول الاجتماعي، لأن الذي دفعها لإعلان الطرح الجديد في التعليم، يريد تصوير الرئيس بوتفليقة على أنه يحكم بكامل طاقته، وأنه الحامي للدستور، والضامن لعدم التلاعب بالهوية الوطنية، وعلى رأسها اللغة العربية.


المطلوب اليوم من أعضاء الهيئة التدريسية، في عموم الجزائر، إجهاض هذه الأطروحات، كما ينبغي من مجلس الشعب، أن يستعيد دوره المعطل، في التصدي للمشاريع، التي تستهدف النيل من الثوابت الوطنية.



· سامي قاسمي
مذيع وصحفي جزائري