الزواج في أوربا

طارق شفيق حقي


1- مقدمة
2- الأجواء السائدة في أوربا
3- نظرة الكنيسة للمرأة
4- الزنا كبديل عن الطلاق
5- قوانين الكنيسة في الزواج


مقدمة
يعد الزواج من أجمل الأفراح التي تمر بالإنسان، ويحتفي بها المجتمع كما لا يحتفي بشيء آخر، فيها تقام الدعوات وتنصب موائد الطعام ، وتزغرد النسوة و يبتهج الناس.
لكن الزواج كونه بداية علاقة إنسانية بقصد التقرب والحب والتكاثر بين ذكر وأنثى، ليس منفصلاً عن محيطه، كان عبر التاريخ ومازال.
فإذا كانت العلاقة بين الزوجين للحب والتناسل فهي تخص الجماعة كما تخص الفرد، لكن أن تصبح العلاقة بين الذكر والأنثى لمجرد الشهوة واللذة فترى المجتمع ينفض عنها ولا يكترث بها إلى حد بعيد، وهي إن كانت في إطار الشرعية والحلال، أما إذا كانت حراماً فهي زنا تنتهك شرف الفتاة وتلوث نسل العائلات وتجلب العار للفتاة وأهلها وتنشر الأمراض المدمرة، وترمي بمصير الطفل الحرام للمجهول والضياع، لذلك وعبر التاريخ حاربت المجتمعات بمختلف الوسائل الزنا وسنت مختلف أنواع العقوبات.

الأجواء السائدة في أوربا
بداية لنتعرف على الأجواء السائدة في المجتمع الأوربي، ولا بد من فهم أي علاقة إنسانية من فهم السياق التاريخي والحراك الاجتماعي في أوربا.
في فترة العصور الوسطى ساد الإقطاع والفروسية ، وسادت قوانين اجتماعية مختلفة عما كانت تسعى الكنيسة لتكريسه ، ومن هنا ولد الصراع الاجتماعي بين طرفين مارس لك منهما شكل من أشكال التطرف.
الإقطاع كان يعني تراكم المال، والمحافظة على الملكية والصراع الطبقي الاجتماعي مع العائلات الحاكمة الأخرى.
الفترة التي كانت الكنيسة تحكم فيها أوربا كانت فترة إقطاعية ، حيث انتشر الفرسان
وطغيانهم وبطشهم مع بعض قيم إيجابية لهم.
الناس في فترة العصور الوسطى تحللوا من كل تحضر ومدنية رغم أنهم كانوا طيبي القلب فكانوا يشربون حتى الثمالة، وفشي فيهم الزنا والجشع والصراع الاجتماعي.
يقول:" فريمان Freeman إن القرن الحادي عشر "كان عصراً فاسقاً"، ويقول تومس رايت Thomas Wright الأريب إن "مجتمع العصور الوسطى كان مجتمعاً فاسد الأخلاق فاجراً"

والزواج حيث أنه رابط مقدس بين طرفين، وقيمة عليا لدى الشباب، كان وليد هذا المجتمع ولا شك أن مظهر وسمة هذا المجتمع سينعكس على الزواج.
فكانت الملكية تحظى بتركيز بالغ الأهمية و" كان في وسع الطفل وهو في السابعة من عمره أن يوافق على خطبته، وكان هذا التعاقد يتم في بعض الأحيان ليسهل به انتقال الملكية أو حمايتها"
لذا كانت الفتاة تتزوج في سن مبكرة لغاية حماية الملكية لا بقصد الحب والانجاب وتكوين الأسرة فقط، وكمثال على ذلك زواج جراس صليبي،" لقد تزوجت جراس صليبي Grace de Saleby في الرابعة من عمرها بشريف عظيم يستطيع حماية ضيعتها الغنية، ثم مات هذا الشريف ميتة سريعة فتزوجت وهي في السادسة من عمرها بشريف آخر، وزوجت وهي في الثالثة عشرة بشريف ثالث ".
وكزواج فيكتوريا كولنا والمركيز بيسكارا Pescara وقد خطبت له وهي في الرابعة.

