كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الفتنة
في غزة المصطلق حين سمع الرسول صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق بقيادة الحارث بن ضرار يجمعون له خرج إليهم
ما حدث أن عدداً من المنافقين خرجوا مع المسلمين حين كثرت انتصارتهم
وعلى الماء تدافع غلام عمر بن الخطاب " جهجاه "مع رجل من الأنصار
فصرخ الأنصاري" يا معشر الأنصار " وصرخ جهجاه" يا معشر المهاجرين
هنا كانت بداية الفتنة لكنها لما تشتعل بعد حتى أتى كبير المنافقين وأحد أبواق الشيطان ليشعل الفتنة بخطابه كما تشعلها اليوم القنوات الإعلامية
فقال عبد الله بن أبي سلول " سمن كلبك يأكلك أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"
كم منافق اليوم يشعل الحروب بين السنة والشيعة
كم من منافق يشعل الحروب الشعوب وقادتها
كما من منافق يقتل الإنسانية باسم الإنسانية والحرية
كم منافق اليوم يطالب بخروج المهاجرين والنازحين من المناطق التي احتموا فيها ؟
كم منافق اليوم يشعل الفتنة بكلمة يكتبها على الفيسبوك ليشعل الفتنة الطائفية ويمزق البلاد
كم من منافق يدعي الوطنية يطالب بتقسيم سوريا زعماً أنه يحمي منطقته وطائفته ؟
كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الفتنة التي اشتعلت وكادت تعمل السلاح في لحظة غضب
سارع عمر بن الخطاب إلى رسول الله وطالب بقتل كبير المنافقين عبد الله بن أبي سلول فقال له عليه الصلاة والسلام " فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ؟ لا ولكن أذن بالرحيل " وذلك في ساعة لم يكن وقت الرحيل.
إذن الدرس الأول أن لا نحارب الكلمة بالسيف لأن الناس لن تقول قتل كبير المنافقين بل ستقول قتل صاحبه الذي خرج معه في الغزوة
والدرس الثاني أن نشغل الناس بأمر آخر حتى يتغير الحال ويذهب الغضب ويكسر سيف الشيطان
لكن الرسول لم يكتفي بتغيير حال الناس بل أجهدهم بالسفر فمشى بهم يومهم حتى أمسى وليلتهم حتى أصبح وحين طلعت الشمس نزل الناس في منطقة وناموا من شدة التعب
وكانت غاية رسول الله صلى الهل عليه وسلم إشغال الناس عن القيل والقال وإبطال مفعول الإعلام فما إن تبيت الحادثة حتى يعود العقل لمكانه وقد كان
ونزلت سورة المنافقين يقول تعالى :
" يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، ولكن المنافقين لا يعلمون"
وجاء ابن عبد الله بن أبي سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يقوم بقتل والده
فماذا أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم :" بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا"
طالما أن المنافق كشف للجميع فلماذا نريق دمه رغم أنه كلمته كانت تريد إراقة الدماء
وقلب الوضع كلياً بعد ذلك فصار قوم عبد الله يعاتبونه ويعنفونه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب " كيف ترى يا عمر ؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له آنف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. فقال عمر : قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري"
القول الأخير لرسول الله صلى الله عليه وسلم يبين معنى السياسية في الإسلام ، وكيف يسوس القائد أمر رعيته وكيف يدرك
وكيف نتعامل مع الفتن وأعلامها لقد ترك الناس لتدرك أمر المنافق بالصبر ومرور الزمن، فعقل العامة لا يدرك حكمة عقل القائد وكان دور رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصل عقلهم للحقيقة ،وكيف لو كانت فتنة دموية يقتل المسلم أخيه المسلم لقاء تدافع رجلين، وحمية جاهلية يذكيها كبير المنافقين وكان يومها عبد الله بن أبي سلول و مثالها اليوم القنوات الفضائية وعلى رأسهم الجزيرة والعربية.


طارق شفيق حقي
المصدر
فقه السيرة النبوية للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي