* المقامة القلاّتيّـــــة
بقلم: البشير بوكثير
إهداء: إلى روح أستاذنا الكبير، اللغوي النحرير، والسلسال الغزير الدكتور "إبراهيم قلاتي" أرفع هذه التأبينية .
ركبت قلوصي الشهباء، واخترقت النجود الوعراء، قاصدا زاوية سيدي أحمد بن سليمان، لملاقاة الصحب والخلان، في تابينية فارس البيان والتبيان، شيخنا الفقيد، وعالمنا الفريد، وعقدنا الفريد، ولؤلؤنا النضيد ، وبلبلنا الغرّيد "سي إبراهيم قلاتي"، الذي أبكى طروسي ودواتي، وشحذ همّتي ولهاتي، فتدفّق ماءُ دجلتي وفراتي، بمعانٍ أضاءت قنديلي ومشكاتي، وهدهدتْ آهاتي وزفراتي.
وصلت زاوية سيدي أحمد بن سليمان، عامرة البنيان، وطيدة الأركان، وقد أشرق وهجُ المكان، وفاح بآي القرآن، وتهافت المريدون والفتيان ، لينهلوا ماء قراحا يغسل الأدران، ويُطهّر الروح والوجدان، وفاء وتخليدا لذكرى فارس الفرسان، وجهبذ الزمان، الزاهد العابد، الذي هجر الكرى والمراقد، فكان الراكع الساجد، والشيخ الفاضل الماجد .
قلتُ لشيخ الزاوية الميمونة ، والجوهرة المصونة : حدّثني عن شيخكم "سيدي أحمد بن سليمان" ، تذكرةً وشحذا لذاكرتي من داء النسيان.
قال : يا بشير الخير اسمع منّي ، ولاتُخيّبْ فيك ظنّي:
هو الجد الأكبر لقبيلة " ريغة"، الأصيلة الفصيحة البليغة ، والضّاربة في عمق التّاريخ والسّيادة، حازت الجاه والقيادة، فلم تعرف الخيانة ولا "الشّياتة " ، فهي مزيج من بربر صنهاجة وبربر زناتة ...
صَهر الإسلام منهما المعدن الأصيل، وهيّأهُما لكل أمرٍ جليل ، ونصر بهما ربُّ الأنام ، شوكةَ الإسلام ، عبر الحِقب والأزمان والأيام .
فسيدي أحمد بن سليمان ، من خيرة بني قحطان، فأصله من سيدي عقبة فاتح البلدان، وباني القيروان...
هنا صدحتْ حناجرُ النّاس بآي القرآن ، في كلّ وقتٍ وآن ، وحطّتْ قوافل الطّلاّب و"القدادشة " من كلّ مكان ، تترنّم بعطر سيّدِ "بني عدنان".
قلتُ: هاقد أحضرتُ طروسي ودواتي، فحدّثني عن الأستاذ "إبراهيم قلاتي" الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، وكان مِلءَ السمع والبصر والإحساس:
قال:
هواللغوي السّميذعي، والأديب اللوذعي، والمربّي الألمعي، والأستاذ الأروعي، العلاّمة الأمجد، والنّسّاجة الأوحد، ملكَ فصاحةَ اللسان، ونصاعة البيان، وقوّة الجنان، وقطعية البرهان، حتى ضاهى سِحرُه بلاغةَ سحبان ، وبَزّ نبوغُه مصاقعة هذا الزّمان.
صَدَحَ باسمه الوجود، وشَدا بمناقِبه الصّبيُّ والمولود، حتى كاد ينطق الجُلمود، وتلك أعماله كلّها عليه شهود .
نافح َعن حِمى الوطن والطّين، مثلما ذَبَّ عن بيْضةِ الدّين، بآيِ الذّكرِ المبين، بعدما ولّى البعضُ القَهْقرى، وأدبرَ جُلُّهُم وجرى ، وآثرَ سوادُهم السّلامةَ والرّجوع َإلى الوَرَا... لكنّه ماعرفَ يوما القهقرى، بل هتفَ في الورَى : "رُوحي فِـــدى الجزائر حتّى أُوَسّدَ في الثّرى".
فقد مرّتْ به ريحٌ هوجاء، وعقبةٌ كأْداء، وعواصف وأنْواء، لكنّها زادتْه شموخا وإباء، ولاغرو ...فهو الصّامد الثّابت ، الذي يقتبسُ العّزّ النّابت، من "زيد بن ثابت"، والإيمان والإشعاع، من "المُثنّى" و"القعقاع".
للعلماءِ الأطهارِ أسْرار، وخلوات في الفلوات في الأصائل و في الأسْحار، ووِرْدُ عزيمةٍ وإصرار، على الانتصار، مهما كلّفهم ذلك من جهد وإصرار.
وهكذا كان ديدنُه وهو يسكبُ الروح والأعمار، من أجل بناء العقول والإعمار.
وسلْ مدينة الأجواد ، والأشراف الأمجاد "عين ولمان"، قلعة العلم والجهاد، عن فارس الوهاد، وعالم النّجاد، ورمز المصاقعة الأمجاد، والصِّيد الأجواد، فستُجيبك على الفَوْر : إنّه سي إبراهيم قلاتي" الأسد الهصور، والدّاعية الجَسور ، بل الجبال حين تَمور، ذاك الفتى ديْدنُه البكور قبل كلّ سحور ،مستفتحا يومه بـ " والطّور وكتاب مسطور في رقّ منشور" .
عرفته جامعة سطيف، عالي الهمّة باذخ النّيف، كما عرفته جامعةُ قسنطينة، عبقريةً فريدة رصينة، وقامةً علمية متينة، وعرفته جمعيةُ العلماء، فصيحَ الفصحاء، وبليغ البُلغاء، يناطح بتواضعه وعلمه الجوزاء، فيحبّه الكبار والصغار على السّواء.
ولله درّ شاعر الشعراء:
هيهات لايجود الزّمان بمثله* إنّ الزّمان بمثله لبخيل
رأس الوادي يوم الجمعة 24 رجب 1435هـ /23 ماي 2014م