وبذلك الهدف – الحفاظ على الملكية- كثر الزواج في الأسرة الواحدة ، حتى فشت الأمراض الوراثية، فكان للكنيسة غاية بتدخلها يعاكس الغايات الدنيوية الاجتماعية، فهي من جهة تحث على الزواج من الأباعد، ويجب ألا يكون بين الطرفين صلة تصل إلى الدرجة الرابعة من القرابة- أي أنه يجب ألا يكون لهما جد مشترك في خلال أربعة أجيال ، كما حاربت تركز الثورة في أيدي عائلات بعينها، ولا نعرف إن كان هذا الهدف بداية الأمر للكنيسة هو غرض روحي أم له أبعاد تسلطية لكسر سلطة العائلات الحكامة التي يمتد نفوذها بحكم امتلاكها للمال فتفرض سلطتها التي قد تفوق سلطة الكنيسة أحياناً، خاصة و عرفنا أن الحروب الأهلية التي نشبت في فرنسا ودامت لثلاثين عاماً كان تأجج من قبل عائلات اقطاعية مالكة.

هذا الصراع بين طرفين ما لبث أن توسع مستقبلاً ليشهد قمة نجاح الكنيسة في توظيف قوة الفرسان والإقطاع وقطاع الطرق والقوى الغريزية نحو العدو الخارجي، بالإضافة للعوامل الخارجية كحصار أوربا من الشرق والغرب ، فاستطاعت الكنيسة أن تبسط سيادتها وشرعيتها المطلقة عبر اطلاقها للحروب الصليبية ضد العدو الخارجي ، فاستغلت العاطفة الدينية أيما استغلال وفاقت بذلك جشع الفرسان والإقطاعيين.
لكن قيود وقوانين الكنيسة أخذت تكبل الزواج أكثر فأكثر ، حيث بسطت الكنيسة سلطانها القانوني تدريجياً على كل خطوة من خطوات الزواج، من واجبات فراش الزوجية إلى وصية الزوج الأخيرة قبل الوفاة.
هنا نتلمس تراكب لمشاكل الزواج بعضها له أهداف دنيوية تحرف مسار الزواج عن غايته تستغل الزواج لغايات التملك والحفاظ على الإقطاع، والثاني يزيد الطينة بلة في تشديد القوانين لغايات تفسد علاقة الزواج الجميلة والخاصة، وتكبلها بقوانين الكنيسة التي ضاق بها الناس ذرعاً.
ولنعمق البحث في موضوع الزواج في العصور الوسطى علينا أن نتناول بعض الجوانب، بعد أن تناولنا البعد الاجتماعي وانعكاس غايات المجتمع التملكية على الزواج والصراع بين هذه الغاية وبين غاية وأهداف الكنيسة، وإن كان هناك أكثر من بعد لهذا الصراع كالصراع الدنيوي الديني، فغاية المجتمع عبر الأسر الاقطاعية من الزواج الحفاظ على الملكية ولو كانت زواج الفتاة في سن مبكر جداً، كما تولد نتيجة تجمع المال في يد أسر حاكمة ، أسر فقيرة ولا شك أن العوز والفقر منع شبان الفقراء من الزواج فتفشى الزنا لعدم تمكن الشباب من إشباع غاياتهم الجنسية عبر رابط الزواج، فأمعنت الكنيسة في التشدد بخصوص قوانين الزواج حتى عدت الزواج رابطاً مقدساً لا يمكن فصله إلا بشروط قاهرة كالخروج عن الدين أو الزنا.
- نظرة الكنيسة للمرأة :
"كانت نظريات رجال الكنيسة بوجه عام معادية للمرأة، فقد غالت بعض قوانين الكنيسة في إخضاعها، لكن كثيراً من مبادئ المسيحية وشعائرها رفعت من مكانتها. وكانت المرأة في تلك القرون لا تزال في نظر القساوسة وعلماء الدين كما كانت تبدو لكريستوم - (شراً لا بد منه، وإغواء طبيعياً، وكارثة مرغوباً فيها، وخطراً منزلياً، وفتنة مهلكة، وشراً عليه طلاء). وكانت لا تزال حواء مجسدة في كل مكان، حواء التي خسر بسببها الجنس البشري جنات عدن، وأداة الشيطان المحببة التي يقود بها الرجال إلى الجحيم. وكان تومس أكويناس، وهو في العادة رسول الرحمة، يتحدث عنها كما يتحدث الرهبان، فينزلها من بعض النواحي منزلة أقل من منزلة الرقيق:
إن المرأة خاضعة للرجل لضعف طبيعتها، الجسمية والعقلية معاً. والرجل مبدأ المرأة ومنتهاها كما أن اللّه مبدأ كل شيء ومنتهاه... وقد فرض الخضوع على المرأة عملاً بقانون الطبيعة، أما العبد فليس كذلك.. ويجب على الأبناء أن يحبوا آباءهم أكثر مما يحبون أمهاتهم"

