فهم التاريخ من خلال فكرة " المعنى الحاضر والمعنى الغائب"

كثيراً ما نقف عن معاني الكلمات الظاهرية ولا نصل لجوهر المعاني الغائبة

سأنقل لكم أسطراً من حياة الإمام أبو حنيفة لنتعرف على المعنى الغائب :

"وقد اجتهد في الطلب ويبدو أن أول ما اتجه إليه علم النحو، ثم علم الكلام، ومناقشة

أهل الإلحاد والضلال، حتى بلغ فيه مبلغاً يشار إليه بالأصابع، ودخل البصرة أكثر من سبع

عشرة مرة، يناقش ويجادل، ويرد الشبهات عن الشريعة، ويدفع عنها ما يريد أهل الضلال

الإلصاق بها، وقد ناقش جهم بن صفوان حتى ألجمه وأسكته، وجادل الملاحدة، وناظر

المعتزلة والخوارج فألزمهم الحجة، بل جادل غلاة الشيعة وأخرسهم."انتهىكثيراً من المثقفين ينقلون كلام المستشرقين عن تاريخنا العربي الإسلامي، وكثيراً ما يتأثر من لا عمق له بكلامهم ويغدو شاتماً لتاريخهالشاهد بين أيدينا لنقف عند المعنى الغائب

أبو حنيفة النعمان بعد تبحره بالعلم أخذ يحاور ويناظر المذاهب الفكرية الأخرى

لقد ورد في النص أعلاه كلمة " جادل الملاحدة " فذلك يعني أن المجتمع الإسلامي لم يضيق على الناس بسبب أفكارهم ومعتقداتهم وحتى إلحادهم وهم كانوا يجاهرون بفكرتهم و يدافعون عنها بالحاور والمناظرة.

أبو حنيفة النعمان كان يناظر الملاحدة !!

واليوم لا يستطيع مسلم من ذات المذهب مناقشة مسلم آخر حول حديث أو مسألة ، أو فكرة سياسية ولقد انقسم المجتمع سياسياً وتلاطمت أمواج الحقد والكره لقضية سياسة من حق الناس الاختلاف عليها لكنهم لا يملكون قنوات للحوار المناظرة كما كان الأقنية الحوارية أيام أبو حنيفةبل لو وقفنا عند مناظرته للمعتزلة والخوراج


الخوراج بقول عموم أهل الأمة أنهم أفسدوا وسفكوا الدماء وقتلوا الإمام علي بن أبي طالب واليوم أحفادهم يعيثون فساداً في البلاد

قام أبو حنيفة النعمان بمناظرتهم والحوار معهم ، وإن كان أقنع فئات منهم أو لم يقنع، لكنه أثبت لغيرهم خطأهم وفشلهم الفكري وكان شاهداً عليهم أمام الله.
كما يثبت النص بالحرية المنقطعة النظير التي كانت تعتمر صفحة من صفحات تاريخنا

في حمام الدم الذي نعيشه اليوم لطالما قلت لماذا لا نفتتح إذاعة أف أم للوصول لكل متشدد دخل سوريا أو خارجها لتنوير بصيرته، كنت كمن يغرد خارج السرب
ونحن اليوم وبعد كل هذا الوقت لا زالنا بحاجة لهذه القنوات لفضح غلو هذه الفرق و جهلهم باللغة العربية قبل أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وآيات القرآن الكريم

- و جاء في آخر النص أنه حاور غلاة الشيعة وأخرسهم.

لم يقل الناقل حاور الشيعة ، بل قال غلاة الشيعة

وكما إنه حاور غلاة السنة كالخوراج فهو كذلك حاور غلاة الشيعة

و غلاة الشيعة كانت لهم الحرية في طرح أفكارهم ، ومحاورة الناس عليها.

فهل لدينا اليوم منابر للحوار والمناظرة ، أم لدينا قنوات طائفية تحرض على القتل والذبح والتكفير

الحوار غير أنه هواء نقي تتنفسه الصدور الحرة، فهو علامة حضارية ونقطة مضيئة بتاريخ هذه الأمة التي جهد أعدائها على تسليط الضوء على نقاطها السوداءالحوار يخفف وطئة التشدد ، ويكشف حقائق الأفكار للناس، إنها حضارة الحوار وحضارة المناظرة

والنقطة الأخيرة التي نسلط عليها الضوء من خلال المعنى الغائب، هي أن الإمام توجه لتعلم النحو ثم علم الكلام قبل أن يتعلم الفقه والتفسير وعلوم القرآن والحديثواليوم أئمة الضلال يفتون بقتل الناس وهم أجهل الناس بلغة الرسول صلى الله عليه وسلم ولغة القرآن الكريم

ولقد ضربت أمثلة عن قصور الفهم اللغوي الذي يؤدي للقصور في فهم معاني الدين

كفهم أئمة الضلال الداعين لهدم الأضرحة وقبور الأنبياء بحجة استشهادهم بحديث " لعن الله اليهود و النصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد "

فشيخ لا يميز أن كلمة مساجد من مسجِد بكسر الجيم لا من مسجَد

ثم يقوم بدعوة طلابهم لهدم هذه الأضرحة

لقد ضلوا وأضلوا

ولا شك أن فك طلاسم التشدد لا بد أن ينطلق من تعلم اللغة العربية.

والحمد لله رب العالمين

طارق شفيق حقي