الرد الحادي عشر :-
. وفي معرض الرد على من قال أن الرسول لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه يوم ولادته وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر نورد ما يلي:
أولاً: قال الأستاذ البشير المحمودي: ( تحدث العلامة محمد بن عبد الله ابن الحاج الفاسى القيرواني التلمساني المالكي (ت 714 هـ) في كتابه المدخل عن تعظيم شهر ربيع الأول وحث على تكريمه و احترامه و الإكثار من فعل الخيرات، فيه لأنه وقع فيه مولد الرسول ، شكرا لله على أن أولانا هذه النعمة العظيمة، و ذكر إشارة الحديث النبوي إلى فضيلة يوم ولادته و شهرها بقوله لمن سأله عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذاك يوم ولدت فيه" ) انتهى.
وكذلك يقول الإمام عز الدين ماضي أبوالعزائم والشيخ الدكتور محمد علوي المالكي: (أنه كان يعظّم يوم مولده، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه، وتفضّله عليه بالوجود لهذا الوجود، إذ سعد به كل موجود، وكان يعبّر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في الحديث .. وهذا في معنى الاحتفال به إلا أن الصورة مختلفة ولكن المعنى موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام أو اجتماع على ذكر أو صلاة على النبي أو سماع شمائله الشريفة ) انتهى.
ثانياً: لا فرق بين الاحتفال بيوم الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام على أنه يوم المولد النبوي الشريف وبين صيام يوم الاثنين من كل أسبوع لأنه يوم مولده فالعبرة بأصل الاحتفاء بيوم مولده كما يفهم من الحديث.
ثالثاً: إذا كان الاعتراض على تخصيص يوم المولد النبوي الشريف بالصيام فلا مانع من ذلك شرعاً لأن صيام التطوع جائز في كل وقت عدا الأيام المنهي عنها وقد تم الكلام على ذلك عند الحديث على قضية التخصيص.
رابعاً: إذا كان الاعتراض هو على عدم التأسي بالنبي في كيفية احتفاله بيوم الاثنين يوم مولده وذلك بصيام الاثنين من كل أسبوع فنقول في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه؛ فقالت له عائشة رضي الله عنها: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: (أفلا أكون عبدا شكورا). فقد كان شكره لربه على ما أنعم عليه ليس كشكر أحدنا فقد كان يقوم من الليل كما في الحديث السابق حتى تفطر قدماه كيف وهو كما قال عن نفسه : ( أما والله إني لأتقاكم لله وأشدكم خشية له ) وكذلك كان في صيامه ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان. وكذلك سائر عباداته فلا تقاس عليها عبادة أحد من سائر المسلمين فقد أوتي من الجهد والطاقة ما يعينه على ذلك فهو سيد أولي العزم من الرسل والخلق أجمعين ويؤكد هذا المعنى ما ورد عن سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه وأرضاه قال: قال رسولُ الله : "لا تُوَاصِلُوا، قالُوا فإِنّكَ تُوَاصِلُ يا رسولَ الله قال: إِنّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إِنّ رَبّي يُطْعِمُني ويَسْقِيني".
فمن وسعه صيام الاثنين من كل أسبوع أو من كل شهر فبها ونعمة ومن لم يسعه إلا صيام يوم مولده الذي يصادف الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام فإن الله تعالى يقول " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " والرسول الكريم يقول: " اتقوا الله ما استطعتم " وما لا يدرك كله لا يترك كله بل من لم يستطع صيام ذلك اليوم كلية فلا إثم عليه لأن صيام التطوع نافلة وليس بفرض ولكن التطوع بالنوافل مما يحبه الله تعالى، ويقرب إلى رضوانه. وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري: ( ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ).