- الزنا كبديل عن الطلاق
"كان رجال الطبقات الوسطى يدعون أن الزنا من الملاهي المشروعة ،ويلوح أن مكيفلي وأصدقاءه لم يكونوا يتحرجون عن تبادل الرسائل المفصحة عن خياناتهم لزوجاتهم.
وإذا ما ثأرت الزوجة لنفسها من زوجها فاقتدت به كان الزوج من الأحيان يتجاهل فعلها هذا ويحمل قرنيه راضياً. لكن تدفق الإسبان على إيطاليا عن طريق نابلي وبتشجيع الإسكندر السادس وشارل الخامس جاء إلى الحياة الإيطالية بالغيرة على العرض والشرف، فكان الزوج في القرن السادس عشر يرى من واجبه أن يعاقب زوجته بالموت إذا زنت في الوقت الذي يحتفظ فيه هو بميزاته الفرية الكاملة غير منقوصة.

وكان في وسع الزوج أن يهجر زوجته وأن ينعم مع ذلك بالحياة؛ أما الزوجة إذا هجرها زوجها فلم يكن أمامها إلا أن تطالب برد بائنتها، ثم تعود إلى بيت أهلها، وتعيش عزبة لأنها لم يكن يسمح لها بأن تتزوج مرة أخرى. وكان في وسعها أن تدخل الدير، ولكنه كان ينتظر منها في هذه الحال أن تهبه جزءاً من بائنتها. ويمكن القول بوجه عام إن الزنا كان يتخذ سلوى يستعاض بها عن الطلاق".


- تاريخيًا كانت القوانين الغربية تمنع الطلاق ولم يتغير ذلك إلا مع بداية فصل الدين عن الدولة واستحداث الزواج المدني. في القرن العشرين بدأت الدول ذات الغالبية الكاثوليكية في تشريع الطلاق قانونيًا منها إيطاليا (1970)، البرتغال (1975)، البرازيل (1977)، إسبانيا (1981)، الأرجنتين (1987)، جمهورية إيرلندا (1996)، التشيلي (2004) وكانت مالطا اخر الدول في العالم الغربي التي تمنع الطلاق وذلك حتى عام 2011. اليوم تبيح كافة الدول ذات الغالبية المسيحية الطلاق بإستثناء الفلبين والفاتيكان.




قوانين الكنيسة في الزواج
ونحن نقول قوانين الكنيسة لا قوانين المسيحية
- لا يجوز زواج أبناء العمومة المباشرين إلا بعد إذن خاص من السلطات الروحية العليا، ولظروف قاهرة. ولعلّ بعض الطوائف البروتستانتية هي الأكثر تساهلاً في هذا الخصوص

- تنظر المبادئ المسيحية للزواج على أنه علاقة أبدية. لذلك من الصعب الحصول على الطلاق نظرًا لكون الزواج عقدًا غير منحل، فقد فيّد القانون الكنسي حق الطلاق بعدة قيود لكن لم يصل إلى إلغائه، وظهرت أوضاع أخرى من التسهيلات كفسخ الزواج أو الهجر.

- ربما لا يجب التساهل في حقوق البشر وخاصة في موضوع حساس كالزواج، وكما هو الزواج حق للطرفين فالطلاق كذلك حق مشروع ، وأحد حلول نهاية التوافق بين الطرفين ، ولعل إحدى أشهر قضايا الطلاق في التاريخ الغربي قضية طلاق هنري الثامن ملك إنجلترا من كاثرين أراغون عام 1534 ما أدى إلى تأسيس الكنيسة الأنجليكانية وذلك بعدما رفض البابا ترخيص طلاقه

- تعدد الزوجات
رغم أن تعدد الزوجات عرف في المجتمعات القديمة، كما عرفته أوربا أيام الحروب وفرضته أحياناً بقوانين ، لكنها منعت تعدد الزوجات ، وخرجت أصوات تنادي بالخروج على هذه المبادئ ظناً أنهم فهموا كلام المسيح في الإنجيل بغير ما قصد فكان الاصلاح الديني على يد لوثر كنغ الذي يقول في هذا الموضوع :" إن الطلاق مأساة لا نهاية لها، ولعل تعدد الزوجات خير منه"

وبعد عام 1580 ارتأى لوثر وهنري الثامن وإرزم والبابا كليمنت السابع أن الزواج من امرأتين يمكن أن يرخص فيه تحت شروط معينة، وخاصة إذا كان بديلاً للطلاق. واتجه رجال الدين من البروتستانت شيئاً فشيئاً إلى إباحة الطلاق، وكان ذلك في أول الأمر بسبب الزنى فحسب، وكانت هذه الجريمة أكثر شيوعاً في فرنسا، على الرغم من عادة قتل الزوجة الزانية هناك.
"وكان الحب غير المشروع جزءاً من الحياة العادية للسيدات الفرنسيات ذوات المركز الاجتماعي المرموق. وكان البيت الذي يضم زوجاً وزوجتين أمراً مألوفاً كثيراً في فرنسا، مثال ذلك البيت الذي كان يضم هنري الثالث وكاترين دى مدينتشي وديان دى بواتييه، وكانت الزوجة الشرعية (المعقود عليها) ترتضي هذا الوضع في كياسة مرة ساخرة، كما يحدث أحياناً في فرنسا اليوم."
لكن ذلك تغير وفرضت الكنيسة سلطتها فرفضت تعدد الزوجات مما خلق مشاكل اجتماعية والتزم بها القانون الحديث العلماني الشكل.
فقوانين الزواج المدني الحديث تستلهم من القوانين الكنسية منع تعدد الزوجات، لكنها تبيح الطلاق كما أباحته الكنيسة البروتستنتية.
ولا يشترط الزواج المدني وجود ولي الأمر كما كانت الكنيسة تتراخى بداية الأمر كبديل عن الزنا.
ولا يشترط الزواج المدني الاشهار، لكن هذه القوانين تختلف من بلد أوربي لآخر، حتى إنها تختلف بين أوربا وأمريكا، ففي أمريكا لا مشكلة في ترافق الزواج المدني مع الطقوس الكنسية.
وفي بعض البلدان الأوربية يجرى الزواج الكنسي ثم المدني، لكن في فرنسا بلد التشدد والعنصرية فهي ترفض ذلك رغم أن الطقوس قد اختلفت كذلك في فرنسا.
وكمقارنة مع الدول الإسلامية فالمسلمون حالياً يعقدون عقد الزواج أو النكاح على يد شيخ دين، ثم يقومون بعقد زواج قانوني وليس مدني على يد قاضي الدولة، ورغم أن قاضي الدولة يزوج وفق الشرع الإسلامي ويثبت حقوق الطرفين قانونياً ،لكن جرت العادة أن يعقد عقد الزواج على يد شيخ بداية.
وهناك مذاهب إسلامية تبيح عقد الزواج دون حضور ولي الأمر ودون الإشهار، وحجتهم في تسهيل الزواج ، ولقد سألت أحد الشيوخ لماذا تزوج شاباً وفتاة دون علم أهلهما، فقال هما يخرجان سوية فإن لم أحلل العلاقة بينهما ستكون حراماً.
هذه الأمر فيه فلسفة وبحاجة لتقليب فتشدد بعض الفقهاء في موضوع ولي الأمر يحمي الفتاة من نزعات الهوى ويثبت حقها القانوني من مقدم ومؤخر فلا يتلاعب بها الشاب ويرميها لأسهل الظروف، فهي الأطروحة المثالية للزواج، لكن ما إن تختل قواعد وأطراف هذه المثالية سنكون بحاجة لرأي واقعي يتعامل مع القضية كما هي لا كما ينبغي، فهروب فتاة مع شاب بعيداً عن أهلها فإن لم يزوجهما شيخ دين ويعلن حسن نية الشاب بالفتاة ستكون الفتاة أمام مشكلة أكبر أمام أهلها ومستقبل مظلم ما لم يتم الزواج، وقد ترضى عائلته بالأمر الواقعي وتحتضن هذا الزواج وتحميه وما أكثر هذه الحالات، وهذه الحدود الفاصلة بين المدرستين فيها كلام يطول شرحه.
الزواج الاجتماعي الذي يحصل على رضى المجتمع يحظى بحصانة وقوة، فتتدخل الأطراف لحمايته ولدعمه وحل مشاكله، فيكون ابن المجتمع وحتى لو وصل للطلاق فالمجتمع يضمن حقوق الطرفين عبر عادات ترسخت لقرون .
وبمقارنة بسيطة بين الزواج الاجتماعي الشرعي، والزواج المدني نرى إن الزواج المدني أوهن من بيت العنكبوت فهو غير محصن لمحن الزمان ، وكون القانون يثبت حقوق الطرفين ولا ينظر للعلاقة الزوجية إلا من خلال المادة وما للزوج وما للزوجة حين الطلاق، فهو انعكاس للفكر الرأسمالي المادي ، فالعلاقة الإنسانية أعمق من المادة وكم زوجة تركت كل حقوقها لقاء حريتها من زوج ظالم بلا أخلاق، القوانين الرسمية لا تبني عائلات سعيدة.
بل بالعكس هذه الشروط المادية القانونية جعلت الشباب يعزف عن الزواج برمته في المجتمع الغربي، واستحدث الشباب الغربي علاقة جديدة وهي "المساكنة " كبديل عن الزواج، فكان الزنا بديلاً عن الزواج، حيث لم ير المجتمع العلماني من الزواج إلا الشهوة واللذة، لأن الشاب يعزف عن الارتباط خشية الشروط المادية التي تكبله لو أراد طلاق الفتاة، فالمساكنة بدون أي رابط أسهل وأجدى له، وبذلك كانت حجة الزواج المدني التي تبيح الزواج المتعدد بين كل الأديان، عائقاً حقيقياً واقعياً أمام زواج الشبان.