خامساً: قال الشيخ سعيد حوى: ( من المعروف أن ابن الحاج في مدخله كان من أشد الناس حربا على البدع، ولقد اشتد رحمه الله بمناسبة الكلام عن المولد على ما أحدثوه فيه من أعمال لا تجوز شرعا من مثل استعمال لآلات الطرب، ثم قال: فآلة الطرب والسماع أي نسبة بينهما وبين تعظيم هذا الشهر الكريم الذي من الله تعالى علينا فيه بسيد الأولين والآخرين. فكان يجب أن يزاد فيه من العبادات والخير، شكرا للمولى سبحانه وتعالى على ما أولانا من هذه النعم العظيمة، وإن كان النبي لم يزد فيه على غيره من الشهور شيئا من العبادات، وما ذاك إلا لرحمته بأمته ورفقه بهم، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترك العمل خشية أن يفرض على أمته رحمة منه بهم، كما وصفه المولى سبحانه وتعالى في كتابه حيث قال: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) لكن أشار عليه الصلاة والسلام إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله عليه الصلاة والسلام للسائل الذي سأله عن صوم يوم الإثنين، فقال له عليه الصلاة والسلام: (ذلك يوم ولدت فيه) فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي ولد فيه. فينبغي أن نحترمه حق الاحترام، ونفضله بما فضل الله به الأشهر الفاضلة، وهذا منها لقوله عليه الصلاة والسلام: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" ولقوله عليه الصلاة والسلام: "آدم ومن دونه تحت لوائي". وفضيلة الأزمنة والأمكنة تكون بما خصها الله تعالى به من العبادات التي تفعل فيها لما قد علم أن الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها الشرف بما خصت به من المعاني. فانظر رحمنا الله وإياك إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الإثنين، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم، لأنه ولد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به وذلك بالاتباع له في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات. ألا ترى إلى ما رواه البخاري ـ رحمه الله تعالى: "كان النبي أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان" فنتمثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا ) انتهى.
سادساً: وأما ما ذكره المنكرون حول ما يتعلق بالمولد النبوي الشريف من اختلاف الروايات حول تاريخ مولده فصحيح أنه اختلف في تاريخ مولده كما ذكر المباركفوري في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: (قال ابن الجوزي في التلقيح: اتفقوا على أن رسول الله ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك لولادته على أربعة أقوال أحدها أنه ولد لليلتين خلتا منه، والثاني لثمان خلون منه، والثالث لعشر خلون منه، والرابع لإثنتي عشرة خلت منه) انتهى.
إلا أنه في البداية والنهاية لابن كثير ذكر عدة أقوال في تاريخ مولده منها مايلي: ( وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عثمان عن سعيد ابن مينا عن جابر وابن عباس قالا ولد رسول الله عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الاول وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات فيه انقطاع وقد اختاره الحافظ عبد الغني بن سرور المقدسي في سيرته وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم ) انتهى.
وفي السيرة النبوية لابن هشام: ( قال: حدثنا أبو محمد عبد الملك ابن هشام قال: حدثنا زياد بن عبد الله البكائي محمد بن إسحاق قال: ولد رسول الله يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل ) انتهى.
والإمام المناوي ذكر في فيض القدير شرح الجامع الصغير: ( الأصح أنه ولد بمكة بالشعب بعيد فجر الاثنين ثاني عشر ربيع الأول عام الفيل ولم يكن يوم جمعة ولا شهر حرام دفعاً لتوهم أنه شرف بذلك الزمن الفاضل فجعل في المفضول لتظهر به على رتبته على الفاضل ونظيره دفنه بالمدينة دون مكة إذ لو دفن بها لقصد تبعاً ) انتهى.
ولو لم يصح ما ذهب إليه الجمهور من ترجيح كونه يوم الثاني عشر من ربيع الأول وهو ما عليه المسلمون منذ قرون إلى يومنا هذا فهذا لا يغير من الأمر شيء إذ ليست هناك عبادات مخصوصة بهذا اليوم بما يجب معه تحري تاريخ هذا اليوم بعينه بما يبطل معه الاحتفال في غيره إذ العبرة بأصل الاحتفال والسرور بذكرى يوم مولده لا بموافقة ذات اليوم على الحقيقة كما هو الحال في تحري ليلة القدر. أرأيت لو أن زوجين قد اعتادا على أن يحتفلا بعيد زواجهما في كل عام ثم اتفق أن وافق في ذلك اليوم ما يشغلهم عن الاحتفال به فاتفقا على الاحتفال في يوم آخر أيغير هذا من قيمة الاحتفال بالذكرى وفرحتها وخصوصيتها في شيء؟!!.