حتى تراجعت نسب الزواج في أوربا وكثرت الأمراض وقلت الخصوبة فصارت أوربا حقاً تسمى القارة العجوز لانخفاض أعداد الشباب فيها، لقد دمرت القوانين الأوربية العائلة وحولتها لأفراد ، وصار الفرد الخلية الأولى المكونة للمجتمع ، بينما كانت الأسرة هي الخلية الأولى المكونة للمجتمع.

" فليحيا الخاطبون" هذه هي حالة العلاقات اليوم، تمر أوروبا بأزمة انخفاض عدد الراغبين بالزواج.
"إن عبارة "نعم أريد" تُقال اليوم خمسمائة وسبعين الف مرة أقل مما كانت تقال منذ سبع عشرة سنة، على الرغم من ان عدد السكان زاد خمسة وعشرين مليون شخص. هذا الانخفاض في العدد في الزواجات، يقابله ارتفاع لا مثيل له في عدد المهاجرين في كل بلد، وبالتالي يزداد عدد الزواجات المختلطة، أو التي يقال لها "عالمية"، والذي تضاعف أربع مرات خلال العشر سنوات الأخيرة. يبقى الزواج مسألة معلقة في أوروبا كلها."

لقد خلقت الهجرات نحو أوربا واقعاً جديدة ، فهوية أوربا مهددة كما لم تهدد من قبل، ولهذا السبب ظهرت أصوات جديدة تنادي بالعودة للدين كهوية لأوربا وما كان ذلك إلا خوفاً من أسلمة أو أفرقة أوربا، كما ارتفعت الأصوات التي تنادي بحماية الأسرة لدعم الأسر الأوربية مقابل أسر المهاجرين الذي يتكاثرون بنهم.

قد ذكرت إحدى نشرات الأمم المتحدة الصادرة عام 1989م. تقريراً عن موقع أوروبا في الخريطة السكانية للعالم، تحت عنوان "سكان العالم في بداية القرن" جاء فيه صراحة: "إن أوروبا تذوب الآن كالجليد تحت الشمس، فسكان القارة الذين كانوا يمثلون نسبة 15،6 % من سكان العالم عام1950م. تراجعوا عام 1985م.، إلى ما نسبته 10،2 % فقط من سكان العالم. وهذه النسبة ستصل عام 2025م. إلى 6،4 % لا غير.