وإذا أخذنا بالقول بخصوصية هذه الليلة على التعيين وأن لها بركة مخصوصة وفضلاً وشرفاً بما شرفها الله تعالى بمولده ( وقد ذهب الحافظ ابن حجر إلى ذلك استدلالاً من صوم عاشوراء شكراً لله على نصره لسيدنا موسى عليه وعلى رسولنا أفضل وأزكى وأتم التسليم وإغراقه فرعون فقال: ( وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء ) انتهى.
) كان هذا أدعى لالتماس بركة هذا اليوم في كامل شهر الربيع - أخذاً بالأحوط في الخلاف الدائر في تاريخ مولده إذ الخلاف محصور في هذا الشهر والقول بولادته في غير هذا الشهر قول مطروح عند أهل التحقيق - لا إلى ترك الاحتفال بالكلية.
____________________________
الرد الثاني عشر :-
. في معرض الرد على ما قيل حول قصة عتق ثويبة نورد ما يلي:
أولاً: قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: ( وذكر السهيلي وغيره إن الرائي له هو أخوه العباس وكان ذلك بعد سنة من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر وفيه أن أبا لهب قال للعباس انه ليخفف علي في مثل يوم الاثنين قالوا لأنه لما بشرته ثويبة بميلاد ابن أخيه محمد بن عبدالله أعتقها من ساعته فجوزي بذلك لذلك) انتهى.
ثانياً: يقول الشيخ الدكتور محمد علوي المالكي: ( والحاصل أن هذه القصة مشهورة في كتب الأحاديث وفي كتب السير ونقلها حفاظ معتبرون معتمدون مثل الإمام عبد الرزاق الصنعاني والإمام البخاري والحافظ ابن حجر والحافظ ابن كثير والحافظ البيهقي وابن هشام والسهيلي والحافظ البغوي وابن الديبع الشيباني صاحب جامع الأصول والإمام الأشخر والعامري ويقول في ذلك الحافظ شمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي:
إذا كان هذا كافـراً جاء ذمـه بتبّت يداه في الجحيم مخلّدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائـمـا ***** يُخفّف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي كان عمره ***** بأحمد مسرورا ومات موحّدا
ويكفي في توثيقها كون البخاري نقلها في صحيحه المتفق على جلالته ومكانته وكل ما فيه من المسند صحيح بلا كلام حتى المعلقات والمرسلات فإنها لا تخرج عن دائرة المقبول ولا تصل إلى المردود وهذا يعرفه أهل العلم المشتغلون بالحديث والمصطلح والذين يعرفون معنى المعلق والمرسل ويعرفون حكمها إذا جاءت في الصحيح. ثم إن هذه المسألة من المناقب والفضائل والكرامات التي يذكرها العلماء في كتب الخصائص والسير ويتساهلون في نقلها ولا يشترطون فيها الصحيح بالمعنى المصطلح عليه.
أما قول من قال: إن هذا الخبر يعارض قوله تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " فتحرير الكلام في هذا المقام هو أن الآية تدل على أن أعمال الكفار لا ينظر إليها وليس فيها أنهم سواء في العذاب وأنه لا يخفف عن بعضهم العذاب كما هو مقرر عند العلماء وكذلك الإجماع الذي حكاه عياض بقوله (انعقد الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب وإن كان بعضهم أشد عذاباً من بعض) فإنه في عموم الكفار وليس فيه أن الله تعالى لا يخفف العذاب عن بعضهم لأجل عمل عملوه ولهذا جعل الله تعالى جهنم دركات والمنافقون في الدرك الأسفل منها. ثم إن هذا الإجماع يرده النص الصحيح وذلك إنه ثبت في الصحيح أن رسول الله سئل: هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويدافع عنك؟ فقال: وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح منها.
فالتخفيف عن أبي لهب من هذا الباب أيضا لا منكر فيه والحديث يدل على أن الآية المذكورة فيمن لم يكن لهم عمل يوجب التخفيف وكذلك الإجماع. وأما قول من قال: إن هذا الخبر رؤيا منام لا يثبت بها حكم فإن هذا القائل هداه الله إلى الصواب لا يفرق بين الأحكام الشرعية وغيرها أما الأحكام الشرعية فإن الخلاف واقع بين الفقهاء: هل يجوز أخذ الأحكام وتصحيح الأخبار برؤيا رسول الله في المنام أم لا؟ وأما غيرها فإن الاعتماد على الرؤيا في هذا الباب لا شيء فيه مطلقاً.
وأما قول من قال إن الرائي والمخبر هو العباس في حال الكفر والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم فإن هذا قول مردود لا رائحة للعلم فيه وهو باطل ذلك لأنه لم يقل أحد أن الرؤيا من باب الشهادة مطلقاً وإنما هي بشارة لا غير فلا يشترط فيها دين ولا إيمان بل ذكر الله تعالى في القرآن معجزة يوسف عليه السلام عن رؤيا ملك مصر وهو وثني لا يعرف ديناً سماوياً مطلقاً ومع ذلك جعل الله تعالى رؤيته المنامية من دلائل نبوة يوسف عليه السلام وفضله وقرنها بقصته ولو كان ذلك لا يدل على شيء لما ذكرها الله تعالى لأنها رؤيا مشرك وثني لا فائدة فيها لا في التأييد ولا في الإنكار.
والعجب كل العجب من قول القائل: إن العباس رضي الله تعالى عنه رأى ذلك في حال كفره والكفار لا تسمع شهادتهم ولا تقبل أخبارهم فإن هذا القول يدل على عدم المعرفة بعلم الحديث إذ المقرر في المصطلح أن الصحابي أو غيره إذا تحمل الحديث في حال كفره ثم روى ذلك بعد إسلامه أخذ ذلك عنه وعمل به ) انتهى بتصرف.
ولا نضيف على هذا سوى الرد على من احتج بقوله تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " سببا في رفض قصة ثويبة فنقول إن الاحتجاج بالآية مردود لأنها تتحدث عن الحساب يوم القيامة وفي ذلك يذكر الإمام جلال الدين السيوطي في كتابه الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ( وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال: هو الكافر يعطي كتابه يوم القيامة فينظر فيه فيرى فيه كل حسنة عملها في الدنيا، فترد عليه حسناته، وذلك قول الله تعالى: " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا " (سورة الفرقان الآية 23) فأبلس واسود وجهه، وأما المؤمن فإنه يعطى كتابه بيمنيه يوم القيامة فيرى فيها كل خطيئة عملها في دار الدنيا ثم يغفر له ذلك وذلك قول الله: " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات " (سورة الفرقان الآية 70) فابيض وجهه واشتد سروره ) انتهى.
أما قصة ثويبة فيفهم منها أنه يخفف عنه في القبر أي يخفف عنه من عذاب القبر وهو ما لا تتعلق به الآية ويؤيد هذا المعنى من جواز تخفيف عذاب القبر على الكافر ما ذكره السيوطي في تفسيره حيث قال: (وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: ينامون نومة قبل البعث، فيجدون لذلك راحة فيقولون " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ".
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه في الآية قال: كانوا يرون أن العذاب يخفف عنهم ما بين النفختين، فلما كانت النفخة الثانية، قالوا " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ") انتهى .
كما يفهم من القصة أن هذا التخفيف هو كرامة للمصطفى وليس لفعل أبي لهب في حد ذاته، وعليه يمكن تفسير القصة بما لا يتعارض مع الآية على أن تخفيف الله تعالى للعذاب عن أبي لهب في كل يوم اثنين هو تفضل منه سبحانه وتعالى وكرامة منه لنبيه وإلا فإن عمل أبي لهب في حد ذاته في ميزان عدل الله تعالى هباء منثور.
وفي صحيح مسلم والبخاري وغيرهما عن النبي (لن ينجي أحدا منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ ! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه) فالذي خفف عن أبي لهب في قبره هو ليس عمله حتى يحتج بالآية بل رحمة الله تعالى وتفضله وكرامته لنبيه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله تعالى أعلم.