ولذلك شدد معهد السياسة العائلية على الضرورة الملحة لوضع ميثاق للأسرة الأوروبية، يعترف بحقوق العائلة في كافة المجالات، ويدعم ويحمي الأسرة وأفرادها، ويزيل العقبات من أمامها. عدد الزواجات في ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا وبولندا هو الأعلى في أوروبا وهو يشكل 67 بالمائة من عدد الزواجات في الاتحاد الأوروبي


تحريم الزواج من أرملة الأخ
- حاول هنري السابع إنعاش جهوده للتحالف بين إنجلترا وإسبانيا عن طريق المصاهرة؛ عرضه لزواج هنري أمير ويلز من أرملة أخيه الأمير آرثر، الأميرة الإسبانية كاثرين صغرى أبناء الملكين فرديناند الثاني ملك أراغون وإيزابيلا الأولى ملكة قشتالة. تطلب هذا الزواج إصدار موافقة باباوية تزيل موانع زواج أمير ويلز من أرملة أخيه؛ لوجود نص في سفر اللاويين "وإذا أخذ رجل امرأة أخيه فذلك نجاسة قد كشف عورة أخيه يكونان عقيمين"، من جانبها فقد أقسمت كاثرين أن زواجها من الأمير آرثر أبدًا لم يكتمل.



تحريم الزواج من الطوائف الأخرى

تمنع الكنيسة الكاثوليكية التزويج من أتباع الكنائس الأخرى

تمرد المجتمع على سلطة الكنيسة

وكان الملوك يفضلون قانون أسلافهم على قانون الكنيسة الصارم، وكان سادة الإقطاع وسيداته يعودون إلى القوانين القديمة فيطلق بعضهم بعضاً من غير إذن الكنيسة، ولم تبلغ الكنيسة في سلطانها واستمساكها بمقتضيات الذمة والضمير درجة من القوة تمكنها من تنفيذ قرارتها إلا بعد أن رفض إنوسنت الثالث أن يوافق على طلب الطلاق الذي تقدم به إليه فليب أغسطس ملك فرنسا القوي.




تمرد النظام الرأسمالي على الكنيسة
منذ حلت اقتصاديات المال محل النظام الإقطاعي حوالي عام 1500، ومنذ تملك الأغنياء الجدد السندات المالية أكثر مما تملكوا الأرض، وكانوا قليلاً ما يرون الأفراد الذين أفادوا من كدهم وعرقهم، فإن هؤلاء الأغنياء لم يكن لديهم من تقاليد المسئولية والكرم ما كان قد ذهب وولى مع الثروة القائمة على امتلاك الأرض. وكانت التجارة والصناعة في العصور الوسطى قد ارتضتا الضوابط الأخلاقية المتمثلة في توجيهات النقابات والمجالس المحلية والكنيسة، ولكن الرأسمالية الجديدة رفضت كل هذه القيود، وجرت الناس إلى منافسة عنيفة طوحت بالقوانين القديمة عرض الحائط . وحلت الحيل التجارية محل الموسومة بالتقي والورع. وضجت نشرات الإعلان في ذاك الزمان بالتحذيرات من غش الأطعمة وسائر المنتجات بالجملة.

الصراع الطبقي والاجتماعي بين مجتمع الاقطاع والكنيسة أخذ منحى جديد وهو في صعود رأس المال وتحول طرق التعامل الاقتصادية وتطور الصناعة والتجارة ، فالإقطاعي الذي كان يدير أرضه ويرعى عماله تحول لتاجر لا يرى أرضه ولا يعرف عماله ويكترث لأمرهم فزاد الجشع ، وزاد الفقر وزاد عدد الجائعين مع ازدياد أعداد الرأسماليين ، ورغم أن الاصلاح الديني على يد لوثر كان يدعو للإنفاق لكنه اعترف بضرورة تولي الدولة مسؤولية رعاية الفقراء عوضاً عن الكنيسة قد تكون هذه اللحظة من الاعتراف بداية انتقال السلطة من الكنيسة إلى الدولة حيث فشلت الكنيسة الجديدة وفشل الاصلاح الجديد في نشر القيم والأخلاق في المجتمع